دينا توفيق تكتب: درب الحياة في السابعة والخمسين.. كيف نخضع لحالة المسكوت عنه أحيانا؟!

أكتب لأنني أخشى أن أفقد ذاكرتي تدريجياً !
إنها كارثة أن تفقد طعم حياتك!
انك قد تتسول الكلمات و تتوسل لها ان تأتيك، فتأتى كرها وليس طوعا بكل اسف !
ويكون عليك حينها دفع ذلك الذى قد لا يمكنك دفعه !
لقد بدأت اخاف منذ شهور .. نعم خائفة!
خائفة من البحث عن معنى يترجم مزاجي الفرح أو المعتل ولا استوعبها فأفشل فى كيفية ترجمته إلى عبارات أو ربما حتى كلمات فحسب وليس نصا مرتبا بالضرورة !
نعم اخاف ..
شاهدت فيلما منذ سنوات عن أستاذة لغويات بدأت فى النسيان تدريجيا إلى أن باتت لا تستطيع قراءة اسماء الأشياء التى دونتها كالثلاجة والطبق والكوب وزر النور والكتاب !!!
اخاف ان احاول البحث عن جميع الأشخاص الذين وضعوا بصمات ايديهم أو أقدامهم فى حياتى .. فلا استطيع !
.. ليس مهمًا ..
ولكن اخاف ان افشل فى العثور عليهم على فهرس الهاتف المحمول !!
فقط .. اريد ان أتمكن من ذلك كى يبقى معنى لجدوى الحياة حين اتذكر بعض لمحات من تأثيرهم السابق على حياتي المنسية بكل اسف !!

منذ فترة طويلة لدي أفكار تتعلق بالتأثير النفسي على المؤلفين فى حياتهم الحقيقية ، وكيف تحركهم وكيف يأخذون منها لتلوين الروايات التى يكتبونها !
لقد وجدت أن الكثير من المؤلفين الأكثر ثقلا وتأهيلا، انهم كانوا على علاقة بالطب النفسي، مثل جان بول سارتر مع صديقتة الكاتبة فرانسوا ساجان وما دوناه بشكل مثير، وكذلك الفنانة فريدا كاهلو وزوجها دياجو ريفيرا الذى كتبت فى رسائل له متسائلة كيف أحبت رجلا مثله بكل هذا القبح .. عبرت برسمها وكلماتها واصابت سهما .. وكثيرون مؤلفون ورسامون غيرهم اجتازوا هذا النوع من العلاقات الملتبسة نفسيا وذهنيا واستطاعوا التعبير المزدوج !
ولقد اندهشت عندما حصلت على اللحمة بضم اللام أو نقطة الالتحام التي ربطت بين أشهر الكتاب والفنانين الذين يعيشن بين الكلمات والفرشايات !
وجدت انهم عبروا بأسلوب متنوع بين اللمسات والمعاني .. المعنى والملموس بعمق اغوار الغوص فى الازمنة والامكنة والمسافات ..
وربما بسبب الهوس الفنى المبدع ؟! ربما !
وحدثت نفسى يا عزيزتي المسكينة .. كيف سيمكنك اجتياز الامتحان .. ؟!

……

اقتبس احيانا من الصديق الكاتب والفيلسوف د. محمد عبد الباسط عيد افكارا كثيرة بشكل متكرر ربما اكتبها وربما تظل عالقة بذهنى لوقت طويل ..
اتمنى ان اتذكرها ولا اتوه منها لوقت يناسب قدرتى على كتابة تلك الموضوعات المتباينة ..
لماذا تعجب قريحتى بافكاره؟
لان الرجل أفكاره منطلقة وغير محدودة ولا تنفصل عن البهجة والحياة وايضا الموت مثلا متمثلة فى اقتراحه يوما منذ سنوات ان نكتب وصايانا مبكرا للابناء ..
وفى تلك الايام شرعت فى كتابة وصيتى، التى استئذنته فى ان اخطو بها على خطوه، وبالفعل بدأت فى كتابة النص وتوقفت قبل ان افرغ منه !
وانصرفت ولم استعده سوى الان …
عندى افكار جريئة وجادة على قول الروائى الرائع علاء فرغلى حين يصف الأفكار وانا احب وصفه هذا …
الفكرة الرئيسية المطروحة الان عما يمكن ان يرغب فيه كهل خمسينى ..
التساؤل اثار الشجون والتصورات فى ذهنى وفجر فى روعى ما لم اتوقع وخاصة اننى دوما تخطر ببالى أسئلة “عويصة” حول نفس الفكرة بنغمات ومنحنيات اخرى ليست بفجاجة السؤال الصادم ووضوحه ..
الطرح بمنتهى الامانة كان شديد الوقع لدرجة اننى ربأت بنفسى ان ادخل القضية فى دوامات سن اليأس والمراهقة الثانية (فى الحقيقة للجنسين وليس الرجل فحسب)
ورغم اننى لم يكن فى نيتى الان الكتابة عن تلك المشاكل الحقيقية المتعلقة بالتشبث بالفتوة الذاهبة،
الا اننى لا يمكننى انكار اهميتها وجبروت سطوتها على العقل والجسد فى تلك المرحلة الانسانية الفارقة من جسد الانسان، والتى تناولها علماء النفس وشخصوها مرارا واكدوا على اهميتها المتناهية .
ولكننى تمثلت نفسى وقررت ان اكتب وانا أقدم على عامى الثامن والخمسين .. رغم ان الأمر قد يستكتره البعض ويستهجنوه ممن هم أكبر منى سنا اى ستينيين أو ربما سبعينيين يتمتعون بشغف فحولة وانوثة يفوقنى بمراحل هائلة ..
ولكن لا بأس سأستمر ..
اتذكر كيف شعرت يوم اتممت الاربعين وتكشف لى، ما كان مخفيا، بجلاء البصيرة .. واهلنا الكشف بكل صراحة … !
اما الخمسين فكانت لها وقعها كتاريخ شخصى يثير فى النفس التوقعات حول كيفية التعامل مع الكيان المادى الملموس لجسد يمتلك الحياة وان كان الفتور قد نال منه وربما الزهد ..
ولكننى اكتشفت أنه عمر فى حقيقته الحكيمة وبعد تجاربه يجبر الروح على التحليق نحو سماوات الفطنة والتعافى من امراض اوهام ادعاء التفوق الجسدى والتى تلازم البعض زمنا طويلا ..
وبناء على ذلك فعلى الاعتراف اننى فى زهوة وليس انقشاع الخمسين انفتحت بوابات الفكر عندى على بساتين الرؤية ..
نعم انفتحت “بساتين المخ”
نعم المخ والوجدان الثرى ..
وان كان البعض تصيبه تشوشات ما، وتظل البوابات منغلقة عليه بعض الوقت الا انها تنفتح رويدا ..
اننى سأتحدث عن عقلى وروحى وجسدى ان جاز حتى لا اسقط فى فوضى التعميم ..

يستكمل لاحقا .. انتظرونى ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *