د. يحيى القزاز يكتب: تعديل قانون تنظيم الجامعات.. مهمة مجتمعية وليست فئوية

وصلتنا رسالة من إدارة الجامعة عن طريق أ.د. رئيس مجلس القسم تطالب أعضاء قسم الجيولوجيا بإرسال مقترحاتهم “فيما يخص إعداد قانون جديد لتنظيم الجامعات.. بحد أقصى صباح يوم الأربعاء القادم حتى يتم تجميع مقترحات أقسام كلية العلوم وإرسالها للجامعة”. وبالنظر لتاريخ تصدير الرسالة الكترونيا، وهو الواحدة ونصف ظهر الإثنين الموافق 19 أبريل ونهاية المدة المتاحة صباح الأربعاء يتضح أن الفترة المتاحة هي أقل من 48 ساعة، بما فيها ساعات النوم وساعات العمل، فكم يتبقى لإعادة قراءة قانون بمواد تتجاوز صفحاته المائة وتحديد المطلوب؟! وهنا تبدو ملاحظة شكلية وإن كانت هامة، فعند تعديل قانون أو إعداد قانون جديد يخص مجتمعا ما، يُسمح بفترة كافية لعمل حوار مجتمعى لمناقشة مواد القانون المقترح وانتقاء أفضل المطروح.

قانون تنظيم الجامعات ليس قانونا فئويا يخص أساتذة الجامعات فقط، بل هو قانون مجتمعى يخص كل المجتمع وإن كان طرفاه أستاذ الجامعة والطالب، فالأستاذ رمز لفئة مهنية والطالب رمز لحالة مجتمعية. كما أن أستاذ الجامعة ليس تاجر “شنطة” (للاسف كما صار حاله منذ زمن وصار يتنقل من مكان لمكان، من جامعة لجامعة، تارة منتدبا وتارة معارا وتارة باحثا عن عمل إضافى)، والتعليم ليس سلعة تباع في السوق لمن يملك الثمن.

التعليم خدمة واجبة على الدولة تؤديها للطلاب كما تؤدى الدولة واجبها فى تحصيل حقها في الضرائب والمخالفات. التعليم خدمة مردوها لصالح الوطن أجمع وليس لصالح الطالب فقط.. بالتعليم الجيد تنهض الأمم.. تتقدم وتسود، وتنهار الأمم بجهل شعوبها.. تتخلف وتُستعبد، ولا تحافظ على استقلالها ولا على أنظمتها الحاكمة، ويسهل غزوها واحتلالها (أمريكا دولة حديثة تسود العالم بقوتها العلمية وتدك وتحتل دولا من حضارات قديمة عريقة).

فعمل حوار مجتمعى يشارك فيه كل المجتمع لتعديل أو تغيير هذا القانون واجب لصالح الأمة، يشارك فيه أولياء الأمور والهيئات الإعلامية وكل مؤسسات الدولة والأحزاب والأفراد لأنه وباختصار هو القاعدة العلمية التي سيبنى عليها صرح مستقبل هذا الوطن إن كنا راغبين حقا في تطوير الدولة للأفضل من خلال تعليم جيد، وعلى القائمين على تغيير هذا القانون إتاحة الفرصة كاملة بفترة كافية للنقاش، للخروج بقانون جيد جديد يلبى احتياجات الحاضر والمستقبل. أما إرسال المقترحات خلال يومين فهو كذر الرماد في العيون ليقال أن وزارة التعليم العالى أبرأت ذمتها، وأخذت أراء أعضاء هيئات تدريس الجامعات المصرية، ويبقى سؤال هاما من الذى سيغربل هذه المقترحات وينتقيها ويصوغها؟!

قانون تنظيم الجامعات هو قانون للتعليم العالى والبحث العلمى لصالح الدولة، وليس حكرا على فئة أساتذة الجامعات، وإن كانوا هم طرفا فيه يبحثون عن مصالحهم، ورفع رواتبهم المتدنية، وخدمة صحية جيدة لهم ولأسرهم، بغض النظر عمن أين يأتي التمويل من الدولة أو من جيوب الطلاب الفقراء؟ كل مهنى يبحث عن لقمة عيشه من خلال ممارسة مهنته.

قد لايعرف الناس أن مرتب عضو هيئة التدريس الحاصل على الدكتوراه هو 6 آلاف جنيه وعمره 35 عاما، أمضى منهم على الأقل حوالى عشرة أعوام في القراءة والبحث العلمى والتدقيق ولكم أن تنظروا كم مرتب نظيره في السن في المؤسسات الحكومية في الجيش والشرطة والقضاء والكهرباء والبترول، ومرتب الأستاذ الجامعى -وهو أعلى درجة علمية- عند بلوغه سن المعاش (60 عاما) حوالى 11 ألفا من الجنيهات المصرية، ومكافأة نهاية الخدمة له من الجامعة عند المعاش هي 34 ألف جنيه، قارنوها بمكافآت الجيش والشرطة والقضاة والكهربا والبترول، وهو الذى علم كل من فاقوه في المرتب. ناهيك عن تواضع الخدمات الصحية لأعضاء هيئات التدريس ولأسرهم مقارنة بالفئات الأخرى وأسرهم.

يقولون: اثنان لايخلصان النصح إن لم يؤتيا حقهما: المعلم والطبيب. بالطبع هما مرغمان لأن وقتهما نتيجة سوء الحال لايتسع لإعطاء المريض حقه ولا المتعلم حقه، لأن كل منهم يبحث له عن مصدر رزق آخر يكفيه ما نقص في مهنته، لذلك رأينا المستشفيات الخاصة باهظة التكاليف في الطب، ومراكز الدروس الخصوصية باهظة المصاريف في التعليم من الإبتدائى للجامعى، وكذلك بيع المذكرة والكتاب الجامعى.

وحين أتحدث عن وضع الأستاذ الجامعى لا أنسى أبدا وضع أستاذ الأساتذة المعلم الأول الذى بدأ مرحلة تعليم الناس قبل أستاذ الجامعة، وهو معلم المراحل ماقبل الجامعى، وبالذات معلم المرحلة الابتدائية، فهو القاعدة الأساسية للتعليم. فأى نهضة مرجوة لايمكن حدوثها بدونه، وهو القاعدة القائمة عليها العملية التعليمية غير مهتم بها. معلموا الابتدائى وماقبل التعليم الجامعى أوضاعهم مزرية حقا فاستوصوا بهم خيرا، واكفوهم شر العوز يكفوكم شر الجهل.

ولمعلمتى الأولى “أبلة” فريدة فضل السيد كل تقدير واحترام، ولولاها ما كنت ماعليه الآن. كانت معلمة ومربية بحق. لها التحية إن كانت حية والرحمة إن غادرت دنيانا.

كرامة الدول من كرامة أفرادها وتكريم معلميها، فهم أهل العلم إن أخلصوا.

أعلاه مقدمة على هامش القانون الجديد.

هل المراد أن يجعل القانون الجديد الجامعة مستقلة حقا كما أرادها أستاذ الجيل لطفى السيد، وأن يجعل التعليم كالماء والهواء كما أراده عميد الأدب العربى د.طه حسين أم يخصخصونه كما يخصخصون الماء؟

وللحديث بقية إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *