مدحت صفوت يتسلح بالتفكيك لاصطياد «الأشباح» بالقصة المصرية في كتابه الجديد «5X5» 

كتبت: ليلى فريد  

صدر حديثًا، عن دار المثقف بالقاهرة، للناقد والباحث مدحت صفوت كتاب “5X5.. أشباح الحقيقة في السرد القصصي المعاصر”، دراسة نقدية تطبيقية لاستراتيجيات التفكيك على مجموعات قصصية حديثة. 

ويعتمد صفوت في كتابه، الذي كتب مقدمته الناقد الدكتور محمود الضبع، على مقولة الشبحية hauntology التي صكها الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، متتبعًا “5 أشباح للحقيقة”، اﻷمر الذي يبدو جمعًا بين متناقضين، حقيقة وطيف، وجود ولا وجود، مما يجعل التساؤل عن إمكانية وجود «لا وجود» للحقيقة، التي هي الأنطولوجيا في جوهرها، مشروعًا. 

متسلحًا بالتفكيك يدخل صفوت إلى عالم مجموعات قصصية خمسة، وقسم أشباح الحقيقة إلى خمسة محاور طيفية، لنصبح أمام خمسة أشباح في خمس مجموعات، وهو ما قصده بالعنوان الرئيسي «5X5»، كشكل من العنونة لم تعتده الدراسات النقدية العربية، مبررًا ذلك بأنها “مسألة طيفية، أي أنه نعمل على إنتاج كتاب نقدي منهجي قدّ يخاصم المنهج، بوصف التفكيك استراتيجيات تعادي المنهجية، ومن ثمّ فلا داعي للعنونة القديمة، حتى وإن تلمس العنوان الشارح بعضًا من السياقات المعتادة”. 

وفي مقدمته للكتاب، رأى أستاذ النقد اﻷدبي الحديث في جامعة قناة السويس محمود الضبع، أن صفوت يتبنى مدخلًا تطبيقيًا جديدًا ووعيًا جديدًا، ليس بنقله حرفيًا من ثقافة أخرى غربية أو شرقية، لكنه مدخل نابع من حالة التأمل والتفكر (بالمفهوم الفلسفي العميق) التي يفتقر إليها الوعي النقدي العربي الآن، وهو ما يجعل النقد يتحرر من وظائفه التقليدية التي جرى تأطيره في حدودها وهي تفسير النصوص أو الكشف عن جمالياتها، إلى محاولة قراءة الحياة من خلال النص، ومن ثم الكشف عن مفصليات التقاء الثقافي – بمفهومه الأوسع – مع النص. 

ويضيف الضبع أن دراسة صفوت تكتسب أهميتها من جوانب عدة، يعود بعضها إلى اعتماد مداخل جديدة متحررة للقراءات النقدية، ويعود بعضها لاستعادة مكانة القصة القصيرة وإثراء دراستها نقديًا بعد هذه السنوات من تراجع درسها بحكم سيادة الرواية، ويعود بعضها الآخر لمتعة القراءة الثقافية الواعية التي تنظر للآداب والفنون بوصفها كلًا تتواشج حقوله لتقدم هذه البانوراما النقدية المبدعة. 

وتمثلت المجموعات، حسب الترتيب الأبجدي للعنوان: «البشر والسحالي» لحسن عبد الموجود، و«خمس ورقات» محمد العريان، و«ست زوايا للصلاة» أميرة بدوي، و«كلنا عبده العبيط» محمود فطين السيسي، و«النوالة» هبة الله أحمد. وتتفق 3 منها في كونها الإصدار الأول لمؤلفها، مع اختلاف أعمارهم، عدا مجموعتي عبد الموجود والسيسي، كذلك حصلت 4 منها على جوائز أدبية مرموقة، عدا مجموعة العريان، كونها إصدارًا حديثًا وقت كتابة الدراسة. 

وينطلق صفوت في قراءة المجموعات من أشباح خمس حددها على النحو التالي: الحقيقة تفاصيل، والحقيقة إرث وذاكرة، والحقيقة أحلام وكوابيس، والحقيقة رقم، وأخيرًا الحقيقة تهكمية، فيما يختم الكتاب بالتحويط حول ثيمة أساسية داخل خطابات القصص، أسماها بـ”الاستحضار الإنكاري” conjuring، وهي آلية استحضار الموضوع لا للاحتفاء به، وإنّما لدحضه وتفكيكه. 

والاستحضار الإنكاري مقولة نقدية ما بعد حداثية لم تُجرب نقديًا في الدراسات العربية، ولم تختبر على أيّ نصوص، مما يجعلها غريبة وجديدة في الوقت ذاته، ومع هذه الغرابة والجدّة فإن التجريب قدر ما هو مغرٍ بالنسبة لصفوت فإنّه حمل من الصعوبات التي تطلبت قدرًا من الحرص والتحقق من مدى ملاءمة المقولة للنصوص المدروسة. 

يشار إلى أن مدحت صفوت ناقد أدبي وباحث في تحليل الخطاب. عمل محاضرًا زائرًا في جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، وحاضَر في عدد من المراكز البحثية المصرية، له كتابان صادران عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، هما: «السلطة والمصلحة.. استراتيجيات التفكيك والخطاب العربي» 2016، و«صوت الغزالي وقرطاس ابن رشد» ملحق به دراسة ابن رشد الشهيرة «فصل المقال» 2018. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *