افتتاحية مجلة التحالف في عددها الجديد: طوفان الأقصى وعودة الروح للشعوب العربية وضرب مخططات التطبيع

كتب – أحمد سلامة

أصدرت مجلة التحالف، الصادرة عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، عددها الجديد والذي تناول عملية “طوفان الأقصى” والأثر الممتد للحرب الصهيونية على غزة.

وقالت هيئة التحرير في افتتاحيتها إنه “ما بين حرب يونيو 1967 وسقوط قطاع غزة تحت الإحتلال الصهيوني وحتي تصريح إسحاق رابين عام 1992 ” أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة وقد إبتلعها البحر!” مرت في النهر مياه كثيرة. لقد كانت غزة منذ النكبة وحتي الان عصية علي الانصياع لسلطة الاحتلال. وقبل أن نصل إلي أوسلوا كانت البداية باتفاق (غزة أريحا أولا)  والذي اسس لوضع خاص في القطاع ثم إتفاق أوسلوا وتعمق فصل قطاع غزة عن الضفة. وعند إنسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005 تولت السلطة الفلسطينية حكم القطاع لكن عدم تطوير هيكل منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني لاستيعاب التنظيمات الجديدة مثل حماس والجهاد أصبحت السلطة في غزة لا تمثل كل أطياف فلسطين في القطاع وقادت حماس انقلاب علي السلطة بمباركة إسرائيل وأطيح بحكومة السلطة الفلسطينية في غزة. وعندما أجريت الانتخابات غابت منظمة التحرير وممثلي السلطة في القطاع لتسيطر حماس علي المجلس التشريعي منذ 2006 وحتي الآن وتتعمق الخلافات بين السلطة في الضفة وحكم حماس في القطاع”.

وأضافت “وارتاح العدو لهذا التقسيم بين الضفة والقطاع والذي يَحٌول دون حل الدولتين كما وعدت الاتفاقيات المختلفة. وفي ظل عدم إجراء الاصلاحات اللازمة في هياكل منظمة التحرير الفلسطينية والإصرار علي استمرارها بنفس التركيب واستبعاد حماس والجهاد وتحول المجلس الوطني الفلسطيني إلي مجلس حكومي في الضفة وبجانب عوامل اخري كثيرة باعدت حل الدولتين وعمقت الانفصال بين غزة والضفة”.

وتابعت “ومنذ 2006 وحتي الان لم تتوقف الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية في القطاع بكل فصائلها مع بروز دور أكبر لكتائب القسام وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ومشاركات من كتائب شهداء الاقصي وكتائب الشهيد ابو علي مصطفي وبعض التنظيمات الأخري. ولم تترك إسرائيل القطاع بدون اشتباكات متكررة وسقوط العشرات من الشهداء في القطاع بجانب الاقتحامات والمداهمات المستمرة في الضفة الغربية ، وتحزيم الضفة والقطاع بحزام من المستوطنات التي يسكنها المستوطنين المسلحين والتي بنيت علي أراضي فلسطينية تم نزع ملكيتها من أصحابها”.

واستكملت “خلال تلك السنوات طورت المقاومة الفلسطينية المسلحة من أسلحتها وبإمكانيات ذاتية متواضعة ودعم تقني كبير من إيران وصنعت صواريخ شكلت إزعاج مستمر لإسرائيل وأرقت سكان المستوطنات. لذلك شرع الاحتلال في فبراير 2007، إلي إقامة القبة الحديدية وهو نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات قواعد متحركة، طورته شركة رافئيل لأنظمة الدفاع المتقدمة والهدف منه هو اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية. اختار وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتز نظام القبة الحديدية كَحلٍّ دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل. منذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذي بلغت كلفته 210 مليون دولار بالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي وقد دخل الخدمة في منتصف عام 2011 م. وفي نفس الوقت تم تطوير صواريخ القسام لتصبح ذات مدي أبعد وقوة تدمير اكبر وقدرة علي اختراق القبة الحديدية وقذف العمق الإسرائيلي”.

وتابعت الافتتاحية “وتجمد الوضع السياسي بوجود سلطتين الأولي لمنظمة التحرير في الضفة الغربية والثانية لحماس في قطاع غزة . ولكن ظلت الضفة والقطاع مصدر قلق مستمر في ظل المقاومة المسلحة المستمرة وفشلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الموساد ( جهاز المخابرات الإسرائيلي) ، الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وعصابات المستعربين والمستوطنين في وقف اعمال المقاومة رغم الاقتحامات المتوالية للمسجد الأقصي والقدس العربية التي يجري مخطط محكم لتهويدها . وظلت المقاومة الفلسطينية المسلحة تطور من أسلحتها وأساليب عملها بحيث أصبحت تشكل صداع مستمر في الدولة العبرية. وظلت فكرة تهجير واعادة توطين سكان الضفة والقطاع تتكرر علي فترات متتالية وفشلت جميعها بفضل تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه رغم حروب الإبادة”.

واسترسلت “كما شهد العقد الأخير تغيرات كبري منها دخول عدد كبير من الدول العربية في التطبيع مع العدو بخلاف البحرين وعمان وقطر دخلت الإمارات بقوة وتبعتها السعودية بل ووصلت الي السودان إضافة لمصر والمغرب والأردن. كذلك تطور مشروع الشرق الأوسط الكبير الي ما سماه الرئيس السيسي صفقة القرن والتي لم نعرف اي شئ عن تفاصيلها غير ان ضمن اطرافها السعودية واسرائيل ومصر والأردن ، وتنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير التي تمثل نقاط استراتيجية علي مدخل خليج العقبة يمكن منها خنق العدو. واخيرا خط النقل الهندي – الإماراتي – السعودي – الأردني – الإسرائيلي – الأوروبي والذي تم الإعلان عنه في قمة العشرين الأخيرة. وبحيث يتم عمل خط سكك حديدية من ميناء جبل علي في الإمارات الي السعودية ثم الأردن واسرائيل لينتهي في ميناء حيفا لتنقل بعدها البضائع بالبحر الي أوروبا”.

وقالت “وصمت العالم العربي أمام هذه التغيرات الكبري وانتهي النظام العربي بالتفسخ وعدم القدرة علي تقديم أي حلول للأزمة وركوب العديد منهم لسفينة التطبيع. وعرفت المقاومة الفلسطينية المسلحة أنه لن تكون هناك حلول جديدة بدون تحريك كبير يهز وجود الكيان الصهيوني. واستيقظ العالم يوم 7 أكتوبر 2023 علي عملية ” طوفان الأقصي” كما سمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس واوقعت إسرائيل في مأزق ظلت بعده فاقدة للوعي لعدة أيام حتي استفاقت وبدأت الرد الذي وصل لمرحلة الاقتحام البري للقطاع والذي يواجه بشراسة وبسالة غير مسبوقة”.

وأشارت الافتتاحية إلى أنه “الآن وبعد مرور أكثر من شهر علي انطلاق عملية ” طوفان الأقصي” وبعد صمود أسطوري للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع رغم الحصار والاجتياح سقط خلالها أكثر من 11 ألف شهيد و 26.5 ألف مصاباً بينهم 4237 طفلاً و2719 امرأة وفتاة و631 مسناً، إضافة إلي 2250 بلاغ عن مفقودين بينهم 1350 طفل. كما استشهد 192 من الكوادر الطبية والصحية و40 سيارة إسعاف دمرت، و113 مؤسسة صحية لحقت بها أضرار جسيمة وخرجت من الخدمة أكثر من 40 مستشفى ومركزا صحياً.  كما تم نزوح أكثر من 780 ألف شخص من شمال ووسط قطاع غزة باتجاه الجنوب. ولازالت المعارك مستمرة في شمال وغرب القطاع واستمرار الاقتحامات والمداهمات في مدن وقري ومخيمات الضفة وقصف المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات في غزة . وعاد الحديث مرة أخري عن الترانسفير لسكان الضفة والقطاع . بل ووصل الأمر بوزير التراث الإسرائيلي المتطرف عميحاي إلياهو، في مقابلة إذاعية ، إلي اقتراح إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة “خيار مطروح”. وباعتبار سكان غزة مستباحين”.

واستدركت هيئة التحرير في افتتاحيتها “ولكن إسرائيل لم تنتظر بن غفير ليقترح عليها ذلك فحسب تقارير المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان، فقد أسقطت إسرائيل على قطاع غزة حوالي 25 ألف طن من المتفجرات، وبذلك يتخطى هذا الرقم قوة القنابل الذرية التي ألقتها واشنطن بالحرب العالمية الثانية على كل من هيروشيما وناجازاكي. وتستمر حرب الإبادة في غزة في ظل عجز وتخاذل الأنظمة العربية التي فشلت قممها المصغرة والمكبرة العربية والاسلامية في وقف الحرب ووقف مشروع الابادة والتهجير الذى يعتبرها الشعب الفلسطيني ” النكبة الثانية”. لكن طوفان الأقصي عري كل أنظمة الخيانة العربية وأغرق كل مشاريع التطبيع وفضح كثير من الصفقات التي كان يتم الإعداد لها”.

وتابعت “يوم 2 نوفمبر عام 1917 أصدر السير بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده الشهير لليهود بمنحهم وطن قومي في فلسطين ولتكون شوكة في قلب الأمة العربية وسكين يمنع التحام العرب في اسيا وافريقيا ، وظلت إسرائيل بكل عنصريتها وعربدتها طفل الاستعمار المدلل وذراعه في كل مخططات السيطرة علي المنطقة . ورغم انتقال قيادة العالم الرأسمالي الي الولايات المتحدة ظلت إسرائيل فتي الامبريالية المدلل والتي تحميها بالفيتو في مجلس الأمن ضد قرارات إدانتها. ولذلك فإن كل قوي الاستعمار حريصة علي استمرار الكيان الصهيوني وعدم إنهياره وقد هزتهم مشاهد طوفان الاقصي يوم 7 أكتوبر والذي مرغ كرامة العسكرية الإسرائيلية في الأوحال ولا يزال رغم الحصار قادر علي مواجهة وصد الهجوم البري”.

وأوضحت “لقد هرع بايدن وماكرون وسوناك لمساندة ودعم طفلهم المدلل ، وتحركات حاملات الطائرات للدعم العسكري بل وتشارك في قيادة المعارك الميدانية وامتدت جسور جوية من كل قوي الاستعمار للكيان الصهيوني ودعمه في مواجهة المقاومة الوطنية الفسطينية المسلحة والتي يحاول وصمها بالإرهاب. ورغم حشد هذه الترسانة الحربية العالمية صمدت حماس والمقاومة حتي الان واستمروا في صد الهجمات رغم حرب الإبادة التي تشن ضدهم ورغم التكلفة الفادحة التي يدفعها سكان غزة نيابة عن كل الشعوب العربية”.

ولفتت الافتتاحية إلى أنه “إذا كان طوفان الأقصي قد كشف ترابط الحلف الاستعماري خلف الكيان المفتعل المزروع في فلسطين المحتلة ، فإن مشاهد القصف والابادة الجماعية قد ايقظت الشعوب العربية بل والضمير العالمي ، وشاهدنا مظاهرات داخل الكونجرس الأمريكي لدعم الحق الفلسطيني والمطالبة بوقف المجازر وفي عديد من المدن الأمريكية والأوروبية وتحرك العالم من باكستان واندونيسيا الي شيلي والارجنتين ومن لندن وباريس ومدريد وكل العواصم الأوروبية إلي جنوب إفريقيا”.

واسترسلت “وعلى الصعيد العربي جاءت مظاهرات اليمن والأردن ولبنان وتونس لتؤكد علي دعم خيار المقاومة وعادت حركة المقاطعة العربية للصدارة ليس في مصر والدول العربية بل في كل دول العالم. أما في مصر والتي تكبلها معاهدات كامب دافيد واتفاقية فلادليفيا فإنها رفضت ومنذ اللحظة الأولي التوجه لتوطين سكان قطاع غزة في سيناء رغم استغلال الدول الاستعمارية لأزمة مصر الاقتصادية لفرض قبولها بالتوطين. وكان الرفض الشعبي للعدوان والابادة والمطالبة بفتح المعبر ومرور كل انواع الدعم والمواد الضرورية لاستمرار صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة . وكانت تحركات النقابات المهنية وفي القلب منها نقابة الصحفيين التي تبنت وقفة احتجاجية كبري أعادت الحياة للشارع السياسي المصري المحاصر والمكبل منذ سنوات ، إضافة الي المؤتمرات والاحتفاليات التي عقدتها اضافة الي التجهيز لقافلة أغاثية لغزة، وتحركت النقابات العمالية الي مكتب منظمة العمل الدولية في القاهرة لرفض بيان المنظمة الداعم للكيان الصهيوني والذي يعتبر ما يحدث دفاع عن النفس . كما تم إحياء اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني . ورغم ان الدولة المصرية دعت للتظاهر دعماً لغزة الا انها القت القبض علي العشرات من الشبان الذين خرجوا للتضامن مع غزة . ونجحت جهود المقاطعة لسلاسل المحلات ومنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل. وتوحدت حركة الشعوب في العالم تطالب بوقف الحرب ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعبر لمرور كل أنواع المساعدات التي يحتاجها الشعب الفلسطيني”.

واختتمت الافتتاحية “لقد أعاد طوفان الأقصي الوعي المسلوب للشعوب العربية والشعب المصري وكشف أمام العالم حقيقة العدوان . لذلك خصصنا عدد نوفمبر من مجلة التحالف لفلسطين دعما ومشاركة في صمودها الاسطوري وتضحياتها الكبري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *