“فير سكوير” و”هيومان رايتس ووتش” تطالبان مصر بوقف “منع السفر التعسفي”: استهداف للمعارضة دون أساس قانوني أو سبل طعن

بيان: القرارات تشمل أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي بمن فيهم محامو حقوق ‏الإنسان والصحفيون والناشطات النسويات والباحثون‎. 

15 حقوقيا وطالبا وباحثا يروون معاناتهم من حظر السفر: محرومون من وظائفنا وعائلاتنا وتعليمنا  

‎قالت منظمتا “فير سكوير” و”هيومن رايتس ووتش” إن مصر‎ ‎تستخدم منع السفر التعسفي ‏لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق ‏الإنسان، والصحفيون، والناشطات النسويات، والباحثون‎.‎ 

وأوضحت المنظمتان، في بيان مشترك، اليوم الأربعاء، أن إجراءات المنع، التي لا تعلنها السلطات عادةً رسميا ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيها في ‏المحكمة، أدت إلى تشتيت العائلات، والضرر بالمسيرات المهنية، والأذى بالصحة العقلية لمن ‏يخضعون لها‎.‎ 

وقال جيمس لينش، مدير فير سكوير، إن “منع السفر التعسفي بلا نهاية يسمح للسلطات المصرية ‏بفرض نظام عقابي له أثر كبير على الحياة ويكاد يكون خفيا لأي شخص باستثناء أولئك الذين ‏تدمر حياتهم، حيث سمح المنع لمصر بضرب منتقديها بصمت دون خوف من إثارة حفيظة مانحيها ‏وداعميها في لندن، وباريس، وواشنطن”، مطالبا بإنهاء هذه الممارسات فورا. 

وتحدثت فير سكوير وهيومن رايتس ووتش إلى 15 مصريا فرضت عليهم السلطات منع سفر لمدة ‏تصل إلى 6 سنوات في بعض الحالات‎.‎ 

سبق أن وثّقت‎ ‎هيومن رايتس ووتش ما وصفته بأنه استخداما منهجيا لإجراءات لمنع سفر عشرات المعارضين الفعليين أو المفترضين، كما أعد “معهد التحرير لسياسة ‏الشرق الأوسط” و”مبادرة الحرية” تقارير عن هذه القضية، ووجدت المنظمات أن قرار وزير ‏الداخلية‎ ‎في عام 1994 يمنح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة لفرض منع السفر دون أوامر ‏قضائية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد‎.‎ 

وقال الخاضعون لمنع السفر لـ”فير سكوير” و”هيومن رايتس ووتش” إنهم علموا عادة بمنع سفرهم في ‏المطار أثناء محاولتهم الصعود على متن رحلة جوية، وإن السلطات لم تقدم سبلا قانونية واضحة ‏للطعن في هذا المنع في المحاكم.  

وقال أحدهم إنه قدم التماسا إلى النائب العام، لكن الالتماس رُفض ‏دون تفسير. ورفع آخر دعوى أمام محكمة الجنايات لإسقاط المنع، في حين قدم ثالث التماسا إلى ‏‏”مجلس الدولة”، الذي يستضيف المحاكم الإدارية، للتدخل، لكن في كلتا الحالتين ‏رُفضت طلباتهما، وأكدت المنظمتان أن غياب الأساس القانوني الواضح للمنع وأي وسيلة للطعن فيه يؤكد طبيعته ‏التعسفية‎.‎ 

من بين الأشخاص الـ15 الذين تمت مقابلتهم، واجه 6 تجميد أصول‎ ‎أدى إلى عزلهم عن النظام ‏المصرفي تماما‎.‎ 

كانت الخسائر الشخصية طويلة الأجل لمنع السفر وتجميد الأصول مدمرة، حيث روى كل من تمت ‏مقابلته تقريبا أنه فقد فرص العمل والدخل. 

و‎قال كثيرون إن الأثر النفسي لعدم معرفة متى ستنتهي ‏هذه القيود التعسفية أثر بشكل خطير على صحتهم العقلية، كما أن لهذه القيود تأثيرا محبطا ‏على نشاط حقوق الإنسان لأنها تثني الجمهور عن انتقاد السلطات‎.‎ 

وانفصل وليد سالم، وهو طالب دراسات عليا، عن ابنته التي تعيش في الخارج منذ 4 سنوات ‏ولم يتمكن من إنهاء الدكتوراه في “جامعة واشنطن”، ووصف غياب الحد الزمني لمنع السفر بأنه ‏‏”كابوس مستمر‏‎”.‎ 

كما لم يتمكن الحقوقي كريم عنارة من الانضمام إلى زوجته منذ 18 شهرا في لندن، حيث كانا ‏يعتزمان العيش معا، حيث يقول “أشعر كأنني أفسد زواجنا بنفسي”. وفي أبريل، حال منع ‏السفر بحق المحامي البارز ناصر أمين دون أن يقدم مرافعات أمام “المحكمة الجنائية الدولية” ‏بشأن جرائم الحرب في دارفور، كان “حلم حياته” وقضية عمل عليها طوال عقدين من الزمن‎.‎ 

بعد تجميد تعسفي للأصول منذ العام 2016، لم تعد المحامية النسوية البارزة ومؤسسة “مركز ‏المساعدة القانونية للمرأة المصرية” عزة سليمان قادرة على العمل في الأمم المتحدة، بعد أن ‏انقطعت عن النظام المصرفي، ما منعها من الحصول على راتب. كما أنها لم تستطع بيع ‏سيارتها، حيث سيعتبر البيع نقلا لأحد الأصول، وقال المدافع عن حقوق الإنسان جاسر عبد ‏الرازق إنه مُنع من تجديد رخصة سيارته، على ما يبدو لأنها من الأصول‎.‎ 

أدى منع السفر فعليا إلى تهميش أعضاء المجتمع المدني الذين كانوا على اتصال منتظم بصانعي ‏السياسات في الولايات المتحدة، وأوروبا، والأمم المتحدة، حيث مُنع محمد زارع، مدير “مركز القاهرة ‏لدراسات حقوق الإنسان” من السفر منذ عام 2016، ما منعه من حضور فعاليات مثل ‏‏”الاستعراض الدوري الشامل” العام 2019 في الأمم المتحدة للسجل الحقوقي المصري‎.‎ 

وصادر عناصر الأمن جواز سفر المحامية الحائزة على جوائز حقوقية دولية ماهينور المصري ‏لدى عودتها من “مؤتمر فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان” في براغ في العام 2018‏‎، و‎قبض ‏عليها‎ ‎في سبتمبر 2019 في إطار قمع المظاهرات المناهضة للحكومة واحتُجزت تعسفا ‏حتى يوليو 2021‏‎.‎ 

وأعلن الرئيس السيسي العام 2022 “عام المجتمع المدني”، كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان ‏الجديدة التي كشفت عنها مصر العام 2021 بعد أن انتقدت 32 دولة عضو في “مجلس حقوق ‏الإنسان التابع للأمم المتحدة” سجلها الحقوقي‎. ‎تخضع الحكومة لتدقيق دولي خلال العام 2022 ‏لأنها ستستضيف “قمة المناخ العالمية” في نوفمبر. 

ووصفت هيومن رايتس ووتش ‏اختيار مصر بأنه‎ “‎خيار سيئ جدا‎” ‎في ضوء الأزمة الحقوقية في البلاد، التي تشمل سَجن نشطاء ‏المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان على نطاق واسع، والقوانين التي تجرم التجمع ‏السلمي‎.‎ 

يُطبَّق منع السفر كعقوبات على العمل السلمي، كما في حالات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، ‏تعسفا وانتهاكا لحقوق الإنسان، بما في ذلك عندما يكون المنع جزءا من محاكمة جنائية ذات ‏دوافع سياسية تستهدف هذا النشاط. يجب أن يتمكن أي شخص خاضع لمنع السفر من الطعن في ‏المنع أمام المحكمة‎.‎ 

يكفل الدستور المصري الحق في حرية التنقل في المادة 62. كما ينص على ضرورة وجود أمر ‏قضائي مسبب لفرض مثل هذه القيود، وحتى في هذه الحالة، يجب أن يكون ذلك لفترة زمنية ‏محددة فقط. لم تُستَوفَ هذه الشروط في أي من الحالات الموثقة هنا‎.‎ 

قال عمرو مجدي، باحث أول بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: ‏‏”ينبغي للسلطات المصرية دون قيد أو شرط أن ترفع منع السفر في جميع الحالات حيث يكون ‏الهدف هو قمع الحقوقيين أو منع أعضاء المجتمع المدني الآخرين من القيام بعملهم وأن تنهي ‏ممارسة منع السفر التعسفية. على شركاء مصر الاستراتيجيين، بمن فيهم الولايات المتحدة ‏والمملكة المتحدة، اللتان تضمّان أُسرَ العديدِ من الممنوعين من السفر، الضغط على القاهرة ‏لإنهاء مثل هذه الإجراءات‎”.‎ 

‎ ‎ 

يمنح قرار وزير الداخلية لعام 1994 السلطات الأمنية اليد العليا في وضع أي فرد على قوائم ‏الممنوعين من السفر، ولا ينص على وجوب إعلام أولئك المدرجين في القائمة أو إخطارهم. ‏ 

وينص القرار على أنه يمكن للجنة الإدارية، المكونة في الغالب من ضباط أمن وليس مسؤولين ‏قضائيين، تلقّي التماسات الاستئناف. لم تجد هيومن رايتس ووتش وفيرسكوير أي دليل على أن ‏مثل هذه اللجنة كانت نشطة ولم يقل أحد ممن تمت مقابلتهم في هذا التقرير إنه تمكن من إيجاد ‏طريقة للتواصل مع اللجنة‎.‎ 

وحتى في حالة تدخل النيابة العامة أو القاضي أو المحكمة، استخدمت السلطات منع ‏السفر التعسفي كإجراء عقابي. 

منذ 2015، فُرض منع السفر على أكثر من 30 ناشطا ‏في القضية 173 لعام 2011‏‎ ‎سيئة السمعة، والتي تحقق فيها الدولة مع عشرات المنظمات غير ‏الحكومية لتلقي تمويل أجنبي. 

ولم يتمكن سوى قلة من هؤلاء النشطاء من السفر إلى الخارج، ولم ‏يتمكنوا من ذلك قبل أواخر 2021 وأوائل 2022، وما يزال العديد ممن وردت أسماؤهم في ‏القضية يخضعون للمنع رغم عدم إحالة أي شخص‎ ‎إلى المحاكمة‎.‎ 

وجُمدت أصول العديد من العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين حوكموا في القضية ‏لسنوات، وظلت أصول 11 ناشطا بها مجمّدة، من بينهم اثنان ‏تمكنا من رفع منع السفر‎.‎ 

وضغطت السلطة على منتقديها‎ ‎من خلال منع السفر وتجميد الأصول بلا نهاية. رغم أن هؤلاء ‏الأفراد قد نجوا من السَّجن، إلا أن هذه الإجراءات تفرض عليهم في كثير من الأحيان خسائر ‏خفية، ولكن عقابية، على حياتهم الشخصية والمهنية. هذه بعض قصصهم‎.‎ 

المحامي الحقوقي البارز ناصر أمين وثق الفظائع في إقليم دارفور في السودان على مدى ‏عقدين من الزمن بهدف مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب. وعينته المحكمة الجنائية الدولية في ‏ديسمبر/كانون الأول 2021 لتمثيل ضحايا دارفور – وهي أول قضية من العالم العربي تخضع ‏لمحاكمة. كانت معظم الدول لتحتفل بنجاح أمين، لكنّ مصر منعته من حضور الجلسة الافتتاحية ‏في 5 أبريل 2022‏‎.‎ 

يشغل أمين منصب مدير “المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة”، الذي يدعو إلى استقلال ‏القضاء. أمين وزوجته هدى عبد الوهاب، التي تشغل منصب المدير التنفيذي للمركز، هما من بين ‏ما لا يقل عن 31 عاملا في منظمات غير حكومية ممنوعين من السفر منذ العام 2015. 

وتخضع ‏منظمتهما للقضية 173، التي تتهم فيها منظمات غير حكومية بالحصول على ‏تمويل أجنبي، وبدأ قاضي التحقيق في العام 2021، بإغلاق التحقيقات ضد بعض المنظمات ‏والأفراد.  

وكان أمل أمين في البداية، والذي كان أيضا عضوا في “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في ‏ظل حكومة السيسي، في أن يعني ذلك السماح له بالسفر إلى لاهاي. لكن النيابة العامة لم تستجب ‏لطلبه بشأن السفر. قال أمين: “لقد كان حلم حياتي”. وأوضح أنه كان قادرا فقط على الحضور ‏عبر الإنترنت، ما منعه من تقديم حججه‎.‎ 

تسبب منع السفر بضرر كبير لمسيرة أمين المهنية، ومنعه من التقدم لوظائف في الأمم المتحدة ‏بشأن اختصاصات متعلقة بالتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء. وقال إن موكليه في القاهرة بدأوا ‏في الانسحاب من مكتبه بعد حملة تشويه إعلامية مرتبطة بالقضية 173. أضاف: “ترك الكثير ‏من الموكلين المكتب بسبب الخوف”. كان عدد المغادرين كبيرا لدرجة أنه، كما قال، اضطر إلى ‏بيع مكتبه لدفع الرسوم الجامعية لولديه. يقول أمين إنه لا يتحمل رؤية طائرة تحلق في السماء ‏لأنها تذكره بمنع السفر: “من المؤلم سماع صوتها‎”.‎ 

قال أمين لـ فير سكوير وهيومن رايتس ووتش إن تعيين موظفين جدد لم يكن يوما بهذه الصعوبة. ‏وقال: “منع جميع نشطاء حقوق الإنسان يبعث برسالة مرعبة للجيل القادم. لا أحد يستطيع العمل ‏في حقوق الإنسان دون دفع ثمن باهظ‎.”‎ 

وليد سالم طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة واشنطن وباحث زائر في “الجامعة ‏الأمريكية بالقاهرة”. في مايو 2018، وبينما كان ينهي بحث الدكتوراه عن القضاء ‏المصري، قيّد رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية يديه، وعصبوا عينيه، ودفعوه داخل سيارة ‏أثناء مغادرته مكتب خبير دستوري في القاهرة.  

وقال: “كانت واحدة من مقابلاتي الأخيرة. كان ‏من المفترض أن أعود إلى سياتل في يونيو للتدريس. بدل ذلك، أمضى قرابة سبعة أشهر ‏في سجن طرة بالقاهرة بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة‎.‎ 

ومنعت السلطات سالم من مغادرة مصر منذئذ. في جلسة 3 ديسمبر 2018، رفض ‏القاضي استئناف النيابة العامة الهادف إلى إبقائه في السجن. أطلق سراحه بعد أسبوع وتضمّن ‏أمر الإفراج عنه المراقبة؛ وخلال الأشهر الـ14 التالية، كان عليه أن يحضر إلى قسم الشرطة ‏مرتين في الأسبوع.  

ولدى الإفراج عنه، لم يتلقَّ أي معلومات تشير إلى أنه كان ممنوعا من ‏السفر. إلا أنه بعد إنهاء فترة المراقبة في مايو 2020، حاول العودة إلى الولايات المتحدة، كما ‏استجوبه عناصر “الأمن الوطني” في المطار وصادروا جواز سفره‎.‎ 

وقال سالم إن السجن كان أسهل من “كابوس الحبس بلا نهاية” الذي يعيشه منذئذ. كان يسعى سالم ‏قبل إلقاء القبض عليه إلى الانتقال ليكون قرب ابنته البالغة من العمر 13 عاما، والتي تعيش في ‏بولندا مع زوجته السابقة، إذ لم يرَ ابنته منذ أكثر من أربع سنوات لأن زوجته السابقة تخشى ‏إحضارها إلى مصر:  “آخر مرة رأيت فيها ابنتي كانت في فبراير/ 2018، كان طولها يزيد ‏قليلا عن 100 سنتيمتر. أما الآن يبلغ طولها 165 سنتيمتر تقريبا. إنها شخص مختلف تماما‎”.‎ 

أدى المنع إلى تغيير مسار دراسته للحصول على الدكتوراه. قطعت جامعة واشنطن أموال ‏الزمالة التي كانت مشروطة بالتدريس في سياتل. كانت منحة التدريس مصدر دخله الأساسي ‏والتي كانت تهدف إلى المساعدة في تغطية الدَّيْن الجامعي. قال: “أعتمد الآن على أشقائي لأنني ‏بالكاد أجني أي أموال”. أغرقته المحنة برمّتها في الاكتئاب. أصبح عاجزا عن الكتابة، ويخشى ‏أن تكون مقابلات المتابعة من مصر محفوفة بالمخاطر‎.‎ 

كتبت‎ ‎جامعة واشنطن والعديد من الجمعيات الأكاديمية في الولايات المتحدة، مثل “جمعية ‏دراسات الشرق الأوسط” و”الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية”، رسائل إلى الرئيس المصري، ‏والنائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان تطلب فيها السماح لسالم بمغادرة البلاد والعودة ‏إلى دراسته، لكنها لم تتلقّ ردا على أي من رسائلها‎.‎ 

رُفض الالتماس الذي قدمه سالم بنفسه إلى النائب العام لإنهاء المنع في فبراير/شباط، بعد ثمانية ‏أشهر من المراجعة، دون تفسير. أمضى سالم العقد الماضي في دراسة القضاء في مصر، لكنه لم ‏يتمكن من الاستفادة من هذه الخبرة للتأثير على وضعه. قال سالم: “لا أستطيع تصوّر قسوة فصل ‏أب عن ابنته لأسباب غير معلنة – وبهذه السهولة‎”.‎ 

وبعد اعتقال‎ ‎مدير “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” جاسر عبد الرازق وزملائه كريم عنارة ‏ومحمد بشير في نوفمبر 2020، دفعت الإدانة الدولية لاحتجازهم السلطات ‏إلى إطلاق سراحهم‎ ‎بعد 15 يوما. كان مشاهير مثل إيما طومسون، وستيفن فراي، وسكارليت ‏جوهانسون من بين أولئك الذين تحركوا من أجل إطلاق سراحهم‎.‎ 

إلا أنه سرعان ما اكتشف الثلاثة أنهم تعرضوا تعسفا لمنع السفر وتجميد الأصول. بعد أن رفض ‏مسؤولو أمن المطار السماح لعنارة بالصعود على متن طائرة بحجة وجود “أمر قانوني”، ذهب ‏محاميه إلى مكتب النائب العام لمعرفة ما إذا كان هناك منع بحقه. فقط عندما زار عبد الرازق ‏مكتب النائب العام اتصل المسؤولون بـ “جهاز” غير محدد أكد وجود منع بحق كل من عبد ‏الرازق وعنّارة‎.‎ 

رغم طلبات عدة، لم يحصلوا بعد على جلسة استماع لاستئناف تجميد الأصول، ورفضت المحاكم ‏منحهم استئناف ضد منع السفر. يخضع مؤسس المبادرة حسام بهجت أيضا لمنع السفر وتجميد ‏الأصول‎ ‎منذ العام 2016، كجزء من القضية 173. علّق بهجت لـ فيرسكوير وهيومن رايتس ‏ووتش: “منع السفر لا يتصدّر العناوين مثل صور الأشخاص المقيّدين بالأصفاد وداخل الأقفاص ‏ولا يوجد غضب إثر منع السفر‎. 

باتريك زكي، وهو عضو خامس في المبادرة، يخضع أيضا ‏لمنع السفر بعد إطلاق سراحه في ديسمبر 2021، بعد 22 شهرا من الحبس ‏الاحتياطي، على ذمة المحاكمة‎.‎ 

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي تأسست العام 2002، هي إحدى المنظمات الرائدة في ‏البلاد، وقد جعلها عملها لتوثيق الانتهاكات الحقوقية وحملتها ضد هذه الانتهاكات هدفا للسياسات ‏القمعية المتزايدة من جانب حكومة السيسي. تواجه المنظمة وأعضاؤها مجموعة من التدابير ‏التي تجعل من المستحيل عليهم العمل بشكل طبيعي‎.‎ 

قال موظفو المبادرة الخاضعين لمنع السفر وتجميد الأصول إن الإجراءات فككت حياتهم ‏الشخصية والمهنية. قبل اعتقاله، كان من المقرر أن ينتقل عنارة إلى لندن ليكون مع زوجته، ‏وهي مخرجة بريطانية. لأنه لا يستطيع السفر، ولأنها لا تستطيع نقل عملها إلى مصر، فقد أُجبرا ‏على عيش علاقة عن بعد، ما جعله يشعر “بالوحدة بسبب الانفصال، ولكن بالذنب أيضا في ‏معظم الأوقات‎”.‎ 

وتراجعت جامعة في مصر وعدد من المنظمات الأخرى عن عروضها المقدمة إلى عنارة لعدم ‏إمكانيتهم الدفع له خارج النظام المصرفي. حيث يقول: “هناك فترات أشعر فيها بالاكتئاب الشديد ‏والعزلة. عدم القدرة على العمل أمر منهك تماما. إنه وضع قانوني ومالي دائم يعلق فيه ‏الشخص… تم الاتصال بي بشأن بعض الوظائف لكنهم دائما ما يسحبون العرض عندما يكتشفون ‏أن لدي تجميد مصرفي‎”.‎ 

أحد أصعب الجوانب بالنسبة للمتضررين من المنع هو كونه بلا نهاية وغياب قدرتهم على الطعن ‏فيه. يقول عنارة: “في ذهني، هناك طوال الوقت فكرة الشعور بالحصار الدائم. أعلم أن ‏الإجراءات القانونية لا تعدو كونها شكلية‎”.‎ 

قال عنارة إن الكثيرين ممن يخضعون للمنع يجدون صعوبة في طلب التضامن الدولي والدعم ‏للقضايا بينما يقبع الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان‎ ‎والصحفيين والمحامين في السجون ‏المصرية، حيث يواجهون التعذيب والمحاكمات الجائرة. “إنها طريقة اضطهاد صامتة فعّالة ‏للغاية. تحديدا لأنه يوجد عدد كبير من الناس في السِّجن. يكاد يُعتبر منع السفر ثمنا ضئيلا مقارنةً ‏بذلك‎”. 

أٌقيل عبد الرازق من منصب رفيع في منظمة دولية كبرى بعد علمهم بكونه “مشتبه إرهاب” في ‏قضية بلا نهاية. وقال: “ما دفعنا الثمن لتعلمه هو أن الناس يفترضون عند إطلاق سراحك أن ‏القضية قد أُغلقت، أجريتُ ثلاث مقابلات عمل، ومقابلة أخيرة مع رئيس المنظمة. في المقابلة ‏الأخيرة، شعرت أنهم لا يدركون أنني في الواقع “مشتبه إرهاب”، حتى أن تجميد الأصول منعه ‏من تجديد رخصة سيارته‎.‎ 

إلى جانب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قلة من المدافعين عن الحقوق أزعجوا السلطات ‏المصرية كما فعل المحامي جمال عيد. على مدى عقود، ناضل عيد من أجل حرية التعبير ووثّق ‏أفظع انتهاكات الدولة للحقوق. فاز بموجب عمله على جوائز دولية عدة. لو سُجن، فمن المرجح ‏أن سَجنه كان ليشعل إدانة دولية. لتجنب ذلك، حاصرته مصر بوسائل أخرى‎.‎ 

عيد هو مؤسس “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”، إحدى المجموعات العالقة في شِباك ‏القضية 173. خضع عيد لمنع سفر وجُمِّدت أصوله العام 2016 كجزء من القضية. في ‏يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت‎ ‎الشبكة عن إنهاء عملياتها بسبب الحملة الحكومية، لكن عيد ‏ظل أحد أبرز الأصوات المنتقدة للدولة‎.‎ 

انتقلت زوجة عيد، وهي مواطنة أمريكية، وابنته إلى نيويورك العام 2017. حرمه منع السفر من ‏زيارتهم. نتيجة لذلك، انتهت صلاحية إقامته الأمريكية. كما فقد الكثير من دخله، والذي كان يأتي ‏عبر محاضرات وندوات وورش عمل لحقوق الإنسان كان يقودها بانتظام قبل منع السفر. كما ‏خسر عيد العمل مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة. فقال: “كانت هناك فرص متعددة، لكن لا ‏يمكنني العمل‎”.‎ 

في العام 2019، تعرض لاعتداء عنيف‎ ‎في مناسبتين من قبل أفراد يعتقد أنهم إما أعضاء في ‏أجهزة الأمن أو  يعملون تحت إشرافها. في المرة الأولى، أصيب بكسر في الضلوع، وفي الهجوم ‏الثاني، تم تثبيته بالأرض وصبّ الطلاء عليه. وقال عيد إن المهاجمين في الاعتداء الأول كانوا ‏يحملون أجهزة اتصال لاسلكية، وهي سمة مميِّزة لعناصر الأمن، إذ إنه في مصر من غير ‏القانوني للمدنيين حمل هذه الأجهزة. وسُرقت سيارته في العام نفسه. وقال عيد: “التقطت ‏الكاميرات الرافعة وعسكريا يرتدي الزي الرسمي”. عندما استعار سيارة صديق، سُرقت تلك ‏السيارة أيضا. قال إن السلطات القضائية لم تفعل شيئا تقريبا للتحقيق في الهجمات‎.‎ 

بالنسبة لمنظمة عيد، كان تجميد الأصول هو القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن تعرض ‏العديد من الموظفين‎ ‎لاعتقالات تعسفية وأشكال أخرى من المضايقات على مدى سنوات. يُلزم ‏قانون من العام 2019 المنظمات بالتسجيل لدى الحكومة، لكن تجميد الأصول جعل ذلك ‏مستحيلا. “لا يمكنني حتى التوقيع على الأوراق أو فتح حساب مصرفي بسبب تجميد الأصول، ‏فكيف سيمكنني التسجيل؟‎”‎ 

‎ ‎ 

الباحث القبطي 

كان باتريك زكي عائدا من إيطاليا في فبراير/شباط 2020 عندما اعتقله‎ ‎عناصر الأمن الوطني ‏في مطار القاهرة. أثناء استجوابه، عصّب العناصر أعين زكي لمدة 17 ساعة، وصعقوه ‏بالكهرباء، وضربوه. زكي (31 عاما) هو باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وينتمي ‏إلى الأقلية المسيحية القبطية في مصر. جريمته المزعومة هي “نشر أخبار كاذبة” على خلفية ‏مقال كتبه في يوليو/تموز 2019 عن التمييز الذي يواجهه المسيحيون في مصر في الحياة ‏اليومية. حُبس زكي احتياطيا قرابة العامين. بدأت محكمة طوارئ أمن الدولة، التي لا تخضع ‏قراراتها للاستئناف، محاكمته في سبتمبر/أيلول 2021 وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 ‏أمرت بالإفراج عنه أثناء استمرار محاكمته. ينتظر زكي قرار المحكمة النهائي، وفي حالة إدانته ‏يمكن الحكم عليه بالسجن حتى خمس سنوات‎.‎ 

زكي طالب دراسات عليا في “جامعة بولونيا”، يحضّر  الماجستير في الدراسات الجندرية. كان ‏قد أكمل فصلا دراسيا واحدا فقط وقت اعتقاله. في اليوم التالي لإطلاق سراحه في ديسمبر/كانون ‏الأول 2021، تقدم فورا بطلب للحصول على جواز سفر جديد للعودة إلى إيطاليا بعد مصادرة ‏جواز سفره السابق وعدم إعادته على الإطلاق‎.‎ 

قال: “أردت السفر فورا لحضور الفصل الدراسي لأكون هناك في موعد الامتحانات”. عندما ‏أفرجت عنه المحكمة، لم يُعطَ أي سبب للاعتقاد بأنه يخضع لمنع السفر. لكن بعد وقت قصير من ‏حصوله على جواز سفر جديد، أبلغ وسيط من مصادر في وزارة الداخلية زكي أنه مُنع من السفر ‏إلى حين إغلاق القضية. قدم زكي طلبا إلى مكتب النائب العام للسماح له بالسفر إلى إيطاليا ‏لاستكمال الامتحانات حتى جلسة المحكمة التالية. رفضت اللجنة الطلب دون تفسير‎.‎ 

تم تأجيل جلسات محكمة زكي منذ ذلك الحين. وفي جلسة المحكمة الأخيرة، في 21 ‏يونيو/حزيران 2022، أرجأ القاضي القضية حتى 27 سبتمبر/أيلول 2022. وستصادف ‏الجلسة القادمة مرور عام كامل على تأجيل الجلسة الأولية في سبتمبر/أيلول الماضي. أدى ‏التأخير الطويل إلى تعريض زكي لخطر الاضطرار إلى ترك الدراسة. مع انتهاء قيود فيروس ‏‏”كورونا”، أعلنت جامعته أنه اعتبارا من الخريف المقبل، لن تجري المزيد من الفصول الدراسية ‏أو الاختبارات عبر الإنترنت‎.‎ 

يقول زكي: “إذا أبقوني هنا، فلن أتمكن من إكمال دراستي. سأتضرر كثيرا”. لا يوجد برنامج ‏دراسة مماثل في الجامعات المصرية. كانت خطته هي الحصول على الدكتوراه مع مواصلة ‏البحث والمناصرة حول الأقليات الدينية والجندر في الشرق الأوسط. والآن خطته هذه على ‏المحك. ويضيف: “أنا أحب الأوساط الأكاديمية وأحب حقوق الإنسان، لذلك، أردت المتابعة في ‏كليهما جنبا إلى جنب‎”.‎ 

ستعود شريكة زكي، التي تجمعه بها علاقة طويلة، إلى إيطاليا في سبتمبر/أيلول لمواصلة ‏دراستها. يعاني زكي قلق أن تفصل ظروفه ما بينهما، ويقول: “هذه إحدى أكبر المشاكل بالنسبة ‏لي‎”.‎ 

وأضاف أن منع السفر حرمه أيضا من حضور العديد من المؤتمرات المهنية المهمة حول حقوق ‏الإنسان، بما فيها مؤتمر نظمته مؤخرا صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية في بولونيا حيث كان ‏المتحدث الرئيسي. وقال: “لدي الكثير من المؤتمرات التي من المفترض أن أحضرها وأحداث ‏مهمة للغاية، لكن لا يمكنني الذهاب. هذا يؤثر على مسيرتي المهنية بشكل كبير حقا‎”.‎ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *