بعد “ليبرتي”.. “الوطن” صحيفة جزائرية جديدة مهددة بالتوقف بسبب صعوبات مالية واستهداف سياسي.. ومراسلون بلا حدود: انتكاسة والسلطات تمتلك مفاتيح الحل

المنظمة تطالب بجدولة ديون الصحيفة ووقف التلاعب السياسي بآليات تخصيص الإعلانات: الموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ مارس.. وقرارهم العودة للعمل بعد الإضراب ينتهي خلال أيام 

 كتب- محمود هاشم: 

طالبت “منظمة مراسلون بلا حدود” بسرعة إنقاذ صحيفة الوطن الجزائرية التي تواجه صعوبات مالية واستهداف سياسي يثيران مخاوف بشأن إمكانيتها على البقاء في وقت تختفي فيه تدريجياً الصحف المستقلة نسبياً من المشهد الإعلامي الوطني، وآخرها صحيفة “ليبرتي” الرائدة في البلاد. 

فبعد أن أوقف صحفيوها إضراباً أطلقوه في يوليو الماضي نتيجة عدم استلام مرتّباتهم، عادت الصحيفة الرائدة في الجزائر والناطقة باللغة الفرنسية والتي لم تغب عن عين الحكومة طيلة 32 سنة من صدورها، إلى الأكشاك مجددا، ورغم الانطلاقة الجديدة، إلا أن المشاكل التي تعاني منها صحيفة “الوطن” المثقلة بالديون لا تزال قائمة وهو ما يهدد توقفها مجددا. 

وفي تعليقه على هذا التطور، قال خالد درارني، ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال إفريقيا، إن اختفاء صحيفة الوطن سيكون بمثابة انتكاسة للصحافة الجزائرية لا يمكن تجنبها، يوجد حل لهذا الأمر في حال أظهرت كافة الأطراف المعنية في الأزمة حسن نية. 

وأوضح أن “قتْلُ الصحافة المهنية لن يعود على الجزائر بأية فائدة، لذا يجب التعامل مع صحيفة الوطن كأي شركة تواجه مصاعب ويتوجب إفساح المجال أمامها لإعادة جدول ديونها”. 

وعادت صحيفة الوطن إلى أكشاك البيع بدءاً من 17 أغسطس عقب قرار موظفيها العودة للعمل لشهر واحد من أجل منح الوقت لإدارة الصحيفة للتوصل إلى مخرج للأزمة، إلا أنه لم يتم حلّ أي من المشاكل التي كانت سبباً في هذه الأزمة، ولا يزال مصير الصحيفة موضع شكّ. 

ولم يحصل الموظفون، ولا سيما الصحفيون، على مرتّباتهم منذ شهر مارس، بحسب ما أكده صحفيان يعملان في “الوطن” اليومية منذ 15 عاماً، ويعود السبب في ذلك إلى تجميد حسابات الصحيفة لدى أحد مصارفها – وهو “القرض الشعبي الجزائري” – نتيجة عدم دفع مستحقات الديون.  

ومع وصول المفاوضات مع الإدارة إلى طريق مسدود، قرر الصحفيون في 12 يوليو الإضراب عن العمل، وأشار بيان صحفي صادر عن نقابة موظفي صحيفة “الوطن” إلى أنهم سيبدؤون الإضراب عن العمل، للضغط على الإدارة بشأن “الأوضاع غير المقبولة التي يواجهونها – وهو قرار ضروري للغاية بالنظر إلى أنه لم يتم تقديم أية خطة لتسوية الأزمة، وفقا لـ”مراسلون بلا حدود”. 

وكان البيان الصحفي حمّل أصحاب أسهم الصحيفة مسؤولية تجميد حسابات الصحيفة وعدم دفع المرتّبات، كما ألقى المضربون باللوم على سوء الإدارة ورفض المساهمين ضخ الأموال المطلوبة في الشركة، ما يسمح بدفع مرتّبات موظفي الصحيفة التي حققت أرباحاً على مدى سنوات عديدة، بينما تنظر إدارة الصحيفة إلى الأمور بطريقة مختلفة، وتجادل بخصوص فائدة الإضراب.  

وكان مجلس إدارة الشركة المساهمة المالكة للصحيفة أشار في بيان صحفي إلى أن “الإدارة تعمل على مدى عدة أشهر على التوصل إلى حلول مع سلطات الضرائب والمصرف الرئيسي للشركة ومصرف القرض الشعبي الجزائري التي جمّدت كافة حساباتها المالية”، كما أشار المجلس إلى أن “العديد من المناشدات الموجهة للسلطات العامة ذهبت سدى”. 

وأشارت المنظمة إلى أن “الإدارة تؤمن بأنها غير مسؤولة عن مشكلة السيولة المالية، التي تلقي باللوم فيها على عوامل خارجة عن إرادتها، كما تقول إن السلطات المصرفية هي التي تجمد حسابات الصحيفة، ومن جانب آخر، لم تتمكن الصحيفة من الانتقال إلى مقرها الجديد الذي تم بناؤه خصيصاً لها نتيجة عقبات وضعتها السلطات المحلية، وما زاد من تعقيد الأمر هو أن الصحيفة لا تزال عرضة لمقاطعة الوكالة الوطنية للنشر والإعلان، وهي الهيئة العامة التي توزع الإعلانات على الصحافة الوطنية”. 

وتابعت: “دون الاعتراض على حجج الصحفيين، الذين يشيرون إلى مشاكل الإدارة الداخلية لصحيفة “الوطن” على مدى سنوات، لا يمكن كذلك تجاهل دور السلطات، إذ يميل خط الصحيفة لنهج المعارضة التقدمية، كما تُعتبر ناقدة جريئة للحكومة، ولطالما أزعجت مقالاتها المسؤولين، وعلى مدى سنوات، تحدث وزراء الحكومة عن التخلص من الصحيفة”. 

ولسوء الحظ، يبدو هذا احتمالاً قابلاً للتنفيذ بالنظر إلى المشاكل المالية التي تعاني منها الصحيفة، فبحسب موقع “توالى” الإخباري، فإن الصحيفة مدينة بإجمالي 45 مليون دينار جزائري إلى مصرف القرض الشعبي الجزائري و55 مليون دينار ضرائب. 

وكان وزير الإتصال الجزائري محمد بوسليماني شن في فبراير الماضي هجوماً على صحيفة “الوطن” وصحيفة Liberté الناطقة بالفرنسية – دون أن تسميتهما – نتيجة قولهما إن الحكومة تراجعت عن قرار الرئيس برفع الضرائب عن المنتجات الرقمية، وكان هجومه المباشر بمثابة مؤشر واضح على رفض الحكومة في الاستمرار بقبول نقد سياساتها. 

وأغلقت صحيفة “ليبرتي” أبوابها بعد أقل من شهرين بناء على قرار مالكها الملياردير يسعد ربراب، وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد علّقت على ذلك القرار حينها: “تُعتبر هذه الصحيفة، التي بدأت الصدور قبل 30 عاماً، بمثابة مصدر رائد للأخبار المستقلة، وتعرّضت لضغوط سياسية مستمرة من أعلى مستويات الحكومة الجزائرية على مدى السنوات الأخيرة”.  

كما أدانت المنظمة “التضحية المفاجئة بهذه الصحيفة دون أي مسوّغ” وعبّرت عن خوفها على “وسائل إعلام أخرى في الجزائر”. 

ويبدو أن تلك المخاوف كان لها ما يبررها بالنظر إلى أنه بعد أربعة أشهر، ها نحن نرى منبراً آخراً من الصحافة الجزائرية قد يواجه نفس المصير، وما عودة صحيفة “الوطن” إلى أكشاك البيع إلا بريق أمل ضعيف قد لا يدوم طويلاً بالنظر إلى أن النقابة أعلنت أنه سيتم استئناف الإضراب خلال شهر في حال عدم دفع المرتّبات. 

في هذه الأثناء، أشار أحد المساهمين الرئيسين في الصحيفة إلى مراسلون بلا حدود إلى أنه رفض هذه المهلة، وأكد أن المفاوضات مع المضربين عن العمل تم تعليقها إلى أن تكون عودتهم للعمل دائمة، وطلبت النقابة من أحد القضاة إصدار أمر طارئ بإلغاء تجميد حسابات الصحيفة من أجل دفع المرتّبات.  

واستكملت المنظمة: “يُعقد الأمل على أن القاضي سيتصرف بالشكل الأنسب، لكن من المحتمل أن تُشهر الصحيفة إفلاسها، بينما تملك السلطات الجزائرية معظم مفاتيح حل الأزمة، إذ عليها أولاً إيقاف التلاعب بآليات تخصيص الإعلانات بناء على أهداف سياسية، ومن ثم عليها معاملة صحيفة الوطن كأية شركة متعثرة، وتسمح لها بالتفاوض على إعادة جدولة ديونها، وإلا ستكون الحكومة مسؤولة عن المساهمة في اختفاء صحيفة أخرى، وجعل صحفييها عاطلين عن العمل”. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *