إلهامي الميرغني يكتب: مظاليم المعاشات ونظرية خيل البلدية

الحكومة اقترضت أكثر من 1000 مليار جنيه من أموال اصحاب المعاشات وتعهدت بردهم خلال 50 سنة بالقسط . وعندما تتحدث عن المعاشات تتحدث وكأنها تدفع من جيبها الخاص وليس سداداً لجزء من حقوق اصحاب المعاشات الذين قدموا حياتهم وصحتهم لمصر وفي النهاية يعاملوا معاملة خيل البلدية التي تقتل في نهاية خدمتها لأن طعامها عبئ علي الانفاق الفاسد والذي يتبدد في عشرات المشروعات الفاشلة بالمليارات.

نار الغلاء تكوي اصحاب المعاشات

الغلاء وصل الي 40% في المتوسط خلال العام الحالي وفي شهر نوفمبر فقط وصل الي 36.4% بينما مجموعة الطعام والشراب من نوفمبر 2022 إلي نوفمبر 2023 ارتفعت بنسبة 64% ، وداخل هذه المجموعة ارتفعت اسعار مجموعة الحبوب والخبز 45.2% ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 81.6% ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 74.7% ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 62.7% ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة 27.4% وأرتفعت أسعار مجموعة الفاكهة 62%، مجموعة الخضروات بنسبة 78.2% ومجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 47.4% أما اسعار مجموعة الشاي والبن والكاكاو فقد أرتفعت بنسبة 74% خلال عام واحد من نوفمبر 2022 إلي نوفمبر 2023. هذه هي بيانات التضخم الشهري التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم 10 ديسمبر 2023. والجهاز هو الجهة الحكومية المنوط بها قياس شهري وسنوي لغلاء الاسعار والتضخم وذلك باعتباره جزء من الدولة المصرية .

ماذا تعني هذه الأرقام ؟!

هذه النسب التي ذكرتها تنعكس علي حياة كل فرد فينا سواء عامل او صاحب معاش بأشكال مختلفة ولو حاولنا التعرف أكثر علي تاثير هذه النسبة نعتمد علي مثال عملي للتوضيح.

موظف خرج للمعاش منذ سنوات ويبلغ معاشه الشهري الان وبعد الزيادات 3000 جنيه يشتري بها احتياجات اسرته من الطعام والشراب والأدوية والعلاج وتعليم الابناء والمواصلات والاتصالات ( الموبايلات والتليفون الأرضي) وكذلك يسدد إيجار المنزل واستهلاك المياه والكهرباء والغاز الطبيعي.

هذا الشخص في شهر نوفمبر الحالي فقط فقد 36.4% من القدرة الشرائية لمعاشه فأصبحت القيمة الحقيقية للمعاش تساوي 1908 جنيه فقط وفقد المعاش 1092 جنيه نتيجة الغلاء وارتفاع الاسعار وفقاً لبيانات الحكومة المعلنة خلال سنة .    

معني ذلك ان معاشه الذي كان 3000 جنيه في نوفمبر السابق اصبح يساوي اقل من 2000 جنيه وفي نفس الوقت اسعار كل السلع والخدمات والمرافق ارتفعت بما يعني عجزه عن شراء نفس كميات السلع الذي كان يشتريها منذ سنة رغم ان حالته الصحية اصبحت اسوء واعمار ابنائه اكبر واحتياجاتهم اعلي. فماذا يفعل ليعيش في نفس مستواه في العام الماضي. وكل المخصصات التي نذكرها فيما يلي هي مجرد تقديرات للتوضيح ويمكن حسابها حسب كل اسرة.

اذا كان يشتري لحوم ودواجن ب 400 جنيه مثلا كل شهر فهو الان يحتاج الي 726.4 جنيه لشراء نفس الكمية التي كان يشتريها من سنة.

طيب اذا بطل لحوم ودواجن واسماك وبيض وفاكهة هتكون ايه النتيجة ؟! المزيد من الأمراض له ولأسرته وعدم القدرة علي العمل وضعف الاستيعاب في التعليم وامراض سوء التغذية والانيميا وغيرها.

لو بيشتري خبز ب 300 جنيه في الشهر بكمية تكفي اسرته ، فهو في ظل الغلاء يحتاج إلي 435.6 جنيه لشراء نفس كمية الخبز. طيب اذا انخفض وزن وحجم الرغيف فقد يحتاج لزيادة عدد الأرغفة ولكن معاشه لا يسمح بذلك.

بعض الاسر استبعدت الفاكهة من قوائمها الاستهلاكية ولكن الخضار لا يمكن الاستغناء عنه وكانت الاسرة تنفق 500 جنيه مثلا علي شراء الخضروات ووفقاً لزيادة اسعار الخضروات فنجد ان نفس الكميات التي يشتريها شهرياً زادت 391 جنيه شهرياً وبذلك يحتاج إلي إنفاق 891 جنيه لشراء نفس كمية الخضروات التي كان يشتريها من سنة واذا لم يتوفر لديه 391 جنيه اضافية سوف يضطر مجبرا لتخفيض الكميات التي يشتريها بفعل الغلاء وارتفاع الأسعار .

ولم نضيف تغير اسعار السمنة والزيون والصلصة والأرز والمكرونة وباقي مستلزمات اعداد الطعام.

اذا القدرة الشرائية للمواطن المصري تنخفض بفعل الغلاء والغباء في معالجة الوضع وحماية الفقراء ومحدودي الدخل في ظل فقر تجاوزت نسبته 35% من المصريين. هذا بالنسبة لعامل في القطاع غير المنظم او صاحب معاش يحصل علي ثلاثة الالاف جنيه شهرياً . فماذا لو كان لا يتحصل علي هذا المبلغ كأجر او كمعاش ؟!

الحكومة وزيادة الحد الأدني للمعاشات

رفعت الحكومة الحد الأدني للأجور في الحكومة إلي 4000 جنيه رغم وقف التعينات الجديدة الا فيما ندر، ورفعت منذ أيام الحد الأدني للأجور في القطاع الخاص إلي 3500 جنيه ولكن لا توجد الية للتنفيذ او عقوبات لأصحاب الاعمال الذين لا يلتزمون بالحد الأدني. أما مظاليم الدولة من أصحاب المعاشات فقد كان الحد الأدني للمعاش منذ اسبوع فقط 1105 جنيه ولكن بعد طول انتظار تم رفع الحد الأدني للمعاش إلي 1300 جنيه شهرياً. فهل تعكس هذه الزيادة أي تحسن في أوضاع أصحاب المعاشات؟!

حسابات متنوعة للحد الأدني للمعاش بعد الزيادة

مركز حلول السياسات البديلة بالجامعة الأمريكية قال ان معدل الفقر عام 2023 وصل الي 33.3% وسيرتفع في عام 2025 إلي 36% من السكان وأن مصر بها 37 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر.

كما كشف نائب وزير التخطيط، أحمد كمالي، إن خط الفقر الجديد فى مصر سيكون أعلى من 1400 جنيه، بارتفاع نحو 63 بالمئة عن خط الفقر السابق (متوسط سعر الدولار بالبنوك 31 جنيها.. وأكثر من 40 جنيها بالسوق السوداء). وقال كمالي خلال مؤتمر التنمية المستدامة الذى عقدته وزارة التخطيط المصرية، إن التقديرات اﻷولية لخط الفقر في بحث الدخل والإنفاق 2021/ 2022 (مسح إحصائي تجريه الحكومة كل عامين)، سيكون أعلى من 1400 جنيه، بارتفاع نحو 63 بالمئة عن خط الفقر السابق في بحث 2019/ 2020 الذي كانت قيمته 857 جنيها، بحسب جريدة البورصة.

وبذلك فإن قيمة الحد الأدني للمعاش بعد الزيادة اللي الحكومة اتمطعت واعلنتها أقل من خط الفقر اللي محدداه الحكومة نفسها 1400 جنيه. وهو أقل ب 7% من خط الفقر الحكومي وليس خط الفقر الذي يحدده البنك الدولي والذي يبلغ 3.2 دولار في اليوم ( 2957 جنيه للفرد في الشهر وليس للأسرة ) . أما خط الفقر المدقع ( الشديد ) لدي البنك الدولي فيبلغ 1.9 دولار في اليوم ( 1755 جنيه للفرد في الشهر ) .

بذلك يكون الحد الأدني للمعاش بعد الزيادة يمثل 93% فقط من خط الفقر الوطني المصري في 2021/2022 قبل التعويم والغلاء الأخير ويمثل 44% من خط الفقر لدي البنك الدولي و 74% من خط الفقر المدقع لدي البنك الدولي .

الحد الأدني للمعاش كان 300 جنيه في 2014 بينما كان الحد الأدني للأجور 1200 جنيه ولما الحد الأدني للأجور وصل 2000 جنيه في 2019 الحد الأدني للمعاش كان 700 جنيه وفي عام 2022 لما الحد الأدني للأجور وصل 3000 جنيه الحد الأدني للمعاش وصل 1105 جنيه وبذلك توجد فروق كبيرة بين الحد الأدني للأجور والحد الأدني للمعاشات.

واذا استخدمنا سعر صرف الدولار لحساب قيمة الحد الأدني للمعاش سنجده يساوي 58 دولار في 2015 ويساوي 44 دولار في 2022 والآن وبعد الزيادة الأخيرة وصل الي 42 دولار في الشهر وبذلك تتدهور القيمة الحقيقة للمعاشات ويتدهور مستوي معيشة اصحاب المعاشات كأفراد وكأسر.

واخيرا تم رفع الحد الأدني للمعاشات من 1105 إلي 1300 بزيادة 195 جنيه شهرياً وبنسبة 17.6% فقط ، بينما ارتفع الحد الأقصي للمعاش من 8720 جنيه شهرياً إلي 10080 جنيه وبزيادة 1360 جنيه شهرياً وبنسبة 16% فهل تحقق الزيادة تحسين أوضاع اصحاب الحد الأدني للمعاش وهم بالالاف ؟!!

لا توجد اسعار خاصة للحوم لأصحاب المعاشات او للسكر او البصل او الأرز او الأدوية ولذلك يجب اصلاح هذا الخلل بأقصي سرعة ورفع الحد الأدني للمعاش علي الاقل ليعادل الحد الأدني للأجور في القطاع الخاص وإعادة تدرج باقي المعاشات. وقليل من الرحمة لحماية اصحاب المعاشات واسرهم فهم مصريين خدموا مصر لأكثر من 25 سنة واقتطعوا من أجورهم لما ينفعهم في شيخوختهم.  ولكن الواقع مؤلم ويدفع بأصحاب المعاشات إلي تحت خط الفقر المدقع.

أرحموا شيخوختنا ونحن مصريين مثلكم ولسنا ولن نكون أبداً مثل خيول البلدية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *