مهندس. يحيى حسين عبد الهادي يكتب: دمٌ كَذِب

 (إلا من تلوثت يداه بالدم) .. عبارةٌ تُطلَقُ فى وجه المطالبين بالإفراج عن السُجناء السياسيين .. وهى قولة حقٍ بشرط أن يكون الدم حقيقياً لا تلفيقياً .. وقد عايشتُ فى محبسى آلاف السجناء السياسيين من كافة التيارات ممن لم يُحَرِضوا يوماً على عنف ولَم يريقوا قطرة دمٍ واحدة .. ومع ذلك فالاتهامات (الرسمية) الموجهة لهم تُحَّمِلُهُم بدماء البشرية منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 

كاتبُ هذه السطور مثلاً مُتَّهَمٌ (رسمياً) بالانضمام لثلاث جماعات إرهابية .. الأولى اسمها (اللهم ثورة) .. والثانية لا اسم لها (وقد أسميتها تَهَكُماً اللهم علاء عبد الفتاح لأنه أحد المتهمين بها) .. والثالثة جماعة الإخوان (؟!) .. أى أنه لم يتبقَ لى إلا داعش وطالبان وبوكوحرام لأُصبح أخطر إرهابى فى الكون .. ورغم إخلاء سبيلى من السجن مع قرار العفو، إلا أن القضايا الثلاث لم تُحفَظ ولازالت الاتهاماتُ قائمةً بحقى، ومن بينها: الانضمام إلى جماعةٍ أُنشِئت على خلاف القانون، بغرض الدعوة إلى تعطيل أحكام القانون والدستور ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف، واستغلال ذكرى ثورة يناير للقيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وارتكاب جريمة تختص بتمويل جماعة إرهابية .. وقد ظللتُ محبوساً احتياطياً على ذمتها حوالى ثلاث سنواتٍ ونصف .. ولا زال كثيرون محبوسين على نفس هذه القضايا للآن. 

أما القضية الرابعة، وهى مجرد مقال كتبته منذ أكثر من أربع سنوات أُدافع فيه عن ثورة يناير، فقد تم توجيه قائمةٍ طويلة من الاتهامات لى، من بينها: أننى نشرتُ وأذعتّ عمداً بالداخل والخارج أخباراً كاذبةً نسَبتُ فيها زورا لمؤسسات الدولة ارتكابها لمذابح جماعية وفردية، وانحيازها لمرشحين في الاستحقاقات الانتخابية، واستدانتها وتفاوضها مع البنك والصندوق الدوليين بما يضر بمصالح البلاد، وانتهاكها حرية الإعلام، وتنكيلها بالمعارضين .. وذلك للإيحاء للرأي العام العالمي بانتهاك مؤسسات الدولة لحقوق الإنسان مما أدَّى لإضعاف هيبة الدولة، وإضعاف الثقة المالية بها، والإضرار بمصالحها القومية وتكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة .. وهو ما انتهى إلى الحكم بحبسى ٤ سنوات جديدة لا يُخصمُ منها ما انقضى من حبسٍ احتياطى .. وقد سقطت العقوبة بقرار العفو ، أما الاتهامات فلا زالت قائمةً (وهى كما ترون اتهاماتٌ تَرقَى إلى الخيانة العظمى وتستوجب الإعدام لا الحبس). 

حدث ذلك معى وأنا رجلٌ أَنعَمَ اللهُ عليه بشهرةٍ تجعل مجرد توجيه هذه الاتهامات نكتةً تثير السخرية وهزلاً لا يُصَدقه أحد  .. وهى شهرةٌ لا يتمتع بها عشرات الآلاف ممن حُبِسوا أو أُدينوا نتيجة نفس الاتهامات بواسطة نيابات ومحاكم أمن الدولة خلال السنوات التسع الماضية .. وفى مثل هذه الظروف فإن الاعتراف نفسه لا يُعَّدُ قرينةً على التورط فى أى جريمة (وَخَزَتْهُ عيونُ المُحَقِقِ .. حتى تَفَجَّرَ مِن جلده الدمُ والأجوبة- أمل دنقل). 

“إلا من تلوثت يده بالدم” عبارةٌ سليمة بالتأكيد .. ولكنها لا تَصلُح على أرضيةٍ من الزيف .. فتريثوا وأنتم ترددونها .. وابحثوا عن الأيدي الملطخة بالدماء .. خارج السجون .. لا داخلها. 

مهندس/يحيى حسين عبد الهادي 

١٦ يوليو ٢٠٢٢ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *