حكايات من دفتر بطولات التمريض: قصص إنسانية وتضحيات ولحظات خوف وفرح وشوق للأهل (بصة الرحمة والخير في مواجهة كورونا)

220 ألف ممرض يواجهون الوباء.. و10 وفيات في قائمة الشرف.. وممرضة تبكي لدرب: الآن اكتشفوا الإصابة 12 بين زملائي

منى عبدالعاطي ممرضة بمستشفى النصر ببورسعيد نقلت ماكينة خياطة للمستشفى لتصنيع الواقيات الشخصية لزملائها بالمجان

نقيبة التمريض: نقدم 70% من الخدمات الطبية للمريض .. وكثير من أطقم التمريض لم يعد لمنزله منذ أسابيع

محمود هاشم

بينما يهم المواطنون مسرعين للعودة إلى منازلهم قبل دقائق من بدء سريان حظر التجوال، تتقابل معهم همت مصطفى، الممرضة في مستشفى حميات حلوان، في الطريق المعاكس، متحفزة لمعركة جديدة باتت تخوضها كل ليلة في سبيل إنقاذ حياة من خطر الموت الذي يحوم حولها من عدو غير مرئي، ففي الثامنة مساء على الأكثر ينبغي أن تكون موجودة في قسم العزل بالمشفى، لتقديم العناية لمرضى فيروس كورونا المستجد، واستقبال حالات جديدة مصابة.

تشعر همت بالقلق، وهي تسترجع في ذاكرتها إصابة 12 من زميلاتها في المشفى خلال رعايتهم حاملي هذا الوباء الخبيث، تتذكر سريعا طفليها الاثنين ووالدتها المسنة، وعدم تقبيلها لهم بعد عودتها من العمل، بينما بينتابها الحزن وهي تعلم أنه لا يمكنها حتى لمسهم، خوفا من أي نقل عدوى محتملة لهم.

ما تزال أطقم التمريض تخوض معركتها نحو المساهمة في شفاء ضحايا جائحة كورونا المستجد، متسلحة بسترات واقية وإيمان راسخ بقدسية مهنتها في رفع البلاء عن المصابين في مستشفيات العزل، بينما يضحي أفرادها بجهدهم والتزاماتهم الشخصية والأسرية، بل وحياتهم في سبيل التزامهم تجاه عملهم، دون انتظار تقدير يستحقونه وأكثر.

تعمل همت 12 ساعة يوميا في رعاية المصابين في العزل الصحي، بالإضافة إلى ذلك تقدم خدمات التمريض المنزلي لحالات الاشتباه أو الإصابة في بيوتهم، حال عدم قدرتهم على التوجه للمستشفيات أو سوء أوضاعهم الصحية.

وتحكي لـ”درب” عن كواليس عملها في رعاية المرضى بكورونا، قائلة: يومي الأول في التعامل مع المصابين كان الأصعب، كنت أشعر بقلق ورهبة شديدين لعدم معرفتي بماهية المرض الذي أتعامل معه، خاصة مع تشابه الأعراض مع الإنفلونزا العادية، ما دفعني لتشديد إجراءاتي الاحترازية في الوقاية من الفيروس في أثناء التعامل المباشر مع المرضى”.

وتضيف: “في البداية لم أصدق نبأ استدعائي للعمل في العزل الصحي، وكنت أتعامل مع الأمر بفكاهة، خاصة أن علاقتنا بكورونا كانت ما نسمع عنه في بلدان أخرى، قبل ظهور حالات مؤكدة في مصر، قابلت القرار بالقبول وبدأت العمل فعليا، لكنني كنت مرعوبة في داخلي”.

ساعات ممتدة طوال الليل والنهار تقضبها أطقم التمريض بين أسرة المصابين، تارة لرعاية هذا وأخرى لعلاج ذاك، تاركين أسرهم وأطفالهم، ومقدمين عشرات الأبطال من المصابين والمتوفين في سبيل إنقاذ حياة من فيروس لم يستدل له على علاج حتى الآن.

وتروي إحدى الممرضات في مستشفى إسنا المركزي عن تكليفها لاستقبال حالات العزل، مشيرة إلى خضوعهن لجلسات تأهيل ودعم نفسي للتعامل مع المصابين، وتضيف: “بنهدي العيان ونطمنه، ومعظم الوقت بنبقى مستنيين الشيفت ييجي علشان نتطمن عليه”.

وتقول أخرى، تعمل في الحجر الصحي بالمستشفى منذ 6 مارس الماضي: “نواصل مهمتنا على مدار 24 ساعة دون انقطاع إلا لأوقات قليلة طوال اليوم، معظم الوقت نتلقى حتى في ساعات نومنا استدعاءات لمتابعة الحالات داخل الأقسام، ليس لدينا وقت معين للنوم أو الأكل أو الشرب طالما كانت هناك حالات في حاجة للرعاية”.

ممرضة ثالثة تكشف عن الدعم النفسي الذي تتلقاه من أسرتها في سبيل مهمتها لإنقاذ المرضى، مشيرة إلى أنها لم تخبر زوجها فور استدعائها للعمل بالحجر الصحي لظروف سفره، إلا أنه حينما عاد شجعها على استكمال عملها، مؤكدا أنه واجبها الذي يجدر عليها تقديمه لمحتاجيه.

لمشاهدة الفيديو: اضغط هنا

وأما منى عبدالعاطي إحدى الممرضات في مستشفى النصر ببورسعيد، نقلت ماكينة خياطة إلى المستشفى لتصنيع الواقيات الشخصية لزملائها بالمجان، تطوعا بالمسؤولية.

ويبلغ إجمالى أعضـاء هيئة التمريض القائمين بالعمل فعلا 221.06 ألف ممرض حتى عام 2018 مقابل 213.6 ألف ممرض عام 2017 بنسبة زيادة قدرها 3.5%، من بينهم 196686 ممرضاً قائمين بالعمل بالفعل في القطاع الحكومي، 24379 ممرض قائمين بالعمل في المستشفيات الخاصة والمنشآت العلاجية التي ليست بها عيادة داخلية، فيما بلغ إجمالي عدد أعضاء نقابة مهنة التمريض 252950 عضوا في العام ذاته، مقابل 247830 عضوا في عام 2017، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

لم يعترض أي من أفراد أسرة همت على عملها لخدمة المصابين بكورونا في البداية، لكن مع تزايد حالات الإصابة بدأوا القلق على حياتها، وطالبوها بالاعتذار عن استكمال مهمتها، إلا أنها قابلت دعوتهم بالرفض.

لكنها تستدرك: “ما زلت يوميا أشعر بالخوف الشديد على صحة والدتي المسنة، خاصة أنني من أتولى رعايتها، إلى جانب خوفي على طفلي، لكنني كلما تحدثت معها في الأمر كانت تقول: خليها على الله، أحيانا أتأثر بكلمات ابنتي الصغيرة المتعلقة بي بدرجة شديدة وهي تطالبني بالبقاء في المنزل، وفكرت كثيرا في الاعتذار عن العمل، لكن إيماني برسالة المهنة يمنعني كل مرة من مجرد التفكير في التقصير في حق أي مريض بحاجة للرعاية، خاصة في ظل الأزمة الحالية”.

تتحسس الممرضة الشابة خطواتها كلما عادت إلى منزلها بعد يوم طويل من التعب والإرهاق وتجنب الخطر، وتحاول دوما مراعاة وجود مسافة آمنة بينها وبين أفراد أسرتها الصغيرة تأمينا لهم، في الوقت الذي تعمل قدر الإمكان على التوفيق بين عملها والتزاماتها الأسرية، وعدم التقصير في مهمتها تجاه أي منهما.

وتتحدث همت عن الابتسامة التي لا تغيب عن وجهها وزملائها، وهم يستقبلون الحالات الإيجابية في مستشفى العزل، يداعبون الأطفال بالألعاب، ويهونون من وقع المرض على الكبار، في محاولة لتخفيف آثار قلقهم، بينما يحوم خطر الوباء حولهم في كل وقت، وبحكم عملها في الرعاية المركزة، تتولى مسئولية كل ما يتعلق برعاية المرضى من وسائل علاج، وطعام وشراب، وتغيير ملابس بعضهم أحيانا، خاصة غير القادرين على الحركة بأنفسهم، لوجودهم على أجهزة التنفس الصناعي.

وتقول: “أسعد كثيرا برسائل وعبارات الشكر والإطراء التي أتلقاها وزميلاتي من المرضى على عدم التقصير في التعامل معهم، ويكاد المكان يتحول إلى قاعة احتفالات حال تحول نتيجة أي منهم من إيجابية إلى سلبية واستعداده لمغادرة المستشفى”.

في كل مناسبة للحديث، تشدد نقيبة التمريض كوثر محمود، على أن أعضاء هيئة التمريض يمثلون عصب منظومة الصحة، ليس في مصر فقط بل في العالم، حيث يؤدون أكثر من 70% من الخدمات الطبية للمريض، كما تجوب فرق تابعة للنقابة العامة مستشفيات العزل والحميات والصدر لمتابعة أوضاع الأطقم والاستجابة لمطالبهم وشكاواهم.

وأوضحت كوثر، في تصريح لـ”درب”، أن التمريض أكثر فئة معرضة للعدوى، نظرا لاحتكاك أفرادها بالمرضى أكثر من غيرهم، مؤكدة أن كثيرا منهم لم يعد إلى منزله منذ أسابيع، ويمكث في مستشفيات العزل لمدة تصل إلى ما يزيد عن 40 يوما.

وألمحت كوثر إلى نقص المستلزمات وأدوات الحماية اللازمة بعض المستشفيات لحماية الأطقم الطبية، لافتة إلى أن جائحة كورونا سلطت الضوء على دور التمريض وما يقدمونه من جهود لخدمة المرضى.

بعد جائحة كورونا، لم تعد حالات الإصابة والوفاة نتيجة الفيروس داخل المستشفى تقتصر على المرضى، بل امتدت في أحيان كثيرة إلى أعضاء الطاقم الطبي، وحتى 3 يونيو، بلغ عدد حالات الوفاة بين أطقم التمريض؛ بسبب «كوفيد – 19» ما يزيد عن 10 حالات، فضلا عن عشرات المصابين، بحسب نقيبة التمريض، التي أشارت للمطالبة بتخصيص مجموعة من الأسِرة لاستقبال أعضاء الفريق الصحي المصاب.

وبينما تواصل همت حديثها لـ”درب”، صمتت فجأة وبدت عليها علامات الصدمة والذهول، قبل أن تبدأ بالبكاء بعد تلقيها اتصالا يخبرها بإيجابية تحاليل إحدى زميلاتها، التي فضلت الدخول في عزل منزلي، لرعاية أبنائها ومن بينهم رضيع، أصيبوا جميعا ويتلقون العلاج حاليا.

وتتابع: “ليست هذه الحالة الوحيدة فهناك 11 ممرضة أخرى من زميلاتي محجوزات لإصابتهن بالفيروس، بالإضافة إلى أحد الأطباء، وفي الفترة الأخيرة، اضطر المستشفى لعدم استقبال حالات إضافية لامتلاء أسرة المرضى بالحالات، وعدم وجود أماكن إضافية، لكن كان يتم توجيههم للعزل المنزلي”.

وعلى الرغم من الخطر الذي يحيط بهم من كل جانب، إلا أن الأطقم الطبية ضربت أروع الأمثلة في التضحية والإنسانية، حيث كشفت كوثر محمود عن عودة ممرضين وممرضات إلى مستشفيات العزل بعد تعافيهم من الإصابة بالفيروس: “مخافوش يرجعوا تاني ومخافوش من العدوى على الرغم من علمهم بإمكانية إصابتهم بالفيروس مرة أخرى، النقابة لديها 220 ألف مشروع شهيد في ظل أزمة كورونا”.

وتوضح أن النقابة قررت دعم المصابين من أعضائها بفيروس كورونا بمبلغ 2000 جنيه لكل منهم، مع تقديم الدعم النفسي لهم، وتلبية احتياجاتهم، لافتة إلى تلقي الحالات الإيجابية إعانات ومعاشات استثنائية تقديرا من النقابة لهم، مقابل صرف 20 ألف جنيه لحالات الوفاة.

التضحيات التي تقدمها “الأطقم الطبية” ما تلبث أن تجد صداها من نزلائهم ضحايا الجائحة، وهو ما يفسره عدد من المرضى في مستشفيات العزل، معبرين عن محبتهم وتقديرهم للممرضة إسراء شاهين في مستشفى بلطيم، وسعادتها الغامرة مع ظهور سلبية تحاليل أي منهم، كأنها نفسها من شفيت.

مريضة أخرى استقبلتها إسراء في مستشفى العزل، تصف الممرضة قائلة: “منساش بصة الرحمة والخير في عينيها، كانت حرارتي عالية جدا، وكنت تعبانة مش قادرة أمشي، شالت عني حاجتي كلها، ولما لقلت لها أنا تعباني، قالت أنا موجودة علشان خدمتك”.

لمشاهدة الفيديو: أضغط هنا

قبل أيام قليلة، صدمت الأطقم الطبية – بما فيها التمريض – من البروتوكول الذي أصدرته وزارة الصحة، والذي ينص على عدم السمح بعزل المصابين من الأطقم الطبية، أو إجراء مسحات لهم وللمخالطين للمرضى، وهو ما وصفته وكيل نقابة الأطباء السابقة الدكتورة منى مينا بأنه وصمة عار في جبين وزارة الصحة، خاصة أنه يتسبب في انتشار المرض بشكل واسع، مطالبة بتوفير الحماية المطلوبة للأطقم الطبية، قبل أن تعدل الوزارة عن قرارها بتعديل البروتوكول.

وقدم النائب عبدالحميد كمال وأكثر من 60 نائبا آخرين، مشروعا لتعديل القانون رقم 16 لسنة 2018 بإصدار قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، ليتضمن إضافة ضحايا الأطباء وأطقم التمريض والعاملين بالإسعاف، أثناء عملهم في مواجهة كورونا، إلى الصندوق.

وأوضح النائب في المذكرة الإيضاحية أنّ الأطباء وأطقم التمريض والعاملين بالصحة جنود هذه المعركة التي تخوضها مصر لمحاصرة عدوى كورونا بكل السبل، ما يستوجب توجيه الشكر والتقدير لهم لدورهم الملموس في علاج المصابين بكورونا، الذي لا يقل عن دور الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب.

كما قدم رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب محمد فرج عامر، مشروع قانون لمعاملة شهداء المنظومة الصحية خلال مواجهتهم فيروس كورونا، على غرار شهداء الجيش والشرطة، لافتا إلى أنهم لم يترددوا لحظة في مواجهتهم مع فيروس كورونا وهم يعلمون تمام العلم أنهم من الممكن أن يتعرضوا إلى الإصابة بهذا الفيروس اللعين.

وفي اجتماعهما مؤخرا، كشف نقيب الأطباء الدكتور حسين خيري عن اتفاقه مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، على معاملة ضحايا الأطقم الطبية من مصابي كورونا (كوفيد-١٩) معاملة الشهداء، لافتا إلى تحمل صندوق مخاطر أعضاء المهن الطبية بتكاليفهم، مع توسيع إجراء تحاليل PCR فورية لهم، وتنفيذ القرار السابق بتخصيص أماكن لعزل أعضاء الفريق الطبية فى كل مستشفى.

تمني همت نفسها باقتراب اليوم الذي ينتهي فيه كابوس هذه الجائحة، بحسب وصفها: “عاوزة أرجع آخد أولادي ووالدتي في حضني من غير ما أخاف عليهم، يا ريت الناس تستوعب خطورة الوضع، وتخلي بالها من نفسها ومن غيرها، لحد ما الأزمة تعدي على خير”.

وفيات التمريض في مواجهة كورونا.. (قائمة شرف)

1-    ماجدة محمد على، ممرضة بمستشفى بولاق الدكرور

2-    سهام محمد عبده، مركز الكلى والمسالك بمحافظة الدقهلية

3-    محمد المحسناوي شهيد التمريض بمستشفى النجيلة

4-    عطيات محمد عربود في مستشفى الصدر بدمنهور

5-    ابتسام عبدالفتاح إبراهيم  توفيت أثناء عملها في أحد مستشفيات العزل.

6-    سهير حلمي  بمستشفى الجراحة بالدمرداش

7-    أحمد بدر مستشفيات جامعة الزقازيق

8-    عواطف عبدالصادق، مستشفيات جامعة الزقازيق.

9-    صفاء محمد علي التي كانت تعمل بمنطقة غرب الطبية في الإسكندرية

10-  هدى عبده توفت بمستشفي هليوبوليس نتيجة لإصابتها بفيروس كورونا أثناء تأديه عملها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *