د. عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب: غاز غزة.. المسكوت عنه في حروب إسرائيل

“إنه الغاز يا غبي”، هكذا وصف الصحافي السعودي “حسين شبكشي” في مقاله بصحيفة “الشرق الأوسط” المشهد الدموي في غزة وحرب الإبادة الإسرائيلية على سكانها. في إشارة إلى أن غاز غزة كان في قلب الحروب الإسرائيلية السابقة، ولا يمكن تجاهل دوره في حرب الإبادة الحالية، بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن فهم ترتيبات ما بعد الحرب في غزة بعيدًا عن موضوع الغاز.
زادت أهمية غاز غزة، وغاز شرق المتوسط عمومًا، بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الغاز وأزمة الطاقة. مع ذلك، تُغيب قصة الغاز عن تحليل أسباب الحرب وأهدافها. بدأت قصة الغاز عام 1999. كانت اتفاقيات أوسلو قد أقرت للفلسطينيين بحق ممارسة السيادة على مناطقهم البحرية، وفي عام 2000، أعلنت شركة الغاز البريطانية “بي. جي” اكتشاف حقلين للغاز قبالة ساحل غزة هما مارين-1 ومارين-2، وقُدرت الاحتياطيات في الحقلين بأكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز، وهي كمية تكفي لتلبية الطلب الفلسطيني الداخلي وتسمح بالتصدير وعائدات تقدر بأكثر من مليار دولار سنويًا.
منحت السلطة الوطنية الفلسطينية للشركة رخصة التنقيب وحصة 90% لمدة 25 سنة، ويتضمن ذلك إنشاء الشركة البنية التحتية اللازمة. ودشّن “ياسر عرفات” المشروع، وقال أن “الغاز هبة من الله لشعبنا، وأساس قوي للدولة الفلسطينية”. وقال رئيس الوزراء البريطاني “توني بلير” أن تطوير الشركة البريطانية لمشروعات غاز غزة البحرية سوف يجلب التنمية لدول المنطقة. لكن إسرائيل كان لها رأي آخر، ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، إرييل شارون، ليساعد عرفات والسلطة الفلسطينية.
ومع أن غاز غزة كان أول الاكتشافات المهمة في شرق المتوسط، لكن إسرائيل عطلت بكل الوسائل المشروع منذ البداية. لمدة تزيد على ثلاثة وعشرين عامًا، تمنع إسرائيل تطوير المشروع وتحرم الفلسطينيين من عائدات بمليارات الدولارات، وتكرس لاعتماد الفلسطينيين على إسرائيل في امدادهم بالكهرباء والمياه والغاز وبسعر السوق. في الوقت نفسه، اكتشفت إسرائيل حقول جديدة وطورت حقولها، وزاد إنتاجها وصادراتها من الغاز في السنوات الماضية، وتطمح في أن تكون لاعبًا كبيرًا في سوق الغاز، وأن يكون الغاز الإسرائيلي بديلًا للغاز الروسي في السوق الأوربية.
وعندما وافقت السلطة الفلسطينية على خطة الشركة البريطانية لبناء خط أنابيب يصل إلى موقع للتصفية والتكرير في غزة، اعترضت إسرائيل وأصرت على أن يصل خط الأنابيب إلى ميناء يقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وعلى أن يباع فائض إنتاج الغاز الفلسطيني لإسرائيل، وبسعر تفضيلي يقل عن سعر السوق العالمية. ودخل الجيش الإسرائيلي على خط المعارضة للمشروع.
كتب الجنرال “موشيه يعالون”، ( وهو عسكري متطرف أصبح فيما بعد وزيرًا للدفاع في الفترة بين 2013-2016) في ورقة لمركز القدس للسياسة العامة، أن عائدات الغاز الفلسطيني التي يقدر أن تزيد على مليار دولار، “لن تصل على الأرجح للشعب الفلسطيني “الفقير”، لكنها “سوف تستخدم في تمويل هجمات إرهابية على إسرائيل”. كانت كلماته واضحة جدًا: “بدون عملية عسكرية شاملة للقضاء على سيطرة حماس على غزة، لا يمكن القيام بأي أعمال حفر دون موافقة الحركة الإسلامية المتطرفة”. وبعد أن فازت حماس بالانتخابات النيابية عام 2007، أطبقت إسرائيل الحصار العسكري والبحري على غزة، ما منع عمليًا أي تطوير في حقول الغاز. في الوقت نفسه، دخلت شركة الغاز الإسرائيلية “يام ثيتس” في نزاع قانوني طويل ضد ترخيص شركة الغاز البريطانية، مما أدى إلى المزيد من الإرباك والتعطيل للمشروع.
وبعدَ عامٍ واحد، وفي السابع والعشرين من ديسمبر 2008، شنت القوات الإسرائيلية حرب عملية “الرصاص المصبوب”، بهدف إعادة غزة “عقودًا إلى الماضي”، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني و 13 إسرائيليًا. وضد كل القوانين الدولية، أعلنت سيادتها على محيط غزة البحري، وأدى ذلك إلى أن تغلق شركة الغاز البريطانية مكاتبها في “تل أبيب”.
في 2009 اكتشفت إسرائيل حقل تمار، وفي العام التالي، أعلنت عن اكتشاف حقل أكبر هو ليفياثان. وفرت هذه الاكتشافات الجديدة لإسرائيل موردًا كبيرًا للغاز، سمح لها بزيادة الانتاج وحل أزمة الطاقة الداخلية، وسمح لها أيضًا بتصدير الغاز. لكن، وفي نفس الوقت، وضع إسرائيل أمام أحد أكبر التحديات التي تواجهها، وبحسب دراسة ل”معهد هازار الاستراتيجي”- ومقره اسطنبول- يتمثل هذا التحدي في حماية البنية التحتية البحرية الجديدة للغاز في شرق المتوسط، والتي تعتبر حيوية لأمن الطاقة والاقتصاد في إسرائيل.
لم تتأخر الحكومة الإسرائيلية كثيرًا، ففي صيف 2014، شنت بقيادة نتنياهو جولة أخرى من الحرب واسعة النطاق على غزة، وكان أحد أهداف الحرب ضمان الاحتكار الإسرائيلي لحقول الغاز. أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 2100 فلسطيني، ثلاثة أرباعهم كانوا من المدنيين. وفي تغطيتها لأخبار الحرب، قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن مشاكل الطاقة في إسرائيل، جعلت المنافسة على الغاز في قلب الحرب في غزة، وإنه في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، فإن المنافسة للسيطرة على مصادر الطاقة تؤثر- على نحو متزايد- على القرارات السياسية الحاسمة، والتي يمكن أن تشعل الحرب”.
في ظروف غامضة، وفي عام 2016، استحوذت شركة “شل” الهولندية على شركة الغاز البريطانية “بي. جي” وحصصها في مشروع غزة، واستحوذت شركة المقاولين المتحدين الفلسطينية وصندوق الاستثمار الفلسطيني على حصص الشركة في الحقول، 50% لكل طرف. صفقة غامضة، قيمتها 52 مليون دولار، علمًا بأن الاحتياطيات في تلك المنطقة قُدرت بأكثر من 425 مليار دولار أميركي. بعد عامين، ومرة أخرى، في ظروف غامضة، خرجت شركة “شل” من المشروع في 2018، وانسحبت منه تمامًا من دون إبداء الأسباب!
في مارس 2018، أعلنت شركة “رويال داتش- شل” أنها ستتخلى عن حصتها في حقول غزة. وفي يونيو من نفس العام، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن شركة “إنرجيان” الإسرائيلية، تتفاوض مع السلطة الفلسطينية لتطوير الحقول البحرية في غزة. وقالت مصادر للصحيفة أن دخول غاز غزة مرحلة الانتاج سيفيد إسرائيل ايضًا.
عاد مشروع غاز غزة إلى الواجهة بقوة بعد ارتفا أسعار الغاز وأزمة الطاقة عقب الحرب الروسية في أوكرانيا. وساعد على ذلك أيضًا إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر وفلسطين وإسرائيل. نوقش موضوع الغاز الفلسطيني في اجتماعات “العقبة” و”شرم الشيخ”، حيث حثت الولايات المتحدة ومصر إسرائيل على أن تعطي الضوء الأخضر لانطلاق المشروع. وفي العام الماضي، وقع الاتحاد الأوربي ومصر وإسرائيل على “مذكرة تفاهم” تقضي بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوربا عبر مصر. وفي نفس السياق، يمكن أن نفهم الاتفاق البحري بين إسرائيل ولبنان الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، وكذلك، إعلان مكتب رئيس الورزاء الإسرائيلي في يونيو الماضي، أن إسرائيل لا تمانع من تطوير حقول غاز غزة، بشرط ضمان تحقيق الأمن لإسرائيل!
ويبدو أن صفقة ما كانت تطبخ في الخفاء، وسادت أجواء من التفاؤل على شرق المتوسط، وبدا وكأن دول المنطقة، وبعد كثير من الحروب، على وشك الدخول إلى مرحلة جديدة من التعاون والأمن. كتب السفير “هشام يوسف” تحليلًا على موقع معهد الولايات المتحدة للسلام قال فيه أن الطاقة أصبحت أساسًا لاتفاقيات يمكن أن تكون مربحة للجانبين، وإن صفقة غاز غزة، يمكن أن تفيد الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة. لم يغفل التحليل وجود عدد من التحديات التي تواجه المشروع، مثل ملف الأسرى وشرط إسرائيل ألا تذهب أموال الغاز لدعم حماس، لكن التحدي الأكبر هو الملكية المشتركة لحقل غاز، تزعم إسرائيل أن 70% من الغاز يقع إلى جانبها. وبغض النظر عن النسب المئوية لحقوق الطرفين في الغاز، فإن المضي قدمًا في المشروع يتطلب الاعتراف بالحدود البحرية، وهو أمر غير وارد في ظل الحكومة الحالية في إسرائيل.
وألمح السفير إلى أنه “إذا صمد التفاهم بين السلطة الفلسطينية وحماس، فقد يكون نقطة انطلاق نحو المصالحة..وإعادة الإعمار…والتعاون الإقليمي”. لكن عندما أعلنت السلطة الفلسطينية قرب الوصول إلى اتفاق مع مصر لتطوير غاز غزة، اعترضت حركة حماس، وقالت أن السلطة غير مخولة بالتصرف في هذا الملف وأشارت إلى قضايا فساد في السلطة.
استراتيجية إسرائيل للطاقة تعتمد على حقلي ليفياثان وتمار، الأول 22 تريليون قدم مكعب، والثاني 13 تريليون قدم مكعب، وتديرهما شركة “شيفرون” الأمريكية. بالإضافة إلى حقول أصغر، مثل كاريش وكاريش الشمالي وتانين، وتديرهم شركة “إنرجيان”. حققت إسرائيل مكاسب من الغاز قبل الحرب. وفقًا للأرقام الحكومية، زاد إنتاج إسرائيل من الغاز وزادت الصادرات في العام الماضي، وصل الإنتاج إلى 21.92 مليار متر مكعب، وكان الاستهلاك المحلي 12.71 مليار متر مكعب، وتم تصدير 9.2 مليار متر مكعب.
وبحسب أرقام الحكومة الإسرائيلية، ذهبت 63% من صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، و 37% إلى الأردن. وحصلت إسرائيل خلال النصف الأول من العام الجاري على 263 مليون دولار من عائدات الغاز، بزيادة قدرها 23% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ومن المتوقع أن يضيف تطوير حقول ليفياثان وتمار وكاريش، أكثر من 15 مليار متر مكعب سنويًا من الإمدادات بحلول عام 2026.
ثم جاء السابع من أكتوبر، طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية الأكثر وحشية وتدميرًا على غزة. وبعد يومين فقط، في 9 أكتوبر، علقت إسرائيل الإنتاج في حقل تمار لأسباب تتعلق بالأمن، وفي وقت لاحق، أغلقت محطة النفط في عسقلان أمام السفن لنفس الأسباب. وبحسب تقرير ل”معهد واشنطون لسياسة الشرق الأدنى” الأمريكي عن تأثيرات الحرب على الطاقة والأمن على دول شرق المتوسط، انخفض إنتاج مصر من الغاز وانخفضت صادرات الغاز المسال في العام الماضي.
وفقًا لمبادرة “بيانات المنظمات المشتركة” بلغت تقديرات الإنتاج في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري في مصر حوالي 5.076 مليار متر مكعب، بانخفاض قدره 12% مقارنة بنفس الفترة من عام 2021. وفي الوقت نفسه، انخفضت الصادرات، وإذا استمرت على نفس الوتيرة، فيتوقع أن تنخفض إلى 3.4 مليون طن متري بحلول نهاية العام الجاري، مقارنة ب 7.1 مليون طن متري في عام 2022.
يشير التقرير إلى أن مصر التي تنتج الغاز، وتطمح لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة في شرق المتوسط، زاد اعتمادها على الغاز الإسرائيلي في السنوات الأخيرة. زادت واردات الغاز الإسرائيلية التي يتم نقلها من عسقلان إلى العريش منذ عام 2020، وزادت أيضًا تدفقات الغاز عبر خط أنابيب شرق المتوسط إلى مصر، لتصل إلى 5.81 مليار متر مكعب، مقارنة ب 4.23 مليار متر مكعب في 2021. وفي العام الماضي، سعّت مصر لزيادة الواردات الإسرائيلية من حقل تمار، لكن الصفقة أصبحت على المحك، عندما أعلنت مصر في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي أن تدفقات الغاز من إسرائيل قد توقفت. صحيح أن الامدادات قد عادت إلى ما كانت عليه بعد شهر من التوقف، وهذه ليست المرة الاولى التي تتوقف فيها امدادات الغاز الاسرائيلية إلى مصر، ففي حرب العام 2021، توقفت الامدادات لمدة 11 يومًا فقط.
لم تؤثر الحرب فقط في صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، لكنها عطلت أيضًا واردات إسرائيل من النفط الخام. تستورد إسرائيل حوالي 210 ألف برميل من النفط الخام يوميًا. وخلال السنوات العشرة الماضية، كان نفط كردستان-العراق يتدفق بسهولة وبسعر تفضيلي إلى إسرائيل. تأتي معظم الواردات عبر ثلاثة مواني، عسقلان وحيفا على البحر المتوسط، وإيلات على البحر الأحمر. وبحسب بيانات شركة استخبارات الشركات “كبلر” عن شهر سبتمبر الماضي، إسرائيل استوردت 179 ألف برميل يوميًا عبر ميناء عسقلان، وحوالي 30 ألف برميل عبر ميناء حيفا، و عدد قليل من الشحنات عبر ميناء “إيلات” على البحر الأحمر، بعد إغلاق عسقلان. وحاليًا، تأتي حوالي 60% من واردات النفط الخام من أذربيجان وكازاخستان، والباقي يأتي من نيجيريا والجابون والبرازيل ومصر.
ولأن معظم واردات إسرائيل من النفط الخام تأتي من البحر الابيض المتوسط والبحر الاسود، فإن استمرار الحرب لفترة أطول، قد يجبر الناقلات على الإبحار عبر مسار أطول- عبر قناة السويس إلى إيلات بدلًا من عسقلان- ما يضيف حوالي أربعة أيام إلى زمن الرحلة ويرفع من تكاليف الشحن. وإذا أضفنا إلى ذلك، هجمات الحوثيين في اليمن على السفن الإسرائيلية و السفن المتجهة إلى المواني الإسرائيلية، فسوف ترتفع التكاليف أكثر وستزيد المخاطر.
هذه هي المرة الثانية التي تشهد فيها واردات النفط الإسرائيلية انقطاعًا هذه العام. ففي شهر مارس الماضي، قضى التحكيم الدولي لصالح حكومة العراق في الدعوى التي رفعتها ضد تركيا بسبب انتهاكها للاتفاقيات الثنائية، وسماحها بتصدير نفط كردستان عبر ميناء “جيهان” التركي إلى إسرائيل، وقضى بتعويض وغرامة 1.5 مليار دولار لحكومة العراق. وفي نفس الشهر، توقفت إمدادات الخام الكردي لإسرائيل عبر ميناء “جيهان”.
نتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل إلى زيادة واردات النفط الخام من بلدين: “أذربيجان”، والذي يأتي عبر ميناء “جيهان” أيضًا. وكازاخستان، التي يتم تحميل شحناتها في محطة يوزنايا أوزيريفكا على البحر الأسود، بالقرب من مدينة نوفوروسيسك الروسية. وعلى كل، فإن استبدال أنواع النفط الخام ليس بهذه السهولة، لأن الجودة تختلف من مورد إلى آخر، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة التكاليف.
وجدير بالذكر، أن إسرائيل شاركت بالنصيحة والعمل المشترك إلى جانب حكومة أذربيجان في طرد حوالي مائة ألف أرمني من بيوتهم من أجل مد خط أنابيب لنقل النفط من باكو إلى الهند وباكستان ودول أخرى. فهل كانت هذه الجريمة التي شاركت فيها إسرائيل “بروفة” لحملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل الآن في قطاع غزة؟!
في لبنان، الذي يعاني منذ سنوات من أزمة مالية، أثرت بشدة على قطاع الطاقة الضعيف في الأساس، تواجه الحكومة صعوبات في تمويل شراء المنتجات النفطية الضرورية، لتزويد محطات الكهرباء بالوقود. محطتان فقط، تعملان بالغاز، الزهراني في الجنوب ودير عمار في الشمال، تعملان حاليًا، ولكن مع انقطاعات متكررة.
ويعلق اللبنانيون آمالًا عريضة على اتفاق الحدود البحرية الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بين لبنان وإسرائيل. يقضي الاتفاق بأن حقل كاريش ملك لإسرائيل، أما حقل قانا فهو حقل مشترك بين لبنان وإسرائيل، ومع إن الأول دخل مرحلة الإنتاج منذ العام الماضي، لم تؤدي عمليات الاستكشاف في حقل قانا (31-1)، التي قامت بها شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية، إلى الكشف عن وجود النفط أو الغاز. ومن شأن استمرار الحرب لفترة أطول، أو نشوب حرب على نطاق أوسع، أن تؤثر على حركة الشحن إلى لبنان، وأن تزيد من الضغوط على اقتصاد لبنان المتعثر.
لا تتوقف شركات النفط والغاز عن العمل في أوقات الحروب، ولا تهتم بدفن الموتى، تواصل أعمالها في الحفر والتنقيب والتطوير، سواء كانت البلاد في حالة حرب أم لا. ففي التاسع والعشرين من اكتوبر الماضي، وبعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الحرب، وهو نفس اليوم الذي أعلنت فيه مصر توقف أمدادات الغاز من إسرائيل، وجدت إسرائيل الوقت الكافي للإعلان عن منح اثنى عشر ترخيصًا للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، لست شركات نفط مختلفة من حول العالم.
تضم قائمة الشركات: شركة “بي. بي” البريطانية، وشركة “إيني” الإيطالية، وشركة “سوكار” المملوكة للدولة في جمهورية أذربيجان، وشركة “دانا بتروليوم” المملكة المتحدة، بالإضافة إلى شركتين إسرائيليتين، هما: ريشيو إنرجيز و”نيو ميد”. ومن اللافت، أن بعض هذه التراخيص تقع في مناطق محاذية لبحر قطاع غزة.
وفي العشرين من ديسمبر الجاري، تحدث الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجيان” الإسرائيلية للطاقة أمام مؤتمر الأعمال الإسرائيلي العالمي. وبحسب موقع الشركة الإلكتروني، تمتلك إنرجيان الأصول الثابتة في حقول كاريش وكاريش الشمالي وتانين، وأحد أهم الموردين للغاز الإسرائيلي، ولها مشروعات في تسع دول في شرق المتوسط وبحر الشمال. وهي نفس الشركة، التي تفاوضت مع السلطة الفلسطينية عام 2018 لإدارة حقول غاز غزة.
قال الرئيس التنفيذي للشركة أن الاستقلال في مجال الطاقة مهم، بغض النظر عما إذا كانت هناك حرب أم لا، وإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في حوض البحر المتوسط، التي تتمتع بالاستقلال في مجال الطاقة. وإن الخطأ الذي ارتكبه الأوربيون، هو أنهم سلموا مفاتيح الطاقة للرئيس الروسي، وعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أسعار الغاز في العالم، لكنها لم ترتفع في إسرائيل. وأثنى على رؤساء الحكومة السابقين في إسرائيل الذين لم يستسلموا للضغوط، وقال إن النزاع حول خطة إسرائيل للغاز قد تم حسمه.
ولأن شركات النفط لا تهتم بالحقوق، طالب إسرائيل بالمضّي قدمًا في خطتها للغاز، وألا تلتفت إلى الحجج والاحتجاجات والنزاعات حول من يملك الحقوق. وردًا على سؤال ما إذا كانت الحرب على غزة قد زادت من المخاطر والتهديدات الأمنية، قال: “إن كل من يختار العمل في مجال الغاز والنفط في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​يجب أن يكون مستعدًا لمواجهة مثل هذه التحديات”. “نحن ملتزمون تجاه إسرائيل…نحن نشعر بالارتياح في هذا البلد… ومستمرون في تحمل المخاطر”.
ولأن الشركات لا تهدف إلا للربح والنمو، قال إنه يرى أن “لا فائدة في الاحتفاظ بالغاز في الأرض”، لأنه إذا لم تتمكن الشركات من تحقيق الأرباح، فلن تقوم بتطوير أية مشروعات جديدة، وبالتالي لن يكون هناك غاز. واختتم رئيس الشركة كلامه بقوله: ” أنا لا أعرف ماذا سيحدث بعد مائة عام”…”هذا هو الوقت المناسب لاستغلال الموارد، ليس فقط في إسرائيل، بل في جميع الدول”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *