ريهام الحكيم تكتب: طريق الحرير الجديد.. الصين في طريق الهيمنة على العالم

يرجع تاريخ إنشاء طريق الحرير إلى عام 3000 قبل الميلاد وكان عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها السفن والقوافل، بهدف التجارة وترجع تسميته إلى عام 1877م، حيث كان يربط بين الصين والجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند.
يُعد طريق الحرير تاريخياً من أشهر الطرق البرية التي كانت تربط الصين بالتجارة العالمية، حيث يمتد هذا الطريق من مدينة (تشان غان) عاصمة الصين في عهد سلالتي (هاف و التانغ) إلى اوروبا عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، حيث كان هذا الطريق يستخدم في القرن الثاني قبل الميلاد لنقل البضائع من الصين الى باقي الدول، وأشهر هذه البضائع كانت اقمشة الحرير حتى أطلق هذا الطريق عليه تسمية (طريق الحرير) نسبةً لهذه التجارة.
وسمي طريق الحرير بهذا الاسم لأن الصين كانت أول دولة في العالم تزرع التوت وتربي ديدان القز وتنتج المنسوجات الحريرية، وتنقلها لشعوب العالم عبر هذا الطريق لذا سمي طريق الحرير نسبة إلى أشهر سلعة تنتجها الدولة التي أطلقته.
المؤرخ البريطاني بيتر فرانكو بان في كتاب “طريق الحرير… تاريخ جديد للعالم”، بدء “العولمة كحقيقة حياة قبل 2000 عام”، خلافاً للنظر إلى العولمة كظاهرة معاصرة. ولم يكن طريقاً في اتجاه واحد بل في اتجاهين وأكثر،فمن بغداد عاصمة الخلافة ذهب الأطباء والفلكيون وعلماء الحساب، ومن الصين جاء الحرير وسواه.
وفي عام 2014، وضعت لائحة التراث العالمي مصفوفة مهمة من هذا الطريق ضمن لائحتها، ليكون تحت الحماية الدولية، لِما له من تاريخ طويل شمل أكثر من 5000 كم في مناطق متعددة من الصين، وكازخستان، واوزبكستان، حيث ضمت اللائحة 33 موقعاً اثرياً مر بها طريق الحرير، منها قصور ومستوطنات ومراكز دينية، إضافة الى مواقع أخرى لها أثرها التاريخي.
وفي سبتمبر عام 2013 ، وضمن زيارته الى كازخستان فاجأ الرئيس الصيني العالم بأنه يريد إحياء ” طريق الحرير” الموجود قبل قرون طويلة ليصل الصين بأوربا One Belt One Road حزام واحد طريق واحد .
طريق الحرير الجديد سوف يصل بين أكثر من 65 دولة – الرقم يبقى مفتوحًا لانضمام مزيد من الدول – بإستثمارات متوقعة 4 إلى 8 تريليون دولار.
المبادرة جديدة تهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحري لتعزيز الربط الدولي ودعم حركة التجارة.
أحيت الصين المشروع ولكن وفقاً لإمكانيات القرن الـ 21 ووفقاً لإمكانات الصين وهى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
الطريق يمر بأكثر من 65 دولة و يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، ويبدأ طريق الحرير من الصين ويمر عبر تركستان وخراسان وكردستان وتركيا إيران، بالإضافة إلى مصر ودول إفريقية مرورا بأوروبا.
الصين تسعى إلى تعظيم الاستفادة من الطريق في مضاعفة تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار إلى 600 مليار دولار وتستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار.
في مطلع التسعينيات ، كانت محاولات لانشاء طريق حرير جديد وهو ما عرف بـ ” الجسر البري الأوربي الأسيوي” الذي يصل بين الصين وكاذخستان ومنغوليا وروسيا إلى المانيا بسكك حديدية.
المشروع يستهدف تعزيز التجارة بين ثلاث قارات آسيا و أوربا وإفريقيا، وقد تم إنشاء البنك الأسيوي للإستثمار في البنية التحتية AIIB برأسمال 100 مليار دولار، وبلغ عدد الدول الأعضاء حوالي 103 عضو منها بريطانيا والمانيا وفرنسا ، حلفاء الولايات المتحدة ، كما تم إنشاء صندوق طريق الحرير برأسمال 40 مليار دولار.
75% من مصادر الطاقة في العالم ستدخل داخل المشروع. طرق، موانئ، شبكة قطارات، مدن، خطوط سريعة، انفاق، شبكة قطارات – ليست شبكة واحدة وهو ليس طريق واحد – وتعد إيران، كمحطة للمشروع، احد حلقات الوصل بين وسط آسيا وأوربا.


حزام واحد .. طريق واحد OBOR

الحزام البري، وهو يخرج من العديد من المدن الصينية ويمر بـ (كاذخستان ، إيران ، روسيا ، تركيا ) حتى يصل إلى غرب أوربا هولندا وربما مستقبلًا بلايطانيا.
أما الطريق البحري، فيخرج من عدة موانئ صينية وينتقل إلى بحر الصين الجنوبي ويمر بـ ( سنغافورا ، شرق الهند ، سيرلانكا ، باكستان ، نيروبي وجيبوتي في حنوب افريقيا ، مصر قناة السويس ،اليونان وإيطاليا وهى محطة التقاء للطريق البري والبحري )
حركة الحزام والطريق تمر بمناطق حساسة على مستوى العالم، ولذا أقامت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي بجنوب افريقيا وقاعدة اخرى في بحر الصين الجنوبي – المتنازع عليه – وهو منطقة توتر مع الولايات المتحدة وعدد من الدول.
ارادت الصين أن تؤمن مشروعها الضخم عسكريا لتصل ببضائعها إلى أكبر عدد من دول العالم سواء في شرق أوربا أو غربها ، آسيا ، شمال وجنوب أفريقيا. وليس فقط تصدير بضائعها ولكن ما تحتاجه للاستمرار في الانتاج سواء كان غاز أو وقود.
طريق الحرير الجديد على خطين بري وبحري، وهو عسكري ولوجستي وليس مجرد طريق تجاري. بكين رصدت له تريليون دولار وبنت قواعد عسكرية ومحطات مراقبة وسيطرت على مرافئ في أماكن حساسة من آسيا وأوروبا وأفريقيا.
ساهمت الصين في تحويل ميناء جوادر من قرية صغيرة مطلة على البحر سابقا إلى ممر دولي واقتصادي عبر باكستان ، وايضا منطقة بحر القذوين ستتحول إلى منطقة لتحويل الغاز والنفط إلى الصين، وتم فتح خطوط ملاحية من جوادر إلى موانئ عالمية رئيسية عام 2018.
 ميناء داروين في شمال أستراليا القريب من قاعدة بحرية أسترالية تستضيف قوات بحرية أميركية باتت تستخدمه شركة صينية.
ميناء بيريوس في اليونان صار بإشراف الصين. وفي المحيط الهندي، فإن الصين أحاطت من جوانب عدة بالهند التي هي على عداء تقليدي معها. إذ صارت لها قواعد ومواني على شواطئ ميانمار وسريلانكا وجزر المالديف والباكستان وجيبوتي وكينيا.
والهدف الذي تعمل على تحقيقه هو السيطرة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، مكان عبور ثلث السفن في العالم، والصيد فيه ثروة لملايين الناس في جنوب آسيا، فضلاً عما فيه من نفط وغاز.
مخاوف أوربية من الهيمنة الصينية
الصين هى مصنع العالم وبدلًا من أن تنتظر العالم ليأتي إليها، تذهب هى إلى العالم وعندما تذهب إلى دول غنية بمستوى معيشة مرتفع، فإن قدرتها على التنافس ستكون كبيرة جدًا، وبالنسبة للأسوق الأوربية فهى مفتوحة للشركات الصينية تماما ولكن العكس غير موجود، والصين تمنع استثمارات في مجالات معينة والسوق الصيني ضخم جدا ودخول الشركات الأوربية محدود من قبل الحكومة الصينية.
المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية للأبحاث أصدر تقريرًا في 2017، أكد فيه إن الاستثمارات الصينية واحدة من أهم أدوات اختراق أوربا، باستمالة سياسيين وبرلمانيين ورؤساء دول، زي مثلا “ميلوش زيمان” رئيس جمهورية تشيك ، والذي كان في التسعينات معادي لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وتحول لحليف لها بشراكة استراتيجية لبلده معاها، واعتبرها “قدوة لتحقيق الاستقرار في المجتمع”.

تقيم بكين – التي تستحوذ على 10% من الموانئ الأوربية – علاقات من خلال استثمارات واسعة النطاق وتنشئ شبكات “أصدقاء” بين السياسيين الأوروبيين الذين يدافعون لاحقا عن آراء قيادة جمهورية الصين الشعبية بشأن القضايا الدولية والمحلية.

استخدم كلًا من جمهورية التشيك واليونان حق الفيتو ضد مشروع ألماني فرنسي لمراقبة الاستثمارات الأجنبية (الصينية) في الهيمنة على البنية التحتية والقطاعات والمؤسسات ذات الطبيعة الاسترتيجية في أوربا.

أقرت الحكومة الألمانية في أواخر 2018 مرسوماً يقضي بحصر الاستحواذات الأجنبية في بعض الشركات الألمانية بحوالي 10 % من رأس المال، بدلا من 25 % كما هي الحال منذ 2004، حيث شكّلت طموحات الصين للتوسّع في مجال المطارات والمرافئ والمجموعات التكنولوجية مصدر قلق لبرلين وغيرها من العواصم الأوروبية في السنوات الأخيرة.
تنتهج الصين سياسة الإقراض، وتلك القروض تأخذ عليها فوائد تستفيد منها لاحقًا، الصين استثمرت منذ 2013 حوالي 80 مليار يورو، وقدمت البنوك الصينية قروض تتراوح قيمتها بين 175 و265 مليار دولار، وتشترك الصين في سياسة الإقراض دخول شركات صينية – تعمل تحت توجيه الحكومة الصينية بصورة مباشرة وغير مباشرة – لعمل استثمارات وبالتالي هى تحرك عجلة الإقتصاد الصيني. أما قروض الصين للدول النامية فتبلغ حوالي 520 مليار دولاروعندما تعجز دولة عن السداد، تقوم الصين بالاستيلاء على المشاريع.
تستثمر الصين في أوربا في قطاعات حساسة مثل القطاع النووي ، الاليكترونيات وصناعة الطائرات نشرت الصين في موناكو شبكة الجيل الخامس وهو ما رفضته الولايات المتحدة خوفًا من تجسس الصين عليها
 وهو ما عبر عنه الباحث في الشأن الصيني ميخائيل كوروستيكوف في مقاله “الصين بالنسبة لأوروبا أخطر من روسيا” في “كوميرسانت”، 2018 ، حول اتهام الخبراء الألمان لبكين بمحاولة خلق صدع في الاتحاد الأوروبي، ووصف الباحث أن كلًا من المجر وجمهورية التشيك واليونان بـ “وكلاء” الصين الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي.
فهل تنجح الصين في تقسيم الوحدة الأوربية مستقبلاً؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *