د. أحمد حسين يكتب: مواطن وصحفي وطبيب.. اربط بين الإجابات الخاطئة

تُصاغ الدساتير في الدول المختلفة وتُستفتى عليها الشعوب، لتحدد الروابط من واجبات و حقوق، بين الشعوب وحكوماتها من ناحية وبين طوائف الشعوب ذاتها من ناحية أخرى.

قلما تجد بين شعوب الدول العربية من يعي أو يحيط بمضمون مواد الدستور، المواطن لا يبذل ثمة جهد في استطلاع مواد الدستور حتى التي تمس مجال مهنته أو أعماله، فهنا تكفلت الأنظمة العربية عن شعوبها بالإحاطة و الإطلاع و تنفيذ و إحترام و أيضًا إنتهاك الدستور ،تمامًا مثلما تدعوك الحكومات للمشاركة في الإنتخابات و الإستفتاءات ثم تصحح أخطاء إختياراتك و تختار عنك ،فهي الأعلم بمصلحتك، النظام حاكمك هو لك بمثابة الأخ الأكبر..إلا أنه بينما أنت أخي المواطن قد أخلد عقلك و استكان ضميرك لهذه القاعدة المستتبة و الآمنة في أوطاننا العربية،تُفاجيء عند طرح مسألة عادية كمقتل مواطن بمخالب قطة و هو يلاعبها أمام قسم الشرطة،تفاجيء بمواطن غيرك متذحلق يصف عدم قيام الحكومة بتقليم أظافر القطة بأنه “غير دستوري”..فتكون وقتها في “حيص بيص”،إما أن تصدق على كلامه أو تعنف نفسك لجهلك بالدستور حتى ترد عليه.

في مراحل دراسية مختلفة اجتزنا اختباراتها،كان من بين تلك الإختبارات ما هو المفضل لدى البعض فهو يقيس قدرة الطالب على الفهم و الإحاطة بالموضوع،و هو أي الإختبار عنوانه ” صّل أو اربط بين الإجابات الصحيحة ” و يسرد لك في عمود عدة جمل تكتمل بعدة جمل في العمود الآخر..تذكرت هذا الإختبار لأشجع نفسي على الإحاطة بمواد الدستور،أو بالأدق لتذكر مصطلح “الدستور”،إختبار أو لعبة قد تضيع بها وقتك في المواصلات، اختر حادثة مرت عليك أو قرأت عنها و اربط تصرف النظام الذي يحكمك بمادة أو أكثر في الدستور،حاول أن تنجح فيما فشلت أنا فيه،فلم أجد أن النظام قد وافق مواد الدستور فيما عايشت و شاهدت من أحداث،و لكني لم أخرج من اللعبة فعكستها بأن اربط تعامل النظام بما يخالفه في مواد الدستور..نعم فرغ كوبي فلم تعد به حتى قطرة حبر،فربما تجد في كوبك ما تنظر إليه بخلاف الفراغ.

في المادة 54 من الدستور”الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”،تذكرت الصحفي “إسلام الكلحي” عندما ذهب منذ أيام في مهمة عمل لتغطية حادث مقتل مواطن بمنطقة المنيب،الصحفي يلتقط أطراف الحديث مع الأهالي و زملاء القتيل بالمنطقة..الشرطة المصرية إعتبرت لقاء مواطن مصري يعمل صحفيًا مع مواطنيين مصريين “حالة تلبس” و ألقت القبض عليه،الأغرب أن النيابة العامة لم توجه له تهمة التخابر مع العدو”لا تستطيع أن تكتب إسرئيل بدلًا منها”، فقد وجهت النيابة العامة لإسلام تهمة”نشر أخبار كاذبة”،رغم أنه لم يقم بنشر أية أخبار..على غرار الإفيه الشهير لعادل إمام “مع إني معنديش تليفون”.

المادة 65 من الدستور المصري تنص على “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”..الطبيبان محمد الفوال و أحمد صفوت عضوي مجلسي نقابتي أطباء الشرقية و القاهرة محبوسين على ذمتي قضيتين منذ يونيه الماضي لأنهما أصدرا بيانًا على صفحتهما الفيسبوكية يطلبا إعتذار رئيس الوزراء لإهانته الأطباء و إتهامه لهم بالتقصير و الإهمال في أزمة كورونا،سبقهما و تلاهما العديد من الأطباء كتبوا على صفحتهم آرائهم في مجالهم و مشاكلهم،منهم طبيب الأسنان أحمد الديدموني الذي كان من ضمن المعلنين أن”أطباء مصر غاضبون”،كلهم اتفقوا في تهمة متشابهة وُجهت إليهم”نشر أخبار كاذبة و الإنضمام أو مساعدة جماعة غير قانونية على تحقيق أهدافها”..نعود مع هولاء إلى مقطع من المادة السابقة 54 و هو ” ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، ندب له محام”،فقد أكد لي صديقي محامي الأطباء بعدم سماح النيابة لحضور المحامين مع المتهمين و اكتفت بتجديد حبسهم على الورق.

أما في المادة 68 من دستورنا المصري”المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية”و من نفس المادة أيضًا” يحدد القانون  عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً”..منذ أيام قليلة نشرت صفحات فيسبوكية لصور و مقاطع فيديو حية لتظاهرات المئات من مواطني المنيب أمام قسم الشرطة،و نشرت تلك الصفحات أن ذلك على خلفية مقتل مواطن يُدعى “إسلام الإسترالي” على يد رجال الشرطة بالقسم،بعد هذا النشر بساعات معدودة صدر بيان من وزارة الداخلية على حسابها الرسمي يؤكد براءة الشرطة من ثمة أية علاقة بموت المواطن و أن ذلك كان على إثر مشاجرة بين المواطن و آخرين و الشرطة قامت بنقله إلى المستشفى لإصابته بالإعياء،المذهل في بيان الداخلية أنها نفت وجود أية تظاهرات لمواطنين أمام قسم الشرطة و أن ذلك مجرد أكاذيب تروجها صفحات الإخوان..بعد خمسة أيام فقط من بيان الداخلية قامت النيابة العامة بحبس أربعة أمناء شرطة و إخلاء سبيل ضابط بخمسة الآف جنيه لإتهامهم بقتل المواطن”إسلام الإسترالي” جراء تعذيبه بالقسم.

و في المادة 71 من الدستور”يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة”..أخي المواطن،إن كنت قد وصلت إلى هذه الفقرة من المقال فأصدقك أني أجلت هذه المادة متعمدً،ليس لأخبرك بأن الحرب على الإرهاب ربما اضطرت النظام الحاكم لفرض رقابة على بعض وسائل الإعلام..بل لأصدقك أن الموقع الذي تقرأ عليه هذه الكلمات ليست عليه رقابة، بل هو”محجوب” من الأساس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *