د. عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب: (جيلعاد وشركاؤها) وبيزنس التربح من كورونا! .. مواجهة الوحش الرأسمالي

بعد ظهر أول أمس، الاثنين، منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيصا لعقار شركة “جيلعاد ساينسز”، المضاد للفيروسات، “ريم ديسفير”، ما يتيح للشركة أن تربح -حصريا- لمدة سبع سنوات من العقار، وهو واحد من عشرات يتم تجريبها كعلاج محتمل لكوفيد-19 المرض الناجم عن الفيروس التاجي الجديد.

شركات الدواء تربح من أمراضنا، وكلما انتشرت الأمراض وزادت حدتها، ارتفعت أسعار أسهم هذه الشركات وزادت أرباحها. ويحذر الخبراء، من أن السماح بهذا العقار وفقا لقانون الأدوية، والمخصص في الأصل لعلاج “أمراض نادرة”، يمكن أن يمنع توفير العقاقير المضادة للفيروسات التي تنتجها شركات أخرى، وأن يحقق أرباحا طائلة للشركة، التي تربطها صلات وثيقة جدا بفريق العمل الذي شكله الرئيس ترامب لإدارة أزمة انتشار الفيروس التاجي الجديد.

يضم الفريق كل من “جو جروجان” رئيس مجلس إدارة مجلس السياسات الداخلية، الذي كان يترأس جماعة الضغط -أو اللوبي- لشركة جيلعاد خلال الفترة من 2011-2017، ومثل الشركة في ملفات عديدة منها تسعير الأدوية، كما يضم أيضا وزير الصحة والخدمات الإنسانية، أليكس عازار، الذى كان يعمل في شركة “إيلي ليلي” للدواء، ويترأس جماعة الضغط التي تعمل لصالحها.

يقول جيمس لوف، مدير منظمة المعرفة البيئية الدولية، وهي مرصد أهلي يهتم بالرقابة على براءات اختراع العقاقير الصيدلانية، أنه يتوقع أن يصيب الفيروس الجديد حوالي نصف الأمريكيين، ويتساءل: هل هذا يعد من الأمراض النادرة؟ ويضيف أن “قانون الأدوية يرخص الدواء للأمراض النادرة ونحن في حالة على النقيض تماما مع الأمراض النادرة”، ويتابع “من السخيف أن يحدث هذا في منتصف انتشار الوباء، حيث نعاني من النقص في كل شيء”.

وطبقا لدورية انترسيبت الأمريكية فإن قانون الأدوية الأمريكي لعام 1983 يوفر حوافز خاصة لشركات الدواء التي تصنع عقاقير لعلاج الأمراض النادرة، فبالإضافة إلى احتكار السوق لفترة سبع سنوات، يمكن للشركة أن تحصل على منح وإعفاءات ضريبية بنسبة 25 في المائة من تكلفة الاختبارات السريرية للعقاقير.

والأمراض النادرة، وفقا للقانون، هي تلك الأمراض التي تؤثر على أقل من 200 ألف شخص، الثغرة هنا هي أن إدارة الغذاء والدواء تسمح بتصنيف العقار كعلاج للأمراض النادرة، إذا تم تصنيفه قبل أن يصل المرض إلى هذا الرقم، تجاوز عدد الحالات المصابة حول العالم اليوم حاجز الـ 400 ألف، لكن في الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال أعداد المصابين أقل من 200 ألف مريض.

إن السماح بالعقار الجديد لشركة جيلعاد، يمكن أن يحد بشدة من قدرة الشركات الأخرى، وأن يؤثر على إمداد الأسواق بمضادات للفيروسات، كما أن منح الشركة حماية حصرية للعقار، وإطلاق يدها في تقرير كميته وسعره وطرق تداوله، سيسمح للشركة بالسيطرة الكاملة على السوق لسنوات.

وتفيد تقارير أن شركات أدوية أخرى، بما في ذلك شركة “سيبلا”- ومقرها الهند- تعمل بهدف إنتاج وتطوير صورة أخرى من العقار، لكن بموجب هذه الموافقة، سيمنع المرضى في الولايات المتحدة من شراء أي عقار لشركات أخرى، حتى لو كانت أسعاره أقل من عقار جيلعاد.

قبل يومين، أعلنت الشركة فجأة عبر صحيفة نيويورك تايمز، أن الطلب المتزايد على عقارها، قد يجعلها غير قادرة على توفير إمدادات كافية في حالات الطوارىء، وبعد ساعات من الإعلان، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على منح الشركة الموافقة على العقار، وعلى الفور- ارتفعت أسعار أسهمها في البورصة.

وجدير بالذكر، أن الترخيص لعقار برخصة خاصة منفردة، يمنح للشركات في حالة وجود شكوك في قدرة الشركة على استرداد تكاليف البحوث وتطوير العقار، لكنها منحت لشركة جيلعاد على الرغم من تلقيها تمويلًا حكوميًا كبيرًا لتطوير الدواء. كما أن تطوير برنامج ريادة الأعمال في الشركة قد تم تطويره بتمويل حكومي لا يقل عن 79 مليون دولار، وفقا لورقة نشرها موقع المعلومات الدولي (KEI) في الأسبوع الماضي.

العقار الجديد تعود بدايته إلى فترة تفشي فيروس “إيبولا” في غرب أفريقيا عام 2014، وكانت النتائج المبكرة التي أعلنها معهد البحوث الطبية للأمراض المعدية -التابع للجيش الأمريكي- قد كشفت عن أن قرود الريسوس المصابة بفيروس الإيبولا، تم إنقاذها بعد أن خضعت للعلاج بمضاد للفيروسات (GS-5734)، وهو المركب الذي أصبح يعرف الآن باسم: “ريمديسيفير”( remdesivir).

حفز ذلك المزيد من البحوث في مجال العقاقير المضادة للفيروسات من أجل السيطرة على الأوبئة المحتملة في المستقبل. وقدمت السطات الفيدرالية والمعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية تمويلا كبيرا ومتواصلا من أموال دافعي الضرائب لدعم تطوير العقار إلى عدد من الجامعات والشركات منها جامعة كولومبيا وجامعة فاندربيلت، وجامعة شمال كارولينا في تشابل هيل. واكتشف باحثون في جامعة آلاباما، أن العقار يمنع تضاعف- أو تكاثر- الفيروسات التاجية في خلايا الرئتين لدى البشر.

وعلى الرغم من أن قانون العقاقير المنفردة والوحيدة تم إقراره وتصميمه لحل مشكلات حقيقية هي نقص أدوية الأمراض النادرة وغير المألوفة،  فقد استغلت شركات الأدوية القانون لسنوات من أجل تحقيق الأرباح. لاحقا وبعد مراجعات، تم تضييق نطاق بعض العقاقير التي أنتجتها الشركة لعلاج الإيدز أو فيروس نقص المناعة المكتسب، وتم تصنيفها على أنها عقاقير لعلاج الإسهال أو السل في المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة، فلجأت الشركات إلى استخدام حقوقها الحصرية في إعادة استخدام العقاقير التي تم تسجيل براءة اختراعها بالفعل لأغراض أخرى مثل الأمراض النادرة.

تحقق الأدوية المنفردة الآن أكثر من 100 مليار دولار من المبيعات السنوية، وعلى الرغم من أن الشركات تستخدم القانون بشكل متزايد، إلا أن أكثر من 90% من الأمراض النادرة تفتقر إلى الأدوية التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء. ووفقا لجيرالد بوسنر مؤلف كتاب “فارما: الجشع والكذب وتسميم أمريكا”: ساعد قانون الأدوية المنفردة على ارتفاع أرباح صناعة الأدوية، ففي عام 2018 كان متوسط تكلفة العلاج بعقار منفرد لعام واحد هو 98500 دولار، مقارنة بالعقاقير الأخرى غير المصنفة كعقار منفرد، والتى كان متوسطها تكلفتها السنوية في حدود 5000 دولار.

“جو جروجان” كان يعمل في جيلعاد، ويقود جماعة الضغط التي تعمل لصالحها، وخضع للتدقيق في عام 2018 بسبب حصوله عام 2016 على أكثر من 800 ألف دولار من الشركة كرواتب ومكافآت، وأيضا بسبب نماذج لفواتير دفع تكاليف الرعاية الطبية لعلاج السرطان، وتعرضت الشركة لانتقادات واسعة بسبب نظامها لتسعير المنتجات. في عام 2014 أثارت الشركة جدلا واسعا عندما قررت إدراج وتسعير دواء التهاب الكبد (سي)، سوفالدي، مقابل 84 ألف دولار للعلاج لمدة 12 أسبوعا.

اشترت الشركة براءة اختراع العقار من شركة أخرى، ورفعت السعر ثلاثة أضعاف تقريبا، وتبيع جيلعاد أيضا عقار “تروفادا” (Truvada)، وهو عقار يستخدم للمساعدة في منع انتقال فيروس نقص المناعة البشري، في مقابل 2000 دولار شهريا على الرغم من أن تكلفة إنتاجه لا تزيد على 6 دولارات.

في وقت سابق من مارس الجاري، شاركت جيلعاد في المؤتمر السنوي للرعاية الصحية، وهو ملتقى لكبار المستثمرين فى الشركات الصيدلانية والرعاية الصحية، وذكر موقع “ذى إنترسيبت” أن مستثمرين ومصرفيين سألوا ممثلي الشركة في المؤتمر حول ما إذا كانت الشركة تخطط في المستقبل القريب لتحويل ريمديسيفير إلى شركة، وردا على ذلك قال “جوانا ميرسيير” نائب الرئيس التنفيذي أن الشركة تركز حاليا على زيادة قدرتها على تلبية طلبات المرضى وتوفير الإمدادات للحكومة، وأضاف أن “الفرصة الاقتصادية قد تأتي في حال أصبح هذا مرضًا موسميًا، أوزاد الطلب عليه لتخزينه، لكننا لا زلنا بعيدين عن ذلك”.

ربما يكون الآن هو الوقت المناسب لتربح شركة جلعاد كثيرا من العقار، قبل أن تأتي شركة أخرى بعقار أفضل، أو أكثر فعالية، أو يتم ابتكار لقاح، يقول لوف، ويتوقع، “أن العقار الذي تم تطويره بواسطة تمويل حكومي فيدرالي لا يقل عن 79 مليون دولار، سوف يحقق للشركة إيرادات تصل 2500 مليون دولار”.

نحن في مواجهة مباشرة مع الوحش الرأسمالي!

  • جانب من المعلومات منقول عن دورية انترسيبت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *