في ذكرى زيارة السادات إلى إسرائيل.. حين بدأت الهرولة من أجل تطبيع العلاقات (إلى أين وصلنا؟)

كتب – أحمد سلامة

ليست هرولة التطبيع العربي الجارية حاليا مع الكيان الصهيوني وليدة الصدفة، وكذلك ليست البداية، فكما بدأ كل شيء من مصر، فقد بدأت أيضا إجراءات التطبيع من عاصمتها القاهرة.

في الجلسة المسائية لاجتماع مجلس الوزراء المنعقد في ١٩ نوفمبر عام ١٩٦٧، ناقش الاجتماع بحضور رئيس الجمهورية آنذاك جمال عبدالناصر التداعيات الاقتصادية للنكسة التي وقعت قبل شهور قليلة.. وجه عبدالناصر باتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الوضع “في ظل استمرار الاستعدادات لتحرير الأرض”.

لكن الأوضاع اختلفت تماما بعد عشر سنوات بالتمام.. فرغم تحرير الأرض انطلقت من العاصمة المصرية، في ١٩ نوفمبر ١٩٧٧، الطائرة الرئاسية المصرية التي تقل على متنها الرئيس محمد أنور السادات.. متجهة إلى إسرائيل.

“ستُدهش إسرائيل عندما تسمعنى أقول الآن أمامكم إننى مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم”.. هكذا قال السادات في خطابه الشهير يوم ٩ نوفمبر، تلك المقولة التي ظن البعض أنها مجرد مراوغة سياسية لا أكثر، لكنها لم تكن كذلك.

كانت إجراءات الزيارة مُعدة سلفا،  عبر مجموعة من الاتصالات غير المعلنة، حيث تم إعداد لقاء سري بين مصر وإسرائيل في المغرب، تحت رعاية الملك الحسن الثاني، التقى فيه وزير الخارجية الإسرائيلي، موشى ديان، وحسن التهامي، نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية.

لتنطلق الطائرة الرئاسية في أواخر عام ١٩٧٧ معلنة عن بداية مرحلة جديدة ليس لمصر فقط وإنما للمنطقة العربية بشكل عام.

“السلام لنا جميعا على الأرض العربية وفى إسرائيل وفى كل مكان من أرض العالم الكبير المعقد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادة، والمهدد بين الحين والآخر بالحروب المدمرة، تلك التى يصنعها الانسان ليقضى بها على أخيه الانسان، وفى النهاية، وبين أنقاض ما بنى الانسان وبين أشلاء الضحايا من بنى الانسان فلا غالب ولا مغلوب بل إن المغلوب الحقيقى دائما هو الإنسان، وقد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين، لكى نبني حياة جديدة، لكي نقيم السلام كلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمون ومسيحيون ويهود”.. تلك كانت بداية التراجع كما وصفها منقدو خطاب السادات في الكنيست.

وبينما تعرض السادات لهجوم حاد -ومازال- بسبب تلك الخطوة، تستمر إسرائيل في احتفالاتها السنوية بما أقدم عليه الرئيس المصري.. فقد أحيت إسرائيل الذكرى الـ 43 لزيارة الرئيس الراحل إلى تل أبيب.. لكن إحياء هذه الذكرى لهذا العام مختلفة، فكثير من الدول العربية التي قاطعت السادات بسبب موقفه أصبحت تهرول هي الأخرى على طريق التطبيع ووقع بعضها على اتفاقيات فعلية بذلك.

عملية التطبيع التي تمخضت عنها الإدارة المصرية في عهد السادات، كانت قائمة على أن مصر تستطيع أن تشارك إسرائيل تنافسية العلاقات مع الولايات المتحدة وأن تكون الشريك الأكثر قربا بعد أن تتعاقد على صداقة حميمة مع إسرائيل، وبعدها تعرض مصر استعداداتها لتقديم غطاءات للولايات المتحدة في المنطقة لا طاقة لإسرائيل بها، منها على سبيل المثال تصدر مصر وقيادتها لتكوين تحالف سياسى إسلامي لدعم المجاهدين الأفغان في مواجهة الإتحاد السوفيتي عام 1980، لكن هذه الفرضية فشلت تماما.

فشل الفرضية السابقة جعل مصر تنال نظير تنازلاتها عناصر بسيطة من الدعم متمثلة في المعونة العسكرية وغير العسكرية، وإلغاء بعض الديون أحيانا، مع تلميحات أحيانا وتأكيدات في أحيان أخرى أنه ليس على مصر ألا تطمح فيما هو أبعد من ذلك.

لكن النقطة الأبرز التي افتقدتها القاهرة بعد بداية التطبيع هي دورها في قيادة المنطقة العربية، فبعد أن كانت مصر تقود الأمة في اتجاه المقاومة والرفض واللاءات الثلاثة، أصبح دورها محدودا للغاية سواء في ذلك حين قاطعتها الدول العربية احتجاجا على التطبيع في سبعينات القرن الماضي، أو مع اتفاقيات التطبيع الحادثة في ٢٠٢٠.

عندما وقعت مصر “معاهدة السلام” في عام 1979، لخصت المادة الثالثة من الاتفاقية ما جاء بها والغرض منها: “يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع التمييزي المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع”.

رغم ما لاقته هذه الاتفاقية من رفض عربي واسع على المستويين الرسمي والشعبي، وصل إلى حد المقاطعة الرسمية لمصر وتعليق عضويتها بالجامعة العربية، إلا أنها “كانت فاتحة لمسيرة التطبيع العربي مع إسرائيل والاتجاه نحو مسار التفاوض المسبوق بالاعتراف بها والمتبوع بإقامة علاقات متنوعة معها”، بحسب ما ذكرته دراسة لمركز الحضارة للدراسات والبحوث.

تعرف الدراسة التي تحمل عنوان “التطبيع والمقاومة عبر مائة عام من وعد بلفور”، كلمة التطبيع في المجال السياسي، بأنه “إعادة العلاقات بين دولتين بعد فترة من قطعها، بمعنى إقامة علاقات طبيعية بين دولتين أو أكثر”، وتقسم العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل إلى أربعة أنواع؛ التطبيع السياسي، والاقتصادي، والأمني، والثقافي.

بعد اعتراف مصر الكامل بإسرائيل، جاءت ثاني الخطوات، من خلال توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقية أوسلو في 1993، والتي نصت على أن تعترف إسرائيل بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مقابل اعتراف الأخيرة بالدولة العبرية على 78% من الأراضي الفلسطينية.

في العام التالي، وقعت الأردن على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، أو ما تعرف بمعاهدة وادي عربة، والتي تضمنت اعتراف كلا الطرفين بسيادة الآخر، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتوزيع مياه نهر الأردن وأحواض وادي عربة الجوفية بشكل عادل بين البلدين، بالإضافة لإعطاء ثلاثة أرباع نهر اليرموك للمملكة الهاشمية.

الآن هناك ثلاث دول عربية تعترف اعترافًا كاملًا بإسرائيل، هي مصر والأردن وموريتانيا التي اعترفت بها في 1999، إلا أن نواكشوط قررت تعليق العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، عقب الحرب على قطاع غزة عام 2009، قبل أن تقرر قطعها نهائيًا في مارس 2010.

والآن تدخل الإمارات والبحرين رسميا إلى قائمة الدول المعترفة بإسرائيل، بينما تقف دول عربية أخرى في طابور التفاوضات السرية التي تنتظر الظهور في العلن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *