باسم سامي بسكالس يكتب: قراءة في الميتافيرس(Metaverse) من منظور أخلاقي

—————


1- تعني كلمة ميتافيرس (Metaverse ): ما وراء الكون أو العالم الإفتراضي(Virtual world)، وهي المحاكاة الحاسوبية للواقع وللأشخاص.

2- الغاية من وراء هذا النظام هي خلق عالم بديل للواقع لحل إشكالية محدودية حركة الإنسان، وتحطيم كافة الحدود والقيود التي يفرضها الواقع الفيزيائي أو الإجتماعي أو السياسي أو غيرها من القيود والمحددات، وإخضاع البشر تحت مظلة واحدة، وإخراج الإنسان من محيطه الإجتماعي وتعليبه داخل آلات الواقع المعزز؛ بحيث يسهل السيطرة عليه، وهو أمر يمكن إساءة إستغلاله من قبل الأنظمة الحاكمة وغيرها من الأنظمة والجماعات والكيانات صاحبة المصالح.


3- فكرة إيجاد البديل للواقع تنبع، في إعتقادي، من أمرين يكمنان في عقل ونفس الإنسان: وهما أ. قدرته على التخيل ب. رغبته في التمرد على الواقع، ونظراً لعجز الإنسان وإخفاقه في الواقع وما يولده العالم الواقعي من معضلات ومتاعب وخيبة أمل؛ يلجأ دائماً إلى الخيال والذي يعد ساحة واسعة يمكنها أن تسعف الإنسان وتمده بكل ما يعجز عن إتيانه في الواقع، ومن هنا ظهرت الأفكار الغيبية والسحر و القصص الخيالية وأحلام اليقظة.


4 – أما التمرد على القيود فهو أمر يولد مع الإنسان ويستمر معه؛ مذ يدفع الرضيع الغطاء ليتمرد على الأقمطه التي يلف بها وحتى الثورات العظيمة التي يقوم بها؛ إذ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدرك أن إرادته لا تنسجم مع واقعه؛ ومن هذا الوعي الوجودي يتولد التمرد لديه.

5- على مر التاريخ حاول الإنسان جاهدًا إيجاد بدائل للإله المحتجب الذي تتصادم شريعته وما تتطلبه من صلاح مع إرادة الإنسان وتكبح جماح حريته ورغباته؛ عن طريق صنع تماثيل لآلهة أخرى توافق هواه وتبارك رغباته، وصياغة كتب مقدسة عديدة بديلاً للشريعة الحقيقية في الضمير.


6- كما حاول التمرد على القواعد الجنسية المجتمعية؛ فأوجد الجنس خارج الزواج، والتعدد، واستبدال الأنثى بالذكر، أو استبدال الذكر بالأنثى.


7- وعلى ذات المنوال يمكن تصنيف تعاطي المخدرات ضمن البدائل التي اصطنعها الإنسان لإيجاد سبيل موازي للسعادة، متنكباً عن السبيل الطبيعي.

8- من الملاحظ أن جميع البدائل التي يلتمسها الإنسان خارج واقعه الأخلاقي او المجتمعي لا تحرز سوى السعادة الوقتية؛ والتي تعقبها وخزات الألم والوجع والندم في الضمير؛ ومرجع ذلك إلى أن للسعادة أو النجاح معطيات معينة لا يمكن تجاوزها؛ بحيث إذا تجاهلنا تلك المعطيات وقفزنا للنتائج مباشرة؛ نكون كمن يقفز في الهواء؛ فإذ به يقع على الأرض ويتأوه من وجع سقطته.


9- هناك قصة رمزية قد وردت بسفر التكوين بالكتاب المقدس وبالقرآن الكريم( مع بعض الاختلافات الطفيفة) تحمل دلالة مهمة فيما يتعلق بمسألة البدائل؛ وهي أنه حين حاول موسى أن يبرهن لفرعون عن قوة الله قام بتحويل عصاه إلى أفعى؛ ففعل سحرة فرعون نفس الشئ، وقد تكرر ذلك في بعض الضربات العشر؛ أي أنهم فعلوا شيئا بديلاً أو شبيهاً للمعجزة؛ مما أدى إلى إحجام فرعون عن تصديق موسى والشك في قدرة إلهه، وبصفة عامة فإن جميع البدائل غير الأخلاقية، أو التي لا تستقيم مع الطبيعة التي جبل عليها البشر، والتي قد تنجح في تحقيق نتائج مصطنعة أو إشباع الرغبات الإنسانية ولو ظاهرياً؛ كثيراً ما تثير البلبلة وتزعزع الثقة في الحق بمفهومه الأخلاقي أو المجتمعي.


10- أخيراً يمكن النظر للميتافيرس في ضوء فكرة البدائل السابق طرحها، كما يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد طفرة عادية في سياق التطور لا تدعو لكل هذا التوجس من المنظور الأخلاقي، مثاله مثل التليفون والتليفزيون والطائرة والأنترنت وغيرها من المخترعات والأفكار، والتي لاقت في البداية تخوفاً منها ورفضاً لها، وأضحت اليوم أمراً عاديا.


باحث قانوني وباحث دكتوراة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *