بعضهم خفض إنتاجه لأكثر من النصف.. تقرير: شبح الإغلاق يطارد المصنعين في مصر بسبب شح الدولار 

وكالات  

تواجه الصناعة في مصر أزمة خانقة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وشح الدولار اللذين تسببا في تراجع الإنتاج ووقف الخطط التوسعية، وهددا بإغلاق عدد كبير من المصانع التي تعمل في القطاعات الاستراتيجية، بسبب ضعف القدرة التنافسية، بحسب 8 مصنعين تحدثوا مع “الشرق”. 

تعيش مصر أزمة اقتصادية صعبة، تفاقمها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح شديد في السيولة الدولارية لديها بسبب تراجع تحويلات العاملين في الخارج والصادرات بشكلٍ خاص. ويبلغ سعر الصرف الرسمي 30.9 جنيه للدولار في البنوك، بينما تجاوز السعر في السوق السوداء مستوى 70 جنيهاً خلال الأيام القليلة الماضية. 

وعانى القطاع الصناعى، خلال آخر عامين، من ارتفاع الأسعار عالمياً إلى جانب نقص سلاسل الإمدادات الناتجة عن تداعيات فيروس كورونا والحرب الروسية فى أوكرانيا، فضلاً عن تضرّر العديد من المصنعين والشركات محلياً من قرار العمل بالاعتمادات المستندية، وهو الإجراء الذي تم تطبيقه على الاستيراد، وأخيراً أزمة البحر الأحمر. 

محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، يقول إن المشكلة الرئيسية للمصانع حالياً هي الدولار واستمرار أزمة نقص الخامات، وسيتسببان في اتجاه بعض المصانع إلى الغلق لعدم قدرتها على الإنتاج. وقال: “أغلب المصانع تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة”. 

البهي أضاف في حديثه لـ”الشرق”، أن الأزمة أثرت على منافسة المنتجات المصرية مع نظيراتها بالخارج نظراً لارتفاع التكلفة.. “خسرنا موردين بالخارج بسبب عدم القدرة على السداد وهو ما أدى إلى توقف التوريد”. 

أضاف البهي أن أزمة نقص الإنتاج بالمصانع وتسعير المنتجات بسعر الدولار بالسوق الموازي أديا لارتفاع الأسعار بشكل قياسي مما أثر على القوة الشرائية للمواطن البسيط وهو الأكثر تضرراً، وبالتالي أدى لانكماش الطلب بالأسواق وهو ما سيؤثر بالتبعية على انخفاض عائدات الضرائب المستهدف جمعها والاتجاه إلى الاستدانة مما يؤثر على الموازنة العامة للدولة. 

أزمة نقص الدولار تسببت في ارتفاعات قياسية طالت جميع السلع والمنتجات بالبلاد، وفي مقدمتها سلع أساسية على رأسها الزيت والسكر والأرز والبيض واللبن واللحوم والبقوليات، والحديد والسيارات. 

لم تقف أزمة الدولار عند قطاع بعينه بل طالت جميع القطاعات وعلى رأسها مواد البناء “المحرك الرئيسي لسوق العقارات بمصر”، والذي أصبح يتم تسعيره بشكل “جزافي وعشوائي”، بحسب أحمد عبدالحميد رئيس غرفة صناعات مواد البناء باتحاد الصناعات. 

عبد الحميد قال في حديثه لـ”الشرق”، إن المصنعين أصبحوا لا يستطيعون حساب أسعار التكاليف والتشغيل والطاقة الإنتاجية، وإن البعض بدأ يلجأ لمبدأ “الاحتياط في التسعير”، فبدلاً من زيادة المنتج مثلاً “100 جنيه يتم رفعه 400 جنيه للتحوط من ارتفاع الخامات”. 

أثرت أزمة نقص الدولار على كل القطاعات التابعة للصناعات الهندسية، إذ يعتمد القطاع على المكون المستورد في المقام الأول، من خلال استيراد كافة المادة الأولية للصناعة، بحسب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، محمد المهندس، الذي أكد في حديثه مع “الشرق” أنه في حال استمرار الوضع على النحو الحالي، فيُتوقع تأثر صادرات الصناعات الهندسية بشكل كبير. 

المهندس كشف عن خطر بدأ يراود القطاع، تمثل في إقبال عدد من المصنعين على “الغلق المؤقت”، بسبب عدم استقرار أسعار الخامات المتغيرة بشكل يومي، مؤكداً أن بعض المصنعين اشتكوا من تعرضهم للخسارة نتيجة تغيّر سعر الخامات عقب انتهائه من مراحل التصنيع والبيع، وأن ثمن المواد الأولية عند إعادة شرائها قد يتجاوز سعر بيع المنتج النهائي. 

“بدأنا في استخدام الألومنيوم بدلاً من النحاس في بعض الصناعات بسبب ارتفاع أسعاره لمستويات غير مسبوقة”. 

لا يختلف الحال كثيراً في صناعة الملابس والمنسوجات، حيث تقول ماري لويس بشارة، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، إن هناك ضغوطاً تمارسها الأسواق العالمية على مصدري الملابس الجاهزة في مصر نتيجة اضطراب سعر الصرف في مصر حالياً، وأنهم يضطرونهم لخفض أسعار صادراتهم بصورة كبيرة حتى يحصلوا على طلبيات مقارنة بأسعار بلدان مثل بنغلاديش ودول شرق آسيا المنخفضة، خاصة في ظل وجود ركود في السوق العالمي حالياً. 

أضافت لويس لـ”الشرق”، أن الأسواق العالمية تراقب حركة الجنيه المصري مقابل الدولار، وعند حدوث أي “تحرير لسعر الصرف” أو خفض لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، يتم الضغط على المصدرين لتخفيض الأسعار، نتيجة زيادة قيمة الدولار أمام العملة المحلية، لافتة إلى أن هذه الضغوط نواجهها هذا العام نتيجة اضطراب سوق الصرف وانخفاض قيمة الجنيه. 

تراجعت الصادرات المصرية خلال العام الماضي بنحو 1.5% إلى 35.3 مليار دولار، في الوقت الذي تأمل فيه الحكومة الوصول إلى مستهدف 100 مليار دولار صادرات سنوياً. 

يقول محمد حامد رئيس شركة مصر الدولية لصناعة البلاستيك “ميبكو”، إن خطوط إنتاج شركته تعمل بحوالي 33% فقط من طاقتها بعد ارتفاع الأعباء الخاصة بالإنتاج بنحو 150% لزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات وارتفاع أسعار المواد الخام والفوائد البنكية. 

حامد أضاف في حديثه لـ”الشرق”، أن شركته أوقفت الخطة التوسعية التي كانت تستهدف تنفيذها، حيث كانت تخطط لإضافة طاقة إنتاجية بنحو 3 آلاف طن سنوياً باستثمارات تصل إلى 50 مليون جنيه، وتم وقف الخطة بسبب الارتباك بالأسواق حالياً وشح الدولار. 

هانى حليم رئيس مجموعة الأهرام للبلاستيك، يقول إن جميع الشركات العاملة في مجال تصنيع المنتجات البلاستيكية تعاني من أزمة الدولار.. “لن يتم إجراء توسعات أخرى بسبب ارتفاع التكاليف وزيادة الأعباء”. 

مصطفى الدمرداش رئيس مجموعة التيسير لتجارة وصناعة البلاستيك، قال إن هناك زيادة في الأعباء على المصنعين تتراوح بين 120 و150% لارتفاع تكاليف شراء المواد الخام والكهرباء والأجور والنقل، وأسعار المنتجات تتزايد بالفعل مع هذه المتغيرات. 

“الشركة أوقفت الخطة التوسعية التي كانت تستهدف تنفيذها بمصر، حيث قامت بدفع مبالغ مقدمة لشراء خطوط إنتاج مواسير بلاستيك من ألمانيا وتم تصنيعها ونظراً لأزمة العملة في مصر دفعت الشركة جزءاً وتوقفت عن سداد الجزء المتبقي”. 

أضاف: “بالفعل نقوم بزيادة أسعار المنتجات.. لو رفعنا الأسعار بنفس نسبة الزيادة في التكلفة لن نجد عملاء، الأسعار متغيرة بشكل شهري”. 

الدمرداش استكمل حديثه مع “الشرق” قائلاً: “هناك ضبابية وقرارات غير مدروسة تربك وتؤثر على الصناعة في مصر، وهذا الوضع يتسبب في موجة إغلاقات للمصانع”. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *