جمال عبدالقادر يكتب: هل حاربت السينما المصرية التحرش أم روجت له؟

التحرش من الظواهر الإجتماعية التي ظهرت على الساحة بشكل قوي في السنوات الأخيرة وأصبحت خطراً يهدد المجتمع، وفي محاولة لتفسير أسباب هذه الظاهرة، كانت السينما هي المتهم الأول في تفشي هذه الظاهرة وأنها روجت للتحرش اللفظي والجسدي، عندما قدمته في إطار الغزل وأنه أمر مرغوب ومحبوب بين الحبيب والحبيبة، كما تم الترويج لأن الفتاة تحب التحرش اللفظي والغزل وتسعد به لأنها تشعر من خلاله أنها جميلة ومرغوبة من الرجال !!، ومن خلال هذه الأفلام تم تسريب وترويج هذه المفاهيم الخاطئة بشكل كوميدي و لطيف على طريقة السم في العسل، حتى رغب فيها الشباب والفتيات، ومن هنا انتشرت ظاهرة مغازلة الفتيات بشكل لائق وأحيانا كثيرة بشكل غير لائق في محاولة لتقليد نجم السينما و ظنا منهم أنهم قد يصلوا لقلب الفتاة كما حدث في الفيلم.

التحرش اللفظي هو الطريق لقلب الفتاة

البداية كانت من خلال الافلام الرومانسية والكوميدية في سينما الأبيض والأسود، عندما قدمت السينما محاولة البطل للوصول لحبيبته بكل الطرق ومنها مغازلتها بمفهوم الفترة وقتها والذي عُرف بعد ذلك انه تحرش لفظي، وتم هذا التحرش في إطار لطيف، رومانسي احيانا وكوميدي أحيانا اخرى وتزعم هذا النوع نجوم لها شعبية مثل احمد رمزي، رشدي اباظة، حسن يوسف، فؤاد المهندس، و عبد المنعم إبراهيم لـ نعمة مختار في  ثلاثية نجيب محفوظ، حيث تم تقديمه في إطار أنه شيء محمود وجيد وليس بهدف التحذير ومنه ورفضه، تم تقديمه كأنه الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الحب والاهتمام والإعجاب، وبعد أن نجح البطل في الوصول لحبيبته اصبح طبيعيا أن يتبع الجمهور خاصة المراهقين منهم نفس الأسلوب في الغزل للوصول لنفس النتيجة وهو إعجاب حبيبته و تجاوبها معه.

تطور الامر لتحرش جسدي  في مرحلة تالية، تحول لأكثر فجاجه وسوقية على يد محمد عوض ثم عادل إمام والتي رأت كثير من جمعيات ومنظمات حقوق المرأة أنه أكثر فنان أهان المرأة وتحرش بها في أعماله و قدمها كأنها جسد بلا روح او احساس، جسد كل أهميته هو الاستمتاع به، حيث تحول الأمر من الغزل إلى تحرش لفظي وايحاءات جنسية ثم تحرش جسدي من خلال تلامس بعض الأجزاء من الجسد والضرب على المؤخرة كما في معظم أفلام عادل إمام، حدث هذا في إطار كوميدي ظريف، ثم عاد التحرش اللفظي مرة أخرى بشكل أقل سوقية مع جيل الشباب عز، السقا، كريم، تامر حسني، ومع ظهور سينما العشوائيات والبلطجة دخلنا في مرحلة أكثر من السوقية والفجاجة والقُبح، حيث أصبحت الإيحاءات الجنسية الفاظا صريحة والتحرش الجسدي زاد أكثر مثل ما قدمه طارق العريان في فيلم أولاد رزق بجزئيه، وأنتشر التحرش في المجتمع من خلال هذه الأعمال حيث عمد الشباب على تقليد نجومهم الكبار ومع زيادة معدلات البطالة والكبت وغياب القانون واتباع سياسة البلطجة والمرازية، أنفجرت القنبلة في وجه الجميع و تبادل الكل الاتهامات ومنها السينما المتهم الأول.

هل واجهت السينماالتحرش؟

كما قلنا الأمر في البداية كان في إطار المغازلة اللطيفة احيانا والمتجاوزة أحيانا اخرى، ولم يكن لفظ تحرش قد ظهر وقتها، لكن ظاهرة الرجل المتحرش المريض تم تقديمها لاول مرة في فيلم بين السما والارض لـ صلاح ابوسيف، عن موظف (قدمه سعيد ابو بكر) يترك عمله ويسير خلف النساء في الشارع يتحرش بهم ويُلامس أجسادهن في المواصلات العامة وفي المصاعد، وبعد حبسه في المصعد يندم على ما فعله ويقرر التوبة، ولكن بعد خروجه يعاود هذا الفعل المشين مرة ثانية، وفي فيلم دعاء الكروان قدم بركات، الباشمهندس (نلاحظ انه بلا اسم كنوع من التحقير) مهمته في الحياة التحرش الجسدي بالخادمات ومواعدتهن، إما بالترغيب والمشاعر الكاذبة أو بإستغلال حاجتهم للعمل والمال وكانت النهاية هي

القتل حيث لا يوجد قانون يعاقبه عن ما فعله.

وجاءت حادثة قتاة المعادي في الثمانينات من القرن الماضي، لتستغلها السينما استغلال تجاريا دون التعمق في أسباب الحادث و دراستها كمرض إجتماعي ظهر وله أسباب و طرق علاج ولا كيف نواجهه، حيث تم تقديم عملين، المغتصبون لـ سعيد مرزوق، وأغتصاب لـ علي عبد الخالق

وحقق العملان نجاحاً كبيراً وأنتهى الأمر، حيث لم يتم تناول الظاهرة بشكل جاد وعميق وعادت السينما لتقديم نموذج الشاب الظريف المتحرش بالفتيات اللاتي يعجبن بهذا التحرش ويقعن في حب البطل بسبب هذا التحرش كما في كل أفلام تامر حسني أحد رواد التحرش اللفظي و الجسدي في السينما الان.

محاولات جادة لكنها قليلة

وفي محاولة جادة لمواجهة ظاهرة التحرش قدم محمد دياب فيلم (678) ويكاد يكون هو الفيلم الوحيد الذي تناول ظاهرة التحرش بشكل مباشر حيث تدور أحداثه حول تعرض ثلاث فتيات للتحرش الجسدي في الطريق العام وتقرر كل منهن مواجهة الحادث بطريقة مختلفه، الغريب في الأمر أن

جمعيات و منظمات حقوق المرأة هاجمت الفيلم واتهمته أنه آهان المرأة وعمد إلى تشويه المرأة المصرية والدولة المصرية !! على أعتبار أن كل الأفلام التي جاء فيها تحرش لفظي و جسدي بشكل روّج له لم تُهِن المرأة والمجتمع، وبشكل عرضي داخل الفيلم تم تقديم ظاهرة التحرش في فيلم عمارة يعقوبيان من خلال صاحب محل الملابس وتحرشه بالعاملات في محله وقبولهن للتحرش تحت ضغط الفقر والحاجة للعمل، وأيضا فيلم واحد

صفر والذي تناول ضمن احداثه تعرض إحدى البطلات للتحرش في أتوبيس عام وأخرى في الشارع أثناء الإحتفال بفوز المنتخب بكأس أمم أفريقيا.

في قضية التحرش .. لم تنجح السينما

في النهاية نستطيع أن نقول أن السينما المصرية هي من روجت للتحرش في البداية، قبل أن يكون هذا اسمه عندما قدمته في إطار ظريف مرغوب فيه جعلت الشباب تقوم بنفس هذا الأمر في الواقع وبعد أن تحول الأمر لظاهرة وخطر حاولت التصدي له، من خلال محاولات ضعيفه وقليلة.

خيط رفيع و حاد بين تقديم ظاهرة والتعرض لها من أجل مواجهتها وبين التعرض لها بغرض استغلالها تجارياً وتقديمها في إطار يؤدي لزيادتها وترغيب الجمهور فيها، هذا الخيط اسمه الوعي، وعي صانع السينما بما يقدمه و كيف يقدمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *