“السدود الكبرى.. تنمية أم هيمنة”| كتاب جديد يتناول أكاذيب “الطاقة الخضراء”.. وعبدالمولى إسماعيل: هناك توجه لـ”تسليع” الموارد الطبيعية

إسماعيل: الكتاب يناقش اندفاع مؤسسات التمويل الدولية إلى انتزاع الأرباح الناجمة عن تسليع الموارد ونقلها إلى الهيمنة والاحتكار

كتب – أحمد سلامة

أصدر منتدى الحق في المياه بالمشاركة مع دار صفصافة كتاب “السدود الكبرى.. تنمية أم هيمنة” بمشاركة عدد كبير من الباحثين المتخصصين من عدة أقطار عربية، حيث يتناول الكتاب حركة بناء السدود خاصة في منطقتنا وهل هي أداة للتنمية أم للهيمنة.

وقال عبدالمولى إسماعيل، الباحث ومُحرر الكتاب، وعضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إنه على الرغم من الآثار السلبية المباشرة لبناء السدود وبخاصة الكبيرة منها، وتلك التى تُبنى على منابع الأنهار ، إلا أنه يصاحب بناء هذه السدود الترويج لسردية تدافع عن بناءها، تقودها مؤسسات التمويل الدولية من البنك الدولي، إلى بنك الاستثمار الأوربي، بنك التنمية وإعادة الإعمار الأوربي، بنك التنمية الإفريقي، وبنك التنمية الإسلامي وغيرهم ومن يسير في ركابهم من شركات عابرة للقوميات تعمل بالإتجار في المياه عبر العالم مثل شركات Veolia Environment  و Suez Environment  الفرنسيتين ، وأيضًا ITT Corporation الأمريكية.

وأضاف عبدالمولى لـ”درب”: تدافع هذه المؤسسات الدولية عن بناء السدود بدعوى أن هناك تفاوتًا في الوصول إلى المياه عبر دول العالم. ما بين دول تتسم بوفرة مائية، وأخرى تعاني قلة الماء. ومن ثم فإن بناء السدود يمكنه أن يقلل من حدة التفاوت في الوصول إلى المياه، سواء على مستوى البلد الواحد أو البلدان والأقطار المختلفة.

وتابع “يطرح  هذا الخطاب العديد من التساؤلات حول بناء تلك السدود. أولى هذه التساؤلات هو  الكيفية التي يمكن بها الإقلال من التفاوت في الوصول للمياه بين الأقطار المختلفة؟ أمن خلال خلق سوق دولية للتجارة في المياه؟ بمعنى الدفاع عن حق الدول ذات الوفرة المائية في بيع حصص مائية للبلدان ذات الندرة المائية. سواء عبر بورصات دولية، أو عبر التعاون والانتفاع المشترك، داخل حدود الدولة الواحدة، أو بين الدول المتشاطئة في نهر دولي؟ أو بين البلدان التي لا يجمعها نهر مشترك؟  تظل هذه الأسئلة معلقة لا تجد لها إجابات في سرديات بناء السدود التي تروج لها مؤسسات التمويل”.

وأشار عبدالمولى إسماعيل إلى أنه بناء السدود لا يتوقف عند حدود تجميع وتخزين المياه وإعادة توزيعها وفقًا لمقتضيات العدالة المائية، أو وفقًا لمقتضيات السوق، بل يمتد الأمر إلى خلق أسواق أخرى تتعلق بإنتاج الطاقة الكهرومائية، وإعادة توزيعها والإتجار بها سواء داخل بلد منشأ السد أو عبر الأقطار والبدان المختلفة، الأمر الذي يشير إلى أن بناء السدود الكبرى، وبخاصة على  منابع الأنهار، يشجع على زيادة احتكار الموارد الطبيعية من مياه وطاقه كهرومائية، والدفع بها نحو أسواق التجارة الدولية. مع ما يترتب على ذلك من نزاعات اقتصادية وسياسية، قد تتطور إلى نزاعات عسكرية بسبب اندفاع مؤسسات التمويل الدولية والشركات عابرة القوميات إلى انتزاع الأرباح الناجمة عن تسليع وتتجير الموارد الطبيعية، ونقل تلك الموارد من الملك العام والإرث المشترك إلى الهيمنة والاحتكار.

كما نبه إلى أن آثار بناء السدود لا تتوقف عند حدود احتكار الموارد الطبيعية وإحكام السيطرة عليها، بل تتجاوزها إلى الإخلال بمناخ الأرض  والتوازن الإيكولوجى للكوكب.  وذلك على خلاف ما يُشاع من  أن السدود طاقة خضراء، وأن بناءها وسيلة لمكافحة الاحتباس الحراري العالمي. فبناء السدود يؤدي إلى زيادة حقيقية في الغازات الدفيئة. وتكفي الإشارة إلى ما يسببه إنشاء وتشغيل السدود الكبيرة من انبعاث الغازات الدفيئة، وبخاصة غاز ثانى أكسيد الكربون و غاز الميثان. وقد أكد العديد من الخبراء أنه، وبشكل عام، كلما ارتفع عمق السد كلما كانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مرتفعة، وكلما ارتفعت درجة حرارة المياه كلما ارتفعت نسبة الغازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البيولوجي في السد.

علاوة على ذلك -يضيف عبدالمولى- تتسم حركة بناء السدود الممولة من مؤسسات التمويل الدولية بانعدام الشفافية، وغياب مشاركة المحتمعات المتأثرة ببناء هذه السدود. وبخاصة ما يتعلق بدراسات تقييم الأثر البيئي، سواء قبل أو أثناء أو بعد بناء تلك السدود. وتكفي الإشارة إلى عمليات نزوح ملايين السكان، على الصعيد العالمي، من جراء بناء تلك السدود، التي تبرز في ثنايا موضوعات هذا الكتاب.

واستكمل عبدالمولى “في هذا السياق يأتي هذا الكتاب الثالث الذي يصدر عن (منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية)، والذي يتناول موضوع السدود الكبرى وتداعياتها، ليس فقط على حق الناس في الوصول إلى المياه، بل يمتد إلى فرض آليات الهيمنة على هذا المورد الحيوي واحتكار الإرث الإنساني المشترك المتمثل في الأنهار التي تمر عبر العديد من البلدان، وحرمان شعوب هذه البلدان التي تقع فى مصبات تلك الأنهار من حقها في الوصول إلى المياه بالكميات والنوعيات الكافية التي تضمن لها حق الحياة”.

واسترسل “وقد حاولنا ضمن النطاق الموضوعي لهذا الكتاب تقسيمه إلى عدة محاور نتناول فى المحور الأول منه واقع السدود وما يترتب عليها من تداعيات على الجانب الإيكولوجي والموائل الطبيعية، وعمليات النزوح السكاني وما يصاحبها من تدهور بيئي يضر بالتنوع الحيوي على وجه الخصوص. وفي المحور الثاني نتناول بعض النماذج الخاصة ببناء السدود الكبرى على منابع الأنهار من خلال دراسات حالة لبعض السدود التركية مثل سد (أتاتورك) و(إليسو) على منابع نهري دجلة والفرات ، ثم سد (النهضة) الإثيوبي على منابع النيل الأزرق، وما تخلفه تلك السدود من أثار على حياة الناس وبيئتهم الحيوية. وفي المحور الثالث من هذا الكتاب تناولنا الأبعاد السياسية لقضيّة السدود وتأثيرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال دراسة لحالتي سد ”بسري“ فى لبنان  وسد ”النهضة“ الإثيوبي، وحركة الفاعليات المجتمعية الناجمة عن بناء هذين السدين”.

وفي المحور الرابع -يتابع عبدالمولى- انتقلنا إلى جانب آخر يتعلق بحركة بناء السدود تحت الاحتلال متخذين من فلسطين نموذجًا في كيفية السطو على الموارد الطبيعية بواسطة الاحتلال الإسرائيلي.. أما في المحور الأخير تناولنا بناء السدود داخل البلد الواحد وخلق حالة من التفاوت في الوصول إلى المياه متخذين من المغرب، تونس واليمن نماذج حالة على سبيل المثال لا الحصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *