د. مجدي عبد الحميد يكتب: ويسألونك عن التمييز

عندي كلبة صغيرة اسمها ليلا من نوع يطلق عليه يوركشير مميزة بحجمها الصغير جدا فهي أصغر من قطة صغيرة الحجم شعرها املس و غزير، لطيفة وغير مؤذية بالمرة تهوي العضعضة بأسنانها الدقيقة مثل طفل رضيع يا دوب لسه بادي يسنن، ولأني أعيش وحدي وأتركها معظم الوقت بالمنزل بمفردها فقد اعتدنا هي وأنا ان نخرج قليلا بالمساء فور عودتي للمنزل مباشرة للتنزه قليلا في الحديقة العامة الملاصقة لمنزلي بالصدفة، اولا علشان تغير جو شوية وتشوف البراح وترمح براحتها قليلا في ذلك المكان الاكثر اتساعا من الشقة بجدرانها الثقيلة وكمان علشان تقضي حاجتها بعد ما عودتها و دربتها علي مدي اكثر من شهرين علي ذلك.

كلبتي من نوع غريب بتألف البني ادمين بسرعة غريبة و تتصاحب علي أي حد تقابله في الشارع أو في الجنينة دونما أي أعتبار لأي شئ.

في الجنينة وعلي الرصيف المسموح لها باللعب فيه طبقا للقواعد المتفق عليها بيننا والتي تحترمها معظم الوقت تقريبا بدأت لقاءات ليلا مع ابناء حراس العمارات من الاطفال الذين اعمارهم ما بين سنتين و خمس سنوات واللي بتعتبر الجنينة متنفسهم الوحيد مساءا للعب و الانطلاق امام اعين اهاليهم، بدأت العلاقة بأقتراب أحد الاطفال منها منبهرا بحجمها وجمالها، ولما لم يجد اعتراض مني او منها علي اللعب ولما كانت اللقاءات متكررة يوميا اصبح الطفل اتنين وثلاثة ثم عدد من الاطفال لم اعد احصيه من البنات و الولاد علي حد سواء، وصرت علي موعد معهم كل مساء في توقيتات مختلفة حسب وقت عودتي الي المنزل وتكونت صداقة بيني وبين جميع حراس العمارات في الحي الذين لم اكن اعرف منهم بالاسم سوي حارس عمارتي التي اسكن بها، وذلك من خلال صداقتي مع صغارهم.

لغاية هنا و الحدوتة طريفة و مسلية ومليئة بالتفاصيل المضحكة احيانا و المثيرة للدهشة احيانا اخري، ولكن ما لفت انتباهي و استوقفني كثيرا نوعية الحوار و الكلمات و نوع الاسئلة التي يرددها هؤلاء الاطفال سواء اولاد او بنات فيما بينهم او بينهم وبيني او عندما يحل ضيف جديد علينا من اطفال جدد من ابناء وبنات حراس العمارات المجاورة، فأول سؤال هو الكلب ده اسمه ايه ؟ فأجيب دي كلبة و اسمها ليلا، فيعيدون علي السؤال يعني هو دكر ولا نتاية فأجيب بأنها كلبة انثي، ويدور الحديث بينهم الذي يتمحور حول أنها نتاية، و احيانا يرددون فيما بينهم او علي مسامعي بعفوية شديدة ان العمارة اللي بعدنا بعمارتين فيها ساكن عنده كلب كبير بس هو دكر، اما ما استوقفني كثيرا ولفت نظري ذلك الشئ الغريب في مخارج الالفاظ الواضحة و القوية وشديدة الحدة عند أطفال في الثالثة من عمرها وهم ينطقون لفظة دكر او لفظة نتاية، ذلك النطق الذي تسمعه و كأنه يخرج من فم رجل كبير او امرأة ناضجة و عينها مفتوحة علي الدنيا وليس حتي مجرد فتاة شابة غير متزوجة، و أخذت اسأل نفسي بعد مشاهدة ومتابعة للأمر لأكثر من شهرين ما الذي يدور في عقل طفل أو طفلة في الثالثة من عمره يجعلهم وهم في قمة لهوهم وسعادتهم مشغولين بتلك الاشياء ؟ ما الذي جعلهم وهم يلعبون مع طفلة مثلهم بل اصغر منهم حجما وعمرا وكلها عذوبة ورقة مثلهم بل واكثر منهم لا ياتي علي ذهنهم سوي ذلك السؤال الذي يلقونه بفظاظة وخشونة الرجال ووقاحة النساء اللي كلها جرأة، دكر ولا نتاية ؟ ما هي نوعية الاحاديث التي تدور امامهم في غرفهم المغلقة التي يعيشون بها وجعلهم لا يفكرون او ينطقون سوي تلك الالفاظ ؟ ما هي الصورة الذهنية التي تترسخ في وجدان هذه الكائنات البشرية الصغيرة عن الاختلاف الجنوسي والي ما ستصل هذه الصورة بهم فيما بعد ؟

العديد من الاسئلة تطل الي رأسي وانا اسمع رجع الكلمات يتردد في اذني بتلك الخشونة والوضوح و الحدة في طرح السؤال، دكر ولا نتاية ؟ من اطفال بالكاد تتعلم نطق الكلمات.

و سألت نفسي كيف سيتطور ذلك المفهوم حول النتاية بجسدها وتكوينها وكينونتها في الحياة وبين الدكر كما يعرفونه و كما يترسخ في وجدانهم منذ نعومة اظفارهم ؟ و ادركت ان امر التمييز جد عميق و ضارب بجذوره، فهؤلا الاطفال الوافدين من اعماق صعيد و ارياف مصر هم اغلبية الشعب المصري وان الجنس البشري مقسم داخلهم الي نوعين، دكر ونتاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *