د. محمد نعمان نوفل يكتب: ياسين وبهية.. عن اختصار الكلمات في حركة الأجساد

شاهدت رائعة نجيب سرور على المسرح العائم إخراج المخرج الشاب الواعد يوسف مراد منير. نحن أمام مخرج يقدم نفسه منذ البدء في صف مخرجي الوزن الثقيل. إنه لا يتردد على خشبة المسرح ولا تتردد أدواته الفنية. لم تفلت من يدية عناصر الفرجة المسرحية فقد جمعها بقوة ووعي. لقد نجح يوسف مراد في توجيه الممثلين لأداء حركي تعبيري ناجح إلى حد بعيد، اختصر الكلمات في حركة الأجساد وتعبيرات الوجوه فقدم تعبيرا بليغا حمل معاني المعاناة بملحمية إلى الجمهور. قوى الشر في النص كانت باتره أظهر كل صلفها ربما بنفس روح كراهية الشر التي كان يحسها نجيب سرور، وتجنب الميلو درامية في المواجهة. لقد استبدل بالهزيمة شموخ ياسين. رغم القهر والمعاناة أبطال نجيب سرور لم يكونوا مهزومين وحسنا وعي ذلك يوسف مراد منير.

الممثلين، رغم أنهم يخطون خطواتهم الأولى على خشبة المسرح، لكنهم قدموا عرضا ينافسون فيه بعض الكبار. احترموا جمهورهم نبذوا الاسفاف والابتذال، ابتعدوا عن أمراض الإفيه الضاحكة أو الميلودراما المستجدية. اندمجوا مع المأساة وقدموا أداء ملحميا في بعض أجزائه. احترموا الجمهور فبادلهم الاحترام. لو استمرت هذه المواهب الشابة على هذا المستوى من الأداء سوف يكون مكسب كبير للحركة الثقافية المصرية رغم معاناتها.

قدم العرض صوت غنائي متميز في قوته وحضوره ليس مجرد مغني ولكنه صوت للمسرح الغنائي هذه المقدرة على إطلاق الصوت لكي يسبح في أجواء المسرح يحمل المغذي الدرامي قبل الإعجاب بالطرب، مع موسيقى سلسة وغير متكلفة ومعبرة إلى حد بعيد، انسابت مع العرض وكأنها جزء من نسيج واحد. كل هؤلاء شباب وهذه هي الفرحة وهذا هو الأمل.

ولكن، كم تحزنني هذه ال ” لكن”. للأسف نحن لم شاهد ياسين وبهية التي كتبها الراحل الرائع نجيب سرور لقد شاهدنا تجميعا لتراثنا الغنائي الثوري ابتداء من بيرم التونسي حتى أحمد فؤاد نجم وفؤاد قاعود، وحشد من الأغنيات الشعبية. نص نجيب سرور كان يلوح في خلفية الأحداث وكأنه نص ضال. هذا التدخل بالغ الجرأة في نص نجيب سرور أفقد العمل ترابطه الدرامي، وتسبب في سقوط رتم الإيقاع المسرحي لبعض الوقت. إنني أعجب من تدخلات كهذه في نص مكتوب باحترافية عالية وهو واحد من أهم نصوص المسرح الشعري في الأدب المسرحي. يا يوسف أنت لست أمام نص ضعيف لكاتب مهزوز يحتاج لمساعدتك !! نص نجيب سرور لا ينبغي المساس به، لأن أي تدخلات على النص سوف تفقده الكثير، وهذا ما حدث. نجيب سرور كان يكتب أعماله كبناء متكامل من الأساسات إلى البناء إلى الزخارف إلى الطلاء لا يترك شيئا للصدفه. جمل نجيب سرور غير قابلة للاستبدال، وإذا استبدلت لن يكون البديل في نفس القوة والتأثير. لللأسف لقد عبثت يداك في نص يعد من أيقونات الشعر المسرحي.

لا أريد أن أزيد حتى لا أعكر صفو فرحتنا بيوسف مراد منير كمخرج  واعد يمتلك أدواته. إصنعوا الفرجة المسرحية كما تشاءون ولكن بعيدا عن النصوص الإيقونية، إنها الإرث الباقي لنا وبها نعيش.

ملحوظة إخراجية ربما تفيد في شيء ما. قدم المخرج مشهد مقابلة ياسين لروح أبيه بلا عناية كافية وجاءت على طرف خشبة المسرح، رغم أن هذا اللقاء أحد نقاط التصاعد الدرامي في النص، إنه يعكس روح هاملت المعذبة الساكنة روح نجيب سرور نفسه.

ملحوظة محزنة، وسط العرض إضطر الممثلون للصمت لأن صوت إذان العشاء يصدح في الخارج، وكأن المسرح رجس من عمل الشيطان ولا ينبغي أن نقدم فنا راقيا في حضرة الآذان. هذه مصادرة للعقل وفرض ثقيل للرأي الآخر.

عن إمكانات خشبة المسرح، لن أقول غير أن على وزارة الثقافة أن تخجل من نفسها لغياب الكثير من التجهيزات الفنية وكان أهمها أدوات مناسبة للصوت، فضلا عن قذارة المسرح وتراكم الأتربة على خشبته. إخجلوا من أنفسكم ما هكذا نوفر البيئة الفنية المناسبة لدعم واحتضان هذه المواهب الشابة الواعدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *