ريهام الحكيم تكتب: التيار الصدري في العراق (2/ 2 ).. محمد باقر الصدر وموسى الصدر

حزب الدعوة

عشية إسقاط النظام الملكي وتسلم القوات المسلحة السلطة في البلاد 1958، برزت صراعات فكرية على الساحة العراقية حيث شرع طلاب الحوزة العلمية في محافظة النجف جنوب العراق إلى رسم خطوط عريضة لمشروع إنشاء دولة إسلامية لخلق حالة توازن فكري مع الشيوعية والقومية العربية والعلمانية والتي طغت في خمسينيات القرن الماضي آنذاك.
بشكل عام تشكلت الحركات الإسلامية الشيعية في العراق بصدى حركة الإخوان المسلمين في مصر وحزب التحرير الإسلامي في فلسطين والاردن.
وقبل تأسيس حزب “الدعوة ” تأسست في العراق منظمات وحركات إسلامية عدة منها الحزب “الجعفري” و”حركة الإخوان المسلمين” و”منظمة المسلمين العقائديين” و”شباب العقيدة والإيمان” وحزب “التحرير”.
تلك الاحزاب والحركات لم تكن فاعلة في ظل التمدد الشيوعي في تلك الفترة، فعمل كلا من محمد باقر الصدر والمرجع الشيعي محسن الحكيم ومرتضى العسكري وطالب الرفاعي على تأسيس حزبٍ أطلق عليه أسم حزب “الدعوة”.
كانت الجلسة التأسيسية في بيت محمد باقر الصدر 1957، حضرها كلا من محمد باقر الصدر و محسن الحكيم وطالب الرفاعي ومرتضى العسكري و محمد صالح الأديب والأديب محمد صادق القاموسي ومحمد باقر الحكيم.

تأثر المؤسسون للحزب بفكر كلا من حسن البنا مؤسس “جماعة الأخوان المسلمين” السنية في مصر و عبد القادر عودة وسيد قطب ، واعتبر الحزب ذو نزعة شمولية عابرة للطائفية.
أصطدمت أطروحة حزب الدعوة القائمة على مبدء “الشورى” بمعارضة كبيرة في الحوزة العلمية في النجف ، خاصة معسكر إنتظار عودة الإمام المهدي والتي تحرم قيام أى دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي.
ويشكل هذا المعسكر الخط العام الذي سيطر على الحوزة النجفية في العراق منذ انسحابها من المعترك السياسي بعد تسفير عدد من المراجع الشيعية ، الاصفهاني والنائي والخالصي ، إلى إيران عقب ثورة العشرين وتأسيس الدولة العراقية الحديثة في أوائل القرن الماضي.
التزمت عدد من المراجع بعدم التدخل في الشؤون السياسية.

كان الحزب في نشأته ذو توجه محلي، يسعى إلى إقامة دولة إسلامية في العراق ومن ثم الإنطلاق إلى الدول الآخرى.

ظل محمد باقر الصدر زعيماً لحزب الدعوة منذ تأسيسه 1957 وحتى عام 1962، بسبب ضغوطاً مورست من قبل الحوزة على المراجع الدينية ، المرجع الديني محسن الحكيم والمرجع الديني أبا قاسم الخوئي، التي تبنت فكرة التنظيم السياسي والحزب ودعمتها وذلك للحفاظ على الحوزة العلمية من التحزب.
اعتبر محسن الحكيم خطورة انخراط طلاب الحوزة في الحزب الجديد يشكل خطورة على مستقبل الحوزة وطلب من محمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم الانسحاب من حزب الدعوة. واستجاب محمد باقر الصدر وترك الحزب تنظيمياً.
الصدر وحزب البعث
وفي يونيو 1969، بدأت الحكومة العراقية وحزب البعث الحاكم ، الذي وصل إلى سدة الحكم آنذالك، شن هجوم اعلامي على المرجعية الدينية الشيعية وحزب الدعوة.
فقرر الحزب الرد وبدأ الدعوة إلى تظاهرات في محافظات الجنوب الشيعية للمطالبة بإسقاط الحكومة وحزب البعث، وبدأت سلسلة من الإعتقالات لاعضاء الحزب وعمليات تسفير لطلاب الحوزة.
وفي عام 1974 ، قضت محكمة الثورة العراقية بإعدام مجموعة من قيادات الحزب، الشيخ عارف البصري والسيد عماد الدين الطبطبائي والسيد عز الدين القبنجي وحسين جلوخان، وتنامي التصعيد بين الحزبين البعث والدعوة إلى اصدار قانون عام بإعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة.
بدأ الحزب عقب الثورة الإيرانية بالإقتراب من طهران وبدأ التغيير في ادبياته، الانقلاب على مبدء الشورى الذي أسسه الصدر، والدعوة إلى اقامة دولة اسلامية موحدة “غير كافرة”، تكون عاصمتها طهران التي – طبقا لرؤيته – من الله عليها بإقامة الحكم الالهي فيها، بدعم الإمام الخوميني الذي وصف في لائحة الحزب بـ” الفقية المستجمع لشروط الولاية” وليس للحزب ان يتجاوز حكمه مطلقاً.
أيد محمد باقر الصدر ثورة الخميني ومبدأ “ولاية الفقية” وبايع الامام الخميني، وبدأت تحركات لحزب الدعوة للحشد لمبايعة محمد صادق الصدر في 1979.
وتصاعد الصدام بين حزب البعث ومحمد باقر الصدر بعد إصداره عدد من الفتاوى اهمها :
• حرمة الصلاة خلف أئمة الجوامع الذين لا يملكون وكالة شرعية من مراجع النجف.
• حرمة دخول الطالبات إلى الجامعات بدون حجاب، وذلك بعد قرار السلطة بعدم السماح للطالبات بإرتداء الحجاب في الجامعات.
• حرمة الإنتماء إلى حزب البعث الحاكم، حتى لو كان هذا الإنتماء شكلياً.

وفي 13 يونيو 1979، قررت السلطات في العراق إعتقال محمد باقر الصدر وإرساله إلى بغداد. وقامت شقيقته آمنة الصدر الملقبه بـ” بنت الهدى” بتهديد حزب البعث والأمن بتظاهرات في الكاظمية والنجف وكربلاء إذا لم يتم إطلاق سراحه.

أمر فاضل البراك ، مديرالأمن العام ، بإطلاق صراح محمد باقر الصدر وعودته إلى محافظة النجف ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
في 1980، دخل الحزب مرحلة التصعيد والمواجهة المسلحة بداية من تأسيس أجنحة عسكرية لحزب الدعوة في إيران ولبنان، وكان أولى العمليات المسلحة هى محاولة اغتيال فاشلة لطارق عزيز، نائب رئيس الوزراء آنذاك، في جامعة المستنصرية ببغداد ( ابريل 1980) ادت الى مقتل عدداً من طلاب الجامعة.

ردت السلطة العراقية بقرار حظر حزب الدعوة واعتقال المنتسبين إلى الحزب ومحاكمتهم وصدر قرارا بإعدام كل من ينتسب إلى الحزب. وفي 8 ابريل 1980، تم إعدام محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة الصدر ” بنت الهدى” بتهمة العمالة والتخابر مع دولة أجنبية.

موسى الصدر( مؤسس حركة أمل في لبنان)

موسى الصدر ابن عم محمد باقر الصدر وشقيق زوجته، من مواليد 1928 في مدينة قم بإيران ويحمل الجنسية الإيرانية ، انتقل إلى العراق بعد انهاء دراسته الجامعية ثم سافر إلى لبنان عام 1959 واستقر في مدينة صور الجنوبية.

بدأ موسى الصدر في لبنان نشاطاً سياسيا واجتماعيا ضمن الطائفة الشيعية ، المهمشة في ذالك الوقت، وأهتم بتعليم أبناء الطبقات الفقيرة للطائفة الشيعية في مناطق الجنوب والبقاع ، كما عمل على تأهيل الطائفة الشيعية لانخراطها في المجتمع اللبناني وانفتاحها على الآخرين.

أسس “المجلس الشيعي الأعلى” و أنتخب رئيساً للمجلس عام 1969، ثم أسس ما عرف بـ ” حركة المحرومين” في 1974 التي ضمت مزيج من الطوائف اللبنانية والتي تحولت إلى ” حركة أمل” المسلحة ابان الحرب الأهلية في لبنان عام 1978 لرد على الإعتدءات الإسرائيلية في جنوب لبنان.

تحول أسم موسى الصدر إلى صدارة المشهد كزعيم للطائفة الشيعية في لبنان وهو المعارض لقضية توطين الفلسطنيين في لبنان.
مع بداية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، قاد موسى الصدر عدداً من الاحتجاجات الشعبية للتنديد بالعنف في بيروت.
وفي عام 1976 و 1977 تكثفت جهود موسى الصدر من أجل إنهاء الحرب الأهلية ، ومحاولات التوفيق بين أطراف النزاع الداخلية والإقليمية. كما دعم ثورة الخميني في إيران وهو ما جعله يمثل خطراً لعدد من الأطراف الإقليمية على رأسهم شاه إيران.

تدخل الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين في وساطة وتقريب لوجهات النظر بين موسى الصدر والرئيس الليبي معمر القذافي ، والذي كان مشاركاً في تسليح عدداً من الأطراف المتنازعة آبان الحرب، وإقترح بومدين على موسى الصدر زيارة ليبيا ومقابلة القذافي لما له ن تأثير على الأطراف المتصارعة في لبنان.

أرسل القذافي دعوة رسمية ( أغسطس 1978) لموسى الصدر لزيارة طرابلس ، وبالرغم من تحذيرات المقربين منه ، استجاب موسى الصدر وسافر إلى ليبيا برفقة صديقه محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين. بعد وصوله طرابلس، اختفى موسى الصدر وصديقيه عقب ركوب سيارة للذهاب لمقابلة القذافي في طرابلس إلى الان.
لقب موسى الصدر بـ” الأمام المغيب” ، وظن البعض ان دعم موسى الصدر وصداقته للأمام الخميني هى الدافع للتخلص منه من قبل شاه إيران وعقد اتفاق مع القذافي، حيث عثر على رسائل وخطابات بين اموسى الصدر والخميني ، يطلب فيها الأخير من الصدر أن يكون رئيساً للجمهورية الإيرانية في فترة ما بعد الشاه.

وآخرين اتهموا منظمة التحرير الفلسطنية ، بالاتفاق مع القذافي للتخلص منه بسبب رفضه توطين الفلسطنيين في لبنان.

آل الصدر في الحقبة الملكية

كان محمد حسن الصدر (مواليد 1887 ) رئيساً للوزراء في العهد الملكي وهو ابن المرجع الشيعي حسن الصدر ، أسس حزب “حرس الإستقلال” في 1919 وكان له دوره فى ثورة العشرين المنهضة للانتداب البريطاني على العراق، وشارك في تأسيس دولة العراق الحديث.

نُفي خارج العراق بقراراً من بيرسى كوكس المندوب السامى البريطانى في العراق عام 1922. لكنه رجع الى العراق عام 1924م وتقلد مناصب مهمة كوزارة المعارف ورئاسة مجلس الأعيان لدورته الأولى والرابعة.
عقب أحداث انتفاضة الوثبة، عوين رئيساً للوزراء عام 1948 وشكل وزارته بعد استقالة حكومة صالح جبر على إثر إتفاقية بورتسمورث ، اتفاقية تحالف ودفاع مشترك ، مع بريطانيا التي تسببت في احداث دامية ومقتل المئات في شوارع العراق.
ألغى محمد حسن الصدر، عقب توليه رئاسة الوزراء، معاهدة بورتسموث التى اثارت غضب الشارع العراقي وأعتبرت انتهاك لسيادة العراق كما ألغى المعاهدة العراقية البريطانية. استقال بعد عدة أشهر احتجاجاً على سيطرة فريق نوري السعيد على مجريات الانتخابات ومحاولة تزويرها.

الخاتمة
يتفرد التيار الصدري من بين القوى الشيعية أنه وريث تجربة سعت لأن يستقل التشيع العربي عن التشيع الإيراني وهو ايضا تيار ظل موجوداً داخل العراق بشكل مستمر ، بخلاف القوى الشيعية التي تواجدت بالخارج وعادت مع الاحتلال الأمريكي، علاوة على عوامل أخرى جعلته يتفرد في التاريخ العراقي بانشاء الأيدولوجية الإسلامية وتشجيع الحركات الاحتجاجية والنهوض بأبناء المناطق الفقيرة وتعليمهم.

ولكن بوصول مقتدى الصدر – الذى لا يملك شهادة علمية – لزعامة الصدريين بعد 2003 ، عمد إلى تحويل التيار الصدري من مناصرة المهمشين ومن ابناء الطبقات الفقيرة والمعارضة السياسة إلى بث الفتن والقسمة داخل المجتمع الشيعي بهدف الاستمرار في السلطة والسيطرة على العوام من الناس.

مقتدى الصدر اليوم هو رجل فوق أى قانون، فلا يوجد قوة داخل العراق تجرؤ على اتهامه أو حتى التحقيق على عدد من الجرائم هو متهم بها، على رأسها التحريض على قتل المتظاهرين في محافظة النجف 2020 وجريمة قتل عبد المجيد الخوئي في 2003 ، والتي صدر حينها اكثر من مذكرة اعتقال بحقه ولم تنفذ ، فالصدر الجديد ليس كأسلافه فهو يملك السلطة والمال والأتباع في ظل ضعف تطبيق القانون لبلداً انهكته الحروب وأضعفت مؤسساته.

عاش العراق العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *