عبدالمولى إسماعيل يكتب عن عولمة البذور المحورة وراثيًا: تداعيات سلبية على المزارعين وعلى التغيرات المناخية

الباحث: تسليع الموارد البيئية يعد واحدًا من المداخل الهامة في تعظيم أرباح الشركات عابرة القوميات ومحاولة تدارك تناقص أرباح قطاعات اقتصادية أخرى


بدلًا من اعتماد سياسات زراعية وبيئية تساعد في إعمال مبدأ السيادة الغذائية يتم اللجوء إلى المزيد من اعتماد سياسات تعمق تلك المشكلات وتفاقم حدتها


اتباع أنماط من السياسات الزراعية المعولمة المنفتحة على الأسواق الدولية يزيد الأزمة.. وتدني مداخيل الفلاحين يرفع هشاشة وضعف مستويات المعيشة

كتب – أحمد سلامة
تناول الباحث الباحث في مجال البيئة والتنمية، عبدالمولى إسماعي، السيادة الغذائية كأحد المداخل الأساسية في تخفيف حدة الاحترار الناجم عن الانبعاثات الغازية، المنعكسة سلبيا على البيئات الزراعية بصفة عامة والبيئات العربية بصفة خاصة نظرًا لطبيعتها الهشة، لوقوعها ضمن المناطق الجافة على الصعيد البيئي.

وقال الباحث، حسبما نُشر في “شبكة شمال إفريقيا للسيادة الغذائية” إنه ولا شك فإن اعتماد مبدأ السيادة الغذائية يمكن أن يساهم في تقليص الفجوة الغذائية التي تعانيها شعوب المنطقة العربية وشعوب الجنوب بصفة أعم.. مضيفا أنه “تكفي الإشارة إلى ما أورده تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو ) لعام 2022 عن ارتفاع فاتورة واردات الغذاء إلى 1.8 تريليون دولار، الذي يُعزى بالإساس إلى ارتفاع الأسعار وكلفة النقل  هذا في الوقت الذى تتبوأ فيه العديد من بلدان المنطقة العربية مراتب أولى في قائمة البلدان الأكثر استيرادًا للغذاء وبخاصة الحبوب، مثل مصر والمغرب وتونس”.

وتابع “وبدلًا من اعتماد سياسات زراعية وبيئية تساعد في إعمال مبدأ السيادة الغذائية، لتقليص الفجوة الغذائية وخفض الاحترار المناخي، يتم اللجوء إلى المزيد من اعتماد سياسات تعمق تلك المشكلات وتفاقم حدتها. وذلك باتباع انماط من السياسات الزراعية المعولمة المنفتحة على الأسواق الدولية”.  وأردف “وعلى نقيض منها، يتيح تطبيق مبدأ السيادة الغذائية ضمان حق المنتجين الرئيسيين والجماعات المحلية في الوصول إلى الموارد البيئية، وممارسة الإرادة الحرة لتلك الموارد في إطار الأبنية المؤسسية التي تتوائم مع طبيعة هذا الحق”.واسترسل “وفي قلب تلك الحقوق، المتصلة بالنفاذ إلى الموارد البيئية، الحق في الإفادة من الأصول الوراثية سواء نباتية أو حيوانية أو جينية.  وتعد البذور، أو تقاوى الحاصلات الزراعية، وما يرتبط بها من مدخلات، الحلقة الأولى في إنتاج الغذاء وتخفيف حدة تفاوت الإفادة من تلك الموارد.

كذلك، تعني العدالة المناخية الحق في استخدام الانماط البيئية الملائمة لمبدأ الاستدامة، والتي تُعين على تفعيل مبدأ سيادة المنتجين الرئيسيين على الغذاء والمساواة في فرص الوصول إلى الموارد البيئية”.وشدد الباحث على أنه “ومن ثم فإن السيادة الغذائية والعدالة المناخية متلازمان كمدخل إلى الحق في الغذاء وسد الفجوة الغذائية وبخاصة لدى الشعوب التي تعاني من أزمات هيكلية في إنتاج الغذاء”.ونبه الباحث إلى أن “تسليع الموارد البيئية يعد واحدًا من المداخل الهامة في تعظيم أرباح الشركات عابرة القوميات ومحاولة تدارك تناقص الأرباح في القطاعات الاقتصادية الأخرى على الصعيد العالمي. وفي هذا السياق يمثل قطاع  البذور واحدًا من أهم الأسواق تحقيق وفورات وأرباح مالية كبيرة للشركات التي تعمل في هذا القطاع الاقتصادي، والذي يصل حجم تجارته ما يزيد على 41 مليار دولار وفقا لتقديرات عام 2018.

وقد بلغ سوق البذور المحورة وراثيا ما يزيد عن نصف قيمة حجم التجارة الدولية في هذا القطاع البالغ 21.970 مليون دولار”.

ولفت في الوقت ذاته إلى أن “تلك النوعية من البذور لا تعطي المزارعين إي إمكانية للإكثار منها، ولا تصلح للزراعة سوى مرة واحدة بشرائها من أسواق البذور عبر الوكلاء المحليين. ويرتبط شراؤها بالحصول على المدخلات المرتبطة بها من مبيدات وأسمدة يُلجأُ فيها كذلك إلى شركات البذور العالمية، وقد كان من نتائج هذا الاستحواذ أن قفزت شركة باير إلى المرتبة الأولى في سوق البذور.

فبعد أن كانت مبيعاتها في عام 2014 لا تتجاوز 1.466 مليون دولار، وثبت إلى 10433 مليون دولار عام 2018 (راجع جدول رقم 1). وبعد أن كانت تحوز 3% من أسواق البذور، زادت نسبتها إلى 25% عام 2018″.وأضاف “إلى ذلك تركزت شركة باير، ومن قبلها مونسانتو، في احتكار أسواق بذور الذرة، وفول الصويا، والقطن، والأرز، والخضروات، وكانولا، تليها شركة كورتيفا الأميركية (Corteva Agriscience )، حيث استحوذت عام 2017 على شركة “دوبونت بايونير” الأميركية (تأسست عام 1926)و كانت في مرتبة ثانية في التجارة الدولية للبذور، ما حافظ على مكانة “كورتيفا” في هذه المرتبة بحجم مبيعات بلغ 7840 مليون دولار في عام 2018 (راجع الجدول رقم1 ) .

 وبلغت حصتها من سوق البذور الدولية 19%، علما أن نشاطها يشمل صناعة الكيماويات، وفي مرتبة ثالثة، تقع  شركة “سينجنتا” السويسرية التي زادت مبيعاتها إلى 3204 مليون دولار بزيادة 84% مقارنة عام 2006. وبلغت حصتها في أسواق البذور الدولية 7.7 % عام 2018 بانخفاض بنسبة 1.3% مقارنة بعام 2009. ويأتي هذا الانخفاض لصالح شركات احتكارية أخرى مثل باير وكورتيفا”.

في السياق ذاته، وارتباطا بأسواق البذور، تأتي أسواق المبيدات الزراعية والتي بلغ حجم مبيعات أكبر عشر شركات، وفقًا لتقديرات 2007، ما يزيد عن 34 مليار دولار . وقد زادت إلى 39.5 عام 2009 . وتأتي شركة باير في مرتبة أولى في إنتاج المبيدات الزراعية، حيث بلغ حجم مبيعاتها 7.5 مليار دولار عام 2007، وكذلك 2009 وبما يمثل 19% و17% على الترتيب، من حجم السوق الدولية في إنتاج الكيماويات الزراعيةوفي مرتبة ثانية تأتي شركة سينجنتا بمبيعات بلغت 7.3 مليار دولار وفقا لتقديرات 2007، وبما يقارب 19% ثم زادت مبيعاتها إلى 8.5 مليار دولار في عام 2009 ولكن بنفس النسبة 19% من حجم السوق الدولية في هذا القطاع، حسبما ذكر عبدالمولى إسماعيل.

ومن حيث واقع الحال ببلدان المنطقة العربية مصر، المغرب، تونس.. قال الباحث “لم تكن بلدان الجنوب، وفي القلب منها المنطقة العربية، قد شهدت بأي حال من الأحوال أنظمة الملكية الفكرية على الأصول النباتية والحيوانية، حتى كانت وثيقة أورجواي التي تضمنت 28 اتفاقية، من بينها الاتفاقيات المتصلة بحقوق الملكية الفكرية، والتي تم أقرتها منظمة التجارة العالمية في قمة مراكش 1994.

آنذاك فُرض على الدول اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة لحماية الاصناف النباتية عن طريق براءات الاختراع أو اختيار أي نظام حماية فعال للأصناف النباتية أو مزيج بين النظامين .على الجانب الآخر، أعطت تلك الاتفاقيات الإطارية الحق للدول المنضوية تحت مظلتها في عدم اعتماد براءات الاختراع في حال تعرض أي بلد من بلدان منظمة التجارة العالمية لأي حالات وبائية أو أي مخاطر بيئية”.

في السياق ذاته، ومواكبة لصدور اتفاقيات التجارة الدولية، صدرت عن الأمم المتحدة اتفاقيات عديدة تضمن حقوقا عديدة منها الاتفاقية الدولية لحماية الموارد والمصادر الجينية وذلك في إبريل 2001. أكدت على حماية المعارف التقليدية وحقوق المزارعين في الوصول إلى الموارد الجينية، وفي القلب منها البذور من خلال الحق في إكثارها وتبادلها بما في ذلك الأصناف المحمية.في الإطار نفسه، جاءت الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ الرامية إلى خفض الانبعاثات الغازية، اعتمدت في قمة الأرض 1992 ودخلت حيز التنفيذ في مارس 1994.  وثمة أيضا المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة المعتمدة في الثالث من نوفمبر 2001.

غايتها الاعتراف بدور المجتمعات المحلية والأهلية والمزارعين، وبحقوق هؤلاء في الأصناف النباتية الجديدة والمعارف التقليدية. وقد صادقت عليها معظم دول المنطقة العربية، منها مصر وتونس في عام 2004، والمغرب في 2006. وعلى الرغم مما تتيحه تلك الاتفاقيات من حقوق للمزارعين ومن حفاظ على الموارد الوراثية، لم تلائم بلدان الجنوب، ومنها مصر وتونس والمغرب، تشريعاتها مع تلك الحقوق. وبدلا عن ذلك، سارعت إلى التوقيع على اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي، كاتفاقية حماية الأصناف النباتية الجديدة التي ترسخ مبدأ الملكية الفكرية وفرض براءات الاختراع على الأصناف النباتية كشرط من شروط اتفاقيات الشراكة مع دول الاتحاد الأوربي. وكان من نتاج ذلك موافقة تونس على الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية الجديدة UPOVفي عام 2002 .ونبه الباحث إلى بعض آثار تحرير أسواق البذور، مشيرًا إلى البلدان العربية أغفلت وضع سياسات وتشريعات تحد من المخاطر الخاصة بنظم فرض البراءات على الأصناف النباتية والحيوانية وكذلك نقلها عبر الحدود، الأمر الذي نجم عنه العديد من المخاطر البيئية من بينها استيلاء شركات عابرة للقوميات على أصناف نباتية وحيوانية عديدة في المنطقة  العربية لا يمكن حصرها، أضف إلى ذلك خلو قائمة المحاصيل المدرجة في النظام متعدد الأطراف، للمعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، من العديد من الأصناف النباتية كالعديد من المحاصيل العلفية، والزيتون وتمر النخيل وبعض البقوليات على سبيل المثال لا الحصر.

واعتبر الباحث أن من الآثار أيضًا تدني مداخيل الفلاحين في مقابل ارتفاع المدخلات الزراعية، مؤكدًا أنه أمر يزيد هشاشة وضعف مستويات معيشة صغار المزارعين الذين يمثلون زهاء 95 % في مصر وتونس والمغرب وكذا في معظم البلدان العربية.وشدد الباحث على أن التوسع، طيلة عقود، في استخدام البذور المحورة وراثيًا، وما يرتبط بها من مدخلات الصناعات الكيماوية من أسمدة ومبيدات، بدعوى أنه مدخل إلى سد الفجوة الغذائية، أثبت فشله سواء في تحقيق هذا الهدف الأخير أو في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

لذا يتطلب الأمر إعادة النظر في هذا النمط الزراعي، وفيما يرتبط به من سياسات، ولعل من بين تلك السياسات المطلوب إنفاذها التمسك بالاتفاقيات الإطارية الأممية، وبخاصة اتفاقيات التنوع الحيوي، والمناخ، والموارد الوراثية باعتبارها منظومة واحدة.. كذلك، لابد من إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية وبخاصة ما يتعلق باتفاقيات حماية الاصناف النباتية الجديدة، ومن إدماج مبدأ الأمان الحيوي وما يرتبط به من سياسات ضمن المنظومة التشريعية بالمنطقة العربية.

كما يجب اعتماد مبدأ السيادة الغذائية مدخلاً لصون الموارد البيئية، من أرض ومياه وبذور، بديلًا عن السياسة القائمة على الاستيراد الكثيف للمدخلات الزراعية من الشركات الاحتكارية عابرة القوميات، وتطوير تجارب صغار الفلاحين، في عديد من البلدان في أمريكا اللاتينية وتونس والمغرب، في مجال تبادل واكثار البذور المحلية وتحسينها. ما يتطلب تضافر الجهود مجمل الضحايا في هذا الشأن في إطار كسر حلقة احتكار الموارد البيئية التي تهيمن عليها الشركات الكبرى عالميًا ومن ثمة كسر حلقة الفجوة الغذائية التي تعانيها الأمم والشعوب، كما ذكر الباحث.

للاطلاع على النص كاملا اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *