داود عبد السيد.. فيلسوف السينما وصاحب «قدرات غير عادية» على منصة التكريم (بروفايل)

كتبت- ليلى فريد  

مخرج ترك بصمته الخاصة في أعماله التي حاز أغلبها على رضاء الجمهور وإشادة النقاد، إنه المخرج الكبير داود عبد السيد، الذي أعلن، الثلاثاء، فوزه بجائزة النيل في الفنون، تتويجًا لرحتله الممتدة مع الإبداع. 

ولد داود في 23 نوفمبر 1946، بدأ مسيرته الفنية في نهاية الستينيات من القرن الماضي، وبالتحديد عام 1968، حين عمل مساعد مخرج في فيلم “الرجل الذي فقد ظله”، ليغير مسار حياته بعد ذلك. 

كان يرغب في البداية أن يعمل صحفيا، إلا أنه أحب السينما بالصدفة حين ذهب مع ابن خالته إلى أستوديو جلال، إلى جانب مشاهدته فيلم “أورفيوس الأسود” للمخرج مارسيل كامو، الذي تأثر به كثيرا وقتها، فقرر أن يلتحق بمعهد السينما، وبالفعل كان ضمن الدفعة الخامسة للمعهد مع المخرجين علي بدرخان وخيري بشارة، وتخرج داود من المعهد عام 1967، عام النكسة. 

منذ بدأ فيلمه الروائي الأول “الصعاليك” عام 1985، وحتى فيلمه الأخير “قدرات غير عادية” 2015، لم يقدم سوى 9 أفلام فقط، كان يعمل عليها بتأنٍ، فكان يكتب السيناريو بنفسه إلى جانب الإخراج، ما عدا “أرض الأحلام” الذي كتبه هاني فوزي. 

اعتمد داود عبد السيد أسلوب الواقعية السحرية في أفلامه التسعة التي قدمها، واهتم بتقديم نماذج مهمشة على جانب الحياة تحاول أن تحقق بعضا من الأحلام، بجانب بعض الإسقاطات السياسية غير المباشرة التي تضمنتها أعماله. 

وفي بداية العام الجاري فجر المخرج الكبير مفاجأة بإعلانه أنه اعتزل الإخراج، وقال المخرج الكبير وقتها لـ (درب) إن قرار اعتزاله، ليس قرارا احتجاجيا ولكنه “تحصيل حاصل” أو توصيف لوضع موجود، منذ فترة طويلة، لا يمنعه فقط من العمل، ولكن يمنع كل من يحاول تقديم سينما تعبر عن الواقع، قائلا ” أنا لم أقل جديدا أنا كنت باعتبر الاعتزال حصل بالفعل”. 

وأضاف عبد السيد في تصريحات خاصة لدرب، أنه لم يكن يتصور أن كلامه عن الاعتزال سيثير كل هذه الضجة، موجها الشكر لكل من اهتموا بتصريحاته. 

 وتابع: “لو عرفت من البداية، أن كلامي سيثير كل ردود الأفعل هذه ربما ما كنت أعلنت اعتزالي، لكن ذلك لم يكن سيغير من الوضع شيئا، فما قلته تحصيل حاصل وأنا لا أعمل منذ فترة، فالمناخ لا يسمح بسينما حقيقية تصل لجمهور عام وتعبر عنه، وليس متوقع أن يتغير الأمر في القريب”. 

وأشار إلى أن “الأزمة لا تخص داود عبد السيد، ولكنها تخص مهنة، وجيل مختلف من حقه أن يعبر عن نفسه وعن واقعه، لكنه لا يستطيع التعبير عن نفسه، والمناخ الحالي لن يتيح له ذلك”.  

وحول أسباب، هذا الإعلان قال عبد السيد، إن كل الأسباب موجودة، “مناخ عام لا يصلح لعمل فني درامي، ربما يسمح بالاشكال الأخرى كالكتابة والرسم لكنه لا يصلح لتقديم عمل سينمائي، ونظام احتكاري في الإنتاج، ورقابة بشعة، مضيفا كنت دائما اعتبر الرقابة بشعة، لكن الرقابة الحالية أسوأ بكثير مما كانت قبل ذلك”. 

وتابع عبد السيد في سرده للأسباب مشيرا إلى أن جمهور السينما الحالي هو أحد هذه الأسباب، حيث حدث تغير في طبيعة الجمهور، موضحا إن هذا التغيير بدأ مع ما عرف بالسينما النظيفة، وتواكب مع سينمات المولات بأسعار تذاكرها المرتفعة، والتي استبعدت قطاعات واسعة من جمهور الطبقة الوسطى، بعد أن وصل سعر التذكرة إلى 100 جنيه طبقا لآخر رقم وصل لي، مشيرا إلى أن ذلك يعني استبعاد الجمهور الرئيسي للسينما في ظل أوضاع اقتصادية صعبة ومستويات الأجور الحالية، فالسينما هي فن الطبقة الوسطى وفن المدينة واستبعاد جمهورها يعني إغلاق المجال للعمل، فعندما تستبعد الطبقة المتوسطة فأنت تقوم بعمل تغيير للجمهور، ذو الاهتمامات الاجتماعية وتأتي بجمهور لديه هموم مختلفة، ويركز على التسلية، وهذا ما تفعله السينما التجارية. 

وواصل عبد السيد تحليله للمناخ السائد وتوصيفه لوضع السينما قائلا: ”على الضفة الأخرى من السينما التجارية، ستجد أفلام الشباب، “اللي بيعملوا أفلام ممولة”، وأنا لست ضد التمويل بمعناه السياسي الذي يتكلمون عنه، ولكن مشكلة التمويل بالنسبة لي، أن الفيلم يتم اختياره، حسب رؤية الممول وليس الجمهور”، وتابع: هذا لا ينفي أن هناك أفلام هايلة من بين هذه الأفلام ، لكن مشكلتها أنها ليست موجهة للجمهور أو أن جمهورها محدود”. 

يضاف إلى هذه الأسباب – والكلام لازال لداود عبد السيد- المناخ العام، وهو مناخ الحريات الموجودة في المجتمع، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تعرقل العمل، فالحريات بمثابة الأكسجين للسينما والفن، وفي رأيي أنه طالما هناك من يتم حبسهم لتعبيرهم عن رأيهم فلن يكون هناك مناخ ملائم للعمل، القضية هي “فيه اكسجين ولا مفيش”، فأنا لو كنت سأتعرض للحبس بسبب فيلم بعينه فربما لن أقوم بعمله، وأستطيع أن أقول أنه لن يكون هناك فرصة حقيقية للعمل طالما هناك من يتم حبسهم بسبب تعبيرهم عن رأيهم”. 

وحول بداية حل هذه المعضلة قال عبد السيد ” الحل في رأيي أن تقوم الدولة بدعم السينما، على أن يكون هذا الدعم موجها لسينما بعينها، بدلا من فرض رسوم تصوير باهظة في الشوارع”، وتابع “لازم الدعم يختار، ويتم توجيهه لسينما تعبر عن الجمهور الواسع، حتى يتيح للجيل الجديد التعبير عن نفسه، وكما قلت فإن هذا الحل يلزمه مناخ يتيح لهم التعبير عن هذه الهموم” 

جوائز وتكريمات 

يأتي التكريم الأخير بالفوز بجائزة النيل امتدادًا لتكريمات متعددة حصل عليها المخرج الكبير، والذي استطاع خلال مشواره أن يحصد العديد من الجوائز والتكريمات، منذ أول أفلامه “الصعاليك” الذي حصل على جائزة العمل الأول من مهرجان أسوان الأكاديمي. وحصل فيلمه الثاني “البحث عن سيد مرزوق” على أكثر من جائزة، منها جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي، وجائزة مهرجان “خربكة” للسينما الأفريقية بالمغرب. 

أما فيلم “الكيت كات”، فحصل على الجائزة الذهبية من مهرجان دمشق، وجائزة السيناريو من مهرجان معهد العالم العربي بباريس، وجائزة بمهرجان الإسكندرية السينمائي، وجائزة المهرجان القومي للسينما، وجائزة أوسكار السينما المصرية كأفضل سيناريو وإخراج. 

وحصل فيلم “سارق الفرح” على الجائزة البرونزية من مهرجان دمشق السينمائي، وجائزة الجمهور من مهرجان سورنتو بإيطاليا، وحصل “أرض الأحلام” على جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة، كما صنف فيلمه “رسائل البحر” ضمن أفضل 100 فيلم عربي من مهرجان دبي السينمائي في عام 2013، وفي عام 2018 تم تكريم داود عبد السيد من مهرجان الجونة السينمائي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *