ريهام الحكيم تكتب: اخضاع العراق لسيطرة العصابات.. اغتيال هشام الهاشمي

شكلت عملية اغتيال الباحث في شئون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي مساء الإثنين الماضي حالة من الصدمة داخل الأوساط العراقية, الشعبية منها والسياسية , فهو الاكاديمي والصحفي المثقف الذي تخصص في دراسة الجماعات المسلحة وكان ضيفاً دائماً على الفضائيات العراقية والعالمية لشرح وتحليل طبيعة تلك الجماعات.

رَصدت ردود الأفعال على مقتل الهاشمي, حالة من الصدمة الكبيرة والغضب والحزن على المستوى الشعبي داخل العراق واقام المتظاهرون في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد جنازة رمزية للفقيد.

هشام رعيد وطبان الركابي الشهير باسم (هشام الهاشمي) مواليد  1973، مؤرخ وباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية والجماعات المتطرفة، ومختص بملف تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” وأنصارها، وكان متابع للجماعات الإسلامية في العراق منذ عام 2003.

الهاشمي صاحب التاريخ الشخصي والمهني بمعرفة طبيعة تلك الجماعات, كتب العديد من المقالات والأبحاث المنشورة في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية.

اعتقل لفترة في عهد صدام حسين، قبل الـ ٢٠٠٢، وبعد غزو العراق  2003, اتجه إلى العمل الصحفي وشارك في كتابة التقارير والوثائقيات وكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق.

يعرف الهاشمي الكثير عن تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وذاع صيته بصفته خبيراً في هذا المجال، بالإضافة  لدوره البارز في التعبئة الإعلامية خلال حقبة الحرب على تنظيم “داعش” في العراق بين عامَي 2014 و2017.

وعمل الهاشمي على تقديم التقارير الأمنية التي ترصد سلوكيات تنظيم “داعش” وقبله “القاعدة”، ومراجعة الوثائق المتعلقة بالتنظيم وتقديم إحاطات واستشارات للقوات الأمنية العراقية، التي كانت تخوض معارك تحرير المدن آنذاك، كما تواصل مع زعماء الفصائل المسلحة وأجرى حوارات مع بعضهم طيلة فترة الحرب. ” الانديبندنت”

أما الجماعات المتطرفة ” أنصار الاسلام” و” تنظيم القاعدة” وغيرها, كانت تحكم على الهاشمي بـ “الردة والعمالة”  بسبب مواقفهِ المناهضة لهم, خاصة عندما  أفصح عن معلومات تخص قيادات التنظيم وآلية عملهم.

ومع زوال خطر تنظيم “داعش”، أواخر العام   2017، تصاعدت المطالبات  داخل الأوساط العراقية بإنهاء ظاهرة الفصائل المسلحة وانفلات السلاح داخل العراق، وبدأ الحديث عن هيبة الدولة، و امكانية حصر السلاح و دمج قوات “الحشد الشعبي”  – التي ساهمت في احراز النصر على داعش بجانب الجيش العراقي – داخل أجهزة الدولة  العراقية.

وفي هذا السياق أنجز الهاشمي دراسات وتقارير عدة عن الميليشيات التي ملأت فراغ الأرض في المناطق المحررة في العراق من “داعش”، وسلّط الضوء على الخطة التي كان واضحاً أن إيران تعمل على تنفيذها في المناطق السنية من العراق، من خلال نشر مجموعات قتالية موالية لها، تحت ذريعة “منع عودة الإرهاب”. “الانديبندنت

بدء الهاشمي في الحديث والرصد لفصائل “الحشد الشعبي” وتصاعدت نبرة انتقاده لبعض الفصائل, خاصة الموالية لإيران, والذي وصفها بالخطر على الاستقرار الامني داخل العراق, متبنياً خطاباً يحمل دعوى لحصر السلاح في يد اجهزة الدولة وانهاء فوضي استخدام السلاح خارج المنظومة الشرعية.

تحدث الهاشمي عن اختلال كبير في ميزان القوة داخل مؤسسة “الحشد الشعبي”، حيث ظهر أن قرابة 70 %من الفصائل والقيادات، تأتمر بأوامر إيرانية، فيما يسيطر القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) على الباقي، وهو في الحقيقة لا يشكل قوةً ضاربة. “تقريرالانديبندنت

كما تحدث في مقال تحليلي له في أبريل الماضي عن وجود خلاف عميق بين تيارين منقسمين فقهيا داخل الحشد، واحد مرتبط بالمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، والثاني مرتبط بالمرجع الشيعي العراقي الأعلى في النجف السيد علي السيستاني.

وذكر في أكتر من وسيلة اعلامية ان آلاف المقاتلين في قوات “الحشد”، يتسلمون رواتب شهرية من الحكومة العراقية، لكنهم ينفذون أوامر “الحرس الثوري” الإيراني.

واعتبر الهاشمي ان تلك الميليشيات بعد انتهاء حرب “داعش” 2017 , اصبحت تعمل في اطار ” اللا دولة” وهى المتسببة في تحول العراق إلى ساحة التقاء بين إيران والولايات المتحدة دون الرجوع لأجهزة الدولة أوحتى احترام السيادة العراقية.

في مساء الاثنين 6 يوليو, اقدم مسلحون على قتل الهاشمي بالقرب من منزله في منطقة زيونة شرقي بغداد, امام كاميرات المراقبة, كان مجموعة من المسلحين يقودون دراجة نارية اعترضوا سيارة الهاشمي واطلقوا النار عليه وغادروا المكان دون ان يعترضهم احد.

 اغتيال الهاشمي وفق ما أظهرته كاميرات المراقبة، يكشف مدى ترهل أجهزة الدولة الأمنية في العراق، في ظل سهولة تحرك منفذي الجريمة في شوارع بغداد، ويضع علامة استفهام كبيرة، أمام كيفية تحرك منفذي الجريمة بهذه السهولة، ثم تمكنهم من الانسحاب والعودة من حيث أتوا بنفس السهولة، بعد تنفيذ جريمتهم. ” بي بي سي”

سارع العديد من السياسيين داخل البرلمان العراقي- على رأسهم نوري المالكي وقيس الخزعلي ومقتدى الصدروحنان الفتلاوي- بنعي الفقيد, تخوفا من غضبة الشارع تجاهم خاصة مع ارتباط أسماء هؤلاء السياسيين بالميليشيات المسلحة التي كان ينتقدها الهاشمي في الفترة الاخيرة.

 تلك الميليشيات المتهمة ايضا بالضلوع في قتل المتظاهرين في العاصمة بغداد، وعدة مدن ومحافظات أخرى، منها كربلاء والنجف والناصرية والديوانية و واسط , في جنوب العراق خلال أشهر الانتفاضة الشعبية في العراق اكتوبر الماضي.

الهاشمي كان داعماً ومشاركاً في الثورة العراقية, والتي تضع على رأس مطالبها ” حصر السلاح بيد الدولة وانهاء المحاصصة الطائفية والفساد وابعاد الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ الغزو الأمريكي ومحاسبة قتلة المتظاهرين“.

اشتهر الهاشمي بعلاقات جيدة مع جميع الاجهزة الامنية العراقية, بسبب تخصصه الفريد في تحليل ودراسة التنظيمات المسلحة.

عملية اغتيال الهاشمي تزامت مع تصاعد وتيرة الصدام بين كلا من: رئيس الوزراء الحالي مصطفي الكاظمي , وفصائل “الحشد الشعبي” الموالية لإيران والتي تقوم بعمليات داخل العراق وخارجها ضد القوات الأمريكية دون الرجوع لأجهزة الدولة في العراق.

مسؤولون حكوميون وصفوا عملية الاغتيال بالقتل العمد – لم يوجهوا أصابع الاتهام إلى جماعة بعينها – والرسالة المباشرة للكاظمي بالتهديد بنشر الفوضى وعودة الاغتيالات إلى البلاد.

*رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي قال : لن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، لتعكير صفو الأمن والاستقرار ,و لن نسمح لأحد أن يحول العراق إلى دولة للعصابات“.

 أعفى الكاظمي المسؤول الأمني عن منطقة “زيونة” التي وقع فيها حادث الاغتيال من منصبه.

* برهم صالح رئيس الجمهورية علق وصفاً اغتيال الهاشمي بأنه “جريمة خسيسة“, وطالب بـ”الكشف عن المجرمين وإحالتهم إلى العدالة“.

* أما الخارجية الأمريكية فنددت بحادثة الاغتيال و اعتبرته إهانة لكرامة الشعب العراقي وقيمه. 

وتعد حوادث الاغتيالات في العراق رهينة التحقيقات التي لم تسفر يوماً عن التوصل إلى الجناة الحقيقيين، وتُنسب دائماً لـ”مسلحين مجهولين“، الأمر الذي يعزوه مراقبون للنفوذ الأمني والسياسي الكبير الذي تحظى به الجماعات المسؤولة عن تلك الحوادث و المدعومة من قبل رؤساء الكتل الحزبية داخل البرلمان العراقي منذ 2005.

و يطرح الاغتيال سؤالاً الان عن سبب استهداف أكاديمي غير محسوب على أيّ طرف عسكري في العراق، وإن كانت آراؤه السياسية كثيراً ما توجهت بالنقد للفاعلين السياسيين في العراق.

من مؤلفات هشام الهاشمي:

 كتاب (عالم داعش .. من النشأة إلى اعلان الخلافة)
كتاب ( نبذة عن تاريخ القاعدة في العراق )
كتاب ( تنظيم داعش من الداخل( 

#العراق_ينتفض

#نريد_وطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *