كارم يحيى يرصد آخر تطورات الوضع التونسي:عن الاحتجاجات وخلافات التشكيل الحكومي.. فصل جديد في تجرية الثورة والديمقراطية

38 حزبا ومنظمة وجمعية تدعو لمظاهرات لمقر البرلمان خلال انعقاد جلسة التصويت على منح الثقة للتعديل الحكومي

آثار مقتل أول مواطن في تونس بعد الثورة بيد الشرطة أصبح أمرا له وقعه الكبير “ولو تعلمون خطير “

ما يجري اليوم في تونس فصل في تجربة الثورة والديمقراطية، يستحق المتابعة في عموم العالم العربي، وببساطة ما يجري وسيجري بمثابة “الخيال” و “الفاكهة المحرمة” في كل المجتمعات العربية الأخرى المحكومة باستبداد وفساد جنرالات العسكر  وملوك وأمراء العائلة والقبيلة.

38 حزبا ومنظمة وجمعية مجتمع مدني مهمة دعت إلى مظاهرات تنطلق من الأحياء الشعبية بالعاصمة إلى مقر البرلمان بباردو، خلال انعقاد جلسة النقاش والتصويت على منح الثقة لوزراء تعديل حكومة هشام المشيشي (11 وزيرا) للمطالبة بإطلاق الموقوفين في  موجة الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة وباعتماد منوال تنمية مختلف عما هو متبع منذ عقود.

مساء أمس سقط أول ضحايا وشهداء المواجهات المستمرة منذ 15 يناير الجاري بين المحتجين وقوات الأمن (هيكل الراشدي) جراء قذيفة غاز مسيل للدموع في احتجاجات مدينته “سبيطلة” في ولاية القصرين الداخلية المجاورة مباشرة لسيدي بوزيد مهد الثورة التونسية والربيع العربي.

سقوط مواطن واحد في تونس بعد الثورة بيد الشرطة أصبح أمرا له وقعه الكبير “ولو تعلمون خطير ” ( على خلاف قيمة الإنسان/ المواطن في بقية انحاء العالم العربي).

 وعلى مدى احتجاجات الأيام الماضية هناك من جهة اتجاه بين الرأي العام بتونس يندد بانتهاكات الشرطة ويتهمها بالعودة إلى أساليب وممارسات “الدولة البوليسية” في التصدي للمظاهرات سواء في الأحياء الشعبية والمدن المختلفة او في قلب العاصمة ومرآتها “شارع الحبيب بورقيبة”.

ومن جانب آخر هناك اتجاه يتهم الاحتجاجات والمحتجين ومن يساندونهم (خاصة أحزاب اليسار التي خسرت الانتخابات البرلمانية الماضية خريف 2019، ومعها أحزاب وحركات قومية واخرى معارضة لحكومة المشيشي) بأنها تحولت إلى أعمال تخريب وسلب ونهب للمتلكات العامة والخاصة، وأنها “احتجاجات دون شعارات مطلبية اجتماعية أو سياسية)، مع استغلال الصبية المراهقين أقل من 18 سنة في أعمال العنف.

رئيس الجمهورية قيس سعيد دعا لاجتماع لمجلس الأمن القومي مساء أمس، انعقد وجرى بث كلمته على الهواء مباشرة مهاجما تصرفات رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومعلنا اعتراضه ورفضه على حلف وزراء في التعديل لليمين بل وعرض التعديل على البرلمان بالأصل.

تحدث صراحة عن وزير مرشح متهم بقضية فساد متداولة، و3 آخرين تتعلق بهم شبهات تعارض مصالح (علما بأن المجتمع المدني ومنظماته هو الذي عمل على التدقيق في سمعة الأسماء المرشحة لتولي الوزارات وكشف هذه المعلومات بعد توثيقها عبر وسائل اعلام حرة متعددة خلال الأيام الماضية وبعد أيام معدودة إعلان أسماء  الوزراء المرشحين في التعديل الحكومي الجديد).

 الرئيس قيس سعيد ـ مع أن أفكاره وأدائه محل جدل وخلاف علني مفتوح في وسائل الإعلام بما في ذلك العمومية المملوكة للدولة ـ انتقد أيضا تعيين رئيس الحكومة لنفسه وزيرا للداخلية بالنيابة حتى إقرار التعديل الوزاري.

 سعيد أرسل برسالة تعاطف واضحة للشباب المحتج على البطالة والتهميش في الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية، مستنكرا أيضا المتاجرة بمعاناتهم (لصالح الثورة المضادة  وقواها)، كما كشف صراحة عن هناك من داخل مؤسسات الدولة من عرقل استرداد الأموال المنهوبة (من عصابة نظام بن على وأسرته).

استشهد  غير مرة ببورقيبة، وانتقد علنا خلو التعديل الوزاري الجديد من أي امرأة، فيما يمكن وصفه برسالة لنساء تونس كي ينزلن بثقلهن إلى الاحتجاج على حكومة التكنوقراط المستقلين وحلفائها في البرلمان ( طخاصة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بالأساس).

أظهر سعيد نفسه مدافعا عن الثورة التونسية، وضد من حكموا على مدى عشر سنوات ولم يحققوا أهدافها وتصالحوا مع رموز  النظام القديم، قال مثلا: “يكفي ما عشناه لعشر سنوات، احترمنا المقامات والمؤسسات ولكن لدي من الوسائل القانونية لحماية الدولة والثورة والشعب التونسي”، وكالعادة أشار للثورة بتاريخ 17 ديسمبر 2010 انحيازا لتونس الداخل والاعماق ولما يعتبره اتجاه في الشارع التونسي أن 14 يناير 2014 كان انقلابا على الثورة بتسليم السلطة وإلى اليوم لبقايا نظام الطاغية بن على (مع تحالفات بين حين وآخر مع النهضة المتصالحة معهم).

 مايجرى في تونس يستحق المتابعة، ثمة مشكلة ومخاطر في “الماضوية” والاختلاط بين الثوريين المحبطين من التنكر لأهداف الثورة وتعطيل نشر قائمة الشهداء والجرحي وبين أعداء الثورة ممثلين في أكثر الطبعات فاشية وشعبويية ويمينية وفسادا (حزب عبير موسى الدستوري الحر).

ومع كل ما سبق لا ينبغي المبالغة بدافع السذاجة أو انسياقا لتعمد أعداء الثورة والتغيير والديمقراطية وحقوق المواطنين في عالمنا العربي وداخل تونس للاعتقاد بأن الانقلاب سيجرى على الحريات والديمقراطية في تونس، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة، أو بظهور زعيم عسكري يعيد حكم الفرد، أو أن محطة صراع بذاتها كفيلة بإنهاء اللعبة وحسم التناقضات بين القوى والمؤسسات داخل النظام الحالي، فهو بالأصل قائم على توازنات دقيقة ومعقدة، وعلى سياقات اقليمية متضاربة المصالح بما في ذلك دعم الأوروبيين لتحول ديمقراطي ليبرالي.

لمشاهدة الفيديو اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *