إلهامي الميرغني يكتب: الدولة المصرية من التخطيط إلى التخبيط

الطاسة ضائعة تعبير عن غياب الرؤية الموحدة للدولة المصرية بكل مكوناتها، بحيث نري قرارات متضاربة ومتناقضة، وعلى مدي تاريخ مصر لم تشهد مصر حالة العشوائية الحالية منذ عهد المماليك.

التعليم ركيزة أساسية للتنمية ولكن لا زال

الانفاق علىالتعليم أدنى من النسب التي حددها الدستور ولا زال هناك عجز في الفصول يؤدي لزيادة الكثافات وعجز في المعلمين يؤدي إلى رداءة مخرجات العملية التعليمية وانتشار الدروس الخصوصية.

ويبقي السؤال في حالة دولة محدودة الموارد نوجه الموارد للتعليم والصحة أم لبناء عاصمة جديدة وعاصمة صيفية وقطار كهربائي معلق؟!

تدعي الدولة انها تدعم التعليم للفقراء بل ونظمت برنامج اسمه تكافل لحفز الأسر الفقيرة على استكمال تعليم أبنائها وتبلغ قيمة معاش تكافل الأساسي 320 جنيه يضاف اليه 60 جنيه عن كل طفل قبل السن المدرسي و80 جنيه للابتدائي و100 جنيه للإعدادي و140 جنيه للثانوي.

وقد يري البعض ان هذا البرنامج يدعم تعليم الفقراء بمعاش شهري. وكمثال للأسرة التي لديها أربعة أطفال واحد فيما قبل السن المدرسي، طفلين بالتعليم الابتدائي وطفل بالتعليم الإعدادي. فتحصل هذه الأسرة على 640 جنيه شهرياً. ويشترط البرنامج حضور الأطفال لأكثر من 80% من أيام العام الدراسي وتلتزم الأم بحضور ثلاث محاضرات توعوية لاستمرار صرف المعاش. بينما خط الفقر المدقع في مصر 2020 بلغ 550 جنيه للأسر الفقيرة فقر مدقع والتي تعجز عن تدبير احتياجاتها من الطعام والشراب وهو ما يعني ان الأسرة الفقيرة فقر مدقع وعاجزة عن تدبير احتياجاتها من الغذاء في المثال السابق تحتاج الي دخل شهري 2750 جنيه وفق خط الفقر المدقع الذي حدده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للفرد. وبالتالي فإن 640 جنيه التي تحصل عليها الأسرة من برنامج حياة كريمة هي تمثل 23% فقط من احتياجها لتبقي تحت خط الفقر المدقع وبذلك لن تخرجها من دائرة الفقر المدقع. ولن تساهم في انتظام الأطفال في المدارس واستكمال التعليم. لذلك ترتفع نسب التسرب خاصة في التعليم الابتدائي والاعدادي، لعجز الأسر عن تدبير الاحتياجات اللازمة للإنفاق على التعليم.

وفي ظل وجود 29.7% فقراء وفق تصريحات الحكومة أي متوسط دخل الفرد شهرياً في حدود 857 جنيها شهرياً للفرد وفقر مدقع لدي 4.5% من السكان (أكثر من 4.5 مليون نسمة) يقل دخل الفرد الشهري عن 550 جنيه. ولن نتحدث عن رسوم المدارس التجريبية الحكومية ولا المدارس الخاصة لأننا نتحدث عن تعليم الفقراء بالمدارس الحكومية المجانية.

تم رفع رسوم الالتحاق بالتعليم هذا العام بنسب لا تراعي مستويات الدخول المصرية وذلك على النحو التالي:- 300 جنيه للطلاب من رياض الأطفال حتى الثالث الابتدائي.- 200 جنيه من الرابع الابتدائي حتى الثالث الإعدادي.- من الصف الخامس الابتدائي حتى الصف الثالث الإعدادي 205 جنيهات.- 500 جنيه من أولى ثانوي حتى الثالث الثانوي والصف الاول ثانوي فني.

هل راعت هذه الرسوم أن 30 مليون مصري فقراء وكيف تمنح الدولة تلميذ الابتدائي 100 جنيه في برنامج تكافل وتطالبه بسداد 300 جنيه رسوم أول العام الدراسي. أما كيف يثبت التلميذ أنه فقير فهو يحتاج إلى دورة مستنديه وأوراق تفوق قدرات الأسر الفقيرة.

وبحسبة بسيطة لدينا 30 مليون فقير وفقاً لبيانات التعبئة والإحصاء بينما عدد الحاصلين على معاش تكافل لا يتجاوز 2 مليون وبذلك يعجز 28 مليون فقير علي إثبات انهم فقراء وتقديم المستندات الداعمة لذلك.

وإذا استطاعت الأسرة تدبير 300 جنيه للرسوم في الابتدائي فمن أين تأتي بباقي مصاريف التعليم وكيف يؤدي ذلك إلى التسرب من التعليم وتحولهم الي سوق العمل ليكونوا مصدر دخل للأسر الفقيرة.

لم تكتف الدولة ووزارة التعليم بذلك ولكن إمعانا في التنكيل بالتلاميذ الفقراء وأسرهم تبحث فرض رسوم على تغيب التلاميذ بدون عذر ما بين 500 جنيه و1000 جنيه. لم تفكر في أسباب توقفهم عن الذهاب للمدارس أو أسباب تسربهم او عجزهم فعليا عن الذهاب للمدارس أو اضطرارهم مجبرين على النزول إلى سوق العمل. وفكرت بعقلية المماليك وجباة الضرائب لتجبرهم علي دفع غرامة قد تصل إلى 1000 جنيه في بلد حد الفقر به يبلغ 857 جنيها، هل هذه دولة، وهل إعلانات حياة كريمة يمكن أن تمحو حقائق يعيشها المواطن الفقير كل لحظة في جميع أنحاء مصر.وكيف يمكن للأسر الفقيرة وأطفالها أن تشعر بالانتماء لهذا الوطن؟!!!

عندما تغيب الرؤية يسود عمي البصيرة وعندما تتحرك الدولة بلا عقل ويصبح كل همها المزيد من الجباية نصبح بحق نعاني إن الطاسة ضايعة. وتدفع الدولة بهذه السياسة لإعادة إنتاج الفقر فعجز أبناء الفقراء عن مواصلة تعليمهم هو إعادة لإنتاج الفقر. والتشدد في مواجهة أبناء الفقراء والانحيازيات الاجتماعية المعادية للفقراء التي تعكسها مثل هذه القرارات تسلب الأطفال حقهم في التعليم كحق من حقوق الإنسان بل وتدفعهم بكل قوة إلى أحضان جماعات العنف والإرهاب.

منذ أيام كتبت الأستاذة إيمان رسلان في جريدة الأهرام يوم 3 ديسمبر مقال هام بعنوان ” موسم الهجرة إلى التعليم الأزهري” وجاء بالمقال “تقول لغة الأرقام بوجود ازدياد في اعداد المتقدمين للصف الأول الابتدائي بالازهر هذا العام بنسبة تقترب من ٢٠٪ زيادة عن العام الماضي وتحديدًا زيادة ٤٤ ألف تلميذ ليصل إجمالي المقبولين إلى ٢٣٧ ألف تلميذ وتلميذة هذا العام ،، ليس هذا فقط بل شهدت اعداد طلبات التحويل من مدارس التعليم العام إلى الأزهر قفزة غير مسبوقة لتصل تقريبا إلى ٧٠ ألف طلب تحويل ولم يقبل منهم إلا 20 ألف بعد اجراء الاختبارات اللازمة، وحرصا على عدم زيادة الكثافة بالأزهر والتي تدور حول ٥٠ طالبا بالفصل وربما أقل احيانا، هكذا يتحايل الفقراء في البحث عن فرص لاستكمال تعليم أبنائهم بالتحويل للمدارس الأزهرية. لكن الكارثة أن المسئولين عن سياسات التعليم يرونه خدمة مدفوعة لمن يملك ثمنها وليست خدمة عامة مجانية. وليستمر إعادة إنتاج الفقر بل وتغذية منظمات الإرهاب وجماعات التطرف. استقيموا يرحمكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *