حديث عن الفن والفقر| كيف تناول قراء “درب” أزمة “ريش”: ليست أزمة نخبوية.. فنان من غير ناس ينداس

كتب – أحمد سلامة

قد تكون الأزمة في ظاهرها “نخبوية” تتعلق بالسينما والفن، لكن أثرها امتد واتسع بشكل كبير ليتحول إلى حديث يتعلق في صُلبه بالفقر والفقراء، و”النفاق والتطبيل”، وبالألم الذي يعيشه المواطن دون أن يشعر به حتى من يجسد دوره على الشاشة الفضية.

بحجة الإساءة لسُمعة مصر انسحب عددٌ من المحسوبين على الفن وهم شريف منير وأشرف عبدالباقي وأحمد رزق من فيلم “ريش” الذي تم عرضه خلال مهرجان “الجونة” السينمائي، وهو الفيلم الحاصل على جائزة مهرجان “كان” إضافة لجائزة أفضل فيلم ضمن جوائز روبرتو روزيليني في مهرجان “بينجياو” السينمائي الدولي، المُقام في الصين.

التكفير على الطريقة الفنية

في تقرير بعنوان “التكفير على الطريقة الفنية: فنانون ينسحبون من عرض الفيلم لتناوله معاناة الفقراء”، جاءت تعليقات قراء “درب” لتكشف حجم الاستياء الكبير من ذلك الموقف الذي اتخذه الفنانون المنسحبون إزاء أحد الأفلام لمجرد مناقشته قضايا الفقر.

فقال عمر أبوالسعود “المنسحبين هم من يسيئون للفن ولمصر بأعمالهم التافهة، فيما قال يونان كامل “اعتقد اللي انسحبوا من عرض الفيلم تم انسحابهم خجلا من رغدة معيشتهم أمام فقراء الوطن وليس غيرة علي الوطن”.. أما مارو عمر فقد أكدت أن “الواقع في مصر أسوأ من إن فيلم يعرف يعكسه، ممثلين تعبانين في نفوخهم”.

حساب باسم شادي سامان علق على تقرير “درب”، قائلا “المنسحبين من العرض يرفضون رؤية والاعتراف بوجود واقع أليم للمجتمع المصري الذي يعاني فعلا من الفقر والحاجة والشح في توفير أقل القليل من عيشة كريمة لهم وأسرهم.. هم في عالم الجونة المغيب”.

ويضيف في تعليق آخر “بما إنكم مغيبون أرجو أن تنظروا إلى المدارس بلا مقاعد للتلاميذ مفترشو الأرض والأطفال باعة المناديل في الشارع.. ودور الأيتام التي تقفل وتطرد المقيمين بها في الشارع لتوسعه حرم الجامعة ورغيف العيش منزوع الدعم هيبقى عشرين قرش بدل خمسة مع قلة وزنه والأطفال المتسربين من التعليم لعدم القدرة على دفع المصاريف وغيرها.. من فضلكم انظروا حواليكم كويس ولا داعي لتجاهل الواقع.. لا تكونوا أعمى البصر والبصيرة والمفروض انكم بانوراما للواقع عيب، خصوصا أنكم أصلا ممثلين من أصول طبقه متوسطة يعني مش من عالم تاني، كده عييييييييب عليكم”.

وتوالت تعليقات قراء “درب”، فيقول حساب باسم حازم عبدالرحمن “اللى غادروا العرض دى ناس بتمثل علينا مش بتمثل لنا”، فيما قال عمرو أبو زايد “الفنانين بقوا ملكيين أكتر من الملك”، فيما قال محمد الزاهد “المنسحبين يبدو أن الصورة مستهم أو صدمتهم لأنها ربما عكست واقعهم الاصلي شديد التواضع قبل الشهرة و الثراء و ليس هذا عيب و لكن العيب المغمس بالعار هو لمن يكره أصله و ينساه و ينسي قضايا امته و همومها الحقيقية و ينافق بابتذال”.

الفقراء الذين لا يعرفونهم

في موضوع آخر نشرته “درب” حمل عنوان “الفقراء الذين لا يعرفهم شريف منير ورزق وعبدالباقي.. 31 مليون مواطن يعيشون الحد الأدنى من الحياة”، تفاعل المئات مع التقرير الذي يتناول جوانب وحياة الفقراء في مصر، تلك التي لا يعرف عنها بعض الفنانين شيئا.

محمد ناصر، قال في سياق تعليقه على التقرير، “أكثر ما يسئ إلى سمعة مصر أن يكون فيها الفقراء بالعدد ده والشكل ده وبهذه النسبة ويكون فيها أمثال ما يطلق عليهم فنانين كانوا يقولون زمان إن الفن (مرآة المجتمع)، الفقراء والمساكين يدفعون مرتبات هؤلاء بأشكال مختلفة لأن الفنان من غير ناس ينداس”.

محمود سامي أعاد نشر فقرة من تقرير “درب”، كُتب فيها “وما هو الذي يسئ لمصر صورة الفقر أم الفقر نفسه، صورة معاناة الناس أم المعاناة ذاتها، صورة التلاميذ يجلسون على أرض أحد الفصول أم معاناة التلاميذ ما الذي يسئ لمصر أكثر، وإذا كنتم اعترضتم على الصورة فهل تعترضون على الأصل”.

ليس محمود سامي وحده الذي أعاد نشر مقطع من التقرير، عدد كبير من القراء اتخذ نفس الخطوة حينما أعادوا نشر الموضوع عبر صفحاتهم.. ومنهم من نشر “الأرقام” التي تم تناولها نقلا عن “التقارير الرسمية والحكومية” وهي الأرقام التي أكدت أن نحو 5 ملايين مواطن ينامون بدون عشاء، و60% من سكان الريف (أكثر من 57 مليون إنسان) ليس لديهم صرف صحي.. و14 مليون تلميذ لا يستطيعون دفع 300 جنيه مصروفات دراسية، إضافة إلى ما أكده البنك الدولي حينما قال إن  60% من سكان مصر فقراء أو عرضه للفقر.

عن أسواق البقايا وآكلي هياكل الدجاج

في تصريح للباحث الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قال إلهامي الميرغني إن “أية دراما لا يمكن أن تصف واقع الفقرا المؤلم في مصر”، مستشهدا بدراسة للدكتورة هبة الليثي مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والأستاذة في كلية السياسة والاقتصاد التي أكدت انخفاض استهلاك الأسر المصرية من الغذاء من 2015 إلى 2018 بنسبة 5.1% فاصبحوا يأكلون أقل فضلا عن نوعية الطعام وجودته وتنوعه، كما تم تخفيض استهلاك اللحوم والأسماك والطيور بنسبة كبيرة.
وأضاف الميرغني أن نحو 2.3 مليون مواطن فقدوا وظائفهم وانخفض دخلهم بنسبة 70% واضطروا إلى خفض استهلاكهم، بسبب أزمة كورونا.

كثيرون تفاعلوا وانفعلوا مع ما ذكره موضوع “درب” من أرقام وحقائق، فقالت كوكب حسين “الله ينور عليك أستاذنا الرائع.. فعلا هؤلاء انسلخوا حتى من طبقتهم ليسوا ولاد أغنياء منهم ابن بقال أو موظف أو أو أو أو يعني كانوا طبقات متوسطة، اليوم انسلخوا ويريدون أن لا يروا صور تذكرهم بالماضي”.
وأضافت “للأسف بيل جيتس لم ينسلخ من طبقته ولكن مازال يقدم لفقراء أمريكا والعالم كل ما يستطيع إنسان حقيقي من مساعدات هنا مجدي يعقوب لا يمل من عمل كل مابستطيع لينقذ قلوب الفقراء من الموت”.
واستكملت “هؤلاء -تقصد المنسحبين من عرض الفيلم- لا يريدون إلا المتع الحسية فقط وليتهم يفقهون في السينما، السينما جاءت لهم في غياب الفن الحقيقي.. أفلام صلاح أبو سيف ويوسف شاهين كلها عن البسطاء والفقراء ومع ذلك قوبلت بالترحاب وكللت بالنجاح”.

مهدي حجازي أشار في تعليق إلى أمر آخر، حيث قال “الفيلم جرح احساسهم ما يروحوا يشوفوا محمود سعد اللى راح الفيوم للسيدات اللى بيشتغلوا ببلاش فى تنظيف الجمبرى بتاعكم عشان يعينى ياخدوا القشر فقط يأكلوا للبط لمدة ثلاث شهور من اجل ٥٠ جنيه يبيعوا بيها البطة على الطريق دى مصر اللى مزعلاكوا”.

كفاية نفاق ومزايدة

تناول “درب” العديد من التصريحات التي أدلى بها كثير من الفنانين دعمًا لفيلم ريش ومخرجه وفريق عمله، لكن ما قالته المخرجة الكبيرة “كاملة أبوذكري” كان الأكثر تفاعلا من جانب قراء الصحيفة، ربما لما لها من أعمال ارتبطت بهم وبحياتهم أو ربما لأنها كانت “الأكثر صراحة”.

أبو ذكري قالت للفنانين المنسحبين صراحة وبكل وضوح إنهم مجموعة من المنافقين، وأضافت “أرجو من الإخوة اللي يبزايدوا بوطنيتهم يرحمونا من كلمة سمعة مصر.. هو حد قال لحضراتكم إن مصر دي واحدة ست بايرة بتدور  على عريس؟، مضيفة: كلمة سمعة مصر دي كلمه مستفزة وتقلل من قيمة مصر”.
وتابعت المخرجة: “عيب عليكم بقي كفاية نفاق ومزايدة بإسم إن حضرتك وطني والمسؤول عن حماية مصر”.
واختتمت كاملة: “مبروك يا عمر وإفرح بنجاحك وما يهمكش من شوية منافقين عايزين يتملقوا من خلال شاب صغير في أول حياته، وصدقني الكبار اللي بيخوفونا بيهم عندهم القدرة على معرفة المنافقين والمتملقين لإنهم كبار وفاهمين ما تخافش منهم وإحلم كمان وكمان، إنشاء الله المستقبل قدامك”.

أمال البدري علقت عبر حساب الصحيفة على “فيس بوك”، وقالت “رب ضارة نافعة، المنافقين ح يكونوا سبب في نجاح الفيلم اكتر، وح يحقق إيرادات أعلى، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.. النفاق على أشُده في هذه الفترة”.
فيما قال حساب باسم “بسمة أمل”: برافو عليكي يا كاملة يا محترمة.. بينما علق عصام صالح قائلا “كل التحية والتقدير للأستاذة- كاملة- المخرجة المبدعة”.

إذا كان مهرجان الجونة وأفلامه يُعرضون على “النخبة”، فإن القضايا تمس المواطن، لذلك أثيرت الضجة، لم يشاهد الجمهور فيلم “ريش”، لكن “المزايدة” التي أطلقها بعض الفنانين والمحاولات المستميتة من أجل تكميم أفواه الجميع في مهنة يُفترض بها أن تكون إحدى منابر الحرية أمر صدم المواطنين.
أما سبب الانسحاب الذي هو “الفقر والفقراء” و”الحفاظ على سُمعة مصر”  فهو أمر آخر استفز المواطنين على عمومهم وليس قراء “درب” فقط.. وهو ما دفع إلى حالة استنفار تستهدف الدفاع عن “الحق في الكلام” ضد المنطق الساقط للحفاظ على سُمعة مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *