دعوة لمواجهة “الحجر” على مؤلفاته.. حوار عمره 16 سنة مع المفكر جمال البنا (٢-٢): أفكار حسن البنا تجاوزها الزمن


علاقتي بالجماعة “جدلية” .. متخلفون جدا و لننتظر “الجيل الجديد”

لا استبعد دورا للمخابرات الأمريكية في اغتيال أخي


أطالب بحذف ديانة الدولة و الشريعة مصدر التشريع من الدستور

حوار ـ كارم يحيي

بين جمال البنا المفكر الإسلامي التجديدي وشقيقه الأكبر حسن البنا” الشهيد ” ـ وكما يذكره دائما خيط رفيع يصعب تبينه بسهولة أو أخذه بالنظرة الاولى . شئ ما في العلاقة بين حسن وجمال، و بينهما دائما ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين. و في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار محاولة لتبين هذا “الخيط” تحت وقع التساؤلات والإجابات.


+ هل صحيح ان الإخوان عمموا علي أتباعهم محذرين : “ألا يقرأوا لك “؟


ـ لا أعرف بالضبط .. سمعت عن ذلك. ولكن حتى لو لم يكن صحيحا فهناك صد من جانبهم إزاء قراءة أعمالي. وهذا مع إنني في كل ما أكتب اضع في خاطري الإخوان. وأحاول أن استدرك ما ينقصهم. لكن للأسف هكذا هم يتصرفون.


+ يبدو أن علاقتكم مركبة مع الإخوان؟


_ العلاقة جدلية.


+ هل تعول عليهم في دفع البلاد للأمام ؟


ـ بوضعهم الحالي لا. لكن بإمكانهم التطور. هم في أفضل الأحوال أفضل الهيئات الموجوده حاليا. و إذا أردنا أن نحكم عليهم بمعيار الواقع فهم الأفضل علي الساحة. لكن إذا أردنا أن نحكم بمعيار الواجب فهم متخلفون جدا. إلا أن هناك جيل جديد، وللننتظر ماذا سيفعل .


بين التلمساني و مشهور



+ تفاعل الإخوان مع المجتمع بهذا الشكل، بما في ذلك حواراتهم الواسعة مع قوي المجتمع بما في ذلك الاقباط ، هل تتوقعون ان يتجهوا الي الاستعانة بأفكاركم لتطوير انفسهم؟


ـ في يوم من الأيام جاءني سكرتير عمر التلمساني رحمه الله ( المرشد الثالث للجماعة)، و أبلغني بأنه يريدني في أمر ما. وذهبت، وطلب التلمساني مني أن أضع له تقريرا عن النقابات والعمل النقابي من منظور إسلامي، وفعلت.

وتسلمه وصرف مبلغا لي نظير الكتابة. واعتقد أن مثل هذا التقرير كان له تأثير كبير في اتجاه الإخوان نحو العمل في النقابات.

ولقد كان رأيي أن الاتجاه للعمل النقابي أكثر جدوي من الاتجاه للبرلمان.

وهذا لأن مجلس الشعب محكوم بلوائح وبأغلبية تحول دون فعالية أي معارضة. و تاليا اتصل بي المرحوم مصطفي مشهور ( المرشد الخامس للإخوان ) و نصحته بعدما تمكنوا من الأغلبية في العديد من النقابات المهنية بأن يهتموا بالوعي النقابي الذي تفتقده الجماعة وكوادرها.

وقد أبديت استعدادي لأن انقل إليهم خبراتي في هذا المجال، سواء بمحاضرات وبورش عمل أو بالكتب .. وكان هدفي أن ازود قياداتهم النقابية بفكرة عن العمل النقابي. و أرسل مشهور إلى أبو العلا ماضي و عبد المنعم ابو الفتوح من أبرز شباب الإخوان حينها، و ناقشتهم في الفكرة. لكنهم ذهبوا ولم يعودوا .


+ ألم يحدث في أي لقاءات مع مرشدي الإخوان طرح موقفهم من آرائك وكتاباتك؟


ـ إطلاقا..


+ هناك تناقض شديد بين ما تقولون به و بين آرائهم في المرأة وغيرها من القضايا .. هل من ترى إمكانية من وجهة نظركم لحل هذا التصادم طالما إنكم تعولون عليهم؟

ـ الإخوان كتنظيم قوي جدا وأول مبادئه الطاعة و الالتزام التام. لا يوجد أحد حتي من الإخوان صغار السن يستطيع أن يخرج و يتحاور أو ينفتح علي ما أقوله .


المراجعة ستتم رغم انفهم


+ هم يقولون الآن إنهم بصدد مراجعة مواقف، وحتى فتاوي سابقة.. ما فرص هذه المراجعة في رأيكم ؟


ـ المراجعة ستتم رغم أنفهم ومن داخلهم، حتى لو شاءوا الاستمرار في الجمود . وهذا لأنه لا يمكن تجميد الأفكار او استعباد الناس إلىالي الأبد. لكن السؤال هو : هل سيحدث هذا التجديد في الوقت المناسب ام سيفوتهم القطار؟ ، فيظهر أناس آخرون أكثر تصميما وعزما وانفتاحا منهم .


+ الإخوان يقولون الآن انهم يتبنون دولة مدنية ذات مرجعية دينية .. لكنهم متمسكون بشعار الإسلام هو الحل .. كيف تري هذا اللغز؟


ـ الشعار كشعار فيه كل مميزات الشعارات، بمعني تأثيره مع تركيزه وفعاليته . “الإسلام هو الحل” إذا دخل في مزايدة الشعارات كـ “ياعمال العالم اتحدوا” يكسب. فإذا كانوا استخدموه في الانتخابات فلا حرج عليهم. لكن مضمون هذا الشعار هو القضية. هو قضية أخري . أما بالنسبة للدولة المدنية بمرجعية دينية فأنا لست ضدها علي طول الخط. أنا قلت لأجانب يترددون علي :” الديموقراطية إذا دخلت مصر ستدخل بجواز سفر اسلامي”. نحن لا نستطيع إهدار الإسلام العظيم، وهو أكبر مقومات البلد. هذا رصيد ورأس مال ضخم.


+ مسألة فصل الدين عن الدولة، كيف تنسجم مع المرجعية الدينية؟.. ومع الإسلام هو الحل ؟


ـ البيعة صورة من صور الانتخاب والعقد الاجتماعي، و الشوري ضد الاستبداد و المستبدين والديكتاتوريين و المترفين. الإسلام وضع معايير للحكم الرشيد، و ميزتها أنها جاءت في القرآن، فأضفي علي هذه المبادئ قداسة. طبعا الإخوان لن يستطيعون فهم هذا الكلام، سيقولون الشريعة والحدود وغير ذلك، ثم يلتزمون الصمت.


+ هل أنت مع حذف النص الموجود في الدستور بأن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع ؟


ـ أنا ضد هذا بشكل مطلق. أنا اطالب بحذف الإسلام دين الدولة، لأن الدولة لا يمكن تقدم شيئا للإسلام، فضلا عن إنها شخص اعتباري ليس له دين. الدولة سلطة، والسلطة هي ضد القيم. و القيم هي جوهر الأديان. ولو أدخلت الدولة أي السلطة إلي الدين فإنها تستغله. و يأتي واحد مجنون يقول بما أن الإسلام هو دين الدولة علينا قطع يد اللصوص كلهم اعتبارا من الغد.


+ الي أين تري سيذهب الإخوان بانفسهم وبالبلد؟


ـ الله اعلم.


+ حذرتم بعدما حققوه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ( عام 2005 حيث حصدت الجماعة 20 في المائة من اجمالي مقاعد مجلس الشعب) من الصفقات والمساومات علي حساب الديموقراطية .. هل تستشرف ذلك ؟


ـ هذا وارد .. الإخوان لديهم استهواء تاريخي كي يقعوا في هذا الشرك. و هذا يتوقف علي شطارة الحزب الحاكم .


+ من تري من المرشدين الستة الذين خلفوا حسن البنا الأقدر علي الانتقال بالجماعة نحو ما تبشرون به من أفكار ؟


ـ التلمساني حقق شيئا ما في هذا الاتجاه. تسلم الإخوان وهم مثخنون بالجراح. وكانت ظروفه بالغة السوء، فأوجد نوعا من “السلام البارد” بينه وبين الرئيس السادات وحكمه ، مما حفظ لهم كيانهم إلى حد كبير جدا. و كان من المفترض بعدما استعادوا قوتهم أن ينطلقوا الي الفعالية . لكنهم يستكينون. ربما كانت هذه هي الطبيعة الإنسانية .


المؤسس والمرأة

+ كيف كان حسن البنا يعامل المرأة؟


ـ كان يكتب لوالدته :” سيدتي الوالدة” ..


+ هل كانت زوجته محجبة؟


ـ نعم

+ لكن الأخت لم تكن ؟


ـ الأخت غير الزوجة. أختنا “فوزية ” لم تتحجب في حياة الشهيد حسن البنا. فقط بعدما تزوجت و ذهبت الي السعودية فحجبت..أي حجبوها.


+ هل الأفكار التي طرحها “حسن البنا” صالحة في رايكم لمشروع نهضوي الآن ؟


ـ تجاوزها الزمن. لكن أساسها صالح، لأنه تحدث عن مشكلاتنا السياسية في ضوءالنظام الإسلامي. وهذا أمر بالغ الاهمية. حسن البنا أيد دستور 1923 الليبرالي، و نصح باعتماد نظام الانتخابات بالقائمة. لم يستخدم كلمة ” الحاكمية الإلهية “. ولقد استشهد بكلمات القبطي ” مريت غالي “، و لم تكن لديه أي حساسية في ذلك. وهذا أساس صالح، لكنه كان من الضروي أن يصل إلى نهايته. و عندما يسألونني مستنكرين : آراؤك مختلفة عن آراء أخيك ؟ ، أجيب : أنتم تقولون ذلك بعد خمسين سنة، و لو بقي الشهيد حسن ربما اختلفت وتطورت آراؤه و غير في الإخوان المسلمين. هو في عام 1928 أسس الإخوان كطريقة صوفية صغيرة بالإسماعيليةن وبعد أقل من عشرين سنة أصبحت هيئة دولية تقدم الإسلام كمنهج حياة. ولو عاش الرجل عشرين سنة أخري كان قام بنقلة في تنظيم و سياسة الإخوان تماثل النقلة السابقة : من طريقة صوفية الي هيئة دولية .


من اغتاله؟


+ هل لكم كلمة جديدة فيما يتعلق بقضية اغتيال شقيقكم في فبراير 1949؟


ـ الملف أغلق ( تم إغلاقه) مع مقتل الضابط “محمد وصفي” رئيس حرس الوزارات، وكان علي علاقة بالجهات الامريكية و الأوروبية. ومن المحتمل أن يكون هناك خيط مع مجموعات للمخابرات الأمريكية نشطت بالمنطقة في هذا الوقت، وكان لها يد في انقلابات جرت في سورية وإيران .


+ هل توجهون الإتهام الآن للمخابرات الأمريكية وليس للحرس الحديدي التابع للملك ، وكما هو شائع إلى حينه ؟


ـ إنه ليس الحرس الحديدي. لقد زجوا به إلى القضية لإخفاء الفاعل الحقيقي. أما دور المخابرات الأمريكية فأنا لا استبعده . والتنفيذ شئ، أما رسم الخطة واتخاذ قرار الاغتيال فشئ آخر.


+ كيف تقومون منزلة شقيقكم في الفكر والحركة الاسلامية المعاصرة؟



ـ الدعوة الإصلاحية وحركة التنوير عندنا بدأت من جمال الافغاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وسارت عملية الإصلاح في طرق متعرجة من محمد عبده وقاسم أمين إلى رشيد رضا فحسن البنا. أخذ البنا السلفية الميسرة من رشيد رضا، وجعلها منهج حياة بعد أن عدل وبسط أفكارها. والأهم أنه دفع بها إلى الجماهير والشارع مستفيدا من قدراته التنظيمية ، وكذا أعاد إليها القسمة الجهادية التي اضطر محمد عبده للتنازل عنها لاعتبارات سياسية. كان سابقوه الثلاثة بالأساس رجال فكر و تنظير، أما هو فكان رجل عمل وتنظيم، وانطلاقا من أنه “تربوي “. لكن المشكلة تكمن في أن قائد الجماهير لم يكن بإمكانه ان يكون سيدا لهم وبالأساس هو يلحظ الاعتبارات الواقعية لجمهوره.
ولقد كانت بيني وبين شقيقي خلافات وملاحظات، ولم أكن من الإخوان المسلمين في يوم من الأيام. وكنت أقول له هذه الملاحظات فيسمعها ويبتسم. الآن فقط يمكنني أن افهم ما الذي كان يدور في خلد أخي؟. أنا راجل حر أستطيع وقادر على أن أقول ما أريد، وهو رجل قائد لخمسمائة ألف شخص يجب أن يلحظ العديد من الاعتبارات. وكلها قيود علي انطلاقته. كان يعمل بسياسة المراحل، و أولها أن يجمع المسلمين على شعارات عامة لا خلاف عليها مثل : ” القرآن دستورنا .. والله غياتنا “. لكنه أيضا دفع بالشيخ سيد سابق ليؤلف كتاب “فقه السنة” ليتجاوز فقه المذاهب. على أن حسن البنا اغتيل وعمره 42 سنة، و لم يترك له أن يستكمل رسالته. اغتيل بعد عشرين عاما من العمل الدعوي، وخلالها استطاع إقامة هذا الهيكل القوي العنيد “الاخوان المسلمون”. استشهد حسن البنا في أشد الأوقات حاجة إليه، فتوقف ما شرع فيه من إصلاح عند حدود أدني مما هو مطلوب. أما الأحداث اللاحقة فقد أدت الي مزيد من الانتكاسات: من ظهور عبد الناصر ثم دور السعودية والطفرة النفطية في السبعينييات ثم الخميني. وكلها قوي انتكست بالفكر الإسلامي، وألبسته صورا كالوهابية أو الثورية بالمعني الجهادي و غيره . وهكذا تم عرقلة الإصلاح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *