كارم يحيي يكتب : وعنصريون مسلمون وعرب بيننا أيضا

نشكو من بين تداعيات غزو بوتين لأوكرانيا من عنصرية “الغرب “. نشكو من تمييز بشأن إنقاذ و إخراج العرب والمسلمين والأفارقة إلى الجوار الأوكراني. وكل تعميم عن ” عنصرية الغرب” خاطئ عندي. و بالطبع لنا الحق في الشكوى. ولكن وأكرر دون تعميم.

ونشكو ولنا الحق كذلك ـ وكل تعميم خاطئ مرة أخرى ـ مع المقارنة بلامبالاة غربية بل وتواطؤ إزاء معاناة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ حلول الصهيونية بمنطقتنا مطلع القرن العشرين. وأيضا نشكو من هكذا لامبالاة بل وتواطؤ تجاه آلام ومعاناة جراء دكتاتوريات وعدوانات ضد شعوب سورية والعراق و اليمن .. وهكذا.

ولقد لفت نظري صديق الفيس بوك الدكتور “خالد عبد الرحمن” عندما كتب مؤخرا هذه التدوينة:
” إعلان اللاعب الهولندي سيدروف لاعب ريال مدريد والميلان السابق اعتناقه الإسلام قوبل بإحتفاء كبير من قبل المسلمين. وفي المقابل لم نجد الكنيسة تعلن مثلا عن إهدار دمه بتهمة الردة!!. فهل يقبل المسلمون أن يحدث العكس؟!! بمعنى هل يقبلون أن يعلن مسلم عن اعتناقه ديانة أخرى دون إهدار لدمه؟!!”.

ومع هذه التدوينة نشر صورة اللاعب أسود البشرة التي اطالعها للمرة الأولى. واعترف هنا بضعف متابعتي للرياضة وكرة القدم محليا في مصر وعالميا أيضا.
واتذكر بهذه المناسبة واليوم الشيخ “عبد المتعال الصعيدي” العالم الأزهري المتقدم في أفكاره و تفسيراته وشروحاته، وما دونه في كتبه عن حريات الاعتقاد والتفكير والتعبير . والمرحوم “الصعيدي” ابن قرية ” كفر النجبا ” بأرياف دلتا مصر. عاش بين 1894 و 1966، وحصل على شهادة العالمية من الأزهر قبل نحو عام واحد من اندلاع الثورة العظيمة للشعب المصري عام 1919 ، وما صحبها وخلفته من نهضة معلومة مقدرة في الثقافة والفكر والسياسة والفنون والحياة الاجتماعية للمصريين.

وأتذكر ما قرأته له في كتابيه ” الحرية الدينية في الإسلام” الذي صدرت طبعته الأولى 1955 ” حرية الفكر في الإسلام” الذي تلاه. وقد أفادني أيما إفادة قبل نحو ثلاثة عقود في كتابة مسودة فصل عن حرية التعبير والصحافة برسالة ماجستير بكلية الإعلام لم استكملها. والأهم أن هذين الكتابين تركا في العقل والضمير علامات من نور وحبور مازلت تضئ لي طريق حياتي.

وما أعلمه أيضا أن هذا الشيخ الأزهري المجدد بأفق إنساني يتجاوز “عصبيات وقبليات الجهل والجاهلية” عندنا وإلى اليوم كان جريئا في نقد جمود وتخلف التعليم ومناهجه وأساليبه وذهنياته في الأزهر، وله في ذلك درسات وكتب منشورة. لكن للأسف فإن شيخا تقدميا على هذا النحو لايحظى بإهتمام وشهرة يعادل خردلة إزاء طوفان الأضواء والامتيازات المغدق على أولئك ” التجديديين المزيفين”اليوم من جلادي الشعوب جوقة الطغاة وأعضاء عصابات الإستبدد والفساد واحتقار مواطنيهم. أولئك الذين يجرى الترويج لهم سلطويا في برامج القنوات التلفزيونية، و بنشر أعمدة ومقالات رأي بإلحاح وكثافة في صحف تمجيد الطاغية ..كل الطغاة.
وشتان بين موقف شيخنا المنحاز للإنسان والحريات ضد حكم الطغيان وبين “دراويش الطاغية” المقدس عندهم، وما يروجون له من “تجديد ديني” سلطوي قمعي فوقي منفر وخاسر عند الناس. وعندما نعود إلى كتابات شيخنا ” الصعيدي” سنكتشف كم كان موقفه واضحا ومختلفا تماما عن ” التجديدين المزيفين” هؤلاء ضد الطغيان وإلى جانب الناس والحريات واحترام الإنسان كرامة وحقوقا ؟.
ولابد هنا أن اعترف بمناسبة إشهار إسلام لاعب نادي ريال مدريد ـ وأنا من مرتادي المساجد ومنذ الطفولة لصلاة الجمعة كلما استطعت ـ بأنني لم اقتنع يوما بما يردده واعظ أو إمام من تضرع إلى الله بالخير والصحة والسلام ” للمؤمنين” و” المسلمين”..وهكذا تخصيصا ولهم وحدهم. ولم يكن بإمكاني ومبكرا أن أردد خلفهم طالما ظلت “الدعوات الصالحات” على هذا النحو العنصري، وحتى ولوكانت مستمدة من نصوص وتفسيرات مقدسة.
ولعل دراستي للصهيونية ومساهمتي في موسوعة الراحل الدكتور ” عبد الوهاب المسيري”بين عقدي الثمانينيات والتسعينيات قد أفادتني في التساؤل والمقارنة. وقد قادتني إلى ما أظنه القياس العادل المتسق الذي بقدر رفضه لعنصرية اليهود الصهاينة وعدوانيتهم ضد ” الأغيار” ينفر أيضا من نفس التمييز والشعور بالخيرية والأفضلية والعلو على الآخرين في خطاب ” المؤمنين والكفار” عندنا. وبالأصل من قال أن “غير المسلم” لا يؤمن بدوره بإعتقاد ما مختلف عنا، و بما في ذلك الملحد وليس فقط أصحاب الديانات المسماة بالسماوية وغير السماوية.
رحم الله شيخنا ” عبد المتعال الصعيدي”، الذي اجتهد من داخل التراث الإسلامي وبتعلمه في الأزهر ونقده له، فأنكر علينا كمسلمين عقاب من يخرج عن ديننا. نعم رفض بوضوح أي عقاب دنيوي ” للمرتد” عن الإسلام، لا قتلا ولا سجنا ولا تعذيبا ولا مقاطعة ونبذا .. ولا أي شئ .
*
وإذا أردنا حقا أن يكون لنقدنا للعنصريين في الغرب ضدنا وضد الشعوب الأفريقية مصداقية، فعلينا أن ننتبه لخطابنا الديني وغير الديني ( بما في ذلك القومي الشوفيني العنصري). وليكن لدينا الجرأة في نقد هذا المقدس الذي يحيل إلى العنصرية من قبيل ” كنتم خير أمة أخرجت للناس”. وهو لمن يعقل ولا يكيل بمكيالين ( وآه من استدعائنا وحكامنا الطغاة هذه الأيام للكيل بمكيالين ) المعادل والمماثل للمقولة المقدسة عند اليهود الصهاينة العنصريين :” شعب الله المختار”.
.. أقول قولي هذا كي نستقيم ويرحمنا الله والبشرية جمعاء ، وأجرى على الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *