جميلة إسماعيل: هل كشفت المواقف من حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة عن وجه سلطوي للأنظمة الديموقراطية في الغرب؟ 

رئيسية حزب الدستور: هل أصبحت الديموقراطية كما يقدمها النموذج الغربي محل شك عند الأجيال الجديدة؟ 

ألقت الإعلامية والسياسية جميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور كلمة في افتتاح الجلسة الأولى في اللقاء العربي للحرية بالرباط، بعنوان الانتقال الديموقراطي العربي بين العثرات والتحديات.  

وتساءلت في كلمتها: هل كشفت المواقف من حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة عن وجه سلطوي للأنظمة الديموقراطية في الغرب؟، وهل أصبحت الديموقراطية كما يقدمها النموذج الغربي محل شك عند الأجيال الجديدة؟. 

وإلى نص كلمة جميلة إسماعيل:  

 “أظن أن هذه من أكثر اللحظات المحيرة فى الحديث عن الديموقراطية، والثنائيات التي نقف معها على الحافة بين نقيضين” 

منذ شهرين تقريبا كتبت كلمة كاملة، فى لحظة كان فيها استعداد للترشح لانتخابات الرئاسة وحديث عن التجربة التي لم يتجاوز عمرها أسابيع. وتصورت وقتها أنه لو اتصل الحديث بالديمقراطية فسيكون عن تلك التجربة وعن انتخابات الرئاسة في مصر التي بدأت أمس الأول للمصريين في الخارج وتجري في المقر الانتخابي قريبًا من هنا وداخل سفارة مصر في الرباط لمن يرغب في التصويت أو المراقبة على الانتخابات، وأعدت كتابة الكلمة مرة اخرى، ثم كتابتها فجرًا للمرة الثالثة بعد أحاديث جرت مع بعض الحضور هنا، عندما تأكدت أنه هناك ما حدث بعد السابع من أكتوبر، ولا بد معه من تأمل طويل وإعادة النظر وعلاقتها بأمور كثيرة ومنها موضوعنا اليوم”. 

 وأضافت “فى الكلمة الأولى فكرت ببدء كلمتي باستعارة من ونستون تشرشل: أن الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي تحقيق الانتصار. لكن في الحقيقة أن الشهرين الماضيين جعلانا ننسى شخصية تشرشل المركبة ونستدعى كلمات لممثل عن جيل جديد، ونتأمل عنوان الجلسة بشكل مختلف تمامًا. نجتمع اليوم لنفكر في الديموقراطية، أكثر من سبعين عامًا، أو يزيد ونحن نتكلم عنها باعتبارها كائنًا غريبًا ووليدًا، لا  نشعر بالألفة معه رغم كل السنوات الطويلة. نولد ونكبر ونموت وهذا الكائن لا يكبر ولا يتفاعل في حياتنا وأكبر دليل على غيابها، هو تكرارنا الممل للكلام عنها، عندنا أقدم دساتير العالم وأقدم أحزابها وأقدم مجالسها النيابية، ومع ذلك عشنا ٧٠ عامًا معلقين. نسميها التحول الديموقراطي أحيانًا، والانتقال الديموقراطي أحيانًا، ونبتعد أكثر عن الديموقراطية، نحولها لحالة ووصف بينما النظم الدكتاتورية تحولها إلى “عرس ديموقراطي” أي احتفال عابر يقبلون به مضطرًين من أجل ان ان تكون صورتهم لائقة أمام العالم. أما نحن المقاتلين أو الساعين من أجل الديموقراطية نحولها إلى طقس لطميات نندب فيه حظنا مع الديمقراطية الغائبة”. 

ودعت جميلة لقراءة رسالة  لميلنيال كتبها من سنة، تقول إن ثنائية (الآمال والعثرات) لم تعد كافية لإظهار ما وصلت إليه حالتنا الديموقراطية من مفارقات تشير إلى أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية بأهم ديموقراطياته يتفكك ويتحلل بشكل مأساوي وعبر زمن طويل، بما في ذلك تبشيره  بالديموقراطية ذاتها، وتصديرها كبضاعة جاهزة. 

وجاء في الرسالة من ميلنيال مجهول: “نحن لا نزدري السلطة، ليس كلنا على الأقل، نحن فقط لا نحترم “السلطوية”، ما أعنيه بهذا أن جيلنا أو ما يطلق عليه الآن “الميلنيالز” يقدرون “سلطة” المعرفة، ومهارات القيادة، ويقاومون السلطة النابعة؟ لماذا من الأفضل أن يحدث هكذا؟ لماذا يكون رأى مديري أكثر أهمية من رأيى حتى لو كان مخطئًا؟ 

لن نتوقف أبدًا عن سؤال السلطة و”نغزها”. ربما يفقد بعضنا إيمانهم بها كأداة؛ لكننا دائمًا سنسعى لظروف أفضل، سنسكت أحيانًا مضطرين، فقط لا تأمنوا صمتنا، فالمفاجآة بالتعريف ودائمًا تأتي من حيث لا تحتسبون وغالبًامختلفة عن سابقتها”. 

وطالبت الحضور بتأمل ما حدث ويحدث في غزة من زاوية فضحه لعدم التعامل بالمساواة مع الشعوب، وهو ما يكشف عن الاحتياج لمراجعة فكرة الديموقراطية بشكلها الحالي “حتى في دول  من المفترض أنها مستقرة ديموقراطيًّا. ويكشف هذا أيضًا عن مقدار ابتعاد الأنظمة عن (الرأي الشعبي)، إذ تحولت الديموقراطية من فكرة بسيطة بأن يوجد ممثلون عن الشعب إلى ممثلين عن مصالح وشركات.  

كيف نستطيع اليوم الحديث عن أهمية الديموقراطية والسعي لها في ظل انهيارها شعبيًّا في دول غربية كثيرة في أوروبا مثلاً.  

كما تنهار فكرة الأحزاب السياسية تقريبًا أمام التحكم الواضح لشبكات المصالح الخلفية التي تمثل مصالحها أو تضغط عليها.  

فى الأسابيع الماضية وللمرة الأولى توجد صدمة في ألمانيا على سبيل المثال من الموقف الداعم لمجازر الإبادة يأتي من أحزاب يسارية أو تميل لليسار قليلاً، فقد ترتبط موقف ألمانيا بالحزب الأخضر لا بأحزاب ليبرالية مثلما نتوقع. 

أو أنه في أمريكا يتخذ الديمقراطيون قرارات ويسنون القوانين ضد حرية التعبير في بلادهم، وضد فكرة الحرية والتحرر لشعب من شعوب العالم.  

وهذا أوصلنا ببساطة إلى أن الشباب بل واليافعين والصبية وربما الأطفال في هذه البلاد وفي بلادنا أيضًا، ينتابهم الشك الكبير في فكرة السياسة بالديمقراطية بالأحزاب المبنية على الآيديولوجيا، لأن كل هذه الآيدولوجيات وقعت في فخ المصالح الكبرى، لا فرق هنا بين الديموقراطيين والجمهوريين في أمريكا، ولا في حزب يساري أو يميني اتفقا على معاقبة اللاجئين عندما تعارضت المصالح  غير المعلنة في أوروبا” 

وأضافت: لا أقصد هنا  أن المصالح معيبة، أو أن السياسة مجال أخلاقي، لكن السياسة ممكن تحافظ على المصالح في إطار من قيم وأخلاق تحترم المساواة، ولا ترضى بجرائم الحرب وتنسى مواثيق اتفقت البشرية عليها لكي لا تتكرر مأساة ودمار الحروب الكبرى. 

المفارقة الثانية، ترتبط بالأولى وتخص مركزية السلطة في حركة الأجيال الجديدة، فى الأسابيع الماضية كان واضح أن علاقة الأجيال الجديدة وحركتها بالسلطة غيرنا وغير أجيالنا  

قطاعات الشباب الغاضب التي لا تتغاضى عن حقها في التعبير “الديموقراطي”  

وبخطاب أممي وعمل جماعي غير مستند إلى وعي سياسي، 

فالأجيال الأصغر ذات العددها الكبير جدًا لديها مجالات أوسع عبر وسائل السوشيال ميديا؛ وعبر تقنيات وآليات تهرب من المراقبة والتربص على هذه الوسائل. فتولدت موجات غضب عالمية ترفع شعار “الحرية لفلسطين” متجاوزة السلطة ومتجاوزة لتاريخ حروب الفصائل. والسباقات المحمومة على عرش السلطوية، واحتكار الفعل والحركة والقرار، بين الحكومات التي تتوارث السلطة وبين الجماعات ذات النزوع، وكل طرف يقيم الحواجز بأنواعها ليحمي احتكاراته من الوطنية إلى الدين. 

الأجيال الجديدة حاولت تفادي  السلطوية التي تحتقرها. وتعاملت معها كتراث قمعي يمكن تحييده وكسر هيمنته، وسحب احتكار الفعل منه، وتركت للسلطة ومنافسيها رد الفعل. 

لهذا حقق موضوع مثل “مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي”، نجاحات رهيبة مقارنة بتأثير كيانات قديمة في الدعوة للمقاطعة (BDS)، وهذا ما حدث ويحدث في المدارس والجامعات رغم أن آليات الأجيال الجديدة سياسيًّا ليست ثقيلة، ولا تملك قدرة منظمة للاستمرارية لكنها استطاعت التحول لعامل ضغط مؤثر وقادر على تغيير في أرض الواقع، وأثرها ليس علي الطريقة التى نعرفها و مايطلق عليه أثر الفراشة 

ولكن مثل (الدبدبة في الأرض) التي تترك تأثيرًا مفزعًا في السلطة المعتادة على قمع الأجسام وليس على الحركة غير الملموسة. 

المفارقة الثالثة تتعلق بالأحزاب في منطقتنا التي تقوم على فكرة الاحتجاج وليس السياسة. حتى أنا شخصيًّا كرئيسة حزب مصري مررت بهذه المشكلة، وهي كيف أنتقل من وضع المحتج وأحث من حولي على الانتقال من وضع الاحتجاح إلى وضع السياسة. نحن فى مصر عندنا دستور منذ ١٠٠عام وأحزاب من نفس العمر ومجالس نيابية. لكن الأحزاب ما زالت تقوم على الاحتجاج لا السياسة وهي أفعال على نبلها، تعطل الديموقراطية، والاحتجاج مرحلة لا بد أن يتبعها بناء سياسي وتكوين شبكات اجتماعية تدخل للمجال العام، وتضغط للوصول إلى السلطة دفاعًا عن مصالحها. إن التوقف عند مرحلة الاحتجاج هي انتظار مزاج السلطة في منح أذون الاحتجاج، أو انتظار عقابها على الاحتجاج دون إذن. والكتل الاجتماعية بعيدة، في موقف المشاهدة على اعتبار أنها فى معركة لا تخصهم، يعني ديموقراطيًّا انتفاء شرط المساواة وتحول الديموقراطية إلى حرب ديكة في التوك شو، برعاية أموال تقوم على البروباجندا، أو فى الندوات أو في السوشيال ميديا، لكن تتحول إلى مساومة على تحقيق الأمن مقابل التنازل عن الحريات والحقوق. في معادلة تحولنا إلى دول وشعوب تتعفن في معاناتها. والنزوع الديموقراطي يتحول إلى حلم مثير للريبة. 

وبعد أن نتأمل المفارقات الثلاثة تنفتح طاقة لعشرات الأسئلة القديمة وألوف الأسئلة الجديدة  

القديمة مثل لماذا نطالب بالديموقراطية ونحن في معاناة أبدية؟  

متى نكون جديرين بها؟  

هل هي مناسبة لدول الاستبداد الشرقي؟ هل تصلح لنا؟ 

والجديد من تساؤلات مشروعة مثل ماذا فعلت الدول الديموقراطية أصلاً في هذه الأزمة؟  وكيف يكذب إعلامها؟ كيف يردد المسؤولون والأبواق الإعلامية التابعة للحكام الأكاذيب كما لو كانت حقائق مطلقة”. 

 وختامًا طرحت إسماعيل الأسئلة الثلاثة التالية التي ربما تضعنا على طريق ما للوصول إلى تعريف لما نعيشه وعلاقته بموضوع المناقشة: 

هل تختلف مناقشة الديموقراطية في العالم العربي بعد 7 أكتوبر؟  

هل أصبحت الديموقراطية كما يقدمها النموذج الغربي محل شك عند الأجيال الجديدة؟ وهل كشفت المواقف من حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة عن وجه سلطوي للأنظمة الديموقراطية في الغرب؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *