محمود الدسوقي يكتب …صحفي عادي اسم الله عليه

الحديث عن مستقبل الصحافة ، لا ينفصل عن مساءلة أبناء المهنة أنفسهم ، قبل مساءلة الحكومة التى يبدو أنها لا تهتم بمسألة الصحافة برمتها ، لذا هذا المقال الذي ربما تقرأه أو ربما لا تقرأه ، اعتبره دردشة من صحفي يريد أن يتلاعب بالكلمات مع زملائه ، وعلى زملاء المهنة احتمال هذا الكائن الذي يكتب لهم من أعماق الصعيد ربما هو مصاب بضربة شمس جعلته يهذى بالكلمات ، احتمال زميل لزميلهم ( اسم الله عليه ).1- مارست الصحافة النضال من أجل الخبر منذ الرجل البدائي الذي كان يحمل النيران محذرا ، مروا بقرع الطبول والنقش على الأحجار حتى الوصول للمطبعة والأحبار والتلفزيون ، حتى السوشيل ميديا عصر نهاية التاريخ وذبح الخبر فى وسائط وصفحات بعيدة عن قواعد الصحافة ، حيث الصحافة هى الخبر وما وراءه ، وربما قبل الخبر أيضا ، كل هذا يطرح سؤالا مهما هل قضى الفيس بوك على نضال البشرية من أجل الخبر ؟ ، هل من الإمكان إقناع الرأي العام أن هناك فرقا شاسعا بين اختراع مارك الفيس بوك وبين اختراع اشتركت البشرية فى تعضيدها وخلقها من خلال كليات ومعاهد وصارت ضمن أدوات بقاء الدول وهى التى يطلق عليها الصحافة ؟ هل وهل ؟ ، ماذا إذا كان الصحفيون أنفسهم يؤمنون بأن السوشيل ميديا صحافة ، وماذا إذا كان الناس كل الناس تؤمن أن الكتابة على الفيس بوك يحقق مطالبهم وليس التواصل مع الصحفي ، وماذا إذا آمنت الحكومة بهذا كله ؟2- كان قديما يحدد الصحفي بأنه الوحيد القادر على التقاط الخبر دون سواه من البشر هؤلاء البشر الذين يرون الأحداث التي تحدث أمامهم عادية ، بينما الصحفي هو القادر على خلق تلك العادية كخبر يلهث وراءه البشر ويكتشفون بعد قراءته أنهم بشر عاديون وأن الصحفي هو الإنسان الغير عادي ، وأن الله حباه بعيون ليس كعيونهم وبجوانح ليست كجوانحهم ، في زماننا تغير الوضع ، صار الصحفي يبحث عن العادية في نشر أخبار الوفاة الطبيعية حيث عليه أن يدون تلك الأرواح التى رحلت وأخذها عزرائيل ، دون أن يفرق بين مشهور فى الدنيا الفانية وبين إنسان عادي ، وصار يلاحق العادية المملة في كتابة وصل ردح بين فنانتين أو فنان وفنانة ، تلك العادية المملة التى استقاها الصحفي من صفحات السوشيل الميديا جعلت الصحافة مميتة عادية وجعلت الصحفي الوحيد القادر على التقاط الخبر فى عيون الجميع رجل عادي لامميزات له غير أن الحظ ساعده وصار صحفيا، صحفي عادي يستقى أخباره من التواصل الاجتماعي ولا يضيف وليس له قيمة حتى أن المسئولين لا يريدون مقابلته ويقدمون له ما يريد على صفحاتهم ، قمة المفارقة أن العادية جعلت الصحفي يكتب العادية دون اعتبار لتأثيرات العادية على المجتمع أو الحكومة مثل وفاة مدير مدرسة3- العادية فى الخبر مميتة ، مثل العادية في ممارسة الحياة برمتها ، وقبلها أن تكتب العادي دون تدقيق فيه ، فالخبر الذي تمت كتابته بصيغة عادية حين مات مدير مدرسة بأزمة قلبية وهو يعمل ، تسبب فى صدمة ، أظن أن الوسيلة الإعلامية أرادته كتابة خبر عادي ، يدر التعاطف واللايكات القلوب الحمراء والزرقاء التي وضعها مارك في صفحات التواصل ، خبر يملأ الوسيلة ، لتظهر ما شهدناه من لغط وبين أخذ صفحات معادية للدولة والحكومة هذا الخبر كورقة ضد ،هذا يقول لنا أن تدريب الصحفي أن لا يكون عاديا هو يخدم الدولة التى ينتمى لها ، وأن العادية المفرطة مؤذية لأنها تسير بدون قصد وبدون هدى وبدون تفكير ، وأن التقاط الخبر العادي مميت إن لم يكن قاتل فى نشره دون وعى4- وصل تجبر السوشيل ميديا فى الأقاليم ( المحافظات ) ، أن المحافظ يخشى من صاحب صفحة ، أو أدمن فى جروب يحوز على آلاف ، أو صاحب قناة يوتيوب ، ولا يقابل صحفي نقابي ، ولا يعطى له هاتفه ، بل يطلب منه الأسئلة مكتوبة قبل لقاءه ، ليس هناك اعتبار لحرية تداول المعلومات ، رغم أن الصحفى النقابي كف عن كتابة أخبار لاحتياجات قرية أو نقص خدمة ، وفى الصحافة المحلية الأقاليم صار لكل محافظة وقرية ونجع ومركز صفحة إخبارية خالية من الهمزات تبدأ بالفخامة وتنتهي بسيادته ؟ وفى وسط عصب الكلام أسماء خالية من الهمزات ، المهم كتابة سيادته المحافظ ورئيس القرية ، صفحات كاشفة لحال التعليم فى مصر ، كاشفة لحال الرقص أمام لجان الثانوي العام وتمزيق الكتب المدرسية ، كاشفة لانسياق أولياء الأمور للرقص مع أبنائهم هؤلاء أخرجوا لنا هؤلاء الذين سيكتبون الكلام بدون همزة وبدون تاء مربوطة ألخ ، والذين ستلاحقهم كاميرات الصحافة مجبرة لرصد زغاريدهم ثم كتابة خبر عنهم وتقرير عن الرقص أمام اللجان كخبر ، قمة السخافة أن ترفض كصحفي الكتابة ، وقمة السخافة أن تنشر خبر الرقص أمام اللجان ، قمة السخافة أن تكون عاديا من أجل لقمة العيش5- لا أحد ينكر أن لكل عصر سمته المميزة ، وأن الصحفي الذي كانت تفتح له الأبواب المغلقة صار عاديا ومهمشا ، لن أتحدث عن سد النوافذ أمام المبدعين وعن تولى مالا شأن له بالمهنة منصبا ويتقاضى أموالا وفيرة لأنه قادر على الردح ذلك الردح الذى صار سمة مميزة لإعلام المؤيدين والمعارضين معا ، والذى لايقدم معلومة ، لن أتحدث عن ذلك أنما أتحدث عن مهنتي فقط ، فلا أحد ينكر أن الصحفي الذي كان أكثر ثقافة وكانت مقالاته تدرس فى الأدب صار هشا ، لا أحد ينكر أن الصحفي السياسي والاقتصادي وغيرهم صار شعبيا يأكل مع الناس في الأسواق يتضاحك معهم وهو يلبس الجلباب ، وربما لا يملك حق دفع ثمن إيجار منزله ولا كهرباء منزله ، لا أحد ينكر ذلك إطلاقا ، لكن لا أحد ينكر أن الصحافة مهمة ليس فى عيون أبنائها وممتهنيها فقط ، أنما لضروريات المستقبل إذا أردنا أن يكون هناك مستقبل فالدول الصغيرة بآلة إعلامية حجزت لها مكانا حتى بالكذب الإعلامى والتضخيم ، علينا أن نؤمن بذلك كثيرا ، وعلينا أن نؤمن أن الصحافة الشعبية لها أسسها أيضا ، وإذا آمنا بذلك فعلينا أن نؤمن أن المناخ العام الذى يقدر الصحفيين هو المناخ الذى سيناله الصحفي من التقدير أنفسهم ، الأمر ليس فى يد الصحفيين أنفسهم صارو غلابة وقوة خاملة لا أحد يستغلها لمصلحة الدولة 6- ترى ماهو الحل؟ كيف نصل لوضع الخبر فى سياقه الطبيعي ؟ وسط تلك التنظيرات التى ابتلت بها الصحافة من خلال أهلها ؟ ما الحل كى ينال الصحفيون فى عالمهم مايستحقون ، أخشى أن يكون الحل هو الحبل خنق الصحفى بالعادية ثم متابعة حثيثة للرقص أمام لجان الثانوية حيث كل الطرق تؤدي للعادية المملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *