شيماء الخشن تكتب: وأحيانا نكره الأمومة

انا أم عزباء عاملة يبدأ يومي من السادسة صباحا
اضبط المنبه كل خمس دقائق في وضع الغفوة ثلاث مرات.. قبل أن أقوم مرهقة مرتجفة
أتجه إلى الحمام ثم اذهب لغرفة الفتيات اوقظ واحدة تلو الأخرى للمدرسة
يتعازمان على بعضهما
“حور اللي عليها الدور.. لا دانية انا صحيت الخميس اللي فات”
وأنا ذاكرتي لن تطال ليلة أمس.. مابالك يومان ونهار سبقهما
تذكرني الكبرى بموقف يثبت انه ليس دورها
“يلا يا حور قومي دلوقتي حالا”
وانتقل إلى المطبخ
ليس الفطور فقط ما اعده صباحا.. بل الغداء
أطبخ كل يومين
افكر ماذا يقول الجيران عندما يشمون رائحة الغداء في السادسة صباحا..
افكر في لافتة ضخمة أضعها على النوافذ والأبواب (لست ذات عادات غذائية غريبة أنا فقط لدي طفلتين أحرص -أغلب الأيام- أن يتناولا عذائهما قبل موعد العشاء)
ابدأ في التحضير.. اتذكر المدرسة..
“يا حووووور”
“حاااضر”
تقوم متأففة
“صحي أختك بعد ما تخلصي الحمام”
لا ترد.. اعمل في المطبخ وأذناي معها في الحمام.. انتهت
“حور صحي اختك”
“دااااااااانية”
تستيقظ دانية ملتاعة.. تصرخ في اختها وتشكو بأعلى صوتها
“يا ماما ماتخليهاش تصحيني تاني.. بتصرخ وخضتني”
“حور قلتلك كذا مرة ماتعمليش كده مع اختك.. المرة الجاية هتتعاقبي”
لا تأتي المرة القادمة أبدا
حور تعلم وأنا أعلم وحتى دانية تعلم
ينتقدني الكثيرون لأني أتهاون..
لن أعاقب طفلة في التاسعة.. ستلتزم يوما.. وهي تلتزم بالكثير والكثير..
لن أكون متزمتة لهذا الحد
أكمل أعمال المطبخ.. بصل وثوم وطماطم.. سأغسل المواعين بعد الطبخ لأضمن ضياع رائحة البصل
خضار وأرز
“يا بنات عايزين عيش فينو ولا بلدي”
“بلدي..
فينو..
خلاص خلاص أنا كمان فينو”
“طيب كل واحدة تجيب اللانش بوكس”
شطائر من الجبن الرومي والجبن الأبيض واللانشون واحيانا يطلبون الفول والطعمية فتزيد أعمال المطبخ عمل وأقف أقلي عجينة الطعمية
“شاي بلبن ولا يانسون”
“ماما انا عايزة شاي بس”
“مابتشربيش لبن كده يا دانية”
“لا بشرب لما ارجع من المدرسة”
“طيب.. وانتي يا حور”
“عايزة شاي بلبن.. وممكن أشرب تاني لما أرجع؟”
“ايوة”

اغسل المواعين وأشم يدي.. مازالت هناك رائحة خفيفة للبصل..
على أحدهم ان يقبل يداي ليشمها..
نحمد الخالق أن هذة العادة قد اندثرت

في العمل يسألني المدير لماذا تتأخرين ١٠ دقائق عن موعدك..
ارد بكل وضوع.. عشان الطبيخ يا فندم.. عندي عيال وبطبخلهم
اليوم ذكرتني حور بزر القميص..
“ماما زرار القميص ماخيطتيهوش”
“معلش مافيش وقت دلوقتي”
“انا مش بحب اخرج كده”
“طيب اقفلي الجاكت عليه معلش.. انا ماعنديش اي وقت خالص”
“ماما انا مش هنزل كده.. انتي ماخيطيهوش ليه.. بقالي كتير بقولك انه مقطوع”
“معلش يا حور المرادي بس وهبقى اخيطهولك”
“يا ماما مش عايزة لأ”

لا أدري ماذا حدث.. لما كل هذا الصراخ ورد فعلي الغريب
“انا ماعنديش وقت دلوقتي قلتلك..
انتي مافكرتنيش ليه..
بتيجي الصبح وتقوليلي في وقت ضيق جدا اعملك الحاجة..
انا مش عارفة المفروض اعمل ايه ولا ايه
مابتجيش ليه في الوقت اللي ببقى فاضية فيه وتقوليلي اعملك الحاجة..
مش لازم انا اللي افتكر انتي عايزة ايه”

كنت أشعر بالإستنزاف
الف في ساقية بسرعة..
والكل يطالبني بالمزيد
بينما أوشكت على السقوط..
أطالب بتخفيف بعض الأحمال..
أو أن توضع وتوزع بشكل أفضل..
ولكن لا أحد يستجيب.
أمسكت نفسي قبل الانهيار
سكتت حور..
ثم قالت.. ‘خلاص ماشي مش مهم دلوقتي”
“ذهبت بصمت واحضرت دبوس واغلقت فتحة القميص”
طلبت منهم عندما يعودون ترتيب المنزل كيفما استطاعوا
احتضنتني حور كعادتها بشدة..
فتوقتها قدر استطاعاتي
وقبلتني دانية فقبلتها ونزلتا

نحن حقا كثيرا من الوقت نكره الأمومة..
نحمل أحمال فوق أحمالنا..
ويصبح دبوسا هو قشة تقصم ظهرنا
نحتاج أن نزيح عن كاهلنا الحمل ولو قليلا من الوقت..
أو أن نجد حضن كحضن حور قوي ودافئ ومتفهم ولو لحين..
وقبلة حب وامتنان كقبلة دانية تشعرك بالإطمئنان والاعتماد والإتكال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *