كارم يحيى يكتب : لو تعلمون مخاطر مهنة الصحافة حتى مع الرياضة

ـ مقال مهدى إلى زميلي التونسي “محمد بولعابة” ربنا يحميه ويحرسه.

ذكرتني تهاني حلول شهر رمضان الكريم على مواقع التواصل الاجتماعي بزميلي الصحفي التونسي “محمد بولعابة” المتخصص في الرياضة. فوجدتني أقرن التهاني على صفحته بمزيد الشكر لكرمه وفضله على العبد لله ذات ليلة عصيبة في إستاد “رادس” جنوبي مدينة تونس العاصمة. وكلما اتذكر ما جرى قبل نحو خمس سنوات يرتعش الجسد، وأقول لنفسي : ” ربنا سترها بفضل الأستاذ محمد”.


واعترف بأنني خاطرت تحت تأثير إغواء المهنة والتزاماتها عندما كنت مراسلا “للأهرام ” المصرية في تونس، وذهبت إلى ملعب “رادس” لمتابعة مباراة الأهلى المصري والترجي التونسي ليل يوم 23 سبتمبر 2017. وهو مكان يبعد عن سكني في وسط المدينة بأكثر من عشرة كيلومترات.


ولم تكن هناك مشكلة في الذهاب، حتى مع إنني لست من أصحاب السيارات الخاصة. وهذا مع إنني كنت بمفردي . حقا لم تكن هناك أي مشكلة لأسباب عدة، ومن بينها أنني أذهب والليل الموحش لم يدخل بعد.


لكن عند العودة وفي الإياب، زادت مخاوفي. وأضيف إليها المزيد جراء سير المباراة ونتيجتها وما جرى في الملعب ذاته. وهكذا لم يكن الخوف يقتصر على توجس تحرك إنسان غريب في سني الذي يقارب الستين من “البراكاجات”. و”البراكاج” في تونس يعني السرقة بالإكراه واستخدام العنف مع إمكانية التعرض للقتل والإصابات. وهو للأسف منتشر في تونس، وبخاصة في الليل والضواحي البعيدة.


كما لم تقتصر المخاوف على سؤال أهملت الإجابة عنه عندما تحركت في رحلة الذهاب، وهو : وكيف سأعود ؟ وهل سأجد “تاكسي” أو أي وسيلة مواصلات عامة في هذا الزحام؟ . وخصوصا أن الإستاد يبعد عن محطة قطار الضواحي الجنوبية “رادس” وعمرانها، ولا يمكن اجتياز المسافة على الأقدام.


مالم يكن في الحسبان جاء كي يضاعف مخاوفي. جاء فعلا مع إطلاق حكم المباراة صفارة النهاية ، مغلقا قوسها على نتيجة أغضبت جمهور “الترجي” التونسي. وفي لحظة انقلب إعجابي بالنظام والإمكانات في إستاد “رادس” وتخصيص مدرج للصحفيين وتجهيزات مساعدة للعمل الصحفي إلى هلع.

فجأة هكذا وجدت هذا المدرج بدروه مكشوفا أمام سيل منهمر وبقوة من زجاجات المياه المعدنية، وكل ما يكن أن تصل إليه أيادي جمهور غاضب حانق على النتيجة والأهلى، و بالطبع المصريين بصفة عامة.


تلفت حولي فلم أجد مصريا بين الحضور الصحفيين في المدرج. وفكرت كيف سأعود؟. كيف أسير بين جموع غاضبة من شأنها أن تفتك بمصري شارد يتحرك بمفرده ودون حماية أو حراسة مثل العبد لله. مصري يمكن أن تفضحه لهجته عند اجابته على أي سؤال أو عندما يضطر للاستفسار عن الطريق أو غيره. وحتى لو تمكنت من عبور المسافة بين الإستاد وطرق يمكنني أن أجد فيها سيارة أجرة، كيف سيعاملني السائق؟ ، وخصوصا إذا كان من ” المكشخين” . أي أنصار أو أحباء أو مشجعي “الترجي” الأكثر جماهيرية في تونس. وتماما كالأهلى في مصر .


و أظنني فكرت في الانتظار ولو لمدة طويلة كافية حتى تخلو الطرق من “المكشخين”. لكن في هذا أيضا مخاطرة ما بعدها مخاطرة بسبب “البراكاجات”.

تلكأت بعض الوقت لأحضر مؤتمرا صحفيا لبعثة الأهلى تم على عجل وفي ارتباك . وتلفت خلال المؤتمر لعلني أجد وجها مألوفا لزميلة أو زميل ينقذني في طريق العودة. لكن لا أجد واحدة أو واحدا ممن كنت ألتقيهم ويعرفونني في العمل الميداني من غير الزملاء المتخصصين في الرياضة. هنا تماما أنا وجه جديد بالنسبة لزملائي من الصحفيين الرياضيين .


وبالطبع لا يمكنني أن ألوذ ببعثة الأهلى فهم على ما أذكر سيذهبون في حراسة خاصة الى فندق بعيد. وحقيقي أيضا خجلت أن أطلب حمايتهم وهم الغرباء وأنا المقيم كمراسل في البلد.


لكن حين الخروج التفت إلى زميل لم يكن يعرفني أو أعرفه. وسألته بعدما قدمت إليه نفسي أن يصحبني في العودة إلى العاصمة، أو إلى أي طريق يمكنني أن استقل منه سيارة أجرة في أمان، وبعيدا عن هستيريا الغضب المنبعثة من إستاد “رادس”. وفاجأني الزميل الأستاذ ” محمد بولعابة” بكرمه، إذ اصطحبني في سيارته الخاصة مع نفر من الزميلات والزملاء التونسيين أيضا.


وهكذا يظل الأستاذ “محمد” يطوق عنقي إلى الممات بكرمه وفضله. وهو الذي علمت بعدها بأنه واحد من أمهر وألمع الصحفيين التونسيين الشباب في تخصص كرة القدم والرياضة ببلاده.


ويازميلي التونسي العزيز لن أنسى فضلك ما حييت. وسأظل أدعو لك ولأسرتك ولعائلتك ولبلدك . سواء مع حلول رمضان، أو كلما لعب الأهلى مع الترجي، أوحتى كلما تذكرت تلك الليلة الليلاء بمناسبة أو بدون مناسبة.
ويازميلي العزيز “محمد الهادي بولعابة” ربنا يحميك ويحرسك، و”يوقف لك أولاد الحلال” كما نقول في مصر .
. و ربنا “يوقف لك أولاد الحلال” في كل إستادات الدنيا وخارج الملاعب.. .

القاهرة يوم السبت في 2 أبريل
2022 الموافق الأول من رمضان 1443 هجرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *