ريهام الحكيم تكتب: من يحكم العراق ؟ (1 / 2).. عن العامري والمالكي ومقتدى الصدر

شهد العراق منذ أوائل أكتوبر الماضى موجات احتجاجية مناهضة للحكومة، تخللتها أعمال عنف واسعة خلفت نحو 800 قتيل – حسب احصاءات غير رسمية – فضلا عن آلاف الجرحى فى مواجهات بين المتظاهرين السلميين من جهة، و قوات الأمن و مسلحي فصائل شيعية مقربة من إيران من جهة أخرى.

تلك التظاهرات التى أضفت بعداً تاريخياً يحسب لها، وهى أنها تجاوزت كل الخطوط الطائفية والدينية والحزبية، ارتكز الحراك الشعبى على المطالبة بتغيير بنية الحكم الطائفي الذى رسخ الانشقاق بين ابناء الوطن الواحد.

  وقد اختار العراق أن يكون دولة برلمانية طبقا لدستور 2005 ، هذا الدستور الذي صاغته مجموعة من الساسة  كان معظمهم من معارضي نظام صدام حسين قبل 2003 .

وقضت التوافقات السياسية فى العراق بتوزيع السلطات بين رئيس حكومة شيعي، ورئيس برلمان سني، ورئيس جمهورية شرفي، كان من نصيب أكراد العراق. كما تقضي المحاصصة الطائفية داخل البرلمان العراقى بأن يكون نائبا رئيس مجلس النواب العراقي من المكونين الشيعي والكردي. كُتب هذا الدستور فى ظل ” قانون إدارة الدولة ” للمرحلة الإنتقالية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين.

  ويحظى المشهد السياسي فى العراق بصورة ديمقراطية تعددية، وهو ما يتنافض كلياً مع اندلاع انتفاضة شعبية كبيرة أعلن فيها ملايين العراقيين رفضهم التام لتلك النخبة الحاكمة، واتهامهم لها بالفساد وإغراق البلاد فى مستنقع الطائفية، والسماح لإيران بالتوغل السافر فى الشأن العراقي.

أقدم المتظاهرون على إحراق عدة مقرات حزبية أثناء الحراك الذي استمر ستة أشهر. فمن يصنع القرار السياسي دخل البرلمان العراقي؟

نستعرض فى هذا المقال مجموعة من الشخصيات السياسية المؤثرة فى القرار العراقي وتاريخهم السياسي حتى نستطيع تفسير هذا المشهد المتناقض الذى جمع بين دولة برلمانية ديمقراطية، و فساد سياسي وحزبي صنف بالأعلى طبقا لتقارير دولية.

 فمن يحكم العراق؟

أولا : هادي العامري – عراقي يحمل الجنسية الإيرانية والملقب  برجل إيران فى العراق –  مواليد 1954، عضو مجلس النواب العراقي وزعيم ائتلاف (فتح )  بـ 47 مقعداً داخل البرلمان  2018 ،  وهو ثاني أكبر تحالف داخل مجلس النواب بعد تحالف (سائرون) 54 مقعداً بقيادة رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر.

العامري الشخصية المثيرة للجدل داخل الأوساط العراقية فهو في نظر البعض” العراقي الخائن” الذى قاد فيلق بدر وحارب فى الجبهة الإيرانية ضد القوات العراقية خلال الثمانينيات من القرن الماضي، يتحدث الفارسية بطلاقة وسبق له وصف الجيش العراقي بـ “جيش الاعداء” أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، طبقا لتصريح له فى التليفزيون الايراني، يراه آخرون انه “مجاهد” و”محارب قوي” فهو أحد قادة الحشد الشعبي الذى حارب تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) فى 2014، ويصفه سُنة العراق وسكان محافظة الانبار  بـ ” المجرم” الذى قتل ودمر  مدنهم غرب العراق اثناء محاربته ضد داعش، تلك الحرب التى تسببت فى انتهاكات عديدة ضد مدنيين طبقا لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش والتي طالبت الحكومة العراقية بإجراء تحقيق حول تلك الانتهاكات.

العامري شغل منصب وزير النقل ( 2010 – 2014) وقد اتهم بعمليات تطهير ديموجرافى فى محافظة ديالي شرق بغداد لصالح طهران بحسب بعض وسائل الاعلام.

العامري قائد ميلشيا “منظمة بدر” وأحد قادة ” كتائب الحشد الشعبى العراقية “، هو أحد المتهمين بالمشاركة فى إخماد التظاهرات الشعبية الأخيرة فى العراق، بالاضافة إلى العديد من الشخصيات السياسية مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشا “عصائب أهل الحق”، الخزعلي الذى رفض تلك الاتهامات ووصفها ب”المؤامرة ” على المنظمات الجهادية داخل العراق خلال لقاء تليفزيوني فى بي بي سي البريطانية.

ثانيا: مقتدى الصدر  ( مواليد 1974 ) زعيم تحالف (سائرون) داخل البرلمان 54 مقعداً وهو يمثل حالة خاصة بين باقي القوى السياسية الأصولية الشيعية، هو رقم صعب فى المعادلة السياسية وصناعة القرار داخل البرلمان.  سليل بيت أل (الصدر) وهى العائلة صاحبة التاريخ السياسي والديني والقيادي فى المجتمع الشيعى العراقى.

والده هو المرجع الديني الشيعي محمد صادق الصدر مؤسس ما عرف بـ (الحوزة الناطقة) وهى الحوزة المعارضة لنظام صدام حسين وقد اغتيل عام 1999 هو واثنين من أبنائه على يد النظام البعثى . اعتبر مقتدى الصدر وريث العائلة الصدرية و قائداً لأتباع أبيه، وهو لا يملك درجة علمية كبيرة. أسس ميليشيا ” جيش المهدي” 2003، وخاض معارك ضد قوات الاحتلال الأمريكي فى العراق، وأسس مليشيا “سرايا السلام” عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذى احتل أجزاء كبيرة فى العراق فى ذاك الوقت .

وعلى الصعيد السياسي تبنى مقتدى الصدر خطاباً وطنياً وابتعد عن اللغة الطائفية التى ينتهجها معظم الساسة فى العراق، استطاع حشد ثقة الكثيرين داخل المجتمع العراقي الشيعي والسني وعمل على سياسة الانفتاح على الدول العربية وقام بزيارة السعودية.

انتهج الصدر سياسة المراوغة مع خصومة السياسيين، بطرق دراماتيكية ابتكر صناعة لوبي داخل البرلمان لتمرير مخططاته السياسية وصلت احيانا إلى الحشد لتظاهرات معارضة للبرلمان، ونصب خيمة للاعتصام داخل المنطقة الخضراء الحاكمة فى احياناً اخرى .

ويعتبر الصدر الشخصية الأكثر جدلاً داخل وخارج العراق، يتصف بالمزاجية وسرعة الغضب. هناك من يراه صوتاً للفقير والمواطن البسيط ويمثل التيار العروبي داخل الحوزة الشيعية وهناك من يراه مجرد لاعب ضمن فريق الأحزاب الشيعية وممثل جيد لدور المعارضة.

وجاءت انتفاضة اكتوبر ودخل أنصار مقتدى الصدر ميادين الاحتجاجات كشريك فى مطالب الثورة كما دعى الصدر أنصاره لحماية المتظاهرين السلميين، ثم عاد وانقلب على التظاهرات وأمر أنصاره بالانسحاب من ميادين التظاهر.

لم تسلم ميادين الثوار من هجمات اتباع مقتدى الصدر المسمى بـ ( أصحاب القبعات الزرق) – وهى ميليشيا غير مسلحة من رحم “سرايا السلام” – ومحاولاتهم المتكررة لفض التظاهرات وحرق خيم المعتصمين وإنهاء كافة أشكال العصيان المدنى. تلك المواجهات التى خلفت ثمان قتلى والعديد من الجرحى بين صفوف المتظاهرين – بحسب ما نقلتة وسائل الإعلام- واتهم الثوار مقتدى الصدر بالخيانة.

ثالثا: نوري المالكي (مواليد1950 ) رئيس الوزراء العراقى الأسبق ( 2006 – 2014 ) وحاليا زعيم ائتلاف دولة القانون فى برلمان 2018 بـ 26 مقعداً.  وصف بـ”رجل الظل الأقوى القابض على مفاصل الدولة العراقية”، و يراه البعض رجل إيران المخلص فى حين يراه آخرون رجل الولايات المتحدة، والتى دعمته حتى وصل إلى قمة السلطة فى 2006.

بدايته السياسية كانت من حزب الدعوة الاسلامية العراقى وهو الحزب الذى تولى حكم العراق، عقب سقوط النظام البعثي. تأسس حزب الدعوة الاسلامية عام 1957 على يد المرجع الدينى الشيعى محمد باقر الصدر، تبنى هذا الحزب فكرة الاسلام السياسي، وهو يعد الجناح الشيعي القريب من فكر جماعة الاخوان المسلمين السنية، والهدف هو مواجهة المد العلماني فى العراق. محمد باقر الصدر هو احد اعضاء عائلة الصدر والذى طمح بإقامة دولة اسلامية فى العراق. استطاع باقر الصدر ان يجتذب شريحة كبيرة من شيعة العراق ولاقت افكاره رواجاً داخل الاوساط الشيعية فى العراق وخاصة الشباب.

انضم نورى المالكي إلى حزب الدعوة عام 1968 وسمى نفسه ( جواد المالكى) وهو اسم حركي، اندلعت الثورة الايرانية وتولى صدام حسين حكم العراق فى 1979. وهنا اتخذ حزب الدعوة موقفاً مؤيداً لثورة الخمينى التى اسست  لجمهورية ايران الاسلامية. هذا الدعم الذي أقلق النظام البعثي وبدأ التخوف من تصدير الثورة للعراق.

بدأت سلسلة من الملاحقات لاعضاء الحزب وقادتة، أُعتقل نُوري المالكي هو والعديد من أعضاء الحزب ثم أُفرج عنه،  غادر المالكي العراق متوجها الى سوريا وشكل جبهة للمعارضة فى الخارج مع العديد من قيادات الحزب. في عام 1980 قرر صدام حسين إعدام المرجعية الدينية محمد باقر الصدر مؤسس الحزب و اعتبرت تلك الواقعة هى نقطة التحول فى مسار حزب الدعوة حيث انتقل من المعارضة السياسية إلى تشكيل جناح مسلح لمواجهة النظام البعثي ورموزه.

انتقل نوري المالكي إلى إيران وشكل ما عرف بإسم ( اللجنة الجهادية )، تزعم المالكي معسكرا لتدريب أعضاء الحزب على حمل السلاح فى مدينة الأهواز بإيران وهو ما أسموه ( معسكر الصدر )، تخرج من هذا المعسكر آلاف المقاتلين.

بدأ  الجناح العسكري بالحزب عمل سلسلة من التفجيرات استهدفت مقرات حكومية و قيادات بعثية داخل العراق. وتم استهداف السفارة العراقية فى بيروت عام 1981 بسيارة مفخخة أسفرت عن سقوط ستين قتيل من بينهم الدبلوماسية ( بلقيس الراوى ) زوجة الشاعر نزار قباني. نوري المالكي أحد المتهمين بالتخطيط لتلك العملية – حسب ادعاء أسرة بلقيس .

عاد المالكي للعراق فى 2003 عقب الغزو الامريكى للعراق واختاره بول بريمر الحاكم المدنى الامريكى ليكون نائباً لرئيس  (هيئة إجتثثاث البعث) والتي شكلت لتفكيك ما تبقى من افراد الجيش العراقي، وملاحقة الخلايا النائمة لحزب البعث. تولى المالكي منصب الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية فى 2003، وشغل منصب رئيس وزراء العراقى فى 2006 بعد اندلاع الحرب الطائفية فى العراق واعتبرته الادارة الامريكية “رجل المرحلة”.

بقبضة أمنية حادة استطاع المالكي الإمساك بزمام الأمور وتوغلت الاجهزة الامنية فى حياة العراقيين، وَقع المالكي على قرار إعدام صدام حسين واستخدم الخطاب الطائفي فى تصريحاتة السياسية.  شهد عهده عمليات اغتيال وتصفية لشخصات عامة وعلماء عراقيين. وانشأ عدداً من السجون السرية طبقا لما سرب من وثائق ويكليكس، سجل فى عهده العديد من قضايا الفساد وترأس ابنه (أحمد) قوات التأمين الخاصة واتهم باستغلال القضاء لسجن خصومه السياسيين.

 عام 2007 فَوض المالكى القوات الامريكية لتوجية ضربة إلى ميليشيات سنية فى مدينة الفلوجة محافظة الأنبار غرب العراق وفى 2008 قاد حملة ضد ميليشيا جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر، أطلق عليها ( صولة الفرسان)  .

اتُهم المالكي فى 2012 بإنتهاج سياسة تمييزية ضد سكان محافظة الانبار ذات الأغلبية السنية مما فجر موجة من العنف وانتهت ولاية المالكي فى 2014 بعارُ سيلاحقه مدى الحياة بعد ان نجح تنظيم الدولة الاسلامية     “داعش” فى الاستيلاء على العديد من المدن فى غرب وشمال العراق .

انهزم الجيش العراقي وتم تسليم مدينة الموصل دون قتال وارتكبت داعش مجزرة سبايكر والتى قتل فيها 1700 شاباً عراقياً من طلبة الكلية الجوية فى محافظة صلاح الدين شمال العراق. تلك الهزيمة جاءت وسط تساؤلات حول دور حكومة المالكي التى انفقت مليارات على تدريب الجيش بالتعاون مع القوات الامريكية.

وبالرغم من سوء ادارته , فقد اختارته مجلة تايم الامريكية فى 2009 (سابع اقوى شخصية مؤثرة عالميا ).

One thought on “ريهام الحكيم تكتب: من يحكم العراق ؟ (1 / 2).. عن العامري والمالكي ومقتدى الصدر

  • 8 يوليو، 2020 at 7:29 ص
    Permalink

    مقتدى الصدر لم يجد من يؤيده ويتبعه الا بقايا البعث وهو السبب الرئيسي لخراب العراق وخصوصا بعد زيارته للسسعودية العدو الاول للنظام البرلماني في العراق

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *