أحمد رمضان يكتب: قصة إصابتي وشفائي من كورونا

منذ اللحظة الأولى للإعلان عن انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر، وحديث الناس عن ضرورة التباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار المرض، قررت أن أكون من الملتزمين بهذه الإجراءات تماما، حتى صرت نموذج للتندر بين بعض المحيطين بي، فعلى الرغم من وجود أصدقاء وأقارب من أصحاب نظريات المؤامرة، لكنني كنت أرى عكس ذلك.

حسنا، نحن هنا نتحدث عن تجربة شخصية، من الالتزام التام بلبس الكمامات في كل التحركات ودعوة الناس لارتدائها ومناشدة الجميع بالبعد عن التجمعات خوفا على حياتنا وحياة من نحب، إلى الإصابة بالعدوى في لحظة لا يعملها إلا الله ومن شخص لا يعلمه أيضا إلا الله، أتمنى له السلامة وأن يكون تجاوز الإصابة هو الآخر.

في البداية لابد من الإشارة إلى أنني لم أقم بعمل أي مسحات، سواء إيجابية أو سلبية، ولكن التشخيص كان بناءً على الأشعة المقطعية والكشوفات الطبية ومراجعتها من 5 أطباء (نعم 5 أطباء فأنا كنت أبحث عن أي طبيب يكذب رواية إصابتي بفيروس كورونا خاصة في المراحل الأولى من الإصابة خوفا من ظهور أي مضاعفات مع الوقت).

الرحلة بدأت باجتماع عمل يوم الاثنين 18 مايو، تجمعت مع زملاء في غرفة لا تزيد مساحتها عن 25 مترا وكان عددنا تقريبا 6 أشخاص، أي أن المساحة كافية لأن نكون متباعدين قدر الإمكان، وبعد مرور ساعات انتهى اليوم بسلام ورحلنا جميعا.

4 أيام فقط على هذا اليوم وبدأت الأعراض في الظهور، ارتفاع في درجة الحرارة، وصلت إلى 38.5 درجة، كنت متوترا جدا، ولكنني تعاملت وكأنه مجرد دور برد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأيام، وتناولت خافض للحرارة وذهبت إلى النوم واستيقظت في اليوم التالي بدون ارتفاع في الحرارة، وليس هناك أي أعراض اللهم إلا ألم في منتصف الصدر.

يومان فقط على هذه الليلة، وبدون سابق إنذار، فقدت حاستي الشم والتذوق تماما، الأمر مزعج تماما، ألا تتذوق أي شيء، ولا تشم رائحة شيء، قد يخدعك أحدهم ويطعمك طعاما فاسدا وأنت لن نتعرف حتى تتجه للمستشفى لإجراء غسيل معوي.

مذ فقدت حواسي وبدأت أشعر بأن شيء ما ليس صحيحا، أنا مريض قديم في الأنفلونزا ونزلات البرد، أسرتي تسخر مني (أنت بيجيلك برد تلات وخميس) وهذه هي المرة الأولى التي أفقد فيها الشم والتذوق، إذن علينا اللجوء لجوجل وما يحمله من معلومات.

حتى هذه اللحظة تسيطر علي حالة إنكار شديدة لا لست مصابا بـ كورونا، كيف أصاب أصلا وأنا لم اخالط أي شخص مريض أو حتى عليه الأعراض ودائما أرتدي الكمامة وأترك مسافات بيني وبين الآخرين؟، لابد وأن شيئا ما خاطئ، ولكن في نفس الوقت، كل ما قرأت من مقالات أو تصريحات لأطباء، يتحدثون عن أن فقدان الشم والتذوق هو أحد أعراض الإصابة بالفيروس حتى وإن كان عرضا ليس منتشرا كالحمى والسعال.

ما زاد الأمر تعقيدا، بداية ظهور أعراض على والدتي بعد قليل من ظهورها لدي، ونحن كأي أسرة متوسطة نعيش في مكان به حمام واحد ونأكل معا ونتواصل مع بعض بشكل أو أخر، وكل محاولاتي العزل في المنزل انتهت بالفشل، خاصة وأن أبي وأمي وأخي أنفسهم لم يسمحوا لي بالانعزال، على طريقة “مهو أكيد كلنا اتعدينا خلاص”، ما يعني أن “العزل المنزلي” في ظروف مجتمعنا وشكل بيوتنا ونمط حياتنا، خيال.

ذهبت أمي أولا لعيادة طبيب خاص ورفضت الذهاب لمستشفى الفحص، وبعد الكشف والفحوصات شخصها بـ”التهاب في الشعب الهوائية”، وبدأت رحلة العلاج، بعد يومين، فقدت أمي هي الأخرى الشم والتذوق، نعم أعرف، أخبرني جوجل أنه أحد أعراض الإصابة بفيروس كورونا.

ولمدة 6 أيام، ليست هناك أي أعراض أخرى، احافظ على تناول كمية كافية من السوائل الدافئة يوميا مع تناول الغذاء الصحي قدر الإمكان وتناول مسكنات حال الحاجة إليها، حتى عادت حاسة التذوق بنسبة كبيرة والشم بنسبة 50% تقريبا، يا مسهل.

مر 4 أيام على عودة الحواس، وبالطبع كل القراءات تؤكد أنه كورونا ولكنني مازلت أنكر، حتى استسلمت للأمر وقلت حتى وإن كان كورونا فعودة الحواس دليل على قرب الانتصار على الفيروس، وطالما ليست هناك أي مضاعفات تنفسية، ليكن كورونا.

لم تكتمل الفرحة، وفي اليوم الخامس لعودة الحواس، بدأت أشعر بألم في منتصف الصدر مع شعور بضيق في التنفس وكأن النفس يدخل بثقل إلى الرئة واحتاج إلى مجهود عالي للتشبع بالنفس، هنا قررت الذهاب إلى إحدى مستشفيات الفحص التي أعلنت عنها وزارة الصحة وليكن ما يكون.

ذهبت في الليل بعد بدء الحظر حتى اتجنب الزحام قدر الإمكان، وفي أقل من عشر دقائق كنت أمام الطبيب، شرحت له الأعراض منذ بداية ارتفاع درجة الحرارة وحتى الشعور بألم في الصدر، طلب مني إجراء فحوصات وأشعة، وبعدها عدت مجددا وقالها نصا بعد الاطلاع على النتائج “أنت مصاب بكورونا وتأثيرها واضح في الرئة وباين في الأشعة المقطعية، ولكن عودة الحواس لك مؤشر جيد أنك هتتجاوزها وفي مرحلة التعافي”، ليؤكد على تناول الأدوية لأسبوع وبعدها سأعود لحياتي الطبيعية تماما ولن احتاج لأي مسحات.

لم أصدق ما أسمع حينها، وطلبت من صديق كان معي الدخول إلى غرفة الكشف حتى يسمع ويؤكد لي أيضا، وبدأت هنا رحلة العلاج، 3 أنواع من الحبوب مع حقن يوميا وفيتامينات أصر الطبيب على تناولها، وأنا ليس في عقلي سوى سؤال واحد “أنا اتصبت أزاي بس؟”.

أرسلت الأشعة لطبيب صديق يطلع عليها، كان لطيفا في تشخيصه، قال أن بالفعل هناك التهابات على الرئة وعلينا أن نلتزم بالأدوية والمسكنات وتناول السوائل، بعدها بأيام ومع زيادة الألم في منطقة الصدر وزيادة صعوبة التنفس ذهبت لطبيب أخر في عيادة خاصة، وبعد شرح الأعراض والألم ورؤيته للفحوصات والأشعة، قال نصا “واضح أن في التهابات على الرئة، ودي صورة الالتهابات اللي بيسببها فيروس كورونا”.

كل هذا وأنا عقلي يرفض تصديق ذلك، ماذا عن المخالطين وحالتهم، الحمد لله مر 14 يوما على آخر لقاء جمعني بشخص خارج أسرتي، الجميع بخير ومنهم من أجرى تحاليله وفحوصاته ونتائجها كانت جيدة، فقط أمي التي تعرضت للإصابة على ما أظن من خلالي، ولكنها تحسنت هي الأخرى بعد العلاج المكثف والراحة المنزلية.

في النهاية، كنت أمام أمر واقع، أنا مصاب بفيروس كورونا وكل الأعراض تؤكد ذلك ويجب التعامل على هذا الأساس وليس هناك أي شيء أقوم به إلا تناول العلاج بانتظام والراحة، وفي حالة الشعور بأي مضاعفات التوجه فورا لأقرب مستشفى، 7 أيام تقريبا حتى بدأت اتحسن وذهب الألم في الصدر وراح شعور صعوبة التنفس، حينها قررت الذهاب لنفس مستشفى العزل من جديد.

بالفعل توجهت إلى هناك، دخلت إلى الطبيب وشرحت له كل التفاصيل، وطلب مني مجددا إجراء أشعة على الرئة لمعرفة إلى أين وصل الالتهاب في صدري، وبعد الاطلاع على النتائج تنفست الصعداء.

طلب مني الطبيب التوقف عن تناول العلاج خاصة وأنني تعافيت تماما ولا يتبقى إلا أثار بسيطة للالتهاب ستذهب بالسوائل الدافئة والراحة والغذاء الصحي، وأجابني على عدة أسئلة حول المخالطين الذين لم يظهر عليهم أي أعراض، ووقتها أبلغني أن انتقال العدوى من المرضى أصحاب الأعراض البسيطة أو غير التنفسية (السعال وضيق التنفس) في الغالب يكون إما انتقال ضعيف أو يكون بلا أعراض أيضا على الشخص الأخر الذي تلقى العدوى.

لا أعرف مدى علمية ما قاله الطبيب، ولكنني قررت أن اقتنع به، أنا إصابتي بلا أعراض تنفسية ولا أنقل العدوى إلا في حدود ضيقة جدا وحتى وإن انتقلت تكون ضعيفة وبلا أعراض على الشخص الأخر، وفي كل الأحوال كنت حريصا على اتباع التعليمات والتباعد المجتمعي والعزل إلا داخل المنزل.

الحقيقة أن التجربة في حد ذاتها مؤلمة، سوف تشعر طوال الوقت بأن شيء ما سيحدث، إما تدهور حالتك، أو ظهور أعراض على مخالطين لك وما قد يسببه ذلك من شعور بتأنيب الضمير – حتى وإن لم يكن هناك ما يشعرك بتأنيب الضمير لأنك لم تكن تعرف حتى أنك مصاب –، ستظل طوال مدة الإصابة في توتر وقلق حتى يأذن الله بالشفاء.

أوصي نفسي وأوصيكم بالكمامة والتباعد الاجتماعي والبعد قدر الإمكان عن التجمعات الكبيرة والمناسبات والأفراح، ربما ما ساعدني بحسب الأطباء هو التزامي بالإجراءات المتبعة، ما قلل من نسبة الفيروسات التي تلقيتها والتي لم تكن كفيلة بأن تؤدي إلى تدهور في حالتي، وأتمنى لنا جميعا السلامة والشفاء والصحة والعافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *