“مرصد التسلح” يطالب ماكرون بتعويض ضحايا عواقب الإشعاعات الفرنسية في صحراء الجزائر

فرانس 24  

طالبت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية “آيكان”- فرنسا و”مرصد التسلح” بفرنسا في بيان مشترك، حصلت فرانس 24 على نسخة منه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتحمل “مسؤولياته فيما يتعلق بالإرث الإشعاعي للدفع نحو علاقات فرنسية-جزائرية سليمة”. 

ودعيا فرنسا إلى فتح ملف التجارب النووية التي أجرتها في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية واستمرت بعد الاستقلال بموجب اتفاقيات إيفيان، من أجل “تهدئة الذكريات وتنشيط العلاقات بين الجزائر وفرنسا” وقالت إن “هناك حاجة إلى إحراز تقدم ملموس” على هذا الصعيد. 

وجاء في البيان أيضا: “حان الوقت لأن تشرك السلطات الفرنسية الجزائريين في مسار حقيقي، مماثل لما تم تنفيذه خلال السنوات الأخيرة في بولينيزيا، للمساعدة في التعرف على ضحايا التجارب النووية وتعويضهم. من الصادم أن التفجيرات التي وقعت منذ أكثر من 50 عاما في جنوب الصحراء، لا تزال لها عواقب إنسانية وبيئية وتشكل مخاطر على الأجيال الصاعدة”. 

التعويضات والأرشيف الطبي والخرائط 

ولمواجهة عواقب 17 تجربة نووية فرنسية تم إجراؤها في الصحراء الجزائرية في الفترة ما بين 1960 و1966، إضافة إلى النفايات النووية وغير النووية التي تم طمرها في الأراضي الجزائرية، دعت “آيكان” ومرصد التسلح ماكرون بشكل عاجل حسب نفس البيان، إلى تسهيل رفع دعاوى التعويض عن الجزائريين والوصول إلى الأرشيف الطبي الذي تحتفظ بها مصلحة الأرشيف الطبي الاستشفائي التابعة لوزارة الجيوش الفرنسية، وإلى تزويد الجزائر باللائحة الكاملة للأماكن التي تم فيها دفن النفايات مع موقعها الدقيق (خطوط الطول والعرض)، ووصف المعدات المدفونة. إلى جانب نشر البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة إشعاعيا ودراسة سبل تطهير تلك المناطق بمعية السلطات الجزائرية. كما دعا البيان الرئيس الفرنسي إلى العمل على تزويد الجزائر بمخططات المنشآت الموجودة تحت السطح CEA وتحديدا تحت القاعدة العسكرية في هضبة رقان وكذا مختلف الأروقة التي تم حفرها في جبل تان-أفال. 

من جهة أخرى، لفت البيان إلى أن مرسوم فتح الأرشيف المتعلق بالحرب الجزائرية المؤرخ في 22/12/2021 لم يتناول التجارب النووية، داعيا إلى توسيع مسار رفع السرية عن أرشيف عن التجارب النووية في بولينيزيا لتشمل فترة احتلال الجزائر وذلك للسماح للمنظمات غير الحكومية والباحثين بالمعرفة الكاملة بتاريخ هذه التجارب. 

هذا وشجعت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية في بيانها المشترك مع مرصد التسلح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على “استكمال المسار الذي بدأ في 20 سبتمبر/أيلول 2017، للمصادقة على معاهدة حظر الأسلحة النووية (TIAN). ما سيتيح تعزيز عدم الانتشار ونزع السلاح النوويين وإعادة تأهيل مواقع التجارب السابقة وتقديم المساعدة لضحايا التجارب النووية، عن طريق طلب المساعدة (التقنية، الإنسانية والمالية..) من الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة”. 

وأنشئت “آيكان” في 2007 وهي تضم أكثر من 570 منظمة غير حكومية منها خمسون في فرنسا، وتتواجد عبر 105 دولة. وهي تناهض أسلحة الدمار الشامل وتسعى إلى تطبيق معاهدة حظر الأسلحة النووية. وحازت الحملة على جائزة نوبل للسلام في 2017 لمساهمتها الفعالة في اعتماد منظمة الأمم المتحدة في 7 يوليو/تموز 2017 معاهدة حظر الأسلحة النووية. أما مرصد التسلح فمقره ليون الفرنسية وقد أنشئ في 1984 تحت مسمى “مركز التوثيق والأبحاث حول السلام والنزاعات (CDRPC)”، وهو يهدف إلى دعم عمل المجتمع المدني في مجال الدفاع والأمن لنزع السلاح. 

لكن يبقى أن تحديد مواقع دفن النفايات النووية الفرنسية وتطهيرها من المواد المشعة هو أبرز نقاط الخلاف في ملف الذاكرة بين الجزائر وباريس بعد أكثر من 60 عاما على أول تجربة نووية في الجزائر، التي رزحت تحت نير الاستعمار الفرنسي بين 1830 و1962. وعاد هذا الملف إلى الواجهة مع إقرار ماكرون في 27 يوليو/تموز 2021 بأن بلاده “مدينة” لبولينيزيا بسبب التجارب النووية التي أجريت بين 1966 و1996 في المحيط الهادئ. 

وكان وزير المجاهدين السابق (المحاربون القدامى) في الجزائر، الطيب زيتوني، قد اتهم فرنسا في يوليو/تموز 2021 “برفض تسليم خرائط تحديد مناطق دفن النفايات المشعة ولا تطهيرها ولا حتى القيام بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين على الرغم من كون تلك التفجيرات أدلة دامغة على جرائم مقترفة ما زالت إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط”. 

وللوقوف عند أبرز جوانب هذا الموضوع الشائك والعالق في ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر، طرحنا مجموعة من الأسئلة على باتريس بوفيريت، مدير “مرصد التسلح” بفرنسا والمتحدث الرسمي باسم ICAN France  (آيكان فرنسا)، الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية. 

هل تعتقد أن زيارة ماكرون للجزائر مناسبة لطرح ملف التجارب النووية؟ 

“نعم، بالتأكيد، من الجيد اغتنام كل الفرص للمشاركة في الحوار. كما هو الحال بالنسبة للزيارات السابقة التي قام بها رئيس فرنسي إلى الجزائر مثل زيارة نيكولا ساركوزي في ديسمبر/كانون الأول 2007، أو زيارة فرانسوا هولاند في ديسمبر/كانون الأول 2012. يبقى أنه كان الأحرى أن تلي التصريحات الجميلة التي تم الإدلاء بها في هذه المناسبات، إجراءات وتقدم على صعيد مواجهة عواقب التجارب النووية على سكان الصحراء والبيئة. لكن هذا ليس هو الحال فعليا. إن التحدي اليوم لا يتعلق فقط بالذاكرة، لكنه يتعلق قبل أي شيء بإصلاح الأضرار الناجمة عن التفجيرات النووية، والتي يرجع تاريخ آخرها إلى أكثر من 56 عاما. الوقت حان إذا! وفي الواقع، فجرت فرنسا في الفترة ما بين عامي 1960 و1966، 17 قنبلة نووية في الجزائر، كان للعديد منها قوة ناهزت أو كانت حتى أكبر من تلك التي تم تفجيرها فوق هيروشيما في 6 أغسطس/آب 1945. لاحقا، تم إجراء اختبارات في بولينيزيا وبلغ عددها 193 تجربة. 

ما هي النقاط ذات الأولوية والتي يجب أن يركز عليها ماكرون فيما يخص تجارب بلاده النووية في الجزائر؟ 

إن المطالب التي رفعها كل من الضحايا وأيضا الحكومة الجزائرية معروفة منذ عدة سنوات. الأول هو الاعتراف بمسؤولية فرنسا وبالديون المستحقة للسكان. ثم وبطريقة أكثر واقعية، بفتح الأرشيفات الخاصة بنتائج التجارب ونقلها إلى الجزائر، مثل خرائط دفن النفايات، وسجلات الآثار الإشعاعية للانفجارات، إلخ. لقد تم رفع السرية عن الأرشيفات الخاصة بالاختبارات في بولينيزيا منذ زيارة الرئيس ماكرون في يوليو/تموز 2021. فلماذا لا يشمل هذا المسار أيضا تلك التي تم إجراؤها في الصحراء؟ في نفس السياق، تم في 2008 تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين مهمتها وضع قائمة الجرد وتقديم التوصيات. لكن لم ينشر أي تقرير عن عملها. لقد حان الوقت للقيام بذلك وتفعيل هذه اللجنة. هناك اقتراح آخر قد يساهم في استعادة الثقة: إرسال لجنة مستقلة تضطلع بتقييم النشاط الإشعاعي في المنطقة، ووضع مسار يسمح بتعويض الجزائريين المتأثرين بتلك التجارب، حيز التنفيذ… كما ترون، فإن المقترحات موجودة. يبقى أن تكون الإرادة السياسية بالموعد. 

لماذا تأخرت فرنسا في فتح هذا الملف الحساس؟ هل يتعلق الأمر بأسرار عسكرية أم أن المشكلة هي “عدم وعي” السياسيين الفرنسيين؟ 

يبدو لي أن السبب الرئيسي هو غياب الإرادة السياسية لدى السلطات الفرنسية للاعتراف بمسؤوليتها، وبتعريض حياة السكان للخطر، وحياة النباتات والحيوانات من أجل بناء سلاح الرعب، باسم مصلحة السيادة الوطنية لكن دون أي مناقشة ديمقراطية. لطالما ادعت السلطات الفرنسية أن تجاربها كانت “نظيفة”. لقد تطلب الأمر تحركا كبيرا من جانب المواطنين حتى تبدأ في إدراك، ولو جزئيا، بأنه كان من الممكن أن تكون هناك مشاكل. 

ما هي القيمة المحتملة للتعويضات المستحقة لضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر؟ 

تتفاوت قيمة التعويضات حسب الضرر الذي لحق بالضحايا. إذ يتم تقييمه من قبل لجنة CIVEN أو لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية والتي أنشئت في إطار قانون الاعتراف بضحايا التجارب النووية الفرنسية وتعويضهم، والذي دخل حيز التنفيذ في 5 يناير/كانون الثاني 2010، بعد مسار طويل من تعبئة المجتمع المدني والجمعيات ووسائل الإعلام والبرلمانيين. تجدر الإشارة إلى أن القانون يخص جميع الضحايا سواء كانوا جزائريين أو بولينيزيين، من المدنيين والعسكريين. وهناك ثلاثة شروط للمطالبة بالتعويض وهي أولا: الإقامة في المناطق المحددة بالمرسوم (قانون الاعتراف بضحايا التجارب النووية الفرنسية وتعويضهم) في المناطق التي أجريت فيها التجارب. ثانيا: التواجد في منطقة التجارب خلال الفترة ما بين بداية التجارب ونهايتها. وثالثا: الإصابة بواحد من 23 مرضا معترفا بها على أنها قد تكون ناجمة عن الإشعاع محددة بموجب نفس المرسوم. لكن عمليا، الأمور أكثر تعقيدا. إذ يجب أن تكون الملفات باللغة الفرنسية، كما أن الإجراءات تتم بشكل أساسي عن طريق الإنترنت، ويجب تقديم عدد من المستندات الإدارية والملفات الطبية التي يصعب الحصول عليها. ونتيجة لذلك وبعد 10 سنوات من تطبيق القانون، استفاد شخص واحد فقط مقيم في الجزائر من إجمالي 723 شخصا تم تعويضهم من قبل فرنسا، وهذا الرقم منخفض نسبيا إن لم نقل سخيف بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين تأثروا بالتجارب، ما يكشف طول الطريق للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة. 

هل من الممكن ملاحقة المسؤولين الفرنسيين السابقين في حال فتح أرشيف التجارب النووية بالجزائر؟ 

لقد تم إثبات مسؤولية السلطات الفرنسية. لكن السؤال الرئيسي ليس الملاحقة القانونية للأفراد، بل هو حول مدى أهمية امتلاك مثل هذا السلاح، وتصنيعه، واختباره، والذي يكون هدفه هو قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين. ومن ثم تحمل عواقب الانفجارات من خلال توفير العناية الحقيقية بالمشاكل الصحية التي واجهها ليس فقط الأفراد والسكان في ذلك الوقت، ولكن أيضا الأجيال التالية، الذين يمكن أن يطالهم الضرر بدورهم. كما ينبغي التذكير بأن غالبية التجارب النووية الفرنسية في الصحراء استمرت بعد استقلال الجزائر، في إطار اتفاقيات إيفيان، والتي تنطوي أيضا على مسؤولية على الجانب الجزائري ما قد يفسر أيضا جزئيا صعوبة التقدم في إدارة هذا الملف. 

هل يمكن أن يساهم أي تعاون جزائري-فرنسي مستقبلي في مكافحة ظاهرة السحب المشبعة بالإشعاعات (نظير السيزيوم 137) والتي تحملها الزوابع سنويا من الصحراء إلى فرنسا وأوروبا؟ 

من الصعب تنظيف كافة الإشعاعات المتناثرة في الصحراء بفعل التفجيرات النووية الفرنسية. خاصة وأنه كان على فرنسا قبل مغادرتها القواعد العسكرية أخذ كل النفايات النووية وغير النووية الناتجة عن التجارب. لكن الأمر لم يكن كذلك. لقد حفروا في الرمال لدفنها (النفايات)، كما ذكرنا في دراستنا “تحت الرمال، النشاط الإشعاعي! نفايات التجارب النووية الفرنسية في الجزائر. تحليل بالنظر إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية”، الذي تم نشره بشكل مشترك في يوليو/تموز 2020 من قبل مرصد الأسلحة وICAN France بدعم من مؤسسة Heinrich Böll. ثم هناك نشاط إشعاعي آخر يضاف إلى ذلك المتناثر بفعل الانفجارات الجوية والجوفية، خاصة بعد وقوع حوادث. نذكر على سبيل المثال حريق بيريل في الأول من مايو/أيار عام 1962 والذي أدى إلى اهتزاز جبل (الهقار) وتسرب الإشعاعات. لم يتم جمع تلك المواد المشعة ومعالجتها كنفايات. لا بل أنها لا تزال في عين المكان. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *