د. محمد أشرف البيومي يكتب: المشهد العربي وشروط النهضة.. البحث العلمي والمعرفة العلمية قضايا مهملة عربياً

ملخص

يعرض هذا المقال مقارنة سريعة لكيف كانت الأوضاع العربية وما آلت إليه الأمور الآن، ويحدد المعالم السلبية السائدة، من غياب للحس الوطني إلي الغرق في تبعية مقيتة. رغم ذلك هناك استثناء هام متمثلا في الصمود السوري واللبناني واليمني واحتمال استثمار هذا الصمود مستقبلا من أجل نهضة عربية. 

يعرض المقال منهج الأولويات المتوازية ويحدد خمسة أولويات متشابكة تمثل ركائز لهذه النهضة. يركز المقال علي إحدي هذه الأولويات وهي بناء قاعدة علمية وطنية تساهم في دفع عجلة التنمية والتقدم وتدعم الاستقلال الوطني. يختتم المقال في بنبذة عن إنجازات كوبا في ميدان العلم والتكنولوجى كنموذج  جدير بالإهتمام، خصوصاً وأن كوبا بلد فقير الموارد  يتعرض لحصار اقتصادي خانق منذ عام 1959حتي الآن. 

أولاً- المشهد العربي: كيف كان وكيف أصبح!

من المفيد، بل لعله من الضروري، أن نعود قليلا للوراء حتي نتذكر، ولوللحظات،  كيف كانت الأوضاع عربياً، ونقارنها بما آلت إليه الأمور الآن. كان الشعور الوطني في أربعينات القرن الماضي متأججاً، كنت عندئذ شابا كغيري من الشباب، مليء بالآمال لمستقبل زاهر للوطن. هذا بالرغم من أن الصراع كان علي أشده في مواجهة الاستعمار البريطاني لمصر، والحكم الملكي الفاسد والتخلف. وأيضاً هيمنة الفقر والجهل والمرض، والإستعمار الاستيطاني في فلسطين. كان يتملكنا شعور التحدي والثقة بالتحرر، وبناء وطن يصبوا للتقدم ويسوده العدل الاجتماعي والمعرفة والحرية. 

ساد هذه الفترة من النضال العديد من المظاهرات والمواجهات وتخللتها مشاهد كثيرة من التحدي واستشهاد العديد من الشباب في مواجهة الاستعمار البريطاني والقمع الداخلي في مصر والعصابات الصهيونية في فلسطين. ثم جاءت بوادر مبشرة بحركة الضباط الأحرار في يوليه 1952 وسرعان ما تحولت هذه الحركةإلي ثورة ضد الهيمنة الداخلية والأجنبية من أجل استقلال وطني حقيقي. فكان مشروع السد العالي وتأميم قناة السويس والبدأ في بناء قاعدة إقتصادية إنتاجية. تربصت قوي الهيمنة الأجنبية والرجعية العربية والكيان الصهيوني الوليد بمشروعي الاستقلال الوطني والنهضة فكان العدوان الثلاثي. رغم ذلك ارتفعت وتيرة النضال وتضاعفت إلي أن جاء عدوان 1967 الذي استغل الخطأ الجسيم الذي وقع فيه النظام الناصري بعدم الاستعداد لمواجهته فاحتلت سيناء والجولان وكل فلسطين. لكن رغم كل ذلك لم تهزم الإرادة العربية وبدأ الاستعداد الجدي في حرب استنزاف يليها حرب تحرير. 

وفي عام 1973 اقتحم الجيش المصري خط بارليف وأبدي العسكري العربي في سوريا ومصر كفاءة وشجاعة عظيمة. ورغم ذلك كان هذا الإنجاز مظلة لتمرير معاهدة كامب دافيد التي أصبحت مدخلاً للهزيمة الفعلية. فتحقيق أهداف العدو هو عنوان الهزيمة. كانت المعاهدة نذيراً بتغيير المسار بشكل جذري والدخول في مستنقع التبعية لقوي الإمبريالية وربط مصر باقتصاد السوق الذي سمي ب”الانفتاح الاقتصادي” وتحول المسار الاقتصادي من مشاريع بناء وتنمية لتحقيق درجة من الاستقلال الاقتصادي إلي تغذية القطط السمان واتساع الفجوة بين الطبقات وانتشار الشره الاستهلاكي وتراجع الشعور الوطني. تنبأ الكثيرون بالنتائج السلبية لهذه التطورات التي أصبحت آثارها المدمرة واضحة للعيان علي  كافة الأصعدة.

بموجب هذه الاتفاقات أصبحت سيناء درعا لإسرائيل بدلا من الدفاع عن الوطن ولم تتحرر بالكامل بل أصبحت رهينة للعدو الإسرائيلي رغم الدعاية الكثيفة بالتحرير والتغني بذلك: “سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد”. علي عكس هذا النفاق عبر الشاعر سيد حجاب عن قلقه وتنبأ بالمستقبل بقوله “يا خوفي ما يوم النصر ترجع سيناء وتروح مصر”. ومن المفارقة أن الرئيس السادات نفسه رفض الترتيبات التي لحقت بسيناء فقد صرح في 19 مارس 1974 “إن الحديث الدائر في إسرائيل عن نزع سلاح سيناء يجب أن يتوقف. فإذا كانوا يريدون نزع سلاح سيناء فسوف أطالب بنزع سلاح إسرائيل كلها. كيف أنزع سلاح سيناء، إنهم يستطيعون بذلك العودة في أي وقت يريدون خلال ساعات”. تلت كامب دافيد وادي عربة ثم أوسلو ثم تحول “التطبيع” الخفي إلي تطبيع علني مع دول خليجية.

1-   المعالم السلبية للمشهد العربي

يمكننا تحديد المعالم السلبية الرئيسية التي تسود الأمة العربية الآن في غياب الطموح الجماعي وتراجع المشروع الوطني وغياب الحس الوطني مما جعل الأمة العربية جسداً بلا روح  وكياناً بلا حياة رغم مظاهر الحركة والزخم فالواقع أن هناك حركة دون تقدم وفعل دون نهضة. شاهدت العقود الماضية، رغم وعود وشعارات الرخاء والتقدم، تدهوراً للطبقة الوسطي التي تحمل لواء الثقافة والقيم. كما اتسعت للفجوة بين الطبقات بدرجة هائلة مما هدد السلام الاجتماعي، وانتشاراً للشره الاستهلاكي مما ينبيء بالخطر الداهم. وفي هذا المناخ كان من الطبيعي أن تنتشر المذهبية والطائفية البغيضة، والخرافة والأساطير والهروب في تدين سلبي بدلا من التدين الملتزم بالقيم والدافع للتقدم. بالإضافة إلي ذلك برزت ظاهرة غياب ثقافة المنهج العلمي؛ كل هذا حرم الأمة من المشاركة في التقدم العالمي اللهم كمستهلكين لأدوات التكنولوجية الحديثة كحد أقصي.

صاحب ذلك غياب قيادة وطنية بعد انحسار العديد من الرموز الوطنية إما بالوفاة أو الانحياز للقوي الرجعية التي جذبتهم بأموالها الطائلة وجوائزها. كانت القوي الوطنية بمثابة القاطرة التي تحفز الأمة  وتحدد مسارها مما يجعل غيابها من أخطر التطورات التي صاحبت مسار الاستسلام.

لقد غرقت الدول العربية في تبعية مقيتة بجوانبها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا بجانب غياب القرار المستقل والاستقلال الوطني مما أدي إلي حالة من السلبية واليأس وتراجع الآمال الوطنية الجماعية واختزالها في أهداف شخصية محدودة وساعد في تعميق هذا الشعور ما آلت إليه الأوضاع بعد ما سمي “بالربيع العربي”. 

أدي القبول بالتبعية إلي سقوط العديد من الدول في “تطبيع” رسمي مع العدو الصهيوني، بداية بمصر والأردن، ثم انضم اليهم حاليا الإمارات والبحرين كما تهم دول أخري يالإنزلاق في نفس المساركالسودان وعٌمان والسعودية يل أن أحد “المثقفين” طالعنا مؤخراً بمشروع تحالف بين اسرائيل وعدة دول عربية وهو في الحقيقة مشروع تبعية للعدو الصهيوني بدعم من قوي الهيمنة الغربية.

2-  استثناء محوري متمثل في الصمود السوري واللبناني

لاشك أن هناك  حالة مختلفة جذريا تمثل بريق أمل في نهضة عربية حقيقية: في  اعتقادي القوي أن ما يدور علي الساحة السورية واللبنانية يمثل حالة صمود ومقاومة نادرة، وهو ما يعرض الساحتين إلي مزيد من العدوان والحصار والتآمر. وفي نفس الوقت لقد تولدت طاقة معنوية هائلة لها القدرة أن تحرك المجتمع وتحفزه لتحقيق نهضة وتقدم كبير. يعتمد ذلك علي قدرة القيادة السياسية السورية في توظيف هذه الطاقة الهائلة بنفس الكفاءة والإصرار كما هو في معركة الصمود. علينا أن نتذكر أن طاقات معنوية كبيرة انطلقت في أزمنة وأماكن مختلفة من العالم أدت الي تحريك وانجاز قفزات هائلة. 

3-  منهج الأوليات المتوازية بدلا من الأولويات المتتابعة

من المهم تحديد واضح لأولويات الخروج من المحنة ونبذ التركيز علي أولوية واحدة مهما كانت خطيرة بمنهج”إحنا في إيه والا إيه”  لأن الواقع يؤكد “إحنا في إيه وفي إيه   في نفس الوقت”. لم يعد مقبولا أن نؤجل أولويات بسبب انهماك الدولة في حربها علي الإرهاب، خصوصاً بعد انحسر خطر سقوط الدولة. علينا تبني منهجا مغايرا لمنهج التعامل مع المشكلات والطموحات بمنهج تتابعي أي بتناول قضية تلو أخري  علينا اتباع منهج الخطوط المتوازية في تناولنا لأولويات لا يمكن تأجيلها. 

4-  خمسة أولويات متشابكة

سأكتفي بتناول خمسة أولويات متشابكة أعتبرها في قمة الأهمية، أولها إحياء الذاكرة الوطنية وإزالة غبار الخنوع والاستسلام، ثانيها إعلاء أولوية التمسك بالإستقلال الوطني ورفض التبعية كشرط أساسي للنهضة وثالثها ضرورة تواجد حراك سياسي نشط ملتزم بالأوليات الأربعة الأخري ورابعها تبني مشروع تنمية طموح يعتمد علي العلم الحديث، وخامسها بناء مؤسسات علمية حديثة تدعم مشروع التنمية الكبير  سيتطلب تحقيق هذه الأهداف الكبري بعض الوقت والكثير من الجهد. لكن لا يمكن تأجيل اي من الأولويات المذكورة بل لابد من العمل الدئوب والمتواصل والمبدع لتحقيق انجازات علي الجبهات الخمسة المتشابكة.

يبقي تحقيق هذه الأولويات أمنيات نظرية ما لم تتبناها بحماس شديد  وإصرار كبير دولة أو دول عربية. لكن من المنوط به من الدول العربية لتبني هذه الأولوليات؟ من الضروري أن تكون الدولة المؤهلة لتبني هذه الأولويات والشروع في تنفيذها لها مشروع تحرر وطني بديل لمسار التسويات والتبعية وعلي استعداد لمواجهة الامبريالية والكيان الصهيوني والرجعية العربية والدولة العثمانية المستجدة مهما كانت التضحيات. 

في الظروف الحالية تصبح هذه الأولويات مؤجلة لمعظم الدول العربية، رغم القدرات الكامنة لبعضها. وبالقدر التي تتخلص إحدي هذه الدول جزئياً من التبعية بالقدر التي تستطيع تحقيق قدراً من هذه الأولويات.

ثانياً – ضرورة نهضة علمية حقيقية

ماذا نريد من البحث العلمى فى البلاد العربية ؟ أحد اللأهداف الرئيسية من البحث العلمى هي المشاركة الفعالة في النشاط العلمي الدولي والإحاطة المستمرة بمجالات البحوث المختلفة و كذلك دفع عجلة التنمية بالمساهمة الفعالة فى الناتج القومى وتحسين ملموس للمستوى المعيشى للمواطنين. لا بد من التأكيد أنه يستحيل قيام تنمية مؤثرة دون منشئات علمية جادة. تتبني هذه المؤسسات مواضيع بحثية أساسية تغذي مشاريع بحثية تطبيقية مرتبطة بأولويات التنمية. هذا يتطلب تحديد أوليات التنمية وفلسفتها و إنحيازاتها، حتى نصيغ بواقعية وبأمانة دور البحث العلمى فى تحقيق التنمية المنشودة ؟ ويرتبط مع ذلك اعتماد المنهج العلمى واستخدامه في تناول مشاكلنا مما يؤدي لانحسار ظواهر اجتماعية مدمرة مثل التعصب والطائفية والخرافة وتسحير العلم ذاته. 

ليس الهدف هو إستخدام العلم كوسيلة دعائية لإيحاء المجتمع بأن الدولة تعمل جاهدة الى تحقيق تقدم علمى هائل. يتسم هذا الإستخدام بانعقاد العديد من المؤتمرات والندوات والمئات من شهادات الماجستير والدكتوراة وكذلك الجوائز بل االإحتفال بعيد العلم.

 وسنلاحظ عدداً من الشعارات الجذابة التى ترفع مثل “العلم والإيمان”، “العلم من أجل التنمية”، “الأهمية الجوهرية للعلم”..الخ . ومع الأسف، تظل هذه الشعارات جوفاء، وعادة لا تزيد عن كونها جزءاً من حملة لإعطاء صورة إيجابية لحالة العلم والتقدم بشكل عام. وأحياناً تقام معارض ضخمة بتكاليف باهظة تقدم عروضا مبهرة  مستخدمة تكنولوجياعلمية متقدمة مستورد مثل عروض الليزر والهولوجرفى الذى تبنته إحدى الدول العربية النفطية منذ عدة أعوام !! وكثيرا ما تتباها بعض المؤسسات بإقتنائها تكنولوجيا متقدمة مثل الأقمار الصناعية أو الأجهزة العلمية والطبية الحديثة، دون أدنى مساهمة بخلاف التدرب على إستخدامها ودون مشاريع مستقبلية لإنتاجها أو تصنيع بعض أجزائها الهامة أو القيام بإصلاحها دون اللجوء إلى الخبراء الآجانب . وعلاوة على ذلك، نجد أن ما تقدمه الصحافة حول العلم ليس سوى قدر ضئيل وفقير جداً من المعلومات المتناثرة وغير المكتملة، بدلاً من تقديم المعرفة والمنهج العلمي بشكل منضبط. وعلاوة على ذلك، كثيراً ما تقدم وسائل الإعلام معلومات مشوهه أوخاطئة، تسهم عامة في تشويش العلم وخلطه بالأساطير، فضلاً عن الترويج للانبهار السلبي بالتقانات الغربية المرتكزة على العلم وتعميق مفاهيم التبعية بدلا من مفاهيم المشاركة. نجد أيضا أن الإنجازات العلمية الجيدة في البلاد العربية استثناءات فردية، يتم إستخدامها في خلق أوهام حول الكفاءة العلمية الوطنية، وبالتالي يتم حجب واقع الوضع الهامشى للمجتمعات العربية في مجال العلم . وعادة ما تحل هذه الأوهام محل الاعتبارات الجدية للتطور التاريخي للهياكل المؤسسية التي يُشتق منهما “تقدم العلم والتقانة”. وتصور وسائل الإعلام  عادة الإنجازات العلمية كمنتجات عجائبية في مجتمعات أوروبية – أمريكية متقدمة، بدون أي توضيح للخطوات التى أدت إلى هذا الإنجاز مما يساهم فى “تغريب” و”تسحير” العلم والتكنولوجيا كما تتجاهل بوجه عام الإنجازات غير الغربية الموازية، مثل االتطورات العلمية والتكنولوجية الراهنة في الصين، والهند، وكوريا، ناهيك عن كوبا. 

أما إذا كان الهدف هو إقامة قاعدة علمية وطنية تساهم فى زيادة الناتج المحلى فسيكون الأمر مختلف تماما حتى وإن تطابقت بعض النشاطات التى تخدم الهدف الدعائى. وفى هذه الحالة سيشعر الباحثون العلميون الجادون بأن ثمة نشاط مختلف يحدث و أن طاقاتهم و إبداعاتهم مطلوبة بالفعل، وأن غيرهم من الذين قنعوا بألقابهم العلمية وساهموا ولو بشكل غير مباشر فى تعميق الوهم الرسمى بأن البحث العلمى بخير وعلينا الإطمئنان لابأننا علي الطريق الصحيح. سنرى أيضا قيادات مختلفة نوعيا، لها احترامها بين العلميين، يختارهم زملاؤهم بناء على مقاييس موضوعية لا يتدخل فيها مدى الولاء السياسى أو القدرة على التزلف إلى السلطة، لها صلاحيات التخطيط والتنفيذ بعيدا عن الأهواء والمناورات السياسية.  وستبرز خطة متكاملة للبحث العلمى شارك فيها كل من له إهتمام و قدرة واضحة ، يتناسق فيها النشاط الإقتصادى والعلمى بشكل قوى. كما سنجد محاولات جادة حتى يكون هناك ترابط وثيق بين فلسفة تدريس العلوم فى المدارس والجامعات وبين البحث العلمى … وسنرى أن إختيار مواضيع البحث يأخذ فى الإعتبار أولويات التنمية دون أن يحد ذلك من حرية الإختيار أو الإبداع … وسيكون هناك توفير لبعض الإمكانات المادية الضرورية لرفع كفاءة البحث وتحقيق أهداف معينة فى فترات زمنية محددة … وسنجد انعكاسا ملموسا – وفى وقت ليس ببعيد – بنتائج هذا النشاط على نوعية الانتاج العلمى وعلى مراكز الانتاج الاقتصادية فى المجتمع . فمثلا سينتج البحث العلمي الجاد علاج لأمراض مستعصية كالبلهارسيا أوالقضاء علي أحد الفيروسات وسنجد تقدم ملموس في مستويات الصحة. وكمثل آخر سنجد اكتشافات تمكن من استخدامات أفضل للطاقة النظيفة أو أدوات بحثية جديدة واكتشاف مواد جديدة لها تطبيقات في مجالات متعددة …الخ.

أما الإعلام العلمى فستكون فلسفته قائمة على توخى الدقة والابتعاد عن المهاترات والمبالغات وعن تغريب العلم وتسحيره. وسيكون هدفه غرس المنهج العلمى فى التفكير بدلا من تعميق الخرافة والخزعبلات وسيلعب الإعلام دورا حقيقيا فى التثقيف العلمى العام وإعطاء العلم قيمة عالية تشجع الشباب وترغبهم فى المعرفة العلمية وفى البحث العلمى، والمنهج العلمى فى التفكير. وبالطبع لن يقوم بهذا النشاط كما هو حادث الآن أفراد معرفتهم العلمية ضئيلة أو لديهم الإستعداد لنشر سخافات ومعلومات غير صحيحة لإرضاء البعض أو لتغذية الأوهام. سوف نرى مقالات جادة تحض على المعرفة والعلم  وستختفى المقالات التى تخدع القارئ بإكتشافات مزعومة. سنجد محاولات جادة لجذب الشباب للتخصص في مجالات العلم المختلفة من خلال برامج تليفزيونية خلاقة وكتيبات جذابة حول العلم.

وكما أكدت فى مكان آخر منذ سنوات عديدة ” أن الأهداف القومية الحقيقية هى التى تحدد الأولويات ونوعية النشاطات فإذا كان هدفنا هو التخلص من التبعية للإستعمار ومخاطر الهيمنة الصهيونية وبناء مجتمع أكثر عدالة يتوخى تحسين المستوى المعيشى لكافة أفراد المجتمع ويستخدم العلم والتكنولوجيا للتقدم فى اتزان دقيق مع الحفاظ على البيئة والقيم الإنسانية وفى التزام صارم باستقلالنا الوطنى. في هذا الإطار ستكون الخطة العلمية متميزة ومختلفة تماما عن أى نشاط علمي  يدور فى ظل تبعية لدول متقدمة تكنولوجيا. فى الحالة الأولى تتبلورملامح  لقاعدة علمية وطنية متناسقة مع تخطيط اقتصادى وطنى وفى الحالة الثانية يكون العلم أداة لمزيد من التبعية والاستغلال. 

إن تحديد استراتيجية طموحة يمكن تحقيقها لتطوير العلوم فى الوطن العربى يتطلب منا أن نعرف الحقيقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتى تقف كعائق فى طريق العلم فى بلادنا حتى نستطيع أن يحدد هؤلاء المهتمون حقيقة بالمسار العلمى العربى وبالتالى المهتمون بمستقبل الوطن العربى عامة – ما يمكن عمله فى الإطار السياسى الاقتصادى القائم وترتيب أولويات ذلك حتى يكون متناسقا مع الهدف الاستراتيجى.

وبدون وضوح أهدافنا، قد نجد أنفسنا وكأننا نتحدث عن هدف مشترك بينما نكون فى الواقع مختلفين أساسا فى الهدف وليس فقط الأسلوب والأولويات ودور العلم ومؤسساته.

شروط مسبقة وعناصر لازمة للمنظومة العلمية الوطنية

إن الدول الجادة فى تأسيس منظومة علمية وتكنولوجية تساهم بشكل فعال فى تنمية عادلة للمجتمع، لا بد وأن تبتكر وتطور منظومتها بتناسق  مع الأهداف التى حددتها. سيكون هناك بالضرورة خصائص عديدة مشتركة بين المنظومات العلمية المختلفة إلا أنه من المتوقع أن نجد  تباينات تعكس الإختلافات فى الأهداف. يصبح من الضرورى القيام بدراسات نقدية ومتعمقة للمنظومات المختلفة لتحديد عوامل نجاحها وإخفاقاتها وتوضيح الإطار السياسى والإقتصادى والإجتماعى التى تعمل فيه والإتجاهات المستقبلية لكل منها.

إن المنظومة العلمية التى تعمل بكفاءة لا بد وأن تشمل عناصر أساسية أهمها:  نظام تعليمى متقدم يعمق الرغبة فى المعرفة ويكتشف القدرات الخلاقة ويعمل على تنميتها؛ إعلام علمى متطور ينمى الثقافة العلمية العامة ويرفع من قيمة العلم؛ مراكز بحثية متميزة فى العلوم الأساسية والتطبيقية ومرتبطة بقطاعات الإنتاج المختلفة؛ مؤسسات إستشارية ودراسة جدوى الإقتصادية ؛ هيئات لتوفير الخدمات المعلوماتية المختلفة؛ مؤسسات قانونية مرتبطة بالقضايا العلمية وتبلورالتشريعات اللازمة؛ نقابات علمية مستقلة؛ جهاز علمى مستقل يشرف عليه علميون يختارهم زملائهم  بمعايير واضحة بعيدة عن أهواء السلطة للقيام بتحديد الأوليات دون المساس بالإبداع ويمنح الجوائز التقديرية والتشجيعية ويحمى الإلتزام بالأمانة العلمية ويعاقب الغير ملتزمين بها ويقدم الدراسات حول إقتصاديات العلم ومدى مساهمته فى الناتج المحلى ويتابع إتجاهات العلم  والتكنولوجيا دوليا؛ مؤسسات المعايير والإختبار؛ مؤسسات النشر التى تخضع لتقييم موضوعى صارم؛ ….الخ.  

إن أى منظومة علمية ستخفق فى تحقيق أهدافها ما لم تتفاعل وتتناغم مع بعضها  وتتطور نتيجة تقييم مستمر،فكفاءة المنظومة العلمية الفعالة ليس مجرد مجموع إنتاج عناصرها المنفصلة بل أن هذه الكفاءة ذات طبيعة متضاعفة متدائبة تعكس العلاقة الديناميكية والمتطورة بين أجزائها.

يمكننا الأن تحديد بعض الشروط الأساسية المسبقة، والتى لابد من توفرها لمنظومة علمية وتكنولوجية وطنية: الإرادة والعزيمة السياسية التى لاتكل والتى تذلل كل العقبات مهما كانت كبيرة؛ مسار إقتصادى إجتماعى يتطلب منظومة علمية وتكنولوجية تحقق أولياته؛ سياسة علمية مدروسة منبثقة من تعاون حقيقى بين مؤسسات البحث العلمى والتعليم بمستوياته المختلفة وقطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة؛  تعاون عربى فعال ومتصاعد بين كافة المؤسسات العلمية والتعليمية والإنتاجية والخدماتية؛ تعاون دولى مع دول متقدمة علمياً يهدف إلى تنمية القدرات المحلية وليس تعميق التبعية؛ تعاون مشترك مع دول العالم الثالث التى نجحت بدرجات مختلفة فى مجالى  العلم والتكنولوجيا مثل الهند وكوريا والصين وغيرها؛ إدراك وفهم جيد من قبل المجتمع بأولوية الإستثمار فى المجال العلمى والتكنولوجى.

إمكانات التقدم العلمي في العالم الثالث : حالة كوبا

عندما نتحدث عن تجارب حديثة للتقدم في مضمار العلوم والتكنولوجية في العقود الثلاثة الماضية يقفز في الذهن عدد من الدول تستحق كل منها الدراسة والبحث، منها الهند والصين وكوريا الجنوبية نضيف إليها منذ التسعينات كوبا. فلماذا إذاً كوبا؟ من الواضح أن الصين والهند هي دول لها إمكانات ضخمة تستطيع رغم أعبائها العسكرية والاجتماعية الهائلة أن تضخها في العديد من المجالات العلمية المتعلقة بتكنولوجيا الفضاء والسلاح النووي والبيوتكنولوجي والنانو- تكنولوجي وغيرها  من صناعات متقدمة. كما أن ظروفها السياسية أتاحت لها قدرات نسبية لنقل وتوطين العديد من هذه المجالات الهامة، بالطبع في إطار خطط مستقبلية جادة وذكية و إرادة سياسية علي أعلي المستويات تستهدف الاستقلال والاعتماد علي الذات. لم تغرق قيادات هذه الدول في تبعية سياسية واقتصادية ولم تقع فريسة لهيمنة الإمبريالية ولم تنشغل بإلقاء الخطب حول أهمية البحث العلمي والحراك الذي لا يمكن أن يؤدي إلي تقدم حقيقي أي إلي تقدم يدفع التنمية. ولهذا يصبح من المهم دراسة تجربة الصين والهند والاستفادة من جوانب نهضتها العلمية. أما في حالة كوريا الجنوبية فمن المهم التأكيد علي أن الدول الرأسمالية كانت لها مصلحة إستراتيجية في تشجيع كوريا الجنوبية وإتاحة الفرصة أمامها، بل في مساعدتها لإنجاز ما حققته في كافة المجالات. هذا يذكرنا بالكيان الصهيوني العنصري الذي كان العلم والتكنولوجيا المرتبط بالآلة العسكرية العدوانية أحد دعاماته الأساسية ككيان استعماري استيطاني دعمته بشدة كافة القوي الاستعمارية. وبذلك لا تصلح التجربة الكورية، وبالتأكيد لا يصلح الكيان الصهيوني نموذجاً لأي دولة نامية رغم أهمية دراستها لأسباب مختلفة. وبالطبع لن تشمل الدراسة في حالة الكيان الصهيوني أي زيارة أو علاقة لإيماننا بالضرورة القصوى للمقاطعة ومعارضتنا المبدئية لما يسمي بالتطبيع ويكفي الا عتماد علي الدراسات المستفيضة المنشورة في هذا الشأن. أما كوبا هذه الجزيرة التي  يصل عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة فقط والتي وقّعت عليها الولايات المتحدة رسمياً حصاراً اقتصاديا خانقاً عام  1962، الذي بدأ فعلاً عام 1960 بإلغاء حصة كوبا من سوق السكر الأمريكي عقاباً لكوبا بعد إصدارها قانون الإصلاح الزراعي. استمر هذا الحصار الذي استهدف الإطاحة بالنظام حتى اليوم أي 47 عاماً بل ازداد ضراوة عام 1996. ورغم الحصار والاعتداءات الاقتصادية والإعلامية والسياسية وتواضع إمكاناتها الاقتصادية فإن كوبا نجحت في إنشاء مؤسسة علمية تكنولوجية منتجة.

وضع كوبا العلمى

 إن إنجازات كوبا في ميدان العلم والتكنولوجى جديرة بالملاحظة، خاصة في ضوء أن كوبا بلداً فقيراً صغيراً، وكان معرضاً لحصار اقتصادي وتجاري ومالي لما يزيد عن ستون عاماً ، منذ باكورة عام 1959. إن إختيار كوبا، كمثال ناجح ومتفرد، يوضح أن بمقدور جميع الدول العربية، منفصلة ومجتمعة، أن تحقق إنجازات جيدة في ميدان العلم والتكنولوجيا، ما أن تمتلك الإرادة السياسية لذلك. إن العامل المالي، رغم أهميته، ليس العامل المحوري؛ لكن البيئة السياسية الاقتصادية وإرادة الحكومة هي أكثر العوامل أهمية.

إنعكست الإرادة السياسية على حجم الإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، مُعبراً عنه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذى كان 1.26 في كوبا عام 1995، وهو أعلى معدل في بلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وكان أعلى من نظيره في أسبانيا (0.93). وفي عام 1996، بلغ الرقم المناظر لكل الدول العربية مجتمعة 0.14 فقط. 

ولأن كوبا  وضعت، منذ فترة مبكرة، بدءا من العام 1981، أولوياتها في ميدان التقانة البيولوجية وصناعة الأدوية، أصبح لديها أنساقاً متقدمة من إختبارات المناعة الكيميائية، وتقوم بتصنيع كثير من المنتجات، من بينها: عامل نمو الجلد، بيوموديولين،وسيرفاسن، ولقاح ضد فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (ب)، وأدوية لأمراض القلب والدورة الدموية. وفي الزراعة، يتم تطوير السماد والمبيدات الحشرية البيولوجية، والتقانة الخالية من التلوث فى صناعة السكر. والإنتاج المستدام للغذاء.

 ومن المثير للاهتمام دراسة النموذج الكوبى، وخاصة ما يطلق عليه “الجبهات العلمية” و”الأقطاب”، والتي تُعد أجزاء من نسق العلم والتكنولوجيا، و”ترتبط وظيفياً بالجامعات، ومشروعات المعاهد البحثية والمصانع بهدف إيجاد تطبيقات عملية للنتائج العلمية. وتنخرط الجبهات في ممارسات علمية ناقدة-متحدية، وتطرح ميادين حيوية يمكن الدخول إليها في المستقبل من خلال البرامج القائمة، وتشجع التفاعل البحثى بين فروع العلم المختلفة والتعاون الوثيق بين البحث والإنتاج. 

وتجدر الإشارة إلى أنه بالتوازي مع التقدم العلمي في كوبا، هناك أدلة عديدة لتقدم التنمية. وعلي سبيل المثال، تحتل كوبا بالنسبة لمعدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات عام 2000 نفس المعدل في الولايات المتحدة الأمريكية ، حسب تقريرالتنمية الإنسانية لعام 2000. وهو إنجاز ملحوظ بالنسبة لدولة فقيرة تعرضت لعقوبات لمدة أربعة عقود 

تتخوف قوي الهيمنة من تحقيق نهضة علمية حقيقية في دول العالم الثالث. ولهذا لابد أن نتوقع أن هذه القوي ستضع العراقيل لإجهاض محاولات جادة عربية.أسوق دون تعليق ما جاء في تقرير لجنة “المساعدة من أجل كوبا الحرة”، في مايو 2004، والذي تبناه بوش قائلاً ” لقد وجهت (الحكومة الكوبية) مبالغاً طائلة لنشاطات مثل إنشاء مراكز لعلوم البيولوجيا والبيوتكنولوجيا، هذه النشاطات غير مناسبة من حيث الحجم أو التكاليف لدولة فقيرة أساساً والتي فشلت في تبرير ذلك مالياً”. كذلك  من الواضح أن النموذج الكوبي غير مستحباً من قبل الإمبريالية التي تجده مناقضاً ومقلقُ لمصالحها.

إن نجاح النموذج الكوبي يؤكد أن تأسيس منظومة علمية فعالة في بلادنا العربية ممكن،كما لايعني بأن علي الدول العربية تطبيق النموذج الكوبي بحذافيره،  ولكن لاشك أن دراسته تكون مفيدة. 

وحتى لايتسرع البعض فى إعتبار بعض هذا الحيث وكأنه جزء من التفكير التآمرى وهو نهج مفضل لدى المتآمرين أنفسهم، أذكر ما صرح به بعض المسئولون الأمريكيون عن أهمية إستخدام العلم كأداة للهيمنة. كان هنرى ناو، Henry Nau  أحد مساعدى الرئيس ريجان صريحا عندما صرح بأن زيادة الإعتماد العالمى مكن الدول المتقدمة من استخدام مزايا خبراتها الفائقة لفرض “نوع من الإمبريالية أكثر مواربة وأشمل عما كان ممكنا فى أى حقبة تاريخية سابقة”. ولقد أكد هذا المفهوم صانعى القرار السياسى الأمريكى بدءا بوليام كيسى، مساعد وزير الخارجية آنذاك والذى عمل رئيسا للمخابرات المركزية الأمريكية بعد ذلك، وزبجنيو بريجنسكي،مستشار الأمن القومى للرئيس كارتر، وهنري كيسينجر وزير الخارجية السابق وألكساندر هيج، وزير الخارجية السابق، والذى قال” أن لب التنمية هى خلق ثروة إضافية وليس التوزيع الإنتقائى للثروة المتاحة حاليا من مكان لآخر فى هذا العالم”. ثم نصل إلى المرحلة الحالية “مرحلة العولمة المعسكرة ” كما يطلق عليها البعض، والتى تتميز بالتهديد المباشر والإملاءات البعيدة تماما عن أى مواربات دبلوماسية. 

فالاستراتيجيون الأمريكيون وكذلك الاسرائيليون يعملون بنشاط لاستخدام النشاط العلمي لاختراق المجتمعات العربية ليس لمساهمة حقيقية في تنشيط البحث العلمي الذي يخدم التنمية ولكن لاستخدام العلم كأداة للهيمنة وللتحكم في المسار العلمي العربي.

 فلنراجع بعض ما جاء في تقرير (العلم والتكنولوجيا في إسرائيل) الذي أعدته السفارة الأمريكية بتل أبيب في عام 1970… أن إسرائيل واحدة من الدول القلائل التي تهتم بشكل كبير بالعلم والتكنولوجيا كعامل أساسي للتقدم الاجتماعي .. وكيف أن حب (اليهود) للعلم واحترام المعرفة سيدفع إسرائيل للتقدم في مجال العلم والهندسة وستؤدي إلي تدعيم مستوي المعيشة بها وإفادة الدول النامية في هذا المجال .. وعندما تزول العقبات السياسية في الشرق الأوسط فإن المستوي الأعلي نسبيا لاسرائيل في العلوم والتكنولوجيا سينعكس بسرعة علي البلاد العربية لمصلحة الطرفين … وسيؤدي هذا لاستغلال الموارد الطبيعية بصورة أكثر كفاءة وسينمي التجارة … ويذكر التقرير الدور المرتقب لإسرائيل في هذا المجال خصوصا بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء … وكيف أن إسرائيل كدولة صغيرة متعمقة في العلم ومركزها مرموق في التكنولوجيا … وليس لها تاريخ استعماري!! ستكون في وضع مثالي للقيام بدور المستشار العلمي والتكنولوجي لهذه البلاد الإفريقية. لن نعلق كثيرا علي ما جاء في التقرير من مقولات عنصرية كاذبة عن خصوصية اليهود أو ما جاء بأن إسرائيل ليس لها تاريخ استعماي رغم أن إسرائيل نفسها مشروع استعماري استيطاني وأنها تحتل أراضي عربية رغما عن إرادة سكانها العرب الذين تذيقهم ألوان التعسف والتشريد والتعذيب … ولكننا نشير إلي الدور المرتقب لإسرائيل … وهو دور استعماري للنفاذ إلي الشعوب العربية والإفريقية لاستغلالها وتسخير مواردها البشرية والطبيعية لخدمتها تحت شعاراستغلال الموارد الطبيعية بصورة اكثر كفاءة حتي تعود الفائدة لمصلحة الطرفين.

أصبح من اللازم ضرورة التمييز بين التعاون العلمي بين الدول واستغلال العلم كأداة للهيمنة تحت شعارات مخادعة مثل “البحوث الأجنبية المشتركة” خصوصا ونحن بصدد استخدام اسرائيل العلم في مشاريع بالإمارات في إطار الاتفاقات “التطبيعية”.

   أستاذ الكيمياء الفيزيائية والبيوفيزياء بجامعة ولاية ميشجان سابقاً

واستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية سابقاً

واشنطن سبتمبر 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *