محمد العريان يكتب: نحن العاديون ملح الأرض.. المجد لنا والحياة أيضا

المجد لنا…

نحن العاديون، لم يذكرنا التاريخ ولا يتذكرنا الزمن ولا نهتم بذلك، نحن عجلة الدوران ومجرى النهر وشمس التفاعل فى الحياة وقصص الحب والسلام والحرب.

خلف كل فكرة خرجت وتبلورت وانتجت للبشرية علمًا أو اختراعًا أو سياسة تجدنا نعمل فى صمت حتى ننتهى من شكلها النهائي ثم نستهلكها.. إحنا الحياة.

خلف كل زعيم جموع غفيرة مؤمنة به، وبدوننا يذبل كأرض تركتها المياه، نرفعه إلى أعلى المناصب ونتغاضى عن هفواته ونزواته وبطشه وجبروته وننقض عليه فيتفتت كالرماد فى قبضة طفل عابث.. إحنا القانون.

كل قانون وقاعدة وتعليمات لا تنفذ إلا بإرادتنا، نتقبلها وندعهما ونحرص عليها فتتحول من ورقة إلى عادات وتقاليد تنتظر التغيير.

لا يصبح الطريق طريقا إلا بأقدامنا، نطرد الأشباح من المدن الجديدة ونحول المباني إلى روح وذكريات، والجمادات إلى تحف وآثار ودليل على الوجود.

نحن كل الخطط والانتصارات العسكرية، نحن الأوطان ومجد الأبطال ومعجبين المشاهير وحماة المبادئ وحبة البطاطس وظل الشجر وابتسامة الصباح.

..”سنبني بلدنا” هكذا يتحدث الزعيم، فقط يتحدث، تتحرك الجموع الواثقة فى قدرتها على الفعل، تخطط وتعمل وتصنع المعجزات، وحينما تنتهى تستمتع بإنجازها وتترك للزعيم أسطر فى كتب التاريخ.

 فى كل حرب جنرال يخطط ويصدر الأوامر ويتابع التنفيذ، وعلى الجبهة عشرات الحكايات الصغيرة عن الفداء والشجاعة والتنفيذ الدقيق والانضباط، تعيش الحكايات عمر جيل واحد وربما آخر وتبقى الذكريات غذاء عجوز فى ليالي باردة، ولكن الجنرال يظن أنه نصره وحده.

نحن جماهير المدرجات داعمي الثقة بـ”أهات” وتصفيق للاعبين والفنانين والمطربين والخطباء، نحن الهتاف فى المظاهرات، وشهداء الثورات.  .

نحن ملايين قصص الحب التى تعيش على القصائد والأغاني وترويها الألسن وتنتهى بانفصال أو عناق أو تنهيدة بجوار النهر ولا نفقد عقولنا فنحب مرة أخرى بجنون ونتعلم … إحنا الأمل.

فى العقل الجمعي لنا ندرك حقيقة واحدة “أنا إنسان مؤقت”، فالخالدون لا يأكلون الطعام، ولهذا لا نهتم بتضيع الحياة! حياتنا، لنتحول إلى كلمات فى كتب التاريخ، ومقرر على الطلبة فى المدارس والجامعات وصور تملأ الصحف ومحركات البحث، حياتنا ثمينة فلتكن حياة.

يقول المغفلون : تتخرج وتحصل على وظيفة وتتزوج وتنجب وتعلم أولادك وتزوجهم وتموت هل هذه حياة؟ ، لا يعلم هؤلاء ما هى أصلا الحياة ولا نلتفت نحن إليهم، يظنون أن حياة كل ثري وزعيم والمشاهير عموما خليط هائل من المغامرة والاستمتاع والجنون، لا يعرفون شيئا عن مطاردة عدسات الشهرة وعيون المعجبين حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت.

لا يعلمون أن العاديين يحصلون على ملايين اللحظات العظيمة التى تساوي ألف ألف شهرة، يكفى أن تري ولدك يكبر أمام عينيك وتستمتع بأسئلته التى لا تنتهى، يكفى أن تستمتع بفنجان قهوة مع نسمات الصباح ولا تفكر فى شيء، يكفى أن ترتبط بمن تحب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *