شكاوى متلاحقة بسبب تكدس الفصول الدراسية: وصلت ل ٩٠ تلميذ في الفصل.. والوزير يرد بمهاجمة “السوشيال”.. والتصريحات الرسمية: كله تمام

مُعلمة بمحافظة الغربية لـ”درب”: حاولنا نحل مشكلة التكدس بتوزيع الأطفال على “المعامل”.. فالمسئولين قالوا “دي عُهدة”

90 تلميذ في كشف رسمي لأحد الفصول بالقليوبية.. والصفحة الرسمية للمحافظة تتحول إلى مظاهرة إلكترونية: ارحموا أولادنا

كتب – أحمد سلامة

“الشكل العام مرضي ولدينا عجز 260 ألف معلم.. ونحث أولياء الأمور على سداد المصروفات”، بهذه الكلمات المتناقضة حاول وزير التربية والتعليم طمأنة المواطنين إلى أوضاع المدارس مع بداية العام الدراسي الجديد، لكن حث المواطنين على “سداد المصروفات” فاقم من التساؤلات حول “جودة الخدمات التعليمية المقدمة”، خاصة في ظل “بيانات” الوزارة التي تُبث ليلا ونهارًا للتأكيد على أن “كل شئ تمام”.

“بيانات رنّانة” و “صوّر مُبهجة” و “الوضع تحت السيطرة”.. ذلك ملخص ما حاول المسؤولون تصديره إلى الرأي العام، فقبيل بدء العام الدراسي جاءت جميع التصريحات لتؤكد أن أمور تطوير التعليم تسير على قدم وساق، وأنه تم اتخاذ جميع الاستعدادات اللازمة والعمليات التنظيمية اللازمة، وبعد بداية العام وفي ظل “الكوارث التنظيمية” التي شهدها التلاميذ وأسرهم على أرض الواقع، عادت التصريحات لتؤكد أن “كل الأمور بخير، ومفيش مشاكل نهائيًا”.

عن أول يوم دراسي قال الوزير طارق شوقي إن “الشكل العام مُرضي، لكن رصدنا بعض المشكلات والقرارات الخاطئة وتعاملنا معها في الحال، فضلا عن تكتل أولياء الأمور أمام المدارس”، وكعادة أي مسئول يحترم مهام منصبه اتهم شوقي السوشيال ميديا بالتسبب في إثارة الأزمات مضيفا “السوشيال ميديا سلاح ذو حدين وتستغل في تصدير صور سلبية، دون معرفة مصدر الصورة”.

– ما علاقة السوشيال ميديا؟

خلال اليومين الماضيين، ومع بداية العام الدراسي، كانت السوشيال ميديا هي الوسيلة -شبه الوحيدة- في تناقل المشكلات التي طرأت على تنظيم العملية التعليمية في أيامها الأولى.

فبينما كان الإعلام الرسمي ومعظم القنوات الفضائية يتناقلون “صورة حالمة” لمدارس ليست موجودة على أرض الواقع، تحدث المواطنون بأنفسهم عن مشكلاتهم من زاوية “المُجرب”، وليس من جرّب كمن سَمِع.

زحام وتكدس بالفصول وقرارات بنقل مدارس كاملة قبيل بدء الدراسة بـ 15 يومًا فقط، أطفال يتعرضون لحالة هلع ويعبرون شريط السكك الحديدية في واقعة أقل ما توصف به أنها “كارثة محققة”، وأطفال يتيهون من أسرهم بعد قرار بخروجهم مبكرًا التزامًا بتطبيق التعليمات بتنفيذ “فترتين صباحية ومسائية” لتخفيف التكدس.. كل ذلك لم يره الوزير ولم تذكره البيانات الرسمية، لكنه كان موجودًا على أرض الواقع.. وعبر “السوشيال ميديا”.

المشكلات وردت من قلب الصعيد ومن الإسكندرية ومن محافظات الدلتا ومدن القناة ومن بعض مناطق القاهرة التعليمية وأماكن أخرى، ما يثبت أن الأمر لا يقتصر على كونها مجرد “قرارات خاطئة تم التعامل معها” كما صرح الوزير، وإنما تتجاوز ذلك إلى “مشكلات تنظيمية جسيمة” وتقصير في مهام عمل الوزارة، وهو ما أثبتته حالات التكدس بالفصول الدراسية.

وبينما اهتم الإعلام الرسمي وحلفاؤه، بنشر صور لـ”جمال وروعة” الفصول الدراسية، وقدرة الوزارة على تنظيم العمل، جاءت “السوشيال ميديا” لتفضح الحقيقة، ولتؤكد حجم الكوارث التي شهدتها الأيام الأولى.

– تكدسات وزحام وفوضى

“درب” تواصلت مع عدد من المُعلمين، في عدة مدارس مختلفة، كما تلقت عدة شكاوى من مواطنين جراء ما وصفوه بـ “الإهمال والتقصير” وتكدس الفصول، إلى جانب ذلك انتشرت صورًا ومقاطع فيديو لحالات إغماءات وتدافع بين التلاميذ وأسرهم وسط غياب كامل للتنظيم.

في اتصال هاتفي مع “درب”، قالت إحدى المُعلمات العاملات بإحدى مدارس محافظة الغربية، إن “الأيام الأولى شهدت لبدء العام الدراسي شهدت تكدسًا وزحامًا كبيرًا، من أجل تلافي الأزمة حاولنا من جانبنا توزيع التلاميذ على غرفة التربية والموسيقية والكمبيوتر والمعامل لحين حل الأزمة”.

تضيف المُعلمة -التي فضلت عدم ذكر اسمها- أنهم فوجئوا بتصرّف غريب من المسئولين عن المنظومة التعليمية “حد مسئول أثناء المرور طلب مننا نقل التلاميذ إلى الفصول حتى لو هيحصل تكدس؛ لأن (الحاجة اللي في المعامل دي عُهدة)”.

تختتم المُعلمة كلامها بالقول “مكناش عارفين نعمل إيه، هل نرجع الأطفال الفصول، مع التخوف من فيروس كورونا، ولا نخليهم في أماكنهم مع خوف المسئول على العُهدة”.

مُعلم آخر بنطاق القاهرة قال “الصور اللي يتم إذاعتها عن الفصول المنظمة غير صحيح، التكدسات عالية، وأعداد الطلبة في بعض الفصول يتراوح ما بين 70 و 80 طالب”.

قبيل بدء العام الدراسي بساعات، خرج رضا حجازي، نائب وزير التربية والتعليم، حيث أكد في تصريحات أن الوزارة اتخذت كافة الاستعدادات للموسم الجديد، مشددًا على عودة “نظام الفترتين” في بعض المدارس، واستخدام ”ماسح حراري” بـ 57 ألف مدرسة -وهو العدد الإجمالي للمدارس في مصر- بالإضافة لآليات لغلق المدارس والمجمعات الدراسية في حال ظهور إصابات بفيروس كورونا.

لكن السؤال يبقى: ما قيمة الـ”ماسح الحراري” في ظل تلك التكدسات؟ وهل يُخفف فعلا “نظام الفترتين” من ازدحامات الفصول؟

– الفصول في الإعلام الرسمي والتعليم في السوشيال

في صورة لإحدى المدارس، تناولتها صفحة تابعة لوزارة التربية والتعليم، ظهر التنظيم الجيد، كل طالبة تجلس في مقعدها وحيدة في ظل تباعد اجتماعي خشية تفشي فيروس كورونا.. المشكلة الوحيدة استعرضها رواد مواقع التواصل الاجتماعي -الذين اشتكى منهم وزير التربية والتعليم- وهي أن كل طالبة “جنبها شنطتين”.

رواد مواقع التواصل نبّهوا إلى أن الصورة “مضروبة” والتقطت خصيصا من أجل الترويج الإعلامي لنجاحات لم تتحقق، وفي المقابل أعادوا نشر صور لتلاميذ يتكدسون بالفصول الدراسية ويجلسون على الأرض في غياب كامل المقاعد.

الأمر ذاته، كررته الصفحة الرسمية لمحافظة القليوبية.. الصفحة نشرت صورًا مُنمّقة للفصول الدراسية، والتلاميذ ينخرطون بسعادة بالغة في العملية التعليمية ودّونت عليها “الطلبة في مدرسة الخانكة بعد فرش الفصل”، غير أن تلك لم تكن الحقيقة حسبما جاءت التعليقات.

هند سلامة، أم لإحدي التلميذات بالمحافظة علّقت على تلك الصور قائلة “طب زي مابتصوروا وتنزلوا الحاجات الحلوة، صوروا الحاجات الوحشة.. مدرسة بنتي مفيهاش ديسكات وكانوا واقفين طول اليوم ومفيش فصول مكفية ومقعدين الأطفال في مخزن الكتب على الأرض وآخر إهمال ومفيش نظام ولا اهتمام ولا تعقيم ومزدحمة وكلها تكدسات.. الرحمة بأولادنا”.

فاطمة إبراهيم، أم أخرى ردّت على تعليق هند سلامة وقالت “بنتي في المدرسة قعدت على ديسك مفهوش القرص الخشب يعني كانت قاعدة على الهيكل الحديد فلما بنتي قالتي روحت للمدير قولتله هتقعد ازاي كده، قالي بالنص (روحي اشتكي يمكن شكوتك تكون سبب).. حتى المدير زهق ونفد صبره”.

في تدوينة أخرى، نشرت صفحة المحافظة صورًا لمدرسة نظيفة جميلة متطورة وكتبت “نماذج مشرفة لمدارس المرحلة الثانوية في أول يوم من العام الدراسي”.. ليأتي الرد من مواطن يُدعى محمد صبري “ده عشان عندهم علم إن الصور دي هيتم إرسالها للإدارات اللي بدورها هترسلها للمديريات اللي بدورها هترسلها للمحافظة اللي بدورها هيطلع علينا الآدمن ينشر الصور ويكتب كلمتين تافهين زي دول وإحنا هنصدق.. ده لزوم الشو يا معالي المحافظ الوزير.. كفانا استخفاف والنبي”.

في رسالة طمأنة نشرتها صفحة المحافظة قالت “”تعليم القليوبية توجه رسالة اطمئنان للطلاب وأولياء الأمور.. في إطار توجيهات الأستاذ الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، ومعالي اللواء عبدالحميد الهجان محافظ القليوبية.. يهدي الدكتور ياسر محمود وكيل وزارة التعليم بالقليوبية رسالة طمأنة إلى الطلاب وأولياء الأمور”.

الصفحة تابعت “وأكد سيادته أنه بخصوص ما تم نشره علي مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص ازدحام الفصول والكثافة المرتفعة وما نشر بخصوص مدرسة بإدارة الخانكة التعليمية وجلوس الطلاب على الأرض أنه تم إلغاء ندب مدير المدرسة لحين انتهاء التحقيقات وتكليف بدل منه لتيسير الأعمال.. وأكد وكيل الوزارة أنه تم التنبيه والتشديد على مدارس التعليم الابتدائي ذات الكثافات المرتفعة بأن تقوم بالعمل بنظام الفترات الممتدة لتخفيف الكثافات والتأكيد على الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية في المدارس.. وشدد وكيل الوزارة علي مديري الادارات بتكثيف المتابعات علي المدارس في الفترة القادمة لمتابعة تخفيف الكثافات والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية”.

لكن التعليقات على الصحفة الرسمية للمحافظة حول تكدس الفصول جاءت مخيفة.. فيقول عبده داوود “طيب والمدارس اللي حاليا 3 فترات والكثافة عالية جدا يعني 70و80 طالب بالفصل يعملوا إيه، أهم حاجة إن سيادتك تطمن نفسك إن كله تمام وتشيل مدير وتحط مدير.. أين انتم من مدارس كفر شبين وغيرها… لنا الله من قبل ومن بعد وانتو انزلوا وخدوا الصورة أهم حاجة”.

وتضيف سوما مجدي “الفصل 105 طالب بمدرسة السيدة عائشة في (الترفيهية) وكل الأطفال مزنوقين والرد عليهم كان بيقولوا عشان أول يوم كله بييجى استنوا حبه هتلاقي عدد الفصل قل عشان الأولاد هتغيب.. يرضي مين إنهم يخنقوا الأولاد في الفصول عشان يضطروهم يغيبوا.. يرضى مين!!”.

بينما يقول أحمد عبدالحميد “هو الموضوع مش ديسكات.. أولا فين المدارس اللي تستوعب أعداد الطلاب التي تتزايد كل سنة وعجز المدرسين مفيش تعيينات، وتقولي فترات بدل ما تطلب مدرسين بالتطوع عين مدرسين وبناء مدارس جديدة”.

أحد الكشوف الرسمية لأحد الفصول الدراسية بمدرسة “السيدة عائشة” التي تحدثت عنها سوما مجدي تؤكد ما ذهبت إليه، حيث بلغ عدد طلاب فصل ( 5 / 1) حسب ما دوّن بالكشف 90 طالبًا.. ما يعني حالة تكدس شديدة.

انتقد الدكتور طارق شوقي “السوشيال ميديا” بسبب ما تناولته من أزمة تعرض لها مواطنين وأولادهم، لكنه لم يتحدث عن “السيستم” مُطلقا، وكأنه لا يرى أن هناك خطأ ما.. فهل يمكن أن يحل الأزمة من لا يدرك وجودها؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *