عبد المجيد المهيلمي يكتب: حسن عبد الله سنة أولى فشل ذريع (1)

في 18 أغسطس 2022، تقلد السيد/ حسن عبد الله منصب القائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري، وعلى الرغم من أدائه الكارثي في السنة المنصرمة، فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الخميس الماضي، قرارا جمهوريا رقم 346 لسنة 2023 بتمديد ولايته قائما بأعمال محافظ البنك المركزي المصري لمدة عام، ينتهي في 18 أغسطس 2024.

تنص المادة 220 من دستورنا على: “يختص البنك المركزي بوضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية، ويشرف على تنفيذها، ومراقبة أداء الجهاز المصرفي، وله وحده حق إصدار النقد، ويعمل على سلامة النظام النقدي والمصرفي واستقرار الأسعار في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، على النحو الذي ينظمه القانون”.

وقد جاء بالمادة 17 من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ما يلي: “يكون للبنك المركزي محافظ بدرجة نائب رئيس مجلس الوزراء، يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة…….”.

لقد حددت هذه المادة بشكل واضح لا لبس فيه طريقة تعيين المحافظ (تعيين بقرار جمهوري لمدة 4 سنوات بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب)، لكن الرئيس الذي صدر القانون في عهده وبتوقيعه في 15 سبتمبر 2020، لم يكترث حتى بالشكليات عند إصداره قرار التمديد فقد كان أمامه فسحة طويلة من الوقت للحصول على موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، وذلك طوال دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب الذي أصدر الرئيس القرار رقم 284 لسنة 2023 بفضه اعتبارًا من يوم الأربعاء 12 يوليو 2023.

الأمر حقا غريب ومريب: فما الذي يجعل الرئيس يتجاوز الإجراءات الدستورية والقانونية ويتعدى اختصاص مجلس النواب الذي يشترط الحصول على موافقة أغلبية أعضائه (المؤكد أنه كان سيحصل عليها بسهولة تامة) قبل إصدار قرار تعيين المحافظ ليقوم خلال الإجازة البرلمانية بتمديد ولاية حسن عبد الله كقائم بأعمال المحافظ لمدة عام، بعد أن قام بتفويت فرصة – كانت متاحة قبل أقل من شهرين من قرار التمديد – تعيينه محافظا لمدة أربع سنوات.

فإذا كان تعيينه في العام الماضي قد تم أثناء الإجازة البرلمانية بسبب الاستقالة المفاجئة للمحافظ السابق طارق عامر من منصبه في 17 أغسطس 2022؛ فالأمر هذه المرة مختلف تماما. لقد كان يتعين على الرئيس اتباع الإجراءات المنصوص عليها صراحة في قانون البنك المركزي خلال دورة برلمانية كاملة وذلك إما بتعيين حسن عبد الله محافظا لأربع سنوات أو اختيار محافظ آخر أكثر كفاءة (أو ربما أقل حسب ما يتراءى له) يحل محله لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.

فلماذا ضرب الرئيس عرض الحائط بالمادة 17 من القانون المشار إليه عالية؟!

إن التحايل على قصد المشرع الدستوري والقانوني مقصود ما في ذلك شك. والتكليف المؤقت بصيغة قائم بأعمال المحافظ لمرة ثانية دون سبب قاهر يطعن في الاستقلالية اللازمة والمنصوص عليها بالمادة 2 من القانون، ويثير الكثير من التساؤلات حول الغاية منه ولكنه لا يثير الاستغراب حيث عودنا الرئيس السيسي على اتخاذ خطوات مماثلة في أمور عديدة أخرى.

حسن عبد الله غير مؤهل (لا علميا ولا مهنيا) للقيام بمهام ومسؤوليات محافظ البنك المركزي (وهو ما كنت قد أشرت إليه بعد أيام قليلة من تعيينه في مقال بعنوان “الاختيار الخطأ للمحافظ واختياره الخاطئ لمستشاريه” نشر لي هنا بصحيفة درب الإلكترونية المحجوبة أنداك في 26 أغسطس 2022، وبعد نشره بعده أيام قامت أجهزة الأمن بحظر المقال من على الانترنت) وأكبر دليل على ذلك ما حققه من إخفاقات تامة في كل الواجبات الأساسية للمحافظ وفقا لمقاييس وأهداف البنك المركزي نفسه الذي يترأسه. وأنا هنا أنقل لكم حرفيا من الموقع الإلكتروني للبنك ما جاء تحت نظرة عامة والمهمة المنوطة بالبنك المركزي المصري:

تم النص على استقرار الأسعار كأحد الأهداف الرئيسية للبنك المركزي لأول مرة في القانون رقم 88 لسنة 2003، وأعيد التأكيد عليه مؤخرا في القانون رقم 194 لسنة 2020. بناء عليه، التزمت السياسة النقدية بهذه المهمة المنوطة بها. في بيان السياسة النقدية الصادر في يونيو 2005، أشار البنك المركزي المصري صراحة إلى عزمه على “وضع إطار استهداف التضخم رسميا لتعزيز السياسة النقدية بمجرد استيفاء المتطلبات الأساسية.”  

يعتبر تحقيق المعدل المستهدف للتضخم شرطا للنمو الاقتصادي السليم، حيث يساعد ذلك البنك المركزي في الحفاظ على استقرار الأسعار وتوجيه توقعات التضخم.

وجاء تحت عنوان عريض: إطار استهداف التضخم:

استهداف التضخم هو إطار للسياسة النقدية يتضمن إعلانا علنيا عن معدل مستهدف للتضخم من قبل البنك المركزي. وفي سياق انتقاله إلى إطار عمل مرن لاستخدام التضخم، تم الإعلان حتى الآن عن خمسة معدلات مستهدفة للتضخم. والمتوسط المستهدف في الفترة التي تعنينا هو 7% (+ أو َ- 2 نقطة مئوية).

فما الذي تحقق فعليا على أرض الواقع؟

في 10 أغسطس الجاري، تم الإعلان عن بيان التضخم لشهر يوليو 2023 جاء به:

سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي، معدلا شهريا بلغ 1.3% في يوليو 2023 مقابل معدلا شهريا بلغ 1.5% في ذات الشهر من العام السابق ومعدلا شهريا بلغ 1.7% في يونيو 2023. كما سجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 40.7% في يوليو 2023 مقابل 41% في يونيو 2023.

أي أن السيد المحافظ الذي قام فخامة الرئيس بالتمديد له قد نجح في تجاوز بأكثر من أربعة أضعاف معدل التضخم المستهدف من البنك المركزي ذاته.

مع ملاحظة أن التغير السنوي لأسعار الخضروات والفاكهة قد بلغ 66.69% فأصبحت مع بعض المواد الغذائية الأخرى خارج متناول الطبقة المطحونة.

ما هذا الإنجاز المتميز الذي حاز به على الثقة الغالية لفخامة الرئيس واستحق عليه تمديد عمله كقائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري لمدة عام؟!

حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه

وللحديث بقية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *