عام ونصف على حبس الأمل.. في الليلة الظلماء يفتقد حسام مؤنس.. عن الصحفي الجسور عدو اليأس المتهم بالأمل (بروفايل)
والدته: لما أسمع حد يقول لى يا أم حسام بأحسني طايرة وراسى مرفوعة للسما ربنا يجعلك دايما مصدر فخرى واعتزازى وقوتى
صباحي: افتقدك كل يوم.. كل خطوة للأمام فيها مدد من تألق روحك ونضج رؤيتك وشدة عزمك وجسارة سعيك وشرف تضحيتك وإخضرار حلمك وانتصار أملك
افتقدك كل يوم وخصوصًا اليوم ونحن نٌجمع على أخيك أحمد طنطاوي ونأتمن جيلك على مواصلة شرف السعي نحو حلم العدل والمحبة.. كل خطوة إلى الأمام فيها مدد من تألق روحك ونضج رؤيتك وشدة عزمك وجسارة سعيك وشرف تضحيتك وإخضرار حلمك وانتصار أملك”، بهذه الكلمات تحدث حمدين صباحي، مرشح الرئاسة الأسبق، عن الزميل حسام مؤنس، أحد قيادات حملته السابقة، بعد الإعلان عن اختيار النائب في البرلمان المنتهية ولايته أحمد الطنطاوي، رئيسًا لحزب الكرامة.
انقضى عام ونصف منذ القبض على مؤنس وآخرين في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية الأمل، ورغم المناشدات بسرعة الإفراج عنه وعن جميع المحبوسين على ذمة قضايا إلا أن هذا المطلب لم يتحقق حتى الآن في ظل انتشار وباء كورونا.
“كنا، ومازلنا، وسنبقى ضد الإرهاب، وكنا، ومازلنا، وسنبقى مع حرية الرأي والتعبير السلمي، دونما أي تناقض بينهما في الموقف”، هكذا تحدث حسام مؤنس ليلخص رؤيته لتطورات الأحداث بعد فترة حكم الإخوان، ليؤكد أن جيل يناير لن يستبدل استبدادًا بآخر، وأن المبادئ لا تتغير مع رحيل نظام وقدوم آخر.
لكن المفارقة أن الشاب الجدع يقبع الآن في السجن رهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضية الأمل، ومشاركة نفس الجماعة – التي ناضل ضدها- في تحقيق أهدافها، وهكذا صار الصحفي الذي قال في أحد مقالاته إن سلطة مرسى لم تحقق الحد الأدنى من طموح المصريين، ووضعت نفسها فى مواجهة الثورة وإرادة الشعب المصرى، وأعادت إنتاج ذات سياسات الاستبداد والقمع والإفقار والتبعية” شريكا لهم بحسب الاتهامات الرسمية في تحقيق أهداف طالما عارضها بكل قوة ووقف أمامها بالهتاف والمقالات الجريئة.
“منذ يوم 25 يونيو 2019 الدنيا واقفة يا حسام، حياتي ضلمة عشان نور حياتي بعيد عنى، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، والحاجة الوحيدة الا بتسعدني دلوقتي لما أسمع حد يقول لى يا أم حسام بأحس إنى طايرة وراسى مرفوعة للسما ربنا يجعلك دايما مصدر فخرى واعتزازى وقوتى”، بهذه الكلمات عبرت والدة حسام في رسالة لـ(درب) عن حزنها لسجن ابنها.
ولد حسام مؤنس في 7 يوليو سنة 1982 بميت غمر بمحافظة الداقهلية، وعمل بالصحافة بعد تخرجه من الجامعة، وانخرط في العمل العام مبكرًا وأعلن رفض توريث الحكم لجمال مبارك.
كان الصحفي الشجاع الذي أنضجته تجربة ثورة 25 يناير وكان عضوا في ائتلاف شباب الثورة بعدها، من أوائل من دعوا لرحيل محمد مرسي، ووصف استمرار الإخوان في الحكم بالجريمة، وكتب في “المصري اليوم” قبل شهور من رحيل مرسي مقالا بعنوان: (إسقاط النظام فريضة وطنية): “مبارك قبل خلعه يهدد الشعب المصرى بالفوضى بديلا له، وهو نفس ما يلوح به تقريبا الإخوان المسلمون، لكن كما كان الشعب المصرى مبدعا فى ثورته ومصرا على مطلبه بخلع مبارك، فإنه قادر على أن يعيد تقديم الدرس لمن لم يستوعبوه فى 25 يناير 2011”.
عمل حسام مديرا لحملة صباحي أثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية ومتحدثًا باسم حملة، كمل عمل متحدثًا باسم التيار الشعبي وأحد وكلاء مؤسسيه.
في فجر 25 يونيو، ألقت قوات الأمن القبض على حسام مؤنس، من منزله بالقاهرة بعد اقتحام المنزل، وتم اقتياده إلى جهة غير معلومة وظهر بعدها بساعات في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 930 لسنة 2019 والمعروفة إعلاميا باسم “معتقلي الأمل” وصدر قرار بحبسه احتياطيا لمدة 15 يومً على ذمة التحقيق، ومن يومها وهو رهن الحبس الاحتياطي.
حسام مؤنس الصحفي المنحاز دائما للحق، بالرغم من صغر سنه تم القبض عليه هو وزميله هشام فؤاد، لتخسر نقابة الصحفيين نقابيين بالفطرة طالما دافعا عن حرية الصحافة واستقلال النقابة وزملائهما حتى المختلفين معهما فالإيمان بالحرية جزء من تركيبتهما.
تقول والدة حسام: “رغم قسوة ما نحن فيه من سنة ونصف أشهر، إلا أنني فخورة وسعيدة أني أم حسام مؤنس، هذا الشاب الجميل البار بأهله والسند والضهر ومصدر الطبطبة لكل من يعرفه من الأهل والأصدقاء”.
وتضيف في ثقة: “ثقتى وأملى كبير فى ان الله سبحانه و تعالى سيفرج عنا ما نحن فيه من الهم والكرب ويردك لنا يا نور العين سالم غانم معافى عاجلا وليس آجلا تنور لنا حياتنا والدنيا كلها اللهم استجب يارب العالمين.. أم حسام”.
لم يتأخر حسام مؤنس عن أي قضية تخص النقابة مهتما بإبداء رأيه، كما يقول الصحفي خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفين السابق عنه: “الإنسان بحق الهادي الرزين.. قدرنا أنا وحسام أننا نتشارك كل المواقف الصعبة.. لكن طول عمره الهادي الصادق عمر ما حجته فارقته وعمره ما خذل زميل ولا تخلى عن حد محتاج يدافع عنه”.
جاءت كلمات البلشي بعد القبض عليه، متابعا:”حسام الصامت ابن الناس اللي كلمته لما تطلع بتبقى دايما هي الحاسمة، رفيق المظاهرات والمنحاز دايما للحق، حسام إللي لما يحضر تبقى مطمن إن فيه عقل هادي هيسندك، واللي عمري ما انتظرته في موقف إلا وكان موجود فيه، واللي دايما مع الحق حتى ولو في الضفة التانية وإللي دايما عنده أمل”.
واستطرد البلشي: “حسام عدو اليأس إللي عمرها ما بتضيق إلا إما بيبقى موجود بفكرة جديدة وبحماس هو نفس حماسه في كل موقف قابلته فيه”. وأكد أن حسام يعلم طريق الحق والعدل ومهما اختلف أحد معه لا يمكن أن يخون، متابعا: ” حسام من الناس إللي ممكن تمشي وراهم وأنت مغمض لإنه عمره ما يبيعك ولا يديلك ضهره، عمره مافقد قدرته على الحلم ومهما اختلفت طرقكم هتلاقيه ساعة الحق والأمل معاك وجنبك وبيشيل شيلتك”.
واختتم حديثه: “حكايات جدعنة حسام ومواقفه الواضحة ووقوفه مع الحق تحتاج كتير عشان نلخصها بس يكفيه أن عمره ما اختار نفسه ولا انحاز لمصلحة إلا مصلحة الناس”.
كتب حسام مؤنس في وقت سابق عن الأمل الذي اقترن بالتهمة المحبوس بسببها: “رغم كل مشاعر الإحباط أو القلق أو حتى الغضب لدى بعض القطاعات بالذات فى الأجيال الأكثر حداثة وشبابا، وبالذات المرتبط منها بفعل وقيم ثورة 25 يناير، إلا أن هناك رسائل واقعية مهمة لا يمكن تجاهلها تؤسس للأمل وتستدعى التأمل وتؤسس لفرص الحركة والعمل فى المستقبل”.
هكذا جاءت تهمته المعلنة لتتناسب مع حلمه، لكن حقيقة التهمه الرسمية فندها مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في شهادته عما حدث في (تحالف الأمل) قائلا ” إن (تحالف الأمل) عقد اجتماعاته التمهيدية بهدف بناء ائتلاف سياسي جديد، يضم صوتا برلمانيا ممثلا في تكتل ٢٥-٣٠، وأحزاب الحركة المدنية الديمقراطية ونادى الأحزاب الدستورية والمجموعات الشبابية التي شاركت في الاستفتاء بشعار (لا للتعديلات) بعد طول مقاطعة وقبلت المشاركة في المجال السياسى، رغم كل ميول الاقصائية التي تنكر الحق في التعددية والتنوع على أمل إحداث تغيير سلمى ديمقراطي.
وأكد أن هذه المشاورات جرت على خلفية قناعة مشتركة بأن إغلاق المجال العام وإدارة المجتمع بطريقة الصوت الواحد سوف تفضى لانفجار، لأن طاقات الاحتجاج إن لم تجد متنفسا يجذبها لمسارات سلمية ديمقراطية تفتح أبواب الأمل، لابد أن تبحث لنفسها عن متنفس وفى غياب بدائل ديمقراطية قد تنفجر في وجه الجميع.
وقال الزاهد إن ما يخلق التوازن ليس فتح كل الأبواب للمولاة واصطناع معارضة من الموالين واقصاء أي معارضة حقيقية مهما تلتزم بالدستور والقانون.
وأضاف الزاهد: “بما أنى كنت حاضرا وشاهدا على هذه المشاورات كان زياد العليمى وحسام مؤنس، من أكثر المؤمنين بهذه المبادئ، ولم يكونا أبدا لسان حال لاحد غير صوت الحرية والعدالة والكرامة ومبدأ الدولة المدنية الديمقراطية التي لا تقبل الاستبداد في مظهر سواء كان سياسيا أو دينيا”.
وأعاد حمدين صباحي، مرشح الرئاسة الأسبق، نشر شهادة الزاهد، وأكد أنه “شارك في الاجتماعات ويشهد أنها شهادة حق”، وطالب بالإفراج عن حسام ورفاقه.
“بتماسككم وقوتكم تجددون الثقة واليقين لدى كثير من المحبطين. الغصة فى الحلق من تقصيرنا وعجزنا تجاهكم، لكنكم تعلمون دون شك أن ضمائرنا تهفو إليكم، وتثقون بأننا نؤمن بأن حريتكم هى تحرير الوطن”، كتب حسام هذه الكلمات لرفقائه المحبوسين قبل أن يلحق بهم، وهي تصلح الآن على أن تكون رسالة موجهة له ولكل القابضين معه على جمر المبادئ، وحلم العدالة والكرامة، والحلم بمستقبل أفضل لنا.
ويقضي حسام مؤنس، فترة الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، منذ إلقاء القبض عليه من منزله فجر 25 يونيو 2019.
وتضم القضية إلى جانب حسام، الصحفي هشام فؤاد والمحامي الحقوقي زياد العليمي والناشط العمالي حسن بربري والمحامي أحمد تمام وآخرين.
ويواجه جميع المتهمين في القضية اتهامات ببث ونشر أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
“لا أخاف عليك فقط من استمرار هذه الظروف الصعبة، فهي ستمر، ولكن مما قد ينال من روحك بعدها، أخاف على هذه الروح الطيبة القوية من اليأس، بهذه الكلمات وجهت الزميلة منى سليم رسالتها لحسام مؤنس”.
وتضيف: “ستخرج عما قريب وتطمئن روحك وتنفض عنها ـ آجلاً أم عاجلاً ـ الوحدة والحسرة والحيرة والقلق، وتهتدي روحك داخل جسدك للشروق المتأنق من جديد، عندها تهل عليناً في صورةٍ أجمل وأبهى وأقوى، وتبقى لأسرتك وأحبائك ولنا نحن أصدقائك ولكل من في هذه البلد ـ كما إسمك ـ سيفاً وونساً للأبد”.
يومًا سيخرج حسام مؤنس وكل رفقائه من السجون، وسينتصر جيل يناير ولو طال الزمن، بعدما يتحقق حلمهم في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.