يحيى قلاش يكتب عن: اليوم المشهود.. يوم الصحفي

غدًا الخميس العاشر من يونيو “يوم الصحفي” الذي يوافق مرور الذكري السادسة والعشرين علي عقد الجمعية العمومية للصحفيين، لرفض القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ الذي صدر بليل من مجلس الشعب، لوضع مزيد من القيود علي حرية الصحافة وشدد العقوبات علي الصحفيين. وهي الجمعية التي ظلت منعقدة لمدة عام حتي انتصرت إرادة الصحفيين بسقوط القانون.

 هذه المعركة ستظل إحدي المعارك الملهمة والنموذج في كيفية إدارة مجلس النقابة لازمة كبرى، وقوة والتفاف جمعية عمومية نابضة، وتضامن قطاعات وقوي حيه من المجتمع أدركت ان الصحافة ملك للشعب ولا تخص جماعة مهنية، لذلك اطلق عليه اسم “قانون حماية الفساد”

وسيظل من اهم ملامح هذا اليوم الرسالة التي تلقاها مجلس نقابة الصحفيين برئاسة الاستاذ ابراهيم نافع من الأستاذ محمد حسنين هيكل بمناسبة انعقاد هذه الجمعية والتي القاها يحيى قلاش عضو المجلس خلال الاجتماع بعد ان بعث له برسالة ظهر الخميس ٨ يونيو : ” بعد غد السبت تنعقد جمعيتنا العمومية مازلنا في انتظار كلمتك “.. فطلبه الأستاذ هيكل صباح يوم الجمعة ٨ يونيو بمكتبه وسلمه هذه الرسالة التي أحدثت دويًا وكان لها صدي واسع :

 ” إنك وعددا من الزملاء والأصدقاء أعضاء مجلس النقابة تفضلتم بدعوتي لحضور الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، التي تنعقد غدا السبت 10 يونيو 1995 لمناقشة القانون رقم 93 لسنة 1995، ثم تفضلتم جميعا بطلب رأيي.

وبالنسبة لحضور الجمعية العمومية للنقابة التي أتشرف بعضويتها والانتساب إليها ـ فظني وبصراحة كاملة أن هذا الاجتماع “حشد قتال” تتصدى له الطلائع الشابة في المهنة، وأما نحن أبناء جيل سبق فيجوز لنا أن نتعلل بفكرة “كلاوزفيتز” الشهيرة التي رأى فيها “أن السياسة هي الحرب بوسيلة أخرى”، وفيما يتعلق بي فإن “الوسيلة الأخرى”، التي اعتمدتها من سنين طويلة هي “أن الكلمة يمكن أن تكون لها قوة الفعل” وهذا ما حاولته.

وإذا تكرم بعضكم وعاد إلى ما قلته في معرض الكتاب شهر يناير الأخير فقد يرى أنني أشرت إلى الفرصة المتاحة سنة 1995، وإلى المخاطر الكامنة في هذه السنة الفريدة والحافلة بمناسبات التغيير الطبيعي إذا نحن ملكنا قدرا من الخيال مع قدر من الشجاعة، ومن سوء الحظ أن الفرصة لترك رياح التغيير تهب على مصر رقيقة وآمنة جرى التفريط فيها، وبدلا من ذلك دخلنا بهمة ونشاط شديدين إلى حقل الألغام الذي تكمن فيه المخاطر.

وأما بالنسبة للقانون رقم 93 لسنة 1995 ـ فهذه بعض خواطري:

1-  إن هذا القانون استفزني كما استفزكم، واستفز الرأي العام وحملة الأقلام وكل القوى السياسية والنقابية والثقافية في هذا البلد.

2-  إن الأسلوب الذي اتبع في تصميم هذا القانون وإعداده وإقراره هو في رأيي أسوأ من كل ما احتوته مواده من نصوص، ذلك أن روح القانون لا تقبل منطق الخلسة والانقضاض، وإنما تقبل منطق إطالة النظر والحوار ـ والقانون بالدرجة الأولى روح، وإذا نزعت الروح من أي حياة فما هو باقٍ بعدها لا يصلح لغير التراب!

إن روح القانون في رأيي أهم من كل نصوصه، حتى إن استقام قصد النصوص وحسنت مراميها.

وأشهد آسفا أن وقائع إعداد القانون كانت أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة منها إلى أجواء تشريع عقاب.

3-   إن هذا القانون في ظني يعكس أزمة سلطة شاخت في مواقعها، وهي تشعر بأن الحوادث تتجاوزها، ثم إنه لا تستطيع في نفس الوقت أن ترى ضرورات التغيير، وهنا لا يكون الحل بمعاودة المراجعة والتقييم، ولكن بتشديد القيود وتحصين الحدود، وكأن حركة التفكير والحوار والتغيير تستحق أن توضع في قفص.

4-   إن هذا القانون الذي استفزنا جميعا ليس حدثا وحده، وإنما حلقة في سلسلة من التصرفات والسياسات لا تساعد على تماسك البناء الاجتماعي، وانتظام الحركة  السياسية، وملاقاة عصور متغيرة.

إن النصوص المترهلة والصياغات المطاطة لا تعكس تربصا لإيذاء بقدر ما تعكس لهفة التطويق وحصار مخاطر لا يعرف الخائفون منها أن أمرها هين، فما يسمى بالتجاوزات الصحفية ليس بحقائق الأمور غير بثور ظاهرة على سطح جسم يحتاج نظرا بالفكر، وفحصا بالنظر وكشفا بالعلم حتى نصل إلى سياسات للتنمية الاجتماعية والاستثمار في البشر، والوعي بالهوية والمصير يجعل هذا الشعب قادرا على الإمساك باللحظة التاريخية التي يتحول فيها العالم من قرن إلى قرن.

5-  إن النصوص المترهلة سيئة السمعة والسيرة في القانون، والعبارات المطاطة كأنها بالونات منفوخة تشارف على الانفجار ـ تعكس بالدرجة الأولى حالة انفصام يصعب معها التقاء الأمل مع الإرادة فيما هو أكبر من حرية الصحافة وأخطر، ففي أجواء هذا الترهل المطاط أصبحنا حكومة وأهالي بلا عقد اجتماعي، وناطحات سحاب وعشوائيات بلا صلة أو تواصل، بل أن صعيد مصر وهو جزء منها ـ لكي لا ننسي ـ تحول في إعلامنا إلى عدد من الشهداء وعدد من القتلى وكلهم مضرج بدمه، وهذه قصة كل يوم في جزء عزيز من أرض مصر.

6-   إن بينكم وبالقرب منكم خبراء قانون يستطيعون الإفتاء في مسألة النصوص ومخالفتها للدستور ومجافاتها لمطلب الديمقراطية، بل ومطالب المرحلة، ومن عجب أننا لا ندرك أن حرية الاختيار، وهي صيحة العصر الجديد حزمة كاملة غير قابلة للتقسيم، فليس معقولا أن يكون للفرد حق اختيار السلعة بمنطق حرية السوق ثم لا يكون له حق اختيار الفكرة بأحكام حرية العقل، وهذا التعسف في الانتقاء موجود في حياتنا، وأحيانا بقسوة، ففي القاهرة أسواق مفتوحة لكل شيء بلا قيود، لكنه مازال فيها مكتب للمدعي الاشتراكي!

7-   لقد أحزنني تصريح منسوب للرئيس حسني مبارك منشور في كل الصحف أمس ـ الخميس ـ نسب فيه إليه قوله بأنه “إذا التزم الصحفيون بميثاق الشرف فإن القانون الجديد ينام من نفسه”. ثم نسب إليه أيضا قوله “إنه يرحب بالرأي شرط أن يكون صادقا”.

ومع كل الاحترام لمقام رئاسة الدولة فإن القوانين لا تعرف النوم وإنما تعرف السهر، وهي لا توضع لتنام بكرم أو بسحر المغناطيس، وإنما قيمة القوانين أن تعلو حركتها الذاتية فوق إرادات الأفراد.

يتصل بذلك أنني حقيقة لا أعرف ما هو معيار “صدق الرأي”، وهل هو اقتناع الكاتب بما كتب، أو حكم آخرين على قناعاته ونياته، فالخبر يمكن قياس صدقه باتساقه مع وقائع حدث، وأما الرأي فهو اعتبار ذاتي بحت.

هذا بعض ما خطر لي.

وبقي أن أقدم لك وللجميع شكري على اهتمامكم بحضوري وبرأيي.

ومع خالص الود أرجو أن تنقلوا للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين خالص ولائي للمهنة وموفور احترامي لكل القيم السامية التي ترفع ألويتها.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *