بعد أكثر من 90 يومًا| خسائر إسرائيل الاقتصادية تتفاقم: تكلفة يومية تتجاوز الـ 272 مليون دولار وانهيار في مختلف القطاعات وتوقف “المشروعات الوهمية”

بعد أن تجاوزت 90 يومًا، مازالت حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة تتواصل، في ظل انتقادات لم تقتصر على الانتقادات الدولية وإنما تجاوزتها إلى الانتقادات الحادة التي وجهها شعب دولة الاحتلال بسبب التراجعات الاقتصادية التي يشهدها الكيان.

آثار مباشرة خلفتها الحرب، التي لم تتوقف، على الاقتصاد الإسرائيلي، بصورة دفعت “مؤيدي الكيان” التي التحذير من الآثار السلبية، خاصة في ظل تراجع إمكانيات الولايات المتحدة عن تقديم الدعم غير المحدود كما كان يحدث في السابق في ظل توترات الحرب الأوكرانية ومخاوف اتساع رقعة الحرب خاصة في ظل تدخلات الحوثيين في البحر الأحمر إضافة إلى شبح الصين الاقتصادي الذي يتحين الفرصة لالتهام الاقتصاد الأمريكي، كل ذلك إضافة إلى ما تمثله الحرب من ضغوط على الاقتصاد العالمي المتردي بالأساس وما تشكله من هموم اقتصادية متراكمة على الكاهل الأمريكي.

تقول صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية في تقرير أصدرته مؤخرًا إن الحرب في غزة أحدثت تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل إذ أن الاقتصاد الاسرائيلي يتعرض للضربة تلو الأخرى.. وتبلغ التكلفة، بعد جدولة كل جانب من جوانب الحرب حتى الآن، نحو 60 مليار دولار، وكل يوم يكلف الجيش نحو 272 مليون دولار، إذ يحصل كل جندي احتياطي على 82 دولارا يوميا، وقد بلغ إجمالي هذه المدفوعات وحدها 2.5 مليار دولار.

وفي إطار الرد على المقاومة استدعت الحكومة الإسرائيلية 360 ألف جندي من قوات الاحتياط لينضموا لـ150 ألفا هم قوام الجيش الإسرائيلي.. بينما على الجبهة المدنية، تبلغ التعويضات عشرات المليارات. ومن المقرر أن يتم تعويض الشركات التي انخفض دخلها بشكل كبير بمبلغ 2.7 مليار دولار عن الأشهر الثلاثة.

ويشار إلى أنه من الواضح أن جزء كبيرا من الأضرار قد لحق بـ”الكيبوتسات” حول قطاع عزة، حيث دمرت مجتمعات بأكملها وهدمت البنية التحتية المحلية، وتقدر الأضرار بنحو 5.5 مليارات دولار. الأمر نفسه يتكشف الآن في الشمال، مع حملة القصف المستمرة لحزب الله، إذ تبلغ الخسارة المالية نحو 1.6 مليار دولار، فيما يبلغ عدد السكان الذين تم إجلاؤهم، من الشمال والجنوب، نحو 125 ألف شخص، والعناية بهم تكلف مليارات. ويبدو أن العودة إلى المنزل ليست ممكنة للعديد منهم لبضعة أشهر على الأقل، لذلك من المتوقع أن ترتفع تكلفة العناية بهم.

وتتوقع ميزانية إسرائيل عجزا قدره 30 مليار دولار، الأمر الذي سيتطلب تخفيضات في الميزانية وزيادة في الضرائب تصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يؤثر بشدة على نوعية الحياة وانخفاض الخدمات بشكل عام.

🛑 اقتصاد الحرب الخاطفة

لكل ذلك يقول الدكتور إبراهيم نوار إن “الاقتصاد الإسرائيلي يتعرض لضغوط وصعوبات بسبب الحرب على غزة التي امتد لهيبها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية وجنوب لبنان. وقد جاءت هذه الحرب في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد قد بدأ التعافي من تداعيات جائحة كورونا، وركود الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ومعدلات التضخم.

وتشير النتائج والتقديرات الأولية إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لديه قوة كافية لتحمل ضغوط الحرب.

لكن قوة التحمل تلك تنخفض كلما طالت مدة الحرب و تعددت جبهاتها؛ فالاقتصاد الإسرائيلي مصمم هيكليا لاستيعاب الصدمات القصيرة الأجل، بما في ذلك صدمات الحروب السريعة الخاطئة. وفي حال طال أمد الحرب فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط إلى الحد الذي يستدعي تغيير السياسة الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على الخارج لبناء قوة تحمل أكبر. وفي هذه الحالة فإن المساعدات الأمريكية ستلعب دورا جوهريا في زيادة القدرة على تحمل صدمة الحرب”.

ويضيف نوار: نشأت دولة إسرائيل إنطلاقا من منصة مجتمع مقاتل، تقوده الحرب إلى التوسع والنمو. وإذا اعتبرنا أن “الكيبوتز” كانت الوحدة الاقتصادية الأساسية للاستيطان الصهيوني في فلسطين، فإن الكيبوتز في جوهرها هي وحدة إقتصادية/عسكرية تحمل مضمونا إيديولوجيا يعكس سعي مؤسسو الدولة إلى تعميق وتأكيد العلاقة بين اليهودي المستوطن والأرض في فلسطين. وقد اعتبر بن جورين أن عملية “فلاحة الأرض” هي أساس العلاقة الجديدة بين اليهود القادمين من أوروبا وأرض فلسطين.

ومن خلال هذه العلاقة الأيديولوجية/الاقتصادية/العسكرية المدمجة، استطاع المستوطنون اليهود في ظل حكومة الانتداب الأولى بقيادة هربرت صاموئيل وضع أسس إقامة الدولة الصهيونية التي تم إعلان قيامها رسميا في 14 مايو 1948.

ونظرا لأن المستوطنين الصهاينة كانوا أقلية محدودة وسط أغلبية فلسطينية متنوعة الديانات، فإننا نستطيع القول بأن تنمية وجودهم في فلسطين قد اعتمد على أربعة مبادئ أساسية.

المبدأ الأول هو رفض الاندماج مع الفلسطينيين.

المبدأ الثاني هو التركيز على تعميق الارتباط بالأرض من خلال مهنة الفلاحة. المبدأ الثالث هو استخدام التقدم التقني لتحقيق تفوق نوعي لتعويض الضعف الكمي.

المبدأ الرابع هو استثمار الحماية البريطانية إلى أقصى قدر ممكن لتمكين المستوطنين من الحصول على المساعدات الاقتصادية والأسلحة والتدريب والدعم الإداري والسياسي.

وقد التزمت قيادات الحركة الصهيونية في فلسطين بهذه المبادئ حتى قيام الدولة وتشكيل سلطة سياسية مستقلة، وبناء مؤسسات للدولة الجديدة مستندة على المبادئ نفسها تقريبا. ونستطيع القول بأن حكومات إسرائيل المتتالية منذ إقامة الدولة حتى الآن ما تزال تلتزم هذه المبادئ الأربعة مع مواءمتها لتتكيف مع الظروف.

على سبيل المثال فقد حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا، وتحولت الكيبوتس إلى وحدة زراعية/صناعية/تكنولوجية/عسكرية تعتمد على التعليم و التكنولوجيا كمحرك أساسي للنمو. وما المستوطنات الجديدة إلا وحدات اقتصادية/تكنولوجية/عسكرية تمثل طليعة العقيدة الصهيونية التوسعية التي تسعى إلى ابتلاع فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، باعتبارها “الأرض التي وعد بها الرب إسرائيل”.

ويستكمل: ومن خلال الكيبوتسات حقق الاستيطان الصهيوني في فلسطين نموا في نسبة السكان اليهود بمقدار 4 مرات تقريبا، من 8.1% من سكان فلسطين في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 (60 ألف يهودي) إلى 32% في عام 1947 قبل إعلان قيام الدولة (630 الف يهودي)، لكن عدد السكان اليهود في فلسطين تضاعف أكثر من عشر مرات خلال تلك الفترة (30 عاما).

وكانت هذه الزيادة في عدد السكان اليهود تتخذ هيئتها من خلال تنمية الكيبوتسات وتنظيم العصابات المسلحة التي تتحمل مسؤولية توسيعها لاستيعاب الأعداد الإضافية من المهاجرين. وبعد إقامة الدولة وهزيمة العرب في حرب عام 1948 كانت أهم تداعيات الهزيمة هي انقلاب نسبة عدد السكان اليهود في فلسطين لتصل إلى 82.1% بعد طرد الفلسطينيين العرب.

ففي ذلك العام إنخفض عدد سكان فلسطين المحتلة إلى 782 الف شخص، منهم 717 من اليهود إضافة إلى 156 ألفا من غير اليهود.

ومع التوسع الاستيطاني واستيلاء إسرائيل على أراض فلسطينية إضافية فإن عدد اليهود في دولة إسرائيل تضاعف عشر مرات ليصل إلى 7.18 مليون شخص بين عامي 1948 و 2023. ومع ذلك فإن نسبة اليهود في الدولة الصهيونية تعرضت لانقلاب تاريخي في عام 2000 لتهبط إلى ما دون 80% من عدد السكان.

في ذلك العام هبطت نسبة اليهود إلى 77.8% فقط وما تزال تتراجع حتى بلغت في العام الحالي 73.3% فقط.

ويردف: هذا التراجع في نسبة السكان اليهود في دولة إسرائيل يفسر حالة الهلع التي يعيشها اليمين الصهيوني الديني والتي تعبر عن نفسها في زيادة حدة العداء للفلسطينيين و غير اليهود عموما، والعودة إلى استخدام أسلوب العصابات المسلحة غير الحكومية لتهجير الفلسطينيين والتوسع في الاستيطان، إلى جانب ظهور موجة من العداء لليهود الليبراليين والعلمانيين بشكل عام و اتجاه الرأي العام الإسرائيلي يمينا عاما بعد آخر منذ أواخر القرن الماضي. كما أن هذا التراجع يفسر أيضا الموقف الإسرائيلي المتشدد ضد فكرة الدولة الديمقراطية ثنائية القومية، باعتبارها خطرا يهدد “يهودية” الدولة، الأمر الذي مهد الطريق لإصدار قانون في هذا الشأن (2018) ينص على ضرورة قبول “يهودية الدولة” من جانب مواطنيها والدول المتعاملة معها وأن يكون هذا القانون هو أساس ممارسة الحقوق السياسية للأفراد والتنظيمات. وفي مقابل التيار الرافض لفكرة الدولة الثنائية القومية ينقسم اليهود إلى تيارين، واحد منهما يؤيد حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام بجوار إسرائيل، والثاني يؤيد نوعا من الحكم الذاتي المحلي للفلسطينيين داخل “كانتونات معزولة” تحت السلطة السياسية والأمنية لدولة إسرائيل، وهو تيار يمكننا وصفه بأنه يحاول تجنب الصدام مع التوجه العالمي لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، مع العمل في الوقت نفسه على إقامة حقائق جديدة على الأرض تجعل حل الدولتين “مستحيلا”، وعند ذلك فإن الدولة اليهودية الواحدة تكون هي الصيغة السياسية العملية الواحدة القابلة للاستدامة.

ويشدد نوار بالقول: كلما طالت الحرب واتسع نطاقها من مجرد جبهة واحدة إلى عدة جبهات زادت حدة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة. وطبقا لتقدير المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي السيدة كريستالينا جورجيفا خلال مشاركتها في “منتدى دافوس الصحراء” في السعودية يوم 25 أكتوبر الماضي، فإن القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثرا بالحرب في إسرائيل ودول المنطقة بسبب حرب إسرائيل على الفلسطينيين تشمل الطاقة والسياحة، والتأمين على نقل البضائع، و زيادة حذر المستثمرين تجاه الاستثمارات الجديدة والقائمة بالفعل، وارتفاع أعباء اللجوء والمهاجرين، خصوصا في الدول المحيطة بإسرائيل مثل الأردن ومصر ولبنان. كما يمكن أيضا القول بأن تداعيات الحرب من شأنها تعميق وزيادة حدة التفاوت الاقتصادي الإقليمي بسبب القفزة المحتملة في أسعار النفط، خصوصا في حال امتداد نطاق التوتر إلى دول الخليج. كما حذرت مؤسسات الدراسات الاقتصادية الدولية من خطورة تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وارتفاع تكلفة الإعمار وإعادة البناء، خصوصا وأن أكثر من ثلاثة أرباع سكان قطاع غزة يعيشون على المساعدات الإنسانية الدولية. وقد لاحظنا أن هناك تقديرات مبالغ فيها لبعض بيوت الاستثمار والاستشارات المالية، مثل جى بي مورجان الذي يتوقع هبوطا في الناتج المحلي الإسرائيلي بنسبة 11% في الربع الأخير من العام الحالي، مع انتشار التداعيات السلبية في سوق الصرف وأسعار الأسهم والسندات وسوق العمل وغيرها. كما توقع البنك الدولي أن يقفز أسعار النفط بسبب الحرب إلى 150 دولار للبرميل، بما يعنيه ذلك من تراجع معدل النمو العالمي، وارتفاع معدل التضخم بسبب زيادة تكلفة الطاقة والغذاء.

🛑 اقتصاد منهك وخسائر بالجملة

الخبير الاقتصادي، رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الدكتور زهدي الشامي يقول لـ”درب”، إن “الإقتصاد الإسرائيلي تعرض بدون شك لخسارة كبيرة للغاية بسبب حربه العدوانية على الشعب الفلسطيني في غزة”.. مضيفا “يصعب في الواقع حصر كل هذه الخسائر، إلا أن بعض جوانبها واضح تماما”.

ويشير الشامي إلى تقرير شبه رسمي يفيد بأن التكلفة اليومية المباشرة للحرب تبلغ ٢٧٠ مليون دولار، أي أن التكلفة المباشرة حتى الآن تقترب من ١٣.٥ مليار دولار.. مضيفا “وقد أفادت مصادر مالية بأن إسرائيل اضطرت لاقتراض مبالغ مالية كبيرة من الخارج وصلت إلى ٦ مليار دولار بسعر فائدة مرتفع”.

ويوضح “من المعلوم أن خوض حرب ممتدة والمخاوف من المواجهة على عدة جبهات تطلب استدعاء جنود الاحتياطي الذين يعتمد عليهم الجيش الإسرائيلى لحد كبير، ويقدر عددهم بنحو ٣٠٠ الف جندى يمثلون نسبة كبيرة من قوة العمل، ولايتحمل الاقتصاد الإسرائيلي العمل بدونهم لفترة طويلة. وبالإضافة لذلك يتضرر الإقتصاد الإسرائيلي من هروب أعداد كبيرة من العاملين الأجانب وخاصة من الدول الآسيوية،ظ ناهيك عن العاملين الفلسطينيين، وكل ذلك يضغط على سوق العمل عموما وفي الزراعة خصوصا”.

ويسترسل “وبالإضافة لذلك فمن المعلوم أن تخارج الاستثمارات الأجنبية عموما وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة خصوصا الذي يعتمد عليه الاقتصاد الاسرائيلى كثيرا، هى عملية موجودة فعلا منذ تشكيل حكومة اليمين العنصري المتطرف بقيادة نتياهو والتي تضم سموتريتش وبن غفير، وسعيها للانقلاب على سلطة دولة الكيان بمشروعها لاخضاع القضاء. وقد شهد هذا الاتجاه بالضرورة تصاعدا بسبب الحرب يمثل خسارة اقتصادية واضحة وارتبط به تخفيض للتصنييف الإئتماني لإسرائيل”.
صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية، نقلت أرقامًا أوليّة لوزارة المالية تؤكد أن تكلفة الحرب التي تخوضها إسرائيل أمام حركة حماس في قطاع غزة ستبلغ ما يصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار). وأوضحت الصحيفة أن تقدير التكاليف، التي تعادل 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل خاصة اذا استمرت الحرب لعدة أشهر.

كما تشير توقعات وزارة المالية إلى أن خسارة الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي في العام الجاري تصل إلى 1.4 بالمائة، بحسب صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية، وقالت الصحيفة إن ذلك يعني أن “كل شهر حرب قد يؤدي إلى خسارة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9 مليارات شيكل (2.4 مليار دولار)”، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى “ركود في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي”.
ورجّح بنك “جي بي مورجان تشيس” الأمريكي أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، مع تصاعد الحرب على قطاع غزة. كما تراجع الشيكل الإسرائيلي في بداية التعاملات الأسبوعية إلى أدنى مستوى أمام الدولار منذ عام 2012، وفق البيانات التاريخية لبنك إسرائيل.

كذلك نشر موقع “بلومبرج” الأمريكي تقريرًا يؤكد أن هناك انخفاضاً في الاحتياطات الأجنبية لـ”إسرائيل” بأكثر من 7 مليارات دولار منذ شهر. وفي وقت سابق، تحدث تقرير في موقع “فايننشال تايمز” البريطاني، عن فداحة الخسائر التي يلحقها العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي باقتصاد الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح التقرير أنّ الطلب انخفض بشكل عام في “إسرائيل”، وأغلقت بعض الشركات أبوابها، ولا سيما بعد أن تمّ تجنيد المستهلكين والعمال في احتياط جيش الاحتلال.

وتراجعت قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بواقع 2% من 3.7 شيكل إلى 3.9 شيكل إضافة إلى اضطرار إسرائيل لسحب 30 مليار من الاحتياطي لدعم الشيكل.

الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، يرى أنه منذ انطلاق عملية طوفان الاقصي وبعيداً عن الخسائر العسكرية في الأفراد والمعدات من المهم التركيز على الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية.

ويشير الميرغني إلى أنه تم استدعاء 350 ألف من قوات الاحتياط ( 8% من قوة العمل) منذ بدء العمليات، مضيفًا أن “البنك المركزي الإسرائيلي كان قد أعلن أن خسائر نقص العمالة يكلف إسرائيل 600 مليون دولار أسبوعياً. أي أنه منذ بدء العمليات تكبدت اسرائيل خسائر تعبئة القوى العاملة التي وصلت الي 4.2 مليار دولار( 16.4 مليار شكيل ). إضافة إلى تعطل العديد من المصانع وتخفيض ساعات التشغيل نتيجة غياب العمالة وتقلص السوق”.

ويضيف الميرغني أن “الأضرار التي وقعت في 24 مستوطنة من مستوطنات غلاف غزة تقدر بنحو 10 مليارات شيكل، وأن هناك 5 مليارات شيكل تكلفة الأضرار الناتجة من قصف الصواريخ في سائر أنحاء إسرائيل، وملياري شيكل ميزانية تتعلق بالمستوطنات. ( 17 مليار شيكل خسائر المستوطنات بما يعادل 4.5 مليار دولار)”.

وينبه إلى أنه “توجد أضرار على فئات تجارية معينة في كافة المناطق، حيث تأثرت مجالات الترفيه والمطاعم والمقاهي والمناسبات والحفلات والطيران المدني بشدة بسبب الحرب، كما تأثرت صناعة السياحة، باستثناء العديد من الفنادق التي تم إيواء السكان الذين تم إجلاؤهم بها”.

وأردف الباحث الاقتصادي “ومن نتائج الحرب أيضاً زيادة الديون الإسرائيلية التي كانت تحسنت في 2022 ، وكانت شركة (CEIC Data) المختصة في تحليل اقتصادات دول العالم، قدّرت ديون إسرائيل بـ294.7 مليار دولار في ديسمبر 2022، مقارنةً بـ335.7 مليار دولار في عام 2021، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. وبذلك تعود إسرائيل للإستدانة لتغطية خسائر طوفان الاقصي”.
وحول سوق العمل، يقول الميرغني “في الفترة من السابع من أكتوبر إلى الأحد 19 نوفمبر، تقدم 128 ألف شخص بطلب للحصول على إعانات ومخصصات البطالة من مؤسسة التأمين الوطني، وتم وضع 96 ألف منهم في إجازة قسرية عن العمل بدون الحصول على راتب أو مخصصات بطالة. وبالمقارنة، هناك عادة نحو 20 ألف طلب جديد للحصول على إعانات ومخصصات البطالة شهريا في المعدل، 59% منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما، و39% تتراوح أعمارهم بين 41 و67 عاما. ووفقا لبيانات مكتب العمل التابع لمؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي، تمت إضافة حوالي 70 ألف شخص إلى قائمة العاطلين عن العمل الشهر الماضي، وهذا العدد بمثابة 3 أضعاف ما كان عليه نفس الشهر من العام الماضي، حيث تم إرسال 60% من المتقدمين الجدد للحصول على مخصصات البطالة إلى إجازة بدون راتب”.

ويتابع “كما أظهر مسح إسرائيلي تراجعًا حادًا في عائدات نحو نصف الشركات الإسرائيلية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة. وذكر المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل في تقريره أنّ أكثر القطاعات تضررًا هي الإنشاءات والخدمات الغذائية، إذ أشار إلى أن أكثر من 70% ممن شملهم المسح أنّ الإيرادات انخفضت بأكثر من 70%. وأضاف المسح الذي شمل 1680 شركة وجرى في الفترة من 24 إلى 26 أكتوبر إلى أنّ الشركات الصغيرة هي الأكثر تضررًا”.

وينبه الميرغني بالقول “كذلك غادر أكثر من 230 ألف يهودي إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى”، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة. وكشف النقاب عن هذه الإحصاءات في الأسبوع الرابع للحرب على غزة، وذلك من خلال تقرير لصحيفة “دى ماركر”، الذي يستعرض لأول مرة ظاهرة الهجرة من إسرائيل في ظل الحرب والتوتر الأمني، من خلال توثيق إفادات لعائلات اختارت الهجرة من البلاد خوفا وهربا من التوتر الأمني. ليعكس ذلك مدي هشاشة التركيب السكاني لدولة الاحتلال”.

وحول تأثير ذلك على سير المعركة في غزة، يقول الميرغني “شكلت معركة طوفان الأقصي تعميقا للأزمة الاقتصادية في إسرائيل واحتياجها للمزيد من الديون والمساعدات ورغم الجسر الجوي وتدفق المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلا أن اسرائيل لم تعتد على الحروب طويلة الأمد منذ تأسيسها، وكانت تعتمد دائما علي الحروب الخاطفة لأيام أو لأسابيع وهو ما يؤدي لضربات كبرى لاقتصاد الكيان بخلاف الخسائر في الأفراد والمعدات والاستنزاف المستمر للاقتصاد لو استمرت المعارك”.

🛑 سيطرة اقتصادية أم مشروعات وهمية؟

ويبقى سؤال حول تأثر المشروعات الاقتصادية التي كان يعتزم الكيان الصهيوني البدء في تنفيذها، وحول ذلك يرى الدكتور محمد نعمان نوفل أن ما يتردد عن تعرض إسرائيل لأزمات اقتصادية بسبب توقف العديد من المشروعات التي كانت بصدد العمل على تدشينها هو “محض أوهام”، ويؤكد على أن مشروعات الكيان الصهيوني هي بالأساس قائمة على الإيحاء بالقدرات الخارقة ذات الأغراض الدعائية وليس لها جدوى اقتصادية حقيقية.

ويوضح “من حين لآخر تطل علينا مشاريع عملاقة للكيان الصهيوني، في محاولة للإيهام بالقدرات الخارقة لهذا المشروع، وعلى هذه الأسس الدعائية يبني عديد من المحللين فرضياتهم. لذا يتصور بعض المتابعين للصراع الحالي أن مبرره يكمن في توقع وجود غاز ونفط على ساحل غزة، وأن محاولة إسرائيل تهجير سكان غزة بغرض البدء في إنشاء قناة بن جوريون. لكن الواقع الراهن يقول بغير ذلك لأن الغارات الإسرائيلية الوحشية جاءت ردا على هجوم 7 أكتوبر. كان منطقيا أن يظهر مشروع تهجير سكان غزة إلى مصر وسكان الضفة إلى الأردن كمبادرة من الحكومة اليمينة العنصرية، وقد سبق لهذا النظام العنصري أن أصدر قانونا لضمان يهودية الدولة العبرية. لذا كانت خطط التهجير متماهية مع الرد الوحشي العنيف لحكومة توراتية أساسها أحزاب الصهيونية الدينية”.
ويضيف “أما فرضية ربط ما يحدث من الأعمال الإجرامية الحالية لتصفية السكان في غزة ودفعهم للهجرة نحو رفح وصحراء سيناء، من أجل النفط والغاز أو من أجل قناة بن جوريون، فهذه فرضيات لا تعكس واقع وخطورة المواجهة الحالية. إن إسرائيل تسيطر على ساحل غزة وبإمكانها منع الصيادين الفلسطينيين من أعمال الصيد في بحر غزة، هل يعيقها التنقيب عن النفط والغاز؟ وإذا وجد نفط أو غاز أو كلاهما، سوف تقوم شركات البترول الغربية باستخراجه وتقتسم العوائد مع إسرائيل بموجب اتفاقيات الحكم الذاتي لأن السلطة الفلسطينية ليست مستقلة ماليا عن إسرائيل”.

ويستكمل “أما الزعم بشأن قناة بن جوريون، فنحن أمام كذبة كبرى شأنها شأن مشاريع أخرى جرى الحديث عنها لمنافسة قناة السويس، منها خط النقل الهندي الإسرائيلي كمثال. الهدف الحقيقي للمشروع الهندي/ الإسرائيلي كان خلق مبرر وهمي للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقد ابتلعت السعودية الطعم وبدأت خطوات التطبيع. ورغم ما أثير حول المشروع من ضجيج لم يناقش في مجلس الوزراء الإسرائيلي، ولم يناقش في الكنيست. كما لم تنشر إيه دراسات حولة ولا نعرف له تكلفة ولا مدى زمني للتنفيذ”.

ويتابع “أما قناة بن جوريون فهي أيضا وهم. التفكير في شق قناة ملاحية لابد أن يبنى على عمق غاطس السفن المسموح به في القناة الملاحية المزمع إنشاؤها. غاطس قناة السويس يتوقف على عمق الغاطس في مضيق باب المندب لأنه المنفذ الطبيعي الحاكم لدخول السفن إلى البحر الأحمر ولخروجها منه أيضا، وبالتالي هو الغاطس المسموح به لقناة السويس. عمق الغاطس عند مضيق تيران وهو الغاطس الطبيعي الحاكم لميناء إيلات (أو مدينة أم الرشراش المصرية) نصف الغاطس عند مضيق باب المندب. عمق الغاطس محدد لحجم السفن، وبالتالي لا يمكن لمثل هذه القناة ( إن وجدت) أن تستقبل سفن من الحجم المتوسط، فهي لا يمكن أن تكون منافسا لقناة السويس بأي حال، وبذلك تفقد جدواها الاقتصادية”.

وفي كل الأحوال فإن الاقتصاد الإسرائيلي ليس مصمما على احتمال تداعيات الحروب الطويلة المدى، لكنه يستطيع التكيف مع الحروب القصيرة الأجل، التي تعد من حيث المدى الزمني بالأيام مثل حرب يونيو 1967 أو بالاسابيع مثل حرب غزة 2014 أو بالأشهر والسنين مثل حرب لبنان 1982. ومن أكثر التداعيات تأثيرا على الاقتصاد الإسرائيلي ما يتعلق بتأثير استدعاء جنود وضباط الاحتياط إلى الخدمة العسكرية. ويبلغ عدد هؤلاء في الحرب الحالية حوالي 360 ألفا، أي ما يعادل 3.7 في المئة من قوة العمل الإسرائيلية.

وبناء على متوسط الناتج المحلي للفرد في إسرائيل في عام 2022 الذي يبلغ 54 ألفا و 968 دولار سنويا، أي ما يعادل حوالي 151 دولار يوميا، فإن استدعاء 360 ألفا من القوى العاملة للخدمة العسكرية، يتسبب في خسائر مباشرة تبلغ حوالي 54.2 مليون دولار يوميا، أي ما يصل إلى 4.9 مليار دولار إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام الحالي، بما يعادل خسارة 1.16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما إذا استمرت الحرب لمدة 12 شهرا فإن خسائر فقدان أيام العمل فقط ستصل إلى 19.8 مليار دولار، أي ما يعادل 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الخسارة هي جانب واحد فقط من الخسائر في الاقتصاد غير العسكري يتعلق بالعمالة. وهناك أيضا تكلفة الحرب المباشرة التي تشمل استعواض الأسلحة وقطع الغيار وتوفير الوقود والإمدادات اللوجستية.

وتتضمن الخسائر في قطاعات الاقتصاد المدني، تراجع أعداد السائحين، وحركة رحلات الطيران، ونقص معدل الأشغال في الفنادق، وتوقف النشاط الاقتصادي تماما في المناطق المقفلة بسبب العمليات العسكرية حول قطاع غزة وشمال إسرائيل التي تشمل ما يقرب من 60 مدينة وبلدة وقرية كان يسكنها أكثر من 80 ألف شخص، أصبحت بعد إخلائها مجرد مدن أشباح. ومن أهم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد المدني توقف الإنتاج في حقل “تمار” البحري للغاز الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً قبالة مدينة عسقلان على ساحل البحر المتوسط جنوب إسرائيل. ففي يوم الإثنين التالي لعملية “طوفان الأقصى” أعلن وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي “إسرائيل كاتس” وقف العمل في حقل “تمار” البحري للغاز مؤقتا، خشية تعرضه للخطر بسبب العمليات العسكرية، نظرا لقربه من مسرح العمليات في جنوب إسرائيل. كما يعود القرار إلى أن خط الأنابيب الذي يتم استخدامه في تصدير إنتاج الحقل إلى مصر يمر قريبا جدا من سواحل قطاع غزة، ومن السهل تعرضه للخطر بسبب العمليات. وكانت حماس قد استهدفت منصات استخراج الغاز في عام 2014 بإطلاق الصواريخ.

وكان إنتاج الحقل في العام الماضي قد وصل إلى 10.25 مليار متر مكعب من الغاز، وتم استخدام نسبة 85 في المئة من الإنتاج لتلبية احتياجات توليد الكهرباء محليا، في حين تصدر إسرائيل إلى كل من مصر والأردن نسبة تعادل 15 في المئة تقريبا، لاستخدامها في توليد الكهرباء (الأردن) وتشغيل محطات الغاز المسال (مصر) لغرض التصدير إلى أوروبا.

وفي القطاع المالي اضطر بنك إسرائيل المركزي إلى التدخل في سوق الصرف الأجنبي لتخفيف الضغوط على الشيكل. وبلغت قيمة مبيعات البنك من احتياطي النقد الاجنبي خلال الايام الاولى من عملية “السيوف الحديدية” حوالي 30 مليار دولار لمنع تدهور قيمة الشيكل. قفزت تكلفة التأمين على السندات الحكومية تحوطا لاحتمال مواجهة صعوبات في السداد من 45 نقطة أساس إلى 109 نقاط بعد أيام من بدء الحرب، وتراجعت قيمة الشيكل، وزادت خسائر البورصة في اليوم الاول للتداول بعد الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية إلى ما يقرب من 7 في المئة من القيمة السوقية للأوراق المالية المتداولة، وبدأت موجة هروب للاستثمارات الأجنبية خصوصا في قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، وهو ما أدى بمؤسسات التقييم الائتماني إلى تعليق مراجعة التقييم من جانب مؤسسة “موديز”، بينما قررت فيتش وضعها تحت المراقبة السلبية، مع احتمال تخفيض تصنيفها، للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل بسبب التداعيات الاقتصادية المحتملة للحرب في غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *