إلهامي الميرغني يكتب: تأملات في الموازنة الجديدة.. 6 – الدعم والاستثمارات ( الأخيرة)

عرضت في المقالات السابقة رؤية لتطور الموازنة تبعاً للتقسيم الوظيفي خاصة للتعليم والصحة ثم تبعا لبنود التقسم الاقتصادي والإيرادات الضريبية والديون ثم تحليل المصروفات وتطور بنودها . وفي هذه الحلقة أعرض لتطور أرقام الدعم والاستثمارات في موازنة 2021/2022.

الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية:

يضع صندوق النقد والبنك الدوليين ضمن شروط اقراض مصر ضرورة تخفيض مخصصات الدعم لأن ذلك يؤثر علي حرية الأسعار. ويجب تحرير الأسواق والأسعار بغض النظر عن الآثار الاجتماعية لهذه السياسات. وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 108 لسنة 2017 بشأن الموافقة ” علي ” اتفاق تسهيل الصندوق الممدد ” بين جمهورية مصر العربية وصندوق النقد الدولي الذي اعتمده مجلس إدارة الصندوق بتاريخ 11/11/2016 . وقد تم نشر القرار في العدد 7 من الجريدة الرسمية والمنشور في 15 فبراير 2018.

تعهدت الحكومة بحزمة من السياسات منها ” تقوية شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة الانفاق المساند للفقراء، من أجل موازنة آثار الاصلاحات علي محدودي الدخل “. وتم الاتفاق علي اصلاح السياسة المالية من خلال إصلاح الدعم والضرائب والخدمة المدنية . وتم رفع أسعار الوقود والكهرباء ، مع وضع خطة لإلغاء الدعم علي عدة سلع تدريجياً. ونتيجة لذلك انخفضت فاتورة الدعم بنحو ثلاث نقط مئوية من إجمالي الناتج المحلي . ( صفحة 10) وتعهدت الحكومة بتحويل ضريبة المبيعات إلى ضرائب القيمة المضافة واصدار قانون الخدمة المدنية .

توقع الصندوق أن التضخم سيصل إلى 18% ولكن بعد تطبيق روشتة الصندوق تجاوز التضخم 35% ولم ترتفع أسعار السلع الغذائية فقط بل ارتفعت أسعار مستلزمات الانتاج المستوردة نتيجة تعويم الجنيه وإلغاء دعم الطاقة مما أدى إلى توقف عشرات المشروعات.

وأكد الصندوق علي أهمية إلغاء دعم الوقود ودعم الكهرباء. وتعهدت مصر من خلال وزير المالية ومحافظ البنك المركزي في خطاب نوايا قدم للصندوق في 7 نوفمبر 2016 بإصدار قانون ضريبة المبيعات وقانون الخدمة المدنية وقانون التأمينات الاجتماعية إضافة إلى تخفيض الدعم مع زيادة الانفاق علي برامج الحماية الاجتماعية 1% من الناتج المحلي لمواجهة الآثار المترتبة علي تغيير سعر الصرف وإلغاء الدعم وارتفاع الأسعار وزيادة الضغوط علي الفقراء. لذلك ظهر برنامج تكافل وكرامة ثم حياة كريمة في محاولة لتخفيف الآثار المترتبة علي تطبيق روشتة الصندوق.

لذلك إذا تأملنا مخصصات الدعم في مشروع الموازنة الجديد نجد ارتفاع نقدي في المخصص للإنفاق علي الباب الرابع من المصروفات من 123.1 مليار جنيه عام 2010/2011 إلى 321.3 مليار جنيه في مشروع موازنة 2021/2022. ورغم ذلك انخفضت أهمية الانفاق علي الدعم من 30.6% من إجمالي المصروفات إلى 17.5% فقط في مشروع الموازنة . وكذلك انخفضت أهمية الانفاق علي الدعم إلى الناتج المحلي الاجمالي من 8.9% إلى 4.5% خلال نفس الفترة.

انخفض المخصص للدعم من 243.6 مليار جنيه في 2017/2018 إلى 138.3 مليار جنيه في الموازنة الجديدة ، بينما ارتفع دعم السلع التموينية خلال الخمس سنوات الأخيرة من 80.5 مليار إلى 87.2 مليار ،ويلاحظ ان دعم السلع التموينية بلغ 87 مليار جنيه عام 2018/2019 ولكن عندما تتحدث الحكومة عن دعم السلع التموينية تقول ان المخصص ارتفع 3 مليار جنيه عن العام الماضي لكن لا تذكر انه عاد لنفس القيمة المخصصة في 2018 بل وتهمل معدلات التضخم خلال ثلاث سنوات وزيادة عدد السكان اكثر من 4.5 مليون نسمة وبما يعكس ان حقيقة المخصص لدعم السلع التموينية ينخفض كقيمة مقارنة بالتضخم وعدد السكان ولكن نقدياً يزيد زيادة رقمية لا تنعكس علي عدد السلع المدعمة التي يحصل عليها المواطن.

انخفض دعم المواد البترولية من 120.8 مليار إلى 18.4 مليار فقط ، وانخفض دعم المزارعين من 733.2 مليون إلى 664.5 مليون . بينما ارتفع دعم الصادرات من 2.3 مليار إلى 4.2 مليار اي تضاعف فهل زادت الصادرات وانخفض عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات أم أن الدعم ذهب لغير مستحقيه.

منذ موازنة 2019/2020 لا يوجد اي دعم للكهرباء ورغم ذلك نواجه بزيادة سنوية في اسعار الكهرباء وتحميل فئات الاستهلاك المنخفض النسبة الأعلي من الرفع بينما تكون الزيادة اقل في شرائح الاستهلاك الأعلي وبما يعكس الانحياز الواضح للأغنياء والمصدرين علي حساب صغار المستهلكين والمزارعين.

لم يزيد دعم تنمية الصعيد عن 250 مليون فقط لا نعرف ماذا تمثل في احتياجات الصعيد المحروم من التنمية ، بينما ارتفع المخصص لدعم التأمين الصحي والأدوية من 1.5 مليار إلى 3.7 مليار.

بتامل أرقام الدعم نجد مبالغ هزيلة مخصصة لدعم المزارعين ودعم الصعيد ، اضافة إلى وقف دعم الانتاج الصناعي منذ 2018/2019 .حدث نمو واضح في المخصص لدعم إسكان محدودي الدخل والإسكان الاجتماعي من 1.4 مليار عام 2019/2020 إلى 7.7 مليار في موازنة 2021/2022 .وبما يعكس الاهتمام بالتنمية العقارية وإهمال التنمية الزراعية والصناعية . بينما القطاع العقاري لا يوفر فرص عمل دائمة ولم يقدم دفعة للتنمية تعوض تراجع الانتاج الزراعي والصناعي.

خلال خمس سنوات لم يرتفع المخصص لدعم معاشات الضمان الاجتماعي الا بقيمة 1.5 مليار جنيه فقط في ظل معدلات التضخم وارتفاع الاسعار وارتفاع معدلات الفقر وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

مع صدور قانون التامين الاجتماعي الجديد ارتفع المخصص كمساهمات في صناديق التأمين الاجتماعي من 55 مليار في موازنة 2019/2020 إلى 135 مليار في موازنة 2021/2022. كما تم تثبيت المبلغ المخصص للعلاج علي نفقة الدولة بنفس قيمته في موازنة العام الماضي .

هذه أهم المتغيرات في توزيع وتركيبة مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية .

الدعم وتخفيف حدة الفقر

أوضحت الدكتورة هبة الليثي في دراستها حول ” تحليل مؤشرات الفقر من واقع مسوح الدخل والانفاق و الاستهلاك” التي يعدها جهاز التعبئة والإحصاء إنخفاض الاستهلاك الفعلي للفرد بين عام 2015 ، 2018 بمقدار 5.1 %، كان الانخفاض في الحضر أكبر منه في الريف و في المحافظات الحضرية ( القاهرة، الاسكندرية ، بورسعيد ،السويس) اكبر من الأقاليم الجغرافية الآخرى.ريف الوجه القبلي هي المنطقة الوحيدة التي ارتفع فيها الاستهلاك الفعلي ولكنها لازالت أقل المناطق من حيث مؤشر مستوى المعيشة. في الحضر: ارتفعت نسبه الفقراء نتيجه إنخفاض الاستهلاك و كذلك ارتفاع اللامساواه.

تزيد نسبة الفقراء في جميع محافظات الوجه القبلي عن المستوى القومي باستثناء محافظة الفيوم.تصل نسبة الفقراء الى أعلى مستوياتها في محافظتى أسيوط و سوهاج حيث بلغت حوالي 67 % و 60 % على التوالى بينما حوالي ثلث السكان فى محافظة القاهرة من الفقراء.

تعاني المساعدات الاجتماعية المقدمة من نقص في تغطية الفئات الأكثر احتياجاً حيث ان:

· 20٪ فقط من الأسر الفقيره التي لديها أطفال يتلقون مساعدات تكافل.

· أكثر الأفراد المستفيدين هم من فقراء ريف صعيد مصر ( 32.9%).

· 3.5 ٪ فقط من المسنين الفقراء أو المعاقين يتلقون مساعدات كرامة.

· أكثر الأفراد المستفيدين هم من ريف صعيد مصر ( 3.8 ).

كما أوضحت دراسة التعبئة والإحصاء عن الدخل والانفاق والاستهلاك في2017/ 2018 أن دعم السلع الغذائية لا يمثل اكثر من 10% من انفاق الفقراء علي الطعام والشراب وبالتالي 90% من انفاق الفقراء علي الطعام والشراب لا يحظي بأي دعم .كما أوضحت الدراسة ان نظام الدعم الغذائي ساهم في تخفيض الفقر بنسبة 5.3% كما أن دعم البوتاجاز ساهم في خفض نسبة الفقراء 5.2% بينما اسهم دعم الكهرباء في خفض نسبة الفقراء 4.7% ورغم ذلك ضغط صندوق النقد الدولي لإلغاء الدعم واستجابت الحكومة والغت دعم الكهرباء ورغم ذلك تزيد اسعار ادني شرائح الاستهلاك بنسب مرتفعة بما يزيد من حدة وانتشار الفقر. ورغم كل ملاحظاتنا وتحفظاتنا علي سياسات الدعم والحماية الاجتماعية الا انها لعبت دور مهم في تخفيف حدة الفقر وتأثيره علي الفقراء وأن كانت تعاني من تسريب نسبة من الدعم إلى غير مستحقيه.

الاستثمارات

يتضمن هذا الباب الاستثمارات الحكومية المتوقع تنفيذها خلال العام المالي الجديد . ويختلف هذا الباب في إعداده عن باقي أبواب الموازنة، حيث تقوم الوزارات المختلفة بمناقشة موازناتها الاستثمارية مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي، مع إدراج الدراسات المتعلقة بالمشروعات المزمع تنفيذها، والتنسيق مع وزير التخطيط في ضوء الخطة الخمسية. ويقتصر دور وزارة المالية على المراقبة فقط، حيث يقوم وزير المالية بمتابعة تنفيذ الإنفاق في جميع الأبواب فيما عدا الباب السادس حيث يتولى وزير التخطيط متابعة الإنفاق الاستثماري.

ويعرف الباب السادس لدى قطاعات الموازنة وجهاتها المختلفة بالخطة الاستثمارية، أو خطة التنمية. وينقسم الباب السادس لأربع مجموعات، هي “الأصول الثابتة”، “الأصول غير المنتجة”، “أصول غير مالية أخرى”،و”شراء الأصول غير المالية الإجمالية والاحتياطيات العامة”.وبذلك تشمل دفعات متأخرة للمقاولين والموردين وعربون ومقدمات لمشروعات جاري تنفيذها.

يخصص الباب السادس من المصروفات لشراء الأصول غير المالية الاستثمارات.ارتفع الانفاق علي الاستثمارات ضمن مصروفات الموازنة في السنوات الماضية من 39.9 مليار جنيه في 2011/2012 إلى 358.1 مليار جنيه في موازنة 2021/2022 . وبذلك ارتفعت اهمية الاستثمارات إلى إجمالي مصروفات الموازنة من 9.9% إلى 19.5% من مصروفات الموازنة. كما ارتفع الانفاق علي الاستثمارات إلى الناتج المحلي من 2.9% إلى 5% خلال نفس الفترة .

واذا تأملنا تفاصيل بنود الاستثمارات نجد الآتي :

  • أرتفعت قيمة الأصول الثابتة إلى إجمالي الاستثمارات من 82% في موازنة 2017/2018 إلى 91% في موازنة 2021/2022.
  • ارتفع المخصص للمباني السكنية بقيمة 18.3 مليار جنيه ما بين 2017/2018 ، 2021/2022 بينما ارتفع المخصص للمباني الإدارية غير السكنية بقيمة 36.8 ألف جنيه وقد يرجع ذلك لتمويل مباني بمشروع العاصمة الإدارية .
  • يوجد بند ضمن الاستثمار المباشر الأصول الثابتة هو بند ” التشييدات” والذي يشمل قيمة الاستثمارات فى رصف الطرق وشق الترع واقامة الكبارى والمطارات الخ وهو يمثل حوالي 52% من الاستثمارات في الأصول الثابتة في مشروع الموازنة.وقد بلغت قيمته 167.6 مليار جنيه في مشروع الموازنة الجديدة.
  • بند الآلات والمعدات ويشمل المبالغ المنصرفة على شراء الالات الخاصة بالنشاط الانتاجى والخدمى والمرافق متضمنة تكاليف النقل والتركيب وهى تختلف بالضرورة عن العدد والادوات الصغيرة اللازمة لعمليات التصنيع مثل الاصطمبات وادوات المعامل ووحدات اطفاء الحريق الخ ورغم ذلك انخفض المخصص له 7.2 مليار جنيه عن العام الماضي.
  • تم استحداث بند جديد لأول مرة في مشروع الموازنة للالات والمعدات الطبية وخصص له مبلغ 2.6 مليار جنيه وهي خطوة صحيحة علي طريق تلبية احتياجات القطاع الطبي.
  • ارتفع المخصص لبند التجهيزات بحوالي 3 مليار جنيه عن العام الماضي ، بينما انخفض المخصص لبند وسائل النقل من 4.1 مليار في العام الماضي إلى 2.9 مليار في مشروع الموازنة بما يعادل 1.1 مليار تمثل تخفيض قدره 28% عن العام الماضي وهو ما يعكس التوجه لتقليص وسائل نقل الموظفين من خلال هيئة الخدمات الحكومية والاتجاه للتعاقد مع القطاع الخاص وبما يرفع تكلفة النقل علي الموظفين.
  • 93 % من الاستثمار في المباني السكنية يتم من خلال هيئات عامة خدمية ، 53.4% من الاستثمار في المباني الإدارية يتم بواسطة الجهاز الإداري للدولة ، 45% يتم من خلال الهيئات العامة الخدمية .
  • بند التشييدات احد أكبر بنود الاستثمارات والخاص بالطرق والكباري والانفاق والترع موزع كالتالي 68.5% للجهاز الإداري للدولة ، 23.2% للهيئات العامة الخدمية ، 8.3% فقط مخصص للمحليات في جميع محافظات مصر.وربما نجد بند التشييدات أحد العلامات الهامة علي مركزية الأداء من خلال توزيع بنود الانفاق في الموازنة.

تعكس كل هذه الارقام والمقارنات حقيقة انحيازات الموازنة العامة للدولة 2021/2022 وهو ما يجعلنا نرفض هذه الموازنة لأنها استمرار لنفس السياسات التي تحمل الأعباء علي الفقراء وتتوسع في اعفاء الأغنياء وتزيد المركزية وتسئ توزيع الموارد المحدودة بما يحمل محدودي الدخل المزيد من الأعباء بينما تتضح الانحيازات في كل تفاصيل بيانات الموازنة سواء بتقسيمها الاقتصادي او الإداري او الوظيفي.

إلهامي الميرغني

4/7/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *