بالأرقام.. أحمد النجار يكتب عن زيادة أسعار الخبز 50%: لماذا تُرفع أسعار الخبز في مصر؟

النجار: على الحكومة وصناعة الخبز ألا تستبق بلاء ارتفاع أسعار القمح برفع أسعار الخبز المنتج من واردات سابقة بأسعار منخفضة  

قال الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي، أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، إن ارتفاع الأسعار في مصر مبالغ فيه للغاية مقارنة بارتفاع سعر القمح في الأسواق الدولية، فضلا عن أنه على الأرجح لن ينخفض عندما تنخفض أسعار القمح كما هو متوقع بعد انتهاء الحرب. 

وتابع: في كل الأحوال يجب على الحكومة المصرية وصناعة الخبز ألا تستبق بلاء ارتفاع أسعار واردات القمح التي لم تستوردها مصر بعد، برفع أسعار الخبز المنتج من واردات سابقة بأسعار منخفضة فهذا مجافي للمنطق ويعتدي على حقوق المستهلكين. 

وإلى نص ماكتبه النجار في صفحته على (فيس بوك):  

رفعت المخابز الخاصة في مصر أسعار الخبز البلدي (خبز القمح) بنسبة 50% وكذلك الأمر بالنسبة للأنواع الأخرى من الخبز بعد أن أدت الحرب الروسية-الأوكرانية لارتفاع أسعار الحبوب وبخاصة القمح بنسبة الثلث، وروسيا وأوكرانيا مصدرتان رئيسيتان للقمح حيث تتصدر روسيا دول العالم المصدرة للقمح بنحو 38 مليون طن سنويا، بينما يبلغ حجم صادرات أوكرانيا نحو 18 مليون طن، علما بأن إجمالي الصادرات العالمية يدور حول مستوى 200 مليون طن في العام.  

وارتفاع الأسعار في مصر مبالغ فيه للغاية مقارنة بارتفاع سعر القمح في الأسواق الدولية، فضلا عن أنه على الأرجح لن ينخفض عندما تنخفض أسعار القمح كما هو متوقع بعد انتهاء الحرب حيث تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية إلى أن الإنتاج العالمي من القمح سوف يبلغ نحو 790 مليون طن في العالم الحالي ارتفاعا من نحو 750 مليون طن، وبالتالي سيكون هناك فائضا يدفع نحو انخفاض الأسعار وليس ارتفاعها بعد أن تنتهي الحرب الروسية-الأوكرانية.  

وصحيح أن الارتفاع الراهن في الأسعار لو استمر لمدة عام كامل يمكن أن يضيف مليار دولار على مدفوعات مصر عن وارداتها من القمح التي تبلغ نحو 12,3 مليون طن، لكن المرجح بل المؤكد أن الأسعار سوف تنخفض عندما يبدأ حصاد وتوريد القمح الروسي والأوكراني وتنتهي الهيستريا التي أثارها المضاربون والمنتفعون بشأن تأثير الحرب على الإمدادات العالمية للقمح.  

وسواء تعلق الأمر بارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية أو في السوق المصرية، فإن مبعثه هو هيستريا المضاربة في ظل المخاوف وعدم اليقين بشأن تدفق صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا. ولو نظرنا للأمر بشكل موضوعي سنجد أن إنتاج روسيا من القمح المزروع قبل بدء الحرب لم يتأثر بهذه الحرب التي تدور على أرض أوكرانيا. وسوف تتدفق الصادرات الروسية عندما يتم الحصاد (القمح الربيعي) وموعده متأخر عن موعد حصاد القمح الشتوي المصري بحكم اختلاف الطقس. 

 ونفس الأمر ينطبق على صادرات القمح الأوكراني. وحتى بالنسبة للقيود على تسوية المدفوعات مع روسيا عبر نظام السويفت فإنه يمكن الالتفاف عليها عبر نظام الدفتر الحسابي أو تسوية المدفوعات من خلال البنوك الروسية غير الخاضعة للاستبعاد من نظام السويفت، أو تسوية المدفوعات بعملات دولية أخرى مستقرة وتتمتع بالجدارة مثل اليوان الصيني من خلال نظام يونيونباي (Unionpay) الصيني، أو التمرد على هذه العقوبة الأمريكية الإجرامية والطلب بشكل جماعي لإزالتها باعتبارها تضر بدول وشعوب أخرى وليس بروسيا وحدها.  

ويجب التمسك بالنموذج الذي قدمته ألمانيا التي أصرت على عدم خضوع البنوك التي تتم من خلالها تسوية المدفوعات بشأن وارداتها من الطاقة (النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي) من روسيا من عقوبة الاستبعاد من نظام السويفت وكان لها ما أرادت لأنها دافعت عنه بالمنطق ولم تستسلم لخبل الإدارة الأمريكية في هذا الشأن.  

وحتى بالنسبة لتأثير ارتفاع أسعار الطاقة عالميا على أسعار كل السلع الزراعية والصناعية والخدمات، فإنه لم يحدث عمليا في مصر حتى الآن على الأقل ولا ينبغي أن يحدث لأن مصر معتمدة على إنتاجها المحلي كليا، فضلا عن أن ارتفاع أسعار الطاقة عالميا بالصورة المجنونة الراهنة مؤقت وتحركه الإجراءات الأمريكية الغبية لحصار روسيا المصدرة الرئيسة للطاقة عالميا، إضافة إلى تلاعب المضاربين الذين يحققون أرباحا استثنائية من هذا التلاعب. 

وقد حدثت ارتفاعات أسعار الخبز في مصر بهذه النسبة العالية وغير المنطقية والحكومة المصرية غائبة عن ضبط السوق أو ربما تجد في ارتفاع الأسعار مبررا لتسويق سياسة رفع سعر الخبز المدعوم كما كانت النية مبيتة من قبل، وجهاز حماية المستهلك معني بالمواصفات وليس بالأسعار وبالتالي لا يتدخل ولو حتى معنويا لردع هذا الارتفاع غير المبرر في ظل حقيقة أن القمح والدقيق المتاحان بالسوق المصرية حاليا قد تم الحصول عليهما بأسعار ما قبل الحرب ولا يجوز منطقيا أن يتم رفع أسعار الخبز المنتج منهما قبل ورود الشحنات الجديدة مرتفعة السعر التي لم ترد بعد!!. 

كما أن موسم حصاد القمح المصري على الأبواب حيث يبدأ الشهر القادم ليضيف أكثر من 9 ملايين طن ترفع مدة الاحتياطيات المتوفرة إلى شهر نوفمبر القادم على الأقل. 

وللعلم فإن مصر تقف في موقع متقدم عربيا وعالميا بصورة دائمة في مؤشر توفر الغذاء (مؤشر من 100 درجة) حيث يبلغ المؤشر بالنسبة لها 75,2 تتصدر بها المنطقة العربية وتليها السعودية بـ73، في حين يبلغ المتوسط العالمي 57,3.  

ويتم احتساب هذا المؤشر بناء على كفاية الإمدادات الغذائية الوطنية والبنية الأساسية الزراعية والإنفاق على البحث والتطوير العلميين في مجال الزراعة ومدى استقرار أو تقلب الإنتاج الزراعي. وبالنسبة للعامل الأخير بالذات يتمتع الإنتاج الزراعي الغذائي المصري بدرجة عالية من الاستقرار بفضل طبيعة الزراعة فيها كزراعة مروية بصورة كلية تقريبا، وهي زراعة عالية الإنتاجية مقارنة بالزراعة البعلية (المطرية) المتدنية الإنتاجية. وعلى سبيل المثال فإن إنتاجية هكتار الأرض من القمح في مصر تبلغ نحو 6,5 طن مقارنة بنحو 2,5 طن في المتوسط في المنطقة العربية بما جعل مصر بمساحة تبلغ 12% من المساحة المزروعة بالقمح في الدول العربية تنتج نحو ثلث الإنتاج العربي من القمح وفقا لبيانات المنظمة العربية للتنمية الزراعية.     

وفي كل الأحوال يجب على الحكومة المصرية وصناعة الخبز ألا تستبق بلاء ارتفاع أسعار واردات القمح التي لم تستوردها مصر بعد، برفع أسعار الخبز المنتج من واردات سابقة بأسعار منخفضة فهذا مجافي للمنطق ويعتدي على حقوق المستهلكين. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *