كريم محمد الجمال يكتب: ثقافة المقاومة والدور المفقود للمثقف العربي

من أكبر المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية الحديثة هي أزمة الهوية، وباعتبار مصر مركز الثقل في المعادلة العربية وبالأخص في النواحي الثقافية فلابد أن يشارك العقل المصري بقدر كبير في حل تلك الأزمة .

ليست الثقافة والفكر والأدب رفاهية أو مسألة اختيارية في المجتمعات الباحثة عن التقدم والازدهار ولا يبدو أن المجتمعات العربية أو بالأحري السلطة في تلك البلاد تعطي الأولوية المرجوة المستحقة لتلك المجالات الثقافية، والقراءة المتأنية للتاريخ توضح أن صرح الحضارة يرتفع علي أساس الثقافة التي تشكل القيم والأخلاق والمبادئ لكل أمة من الأمم. ويتضح من الوقع العربي الذي تم تهميش الثقافة حيث تم تدجين أو استقطاب أو قهر النخب الثقافية، ونتج عن ذلك فقدان المثقف العربي دوره الوظيفي في المجتمع لأنه ببساطة لم يعد للثقافة دور بتوجيه مباشر أو غير مباشر من السلطات التي استبدلت الثقافة بقيم استهلاكية مدعومة من النمط الرأسمالي في الإنتاج والاقتصاد وبذلك سيطرت تلك المنظومة علي الافكار والمفكرين والأدباء والشعراء والكتاب وانعكست علي الفن والخطاب الديني والإعلام والتعليم والبحث العلمي وغيرها من مجالات .

حالة السكون والركود  التي يطلق عليها إعلام السلطة في الدول العربية حالة الاستقرار هي انعكاس لرغبة تلك السلطة في ترسيخ أنظمتها السياسية وبالتبعية مصالحها الاقتصادية، وامتيازاتها الاجتماعية والطبقية . واستمرار تلك الحالة من انسداد الأفق السياسي تصنع حالة من الفساد والاستبداد ومع طولها يصبح الإصلاح صعبا.

وبتحليل هذه الظواهر السلبية نجد أن تفكيكها وحل تلك الأزمات يبدأ باعتماد منظومة ثقافية وفكرية ثورية ومقاومة ترفع من وعي المواطن فلا ينجرف خلف الشعارات الرأسمالية، ويقع فريسة لدعايتها البراقة وينسحق تحت قيودها الرأسمالية المتوحشة المرتبطة برفاهيات استهلاكية. ومع استمرار وتدفق تلك المفاهيم الاستهلاكية الرأسمالية حتي أصبح المال هو المقياس والكم يحل محل الكيف .

إعادة الأولويات الوطنية والقومية يتم عن طريق جماعة وطنية شعبية ترتبط مصالحها بالأغلبية من الجماهير العريضة وليس بفئة بسيطة صغيرة تستأثر بمقدرات وثروات وتصادر قرارها السياسي لصالحها . ولهذا فإن قضية الهوية مهمة جدا كما أوضحنا لأنها في مقدمة القضايا الواجب حلها حتي يستطيع المجتمع الاستمرار في نشر التوعية والتأسيس لمجتمع ديمقراطي قائم علي المساهمة الشعبية في الاقتصاد والسياسة .

وقضية فلسطين والمقاومة والتطبيع قضية جوهرية في هذا الصراع الثقافي والحضاري حيث تأتي الهزيمة والإعلامية والثقافية قبل الهزيمة السياسية والعسكرية. وارتباط الأنظمة العربية وداعميها برأس المال أصحاب الولاء الأمريكي وبالتالي بالمصالح الإسرائيلية كمقدمة تؤدي إلى محطات ومراحل من التطبيع الواضح علي  حساب التنمية والتقدم في تلك الشعوب وحرمانها من حقوقها في التعليم والصحة والعدالة والمشاركة السياسية لأن القرار في تلك الدول لا يكون نابعا من داخلها وإنما يأتي بضغوط وإملاءات ومصالح خارجية. وهذه المنظومة لا تضع حقوق الشعوب العربية وفي القلب منها الشعب الفلسطيني في الحسبان بل بالعكس يراعي المصالح الإسرائيلية لعدم إغضاب الآلة الإعلامية و المالية في الغرب .

ومن هذا نستنتج أن تقاعس وانكفاء المثقف العربي وتفريغ المنظومة الثقافية العربية من مضمونها أدي إلي فقدان الشعوب والمجتمعات البوصلة والأولوية ووضعتها تحت تلك السلسلة التي لا ترحم من المصالح الغربية المرتبطة بالتطبيع و الاستبداد والرأسمالية المتوحشة ومقاومتها تبدأ من المواطن الواعي ثم المجتمع الواعي بقضاياه النضالية والروافد الأساسية لتشكيل هذا النضال والمقاومة هو الثقافة لأنه لا مقاومة بدون بيئة حاضنة للمقاومة .

One thought on “كريم محمد الجمال يكتب: ثقافة المقاومة والدور المفقود للمثقف العربي

  • 23 مايو، 2020 at 4:00 ص
    Permalink

    احسنت يا أستاذ كريم ، مقالاتك مهمه جداً

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *