ريهام الحكيم تكتب: هل يستطيع العراق حصر السلاح بيد الدولة؟.. مصطفى الكاظمي والميليشيات في مواجهة مباشرة

في عام 1948 وبعد إعلان قيام دولة اسرائيل كان لسفينة “ألتالينا” حادثة شهيرة عن ضبط منظومة السلاح خارج الدولة.
فهى  السفينة التي كانت تستخدم في تهريب المهاجرين والسلاح إلى التنظيمات اليهودية العاملة في فلسطين قبل إعلان قيام الدولة الاسرائيلية في 15 مايو 1948, كانت ميليشيا  تسمى “إيتسل”، ويقودها “مناحيم بيجن”،  لديها خلافات فكرية وعسكرية مع ميليشيا “الهاجاناة” التي يقودها آنذاك، دافيد بن جوريون  مؤسس دولة اسرائيل وأول رئيس وزراء.

 اتفقت العصابات الصهيونية عقب إعلان دولة اسرائيل على تأسيس الجيش الاسرائيلي ودمج الميليشيات المسلحة داخل الجيش. ولكن مناحم بيجن حاول مخالفة الاتفاق وتسليح ميليشيا “الايتسل” التابعة له على حساب الجيش الاسرائيلي، وهو ما تسبب في مواجهة مباشرة بين بن جوريون وبيجن عقب وصول سفينة ” ألتالينا” في 20 يونيو 1948 الى الشاطئ الاسرائيلي  محملة بالاسلحة.

حيث أراد بيجن الاحتفاظ بجزء كبيرمن الأسلحة لمنظمته “الإيتسل”، وهو ما اعتبره بن جوريون  تمردا من بيجن على سيادة الدولة الاسرائيلية ومهدداً لانتشار فوضى السلاح داخل اسرائيل، وأمر بن جوريون بإطلاق النار على السفينة مما ادى إلى سقوط 19 قتيلا. تلك الحادثة انهت تنافس الميليشات الاسرائيلية على الزعامة وحجمت استخدام السلاح خارج  منظومة الجيش الاسرائيلي منذ 1948.

فوضى السلاح في العراق 2020

جاءت معركة الميليشيات المسلحة العراقية، مع الدولة إلى الواجهة, بعدما افتعل مصطفي الكاظمي رئيس الوزراء العراقي “معركة فارغة” الاسبوع الماضي مع الميليشيات المسلحة العراقية الموالية لإيران ولم يكسبها.

حيث أوعز الكاظمي لجهاز مكافحة الإرهاب – بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي-  اعتقال عناصر من كتائب “حزب الله” العراقية  كانوا يستعدون لتنفيذ عمليات إطلاق نار على مؤسسات حكومية في المنطقة الخضراء.

وقام عبد الوهاب الساعدي بإعتقالهم بالفعل لمدة 3 أيام ثم تم الإفراج عنهم, وهو ما اعتبر تراجع واضح في موقف مصطفي الكاظمي وحكومة بغداد لصالح نفوذ الفصائل المسلحة.
 
تلك الحادثة أعادت فتح الملف الشائك في العراق، حول أسلحة ميليشيات ايران وأذرعها المسلحة في العراق, وقدرة الدولة العراقية على ضبط منظومة السلاح خارج شرعية الدولة, وبالأخص سلاح ميليشيات وفصائل “الحشد الشعبي”.

تضم ترسانة أسلحة الميليشيات التابعة لإيران داخل العراق مدافع وقنابل ورشاشات وصواريخ كاتيوشا وغيرها من مختلف أنواع الأسلحة، برعاية الأجهزة الأمنية الإيرانية يتم تسليح وتدريب تلك الميليشيات داخل وخارج العراق في الوقت الذي تعجز حكومة بغداد منذ 2005 عن تقوية الجيش العراقي بالصورة التي تجعلة يستطيع حصر السلاح داخل المنظومة الشرعية للبلاد.

الكاظمي في مواجهة مباشرة مع الميليشيات ” الصورة من موقع العربية”


مواجهة فاشلة لفرض سيطرة الدولة

حادثة القبض على عناصر ومسلحي كتائب “حزب الله” الأسبوع الماضي جعلت من الميليشيات الحليفة والموالية لإيران في العراق، تبدأ عصرا جديدا، في تحدي الدولة ومواجهة مباشرة مع رئيس الحكومة، بعد الرفض العلني من قبل زعماء تلك الميليشيات لدعوات حصر السلاح بيد الدولة, وتجلى هذا الصدام في حديث قيس الخزعلي زعيم ميليشيا ” عصائب أهل الحق ”  الذي حمل عبارات التهديد المباشر للكاظمي بعدم الاقتراب من سلاح الميليشيات.

في تحدٍ واضح لسلطة الدولة  وصفت كتائب “حزب الله العراق”  الكاظمي  بـ ” الغادر”.

عملية المداهمة التي نفذها جهازمكافحة الإرهاب ضد مقر لميليشيا كتائب ” حزب الله العراق”، الأسبوع الماضي، واعتقال 14 شخصاً من عناصر الميليشيا،  في منطقة الدورة جنوبي بغداد، وبحوزتهم قاعدتين لإطلاق الصواريخ، جاءت بناء على معلومات استخبارية دقيقة عن أشخاص سبق أن استهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي أكثر من مرة.؛ وما تلا ذلك من عملية الإفراج عنهم بعد ثلاثة أيام من اعتقالهم ما أثار ردود فعل واسعة، داخل وخارج العراق.

عناصر كتائب “حزب الله العراق” عقب اطلاق سراحهم الأسبوع الماضي، قاموا برفع إشارة النصر بزيهم العسكري الحشدي – اشارة إلى الحشد الشعبي – وهم يدوسون بأقدامهم صور الكاظمي، مما أثار غضب وامتعاض قطاعات شعبية ، باعتبار أن جنود الفصيل الذي يعلن انتماءه لمؤسسة الحشد الشعبي الرسمية تعمدوا الإساءة العلنية للقائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية التي ينتمون إليها.

عناصر ميليشيا ” حزب الله العراق” عقب اطلاق سراحهم وسحق صورة الكاظمي تحت اقدامهم


مثلت تلك العملية – التي لم تكتمل – أول محاولة لرئيس الوزراء العراقي لإثبات الوجود والظهور بمظهر القائد القوي, القادر على ضبط السلاح وإنهاء ظاهرة تعدد القرار الأمني.


كتائب “حزب الله العراق”

تأسيست كتائب “حزب الله” العراقية عام 2007، في مدينة العمارة جنوبي العراق. وتكونت الكتائب من اتحاد عدد من الفصائل الشيعية المسلحة – ” لواء أبو الفضل العباس” وكتائب ” كربلاء” و ” زيد بن علي” و”علي الأكبر” و”السجاد ” – نشأ بعضها بعد الغزو الأمريكي عام 2003و هي منفصلة عن فصيل ” حزب لله ” اللبناني. ” بي بي سي”

ترى تلك الفصائل المتحدة تحت مسمى ” كتائب حزب الله ” العراقية  أن ولاية الفقيه في إيران هي الطريق الأمثل “لتحقيق حاكمية الإسلام في زمن الغيْبة” أي غيْبة المهدي، الإمام الثاني عشر وفقا لمذهب الإثنا عشرية الشيعي , ترتبط بإيران بشكل مباشر، ترى في تأسيس الجمهورية الإسلامية “إنجازا عظيما” وتعتبرها مرحلة أساسية للتمهيد لإقامة “دولة العدل الإلهي وصورة من صور حاكمية الإسلام وولاية الفقيه”.

ويُقدر عدد مسلحي الكتائب بسبعة آلاف عنصر ويُعتبر أسلوب عملها شبيها بأسلوب “حزب الله” اللبناني، كما أشرفت على تدربيها قيادات إيرانية ولبنانية أبرزهم عماد مغنية الذي قُتل في سوريا 2015 . ” تقرير بي بي سي  “

نفذت الكتائب، التي تصنفها الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي، العديد من العمليات التي استهدفت جنودا أمريكيين في العراق, الكتائب غير ممثلة في حزب سياسي داخل البرلمان، لكنها جزءاً من قوات “الحشد الشعبي” الذي ساعد الجيش العراقي في حربه ضد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية ” داعش” 2014.

 كتائب ” حزب الله” متهمة ايضا بالضلوع في عمليات اغتيال بحق المتظاهرين العراقيين السلميين في ديسمبر 2019 , حادثة جسر السنك و ميدان الخلانى بالعاصمة بغداد , عملية الاعتداء على المتظاهرين من قبل الكتائب انتهت بسقوط 24 قتيل من المتظاهرين و 100 جريح.

أشهر الفصائل داخل “الحشد الشعبي” التابعة لإيران :

“كتائب حزب الله العراق” / “منظمة بدر” / “عصائب أهل الحق” / “حركة النجباء” / “كتائب سيد الشهداء” / “سرايا الخرساني” / “سرايا الجهاد والبناء” /  “كتائب التيار الرسالي” / “الحشد العشائري”.

الكاظمي و الصدام المباشر

مصطفى الكاظمي متهم من قبل فصائل “الحشد” الموالية لإيران بالضلوع في مساعدة القوات الأمريكية في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” و أبو مهدي المهندس نائب رئيس ” الحشد الشعبي”  في مطلع العام الجاري وقتما كان رئيسا لجهاز المخابرات العراقية .

الكاظمي غير محسوب على الاحزاب الشيعية – بعكس عادل عبد المهدي ونوري المالكي رؤساء الحكومة السابقين – وهو ما وضع الكاظمي في موضع ارتياب من معسكر الموالين لإيران سواء كانوا أحزاباً داخل البرلمان أو ميليشيات تابعة لهم, وهو المتهم من قبلهم بـ “العمالة” للولايات المتحدة .

تراجع الكاظمي  والافراج عن المسلحين أُعتبر خسارة أولية لمعركته ، خاصة بعد وساطة إيرانية وتدخل نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق.

 المتحدث العسكري باسم “كتائب حزب الله” جعفر الحسيني قال, إن التهمة كانت “كيدية” بحق المتهمين الـ14، مضيفاً: سنقيم دعوى ضد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي, وقال ” لن نسلم سلاحنا للسلطات في العراق مهما كان”.

لاقت خطوات القبض على عناصر ” حزب الله” دعماً واسعا من الشارع العراقي, خاصة المتظاهرين في ساحات الاحتجاج, واعتبرت خطوة مبدءية لسيادة القانون داخل الدولة وعودة هيبتها وقضية حصر السلاح كانت على رأس المطالب التي صاغتها الانتفاضة الشعبية في العراق أكتوبر الماضي.

وعلى صعيد البرلمان والسياسيين, دعم كلا من برهم صالح رئيس الجمهورية وحيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق وعدنان الزرفي النائب عن ائتلاف ” النصر ” خطوات الكاظمي التي سرعان ما لحقها الفشل بعد تراجع الأخير عن موقفه.

الميليشيات المسلحة ارتبط تشكيلها بمجئ الاحزاب الدينية إلى الحكم عقب 2003 وسقوط النظام البعثي, اكتسبت تلك الميليشيات شرعية كبيرة لوجودها من خلال مشاركتها في الحرب ضد تنظيم “داعش” في شمال وغرب العراق ( 2014- 2017).

انتهت الحرب و احتفظت تلك الميليشيات بسلاحها لتمارس ضغطاً كبيراً على عاتق الدولة, وتصبح تهديداً مباشراً لهيبة الحكم في البلاد وادخال العراق – دون إرادته – في الصراع الاقليمي في صف الجبهة الإيرانية.

وبالتالي, فإن ضبط  منظومة السلاح في العراق يعد مهمة بالغة الصعوبة مع وجود فصائل مسلحة تستند إلى قوتها المادية ودعم السياسيين داخل البرلمان, تضفي ضرباً من القدسية على عملها وشعارات المقاومة الوطنية في خطابتها.

تلك الميليشيات هى المنافس للجيش العراقي النظامي والمهددة لقوتة وسيطرته في تحقيق الأمن والاستقرار وحياد القرارالسياسي داخل البلاد.

فهل تستطيع حكومة بغداد انهاء هذا الطوفان المهدد لسيادة الدولة والمحدد لتوجه العراق على ساحة الصراع الإقليمي الذي بات مهدداً لجميع الشعوب العربية في امنها القومي وسلامة اراضيها ؟

#العراق_ينتفض

#نريد_وطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *