ريهام الحكيم تكتب: الحشد الشعبي ورهان الدولة

بعد معاركه ضد داعش وصفه عراقيون بـ مصنع الشهداء والأبطال ,مدرسة الإنتصارات العراقية, وصانع الوحدة بين مكونات الشعب العراقي, و“الحشد البطل” و”الحشد المقدس” فهل لا زالت حقيقته كذلك أم صار جزءً من الصراع الطائفي على أرض العراق؟.

الحشد الشعبي… الأسم الذي تصدرعناوين وكالات الأنباء العالمية واهتمام المراقبين ومراكز الأبحاث العالمية, لازال قطاع كبير من العراقيين يرونه حتى الآن درعاً للعراق وجزءاً من تاريخها المشرف, فهو من ساهم فى تحرير العراق من قبضة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” (2014- 2017 ) متفوقاً في ادائه على جيوش كبري تنظيمية.

بينما يراه آخرون “ميليشيا” شيعية تخدم أهداف إيرانية فى المنطقة, اذ طالب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بـ”نزع سلاح الحشد الشعبي وتفكيكه” عام 2017 واعتبره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “منظمة إرهابية طائفية”.

عام 2019 وصف مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي “فالح الفياض” القيادي في الحشد الشعبي وآخرين من قادة الحشد بـ “الارهابيين” و”وكلاء ايرانيون”، وذكرت وسائل إعلام مخاوف سعودية – خليجية من انتشار قوات الحشد على الحدود العراقية الغربية.

فما قصة الحشد الشعبي؟

الحشد هو مجموعة من الفصائل (الميليشيات ) المسلحة الشيعية في العراق, ظهرت أول الأمرإستجابة لفتوي المرجعية الشيعية العليا فى العراق السيد علي السيستاني المسمي بـ” فتوي الجهاد الكفائي ”  (يونيو 2014) لتحرير أرض العراق من احتلال تنظيم الدولة الاسلامية ” داعش ” – احتلت الأخيرة ثلث مساحة الأراضي العراقية -, وانضم عشرات الآلاف من الشباب العراقي المتطوعين والمتحمسين إلى ميليشيات نظامية ترعاها الحكومة العراقية, وكانت فتوي السيستاني الهدف منها  تعزيز قدرات الجيش العراقي – التصدي لإنهيار المؤسسة العسكرية – وسد أزره في الحرب ومنع تنظيم الدولة من الاستيلاء علي بغداد العاصمة.

من 2014 وحتي 2017 تصدى مقاتلي الحشد الشعبي والجيش العراقي – بالإضافة لقوات البشمركة الكردية وطيران التحالف الدولي – للتنظيم المتشدد, وفي 2017 أعلن حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية آنذاك النصر وتحرير جميع الأراضي العراقية المحتلة من قبل التنظيم.  

أعتبر مقاتلي الحشد الشعبي أحد أهم أبطال المعارك التي قادت إلى النصر مع الجيش العراقي, أحيا العراقيون مراسم لتأبين الشهداء, وأصدر مجلس الوزراء العراقي مرسوماً يعطي (شهداء الحشد الشعبي ) امتيازات ومحصاصات مماثلة لشهداء الجيش العراقي.

وُصف الحشد الشعبي من قِبل سياسيين ومسؤلين أمنيين عراقيين بـ “الفصيل المنضبط ” والذي يعمل بإمرة القيادات الأمنية.

وأشاد خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي الأسبق بدور الحشد “الإيجابي” فى تحرير الكثير من المناطق التي احتلها التنظيم أثناء الحرب.

تميزت فصائل الحشد اثناء المعارك بالتفوق فى “حرب العصابات والشوارع” وهي ما اعتبرت أحد أهم المميزات النسبية التي مكنتهم من تحقيق النصر.

تقدر أعداد الفصائل (الميليشيات) داخل الحشد حوالي60 ميليشيا – حوالي 130 الف جندي – وتنقسم تلك الفصائل المسلحة إلى )ميليشات) تتبع المرجعية الشيعية العليا في العراق السيد علي السيستاني – حوزة النجف جنوب العراق – و(ميليشيات) اخري موالية لإيران ” بحسب تصريحات قادة تلك الميليشيات بالولاء الى ولاية الفقية “وأخرى سنية ومسيحية. “بي بي سي”

انتهت المعارك فى 2017 و كان السؤال : ما موقع فصائل الحشد المسلحة من جهاز الدولة داخل العراق؟

وهي الجدلية التي قسمت المجتمع العراقي بين معسكرين:

الأول مع دمج فصائل الحشد داخل الجيش العراقي وجهاز الدولة (معسكر حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة) وهم الأغلبية.

والآخر بين استمرار فصل الحشد عن الجيش العراقي “معسكرمؤيدي الحرس الثوري الايراني في العراق” ويري هذا المعسكر ان الحشد بالفعل مؤسسة أمنية عراقية بقرار برلماني وهي إحدى جهات مكافحة الإرهاب شأنها شأن أجهزة أمنية اخري.

حيث دعا السيستاني إلى دمج الحشد بمؤسسات الدولة في 2017 وقد أصدر البرلمان العراقي قانوناً يقنن وضع قوات الحشد الشعبي وأصبح الحشد كياناً قانونياً يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات  التابعة للدولة وليس ميلشيا.

وفي ابريل 2020  أعلنت مجموعة من الفصائل داخل الحشد – تابعة للمرجع الشيعي علي السيستاني أو ما تعرف بـ ” حشد العتبات” – الإنفصال عن الحشد والإنضمام إلي مؤسسة الجيش وهم “كتائب الإمام علي“, و “كتائب علي الأكبر” , و”فرقة العباس القتالية“, و”لواء أنصار المرجعية”, في خطوة رأى مراقبون أنها تمهد لعزل الميليشيات المسلحة الموالية لإيران والتي تتبع ولاية الفقيه في إيران. “الحرة “

وينضوي في الفصائل التابعة للنجف وكربلاء “حشد العتبات” أكثر من 40 ألف مقاتل, عدا عن فصيل ” سرايا السلام” التابع لزعيم ” التيار الصدري” مقتدي الصدر, الذي يضع نفسه خارج التصنيفين الحاليين لفصائل ” الحشد”. ” تقرير العربي”

تناول موقع ميدل إيست آي البريطاني الانقسامات داخل هيئة الحشد الشعبي جراء انفصال الفصائل الموالية لمرجعية النجف, كما تحدثت وسائل اعلام عن محاولة السلطات الدينية فى النجف – المرجع الشيعي علي السيستاني – لكسر قبضة إيران على بعض الفصائل داخل الحشد.

لم يسلم الحشد الشعبي من تهم الانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل منظمات دولية ” منظمة هيومن رايتس ووتش ” بحق سكان مدنيين في غرب العراق.

وكان للحراك الشعبي الأخير فى العراق – أكتوبر 2019 – فصلاً من الحديث عن انتهاكات بحق المتظاهرين من قبل فصائل تعمل تحت مظلة الحشد علي رأسها ميليشيا “كتائب حزب الله” الموالي لإيران (المتهمة باحداث جسر السنك / العاصمة بغداد ومقتل 24 متظاهر وجرح 100 ) و” منظمة بدر” وميليشيا “عصائب أهل الحق”.

كما شاركت ايضا بعض الفصائل التابعة للحشد – معسكر الموالين للحرس الثوري الإيراني ” الولائية” – في احداث الهجوم علي السفارة الأمريكية فى بغداد ( ديسمبر 2019 ) – وهو ما تم تشبيهه بـ ” احداث الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران 1979″ – للتنديد بالضربات الجوية الأمريكية علي 4 مقرات للحشد الشعبي , وبمشاركة كبار قادة الحشد بينهم هادي العامري وقيس الخزعلي وقيادات عسكرية وأمنية والمئات من قوات الحشد التي ترتدي اللباس العسكري.

والحادثة أُعتبرت إجراءً متعمداً من إيران وحلفائها لزيادة تبعات وتكاليف الوجود الأمريكي في العراق وبث الفرقة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة.

أشهر الفصائل داخل الحشد:

“كتائب حزب الله العراق” / “منظمة بدر” / “عصائب أهل الحق” / “حركة النجباء” / “كتائب سيد الشهداء” / “سرايا الخرساني” / “سرايا الجهاد والبناء” /  “كتائب التيار الرسالي” / “الحشد العشائري”.

واخيراً, لم تستطع الحكومة العراقية منذ 2017 اتخاذ قراراً حاسماً بشأن فصائل الحشد التي تعمل خارج مؤسسات الدولة ووضعها تحت إمرة المؤسسة العسكرية فى البلاد , حيث تحول الحشد الشعبي من فتوي داخلية لمحاربة داعش إلي مشروع “حرس ثوري إيراني بصبغة عراقية ”  لن تتخلي عنه إيران أو تقبل بحله إلا بتخلي إيران عن مشروعها التوسعي بالمنطقة.

الحشد بالنسبة للمشروع الإيراني يعد حامي حمي “بوابتها الغربية” ومشروع رمحها المستقبلي لدول الخليج والجزيرة العربية, وهو ما يفسر القلق الأمريكي/الأوربي/ التركي /الخليجي/ تجاه تحركات الحشد.

لذا يجب على حكومة بغداد النأي بالعراق عن الصراع الأقليمي ( الإيراني- الأمريكي ) علي أرضه, والذهاب لدولة عراقية قوية بمؤسسات مستقلة ذات سيادة وعلي رأسها تقوية المؤسسة العسكرية وحصر السلاح بيد الدولة فقط.

#العراق_ينتفض    #نريد_وطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *