رسالة بدر محمد من محبسه بطرة: يقتلني الانتظار ولا أستطيع التوقف عن المحاولة ولا المعاناة.. هل عاد بإمكاني البكاء؟

 في السجن كل يوم معركة جديدة وكل نفس معاناة.. الصمت إيقاع كل شيء وشمس اليوم مثل شمس الأمس لا تشرق أبدًا


بدر لزوجته: ما زلت قويا بحبك وحب الحياة.. هل يمكنني أن أكون إنسانا؟ أم أن ذلك أيضًا غير مسموح به؟


كتب- محمود هاشم: 


بعث بدر محمد، المحبوس منذ 11 مايو 2020، في إعادة المحاكمة على ذمة القضية التي تحمل رقم 4163/2013 شمال القاهرة، برسالة إلى زوجته من محبسه في سجن طرة.

وتحدث بدر، في رسالته التي كتبها باللغة الإنجليزية إلى زوجته إلينا بيشلر وينشرها “درب” بالعربية، عن لحظات المعاناة والانتظار داخل محبسه، وأمله في سرعة الإفراج عنه لاستئناف حياته الطبيعية بين أسرته وأحبابه، وإصراره على عدم الاستسلام والتمسك بأمل الخروج.


والى نص الرسالة: هل يتوقف الوقت عن السريان والأرض عن الدوران؟ هل ما تزال الشمس في السماء أم سقطت بعد؟ 

كنت أقول إن لكل يوم شمس جديدة، كل شروق يروي قصصًا جديدة ويمنحك طاقة مختلفة، لكن هنا في السجن، شمس اليوم مثل شمس الأمس، يقتلني بالانتظار ولا تشرق أبدًا.
كل صباح له رائحة خاصة به، بعض الصباح تفوح منه رائحة الورد والبعض الآخر يشبه رائحة الخبز أو القهوة، ولكن هنا كل صباح تنبعث منه رائحة اللا شيء.


الهواء ثقيل بحيث يصعب معه التنفس ويزداد صعوبة كل يوم، مثل سمكة خارج الماء، فإن كل نفس جديد معاناة جديدة، لكن لا يمكن التوقف عن المحاولة، ولا يمكن التوقف عن المعاناة، اليوم الأحد، آسف أنه يوم الاثنين أو الثلاثاء؟ ما الفرق؟ لماذا ما تزال الأيام تحمل أسماء على أي حال؟
كل يوم مميز في حياتنا الحرة الجميلة، له نغمة أو لحن خاص، طعم خاص أو نكهة فريدة، لكن في السجن صمت ولا شيء آخر هو إيقاع كل لحظة، اليوم نسخة من الأمس، هذا الشهر هو نفسه مثل الشهر الماضي، السجن مجرد طويل حزين، عندما ينتهي الأمر أخيرًا، يبدأ مرة أخرى، متكرر بلا نهاية أو طعم، السيء في الأمر أنه لم يعد سيرا بعد، فقط لا طعم له.


المشاعر هي التي تجعلنا بشرا، وفقدان مشاعري هو ما أخافه حقا، أحيانًا أسأل نفسي: هل ما زلت أشعر بالأسف تجاه أي شخص آخر؟ هل يمكنني الشعور بالفرح أو الحزن؟ هل يمكنني الشعور بالألم وما يزال بإمكاني البكاء؟ هل يمكنني الشعور بأي شيء بعد الآن؟ هل يمكنني أن أكون إنسانا؟ أم أن ذلك أيضًا شيء غير مسموح به؟
هل تحب الصيف أكثر أم الشتاء أكثر؟ أعتقد أن هذا من أكثر الأسئلة شيوعًا، أنا أحب كليهما وأحب اختلافهما الصيف دافئ ونشط، الشتاء هادئ، كلاهما جميل بطرق مختلفة.

في السجن لا يمكنك معرفة ما إذا كنت في الشتاء أم الصيف، يداك وساقاك باردة على أي حال. جسمك يتعرق على أي حال.الليل والنهار متشابهان، ربما لا يوجد سوى عدد أكبر من الناموس في المساء، لذلك أعرف متى يبدأون في اللسع، بالتأكيد هو الليل، لذلك أجبر عيني على النوم، وعندما يتركون المكان للذباب يجب أن يكون الصباح مرة أخرى، لذلك أجبر عيني مرة أخرى، لكن هذه المرة لأستيقظ.


كل يوم جديد هنا معركة جديدة، كل ساعة هي صراع. كل دقيقة هي حرب ولكن في كل ثانية أنا مستعد، متى سأستسلم؟ أبداً! ربما لو كان لدي الخيار سأفكر في الأمر، لكن الاستسلام ليس مجرد خيار! هل أنا قوي؟ ليست لدي أي فكرة.

إذا كان الشخص القوي هو الذي لا يبكي، لا يشعر بالألم والحزن والعزلة، القاسي الذي يمكن أن يكره كل شيء دون أن يشعر بالأسف، علي أن أعترف بأنني بعيد كل البعد عن كوني قويا.


لكن إذا كان الشخص القوي هو من يمكنه الضحك وإلقاء النكات وما يزال بإمكانه الابتسام ولكن أيضًا البكاء، يشعر بآلامه ويحترم آلام الآخرين أيضًا، من ما يزال قادرا على بناء علاقات اجتماعية وتكوين صداقات جديدة، من يمكنه قول صباح الخير للشرطي، عندما يأتي ليغلق عليه باب الزنزانة ، من يمكنه التعلم والحب والرقص والحلم
نعم، ما زلت قويا! قويا جدًا في الواقع وسري الصغير هو الحب، انتصاري الكبير وخطتي الذكية، عندما أحب أنا فقط أحب دون أي توقعات وأحب الحياة ومنذ أن قابلتك أصبحت أحب الحياة أكثر، بضعة أيام سيئة لن تغير قلبي أبدًا، وما أزال أعتقد أن الحياة تحبني مرة أخرى.  كانت إلينا بيشلر، واصلت المطالبة بسرعة الإفراج عن زوجها بدر محمد، المحبوس منذ 11 مايو 2020، في إعادة المحاكمة على ذمة القضية التي تحمل رقم 4163/2013 شمال القاهرة، بينما يقضي عيد الأضحى الثالث له في محبسه داخل سجن طرة. 


وقالت إلينا عن زيارتها لبدر، في أول أيام عيد الأضحى، السبت، ضمن الزيارات الاستثنائية لأهالي المحبوسين: “هذا العيد أقضيه في السجن لزيارة بدر، ورؤية الحشد الهائل من أهالي المحبوسين، عندما وصلت أدركت مجددا أن الوضع بعيد جدًا عما كنت أتمنى قبل بضعة أشهر”. 


وأضافت: “لا ينبغي أن تفتقد العائلات أحبابها وذويها في عيد آخر، وعيد ميلاد آخر، ويوم أول آخر في المدرسة، وشهر رمضان آخر، ورأس السنة الجديدة”. 
وتابعت: “العديد من اللحظات كانت من الممكن أن تكون مليئة بالبهجة، وأتساءل متى يُسمح لنا أخيرًا أن نكون سعداء، بدر بريء من التهم الموجهة إليه، بينما يكمل اليوم 790 يوماً في السجن”. 
5 سنوات محكوم بها على بدر محمد عبدالله، على ذمة القضية 8615/2013، المعروفة بـ”أحداث رمسيس” على الرغم من كونه “حدثا” حينها، حيث لم يكن يتجاوز الـ17 ربيعا، بينما يقضي الآن أكثر من سنتين محبوسا ومحروما من حريته وزوجته، وطفلته التي لم يلق نظرته الأولى عليها إلا من خلف قضبان السجن، لم يسمح له برؤية محاميه، ويراه قاضيه من خلف قفص زجاجي لا يستطيع من ورائه حتى الدفاع عن نفسه  

أكمل بدر، في 11 مايو الماضي، عامه الثاني في السجن، حيث حُكم عليه غيابيًا في عام 2017، وهو الآن قيد إعادة المحاكمة على ذمة القضية التي تحمل رقم 4163/2013 شمال القاهرة، بينما تتواصل مناشدات زوجته إلينا بيشلر، التي تحمل الجنسية النمساوية، للإفراج عنه، بينما يصيبها الأسى مرارا وتكرارا مع كل تأجيل للقضية.    


وقالت إلينا لـ”درب”: “في شهر مايو من عام 2013، كان بدر في محيط منطقة رمسيس، حيث كان متوجها إلى منطقة الفجالة لشراء مستلزمات دراسية بعد نحاجه في الثانوية العامة وتقدمه للالتحاق بكلية الهندسة، حيث لم يتعد حينها عامه الـ17، إلا أنه تم القبض عليه لتواجده في محيط المكان بينما كانت تجري أحداث رمسيس.   

في أثناء هذه الفترة، قضى بدر 3 أشهر محبوسا قسم الأزبكية، وسجن وادي النطرون، والمؤسسة العقابية بالمرج، قبل الإفراج عنه لاحقا، وفي 11 مايو 2020 تم القبض عليه بعد الحكم عليه غيابيا بالسجن 5 سنوات على ذمة القضية، لتجري بعدها إجراءات إعادة محاكمته، بينما ما يزال محبوسا في سجن المزرعة بطرة، بعد نقله من سجن الليمان، وفقا لزوجته.   


تحكي إلينا: “في يوم القبض على بدر كنا في منزل عائلته نحضر إفطار رمضان حينها، بينما كنا نستعد لنزف لهم خبر حملي بطفلتنا، إلا أنه في هذه اللحظة حضر عدد من أفراد الأمن ليأخذوه، رأيته فجأة يحتضنني، دون أن أفهم ماذا يجري، قبل أن أستوعب الأمر بعدها”.   
وتضيف: “لم أتخيل أن هذه المناسبة التي كنت أنتظرها كثيرا تتحول إلى هذا الكابوس في لحظات، يونس لم يستطع إخبار والده بحملي إلا في أثناء اقتياده من قوات الأمن، لم أستطع فعل شيء خاصة أنني حضرت إلى مصر قبل عام فقط، ولا أعرف فيها سوى زوجي وأسرته”.   
في هذه الأثناء كان فيروس كورونا المستجد تشتد حدته في مصر، وسط اتخاذ إجراءات بالإغلاق، لم تستطع إلينا حتى السفر إلى أسرتها في النمسا لرعايتها وطفلها حتى موعد الحمل، بينما كانت زوجة بدر تبذل ما في وسعها لرؤية زوجها في محبسه، ومحاولة معرفة أسباب القبض عليه، وظروف احتجازه.   
تروي زوجة بدر: “في زيارتي الأولى له، دائما ما كان محاولا تهدئتي وإخباري أنه بحالة جيدة وأنه لا حاجة للقلق عليه، كان ينتظر الحضور بجانبي لحظة ولادة ابنتنا، وكانت لدينا بالفعل الكثير من الخطط للتحضير لهذه المناسبة الهامة لنا، لكن كل ذلك لم يكتب له الحدوث بحكم حبسه”.   
لم يلق بدر النظرة الأولى على رضيعته للمرة الأولى إلا من خلف قضبان السجن، تسعده ابتسامتها الطفولية، بينما يبدو محاولا الثبات أمامها وأمام زوجته، بينما يسعى لكتم دموع السعادة برؤيتها المختلطة بدموع الأسى على المعاناة التي يعيشونها جميعا في هذه اللحظات.   
تقدم إلينا 3 أسباب تؤكد براءة زوجها من الاتهامات المنسوبة إليه في “أحداث رمسيس”، وتستدعي سرعة الإفراج عنه وعودته لأسرته وطفلته، أولها عدم وجود دليل على مشاركته في الاحتجاجات، مع وجود إثبات من قسم الشرطة في عام 2013، بعدم مشاركته في الاحتجاجات، وإن وجوده في موقع الأحداث في هذا الوقت كان لشراء كتب ومستلزمات دراسية، ومنذ ذلك الحين ، يستخدم هو ومحاميه هذا الدليل كدفاع أساسي عنه.    
السبب الآخر، أن بدر كان قاصرًا في ذلك الوقت، حيث لم يتجاوز الـ17 من عمره، وثالثا أنه لم يكن منتميا لأي جماعة دينية أو سياسية، كما لم ينشر أي آراء سياسية يمكن تفسيرها على أنها تضر بالوطن.  
وفقا لزوجة بدر، تم اقتراح ضم اسمه أمام أعضاء في لجنة العفو الرئاسية وآخرين، ضمن قوائم الإفراجات المحتملة، مؤكدة أن إعلان الدولة إعادة النظر في ملفات المحبوسين فرصة جيدة للإفراج عن بدر، وإثبات برائته، كما تواصلت بدورها مع السفارة النمساوية لمحاولة التدخل للإفراج عن زوجها.  
وواصلت: “أخشى أن القاضي سيحكم عليه فقط من خلال الأوراق المقدمة إليه، لأنه لم يرَ بدر قط ولم يسمعه يتحدث مدافعا عن نفسه، أشعر بكثير من الإحباط مع كل تأجيل لنظر القضية، وأخشى من إطالة أمد الحكم فيها، لكن لدي أمل كبير في القضاء بتبرئة زوجي وعودته إلينا قريبا”.   
وتستكمل: “في زياراتي له، دائما ما يؤكد لي أن ما يحدث معه لا يمكن أن يدفعه لكره وطنه، ويخبرني بخططه حال خروجه، ورغبته في استعادة حياته الطبيعية، والاستمتاع إلى جوارنا باللحظات التي افتقدناها سويا خلال فترة حبسه، مشاركة ثلاثتنا مائدة الطعام للمرة الأولى، والحديث الأول مع ابنتنا بعيدا عن أي قيود أو حواجز”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *