الواقعة الرابعة خلال أسبوع.. الاتهامات تلاحق الشرطة الألمانية بعد تسببها في مقتل مراهق إفريقي في مؤسسة رعاية برشاش آلي

دويتشه فيله  

لاحقت الاتهامات الشرطة الألمانية، بعد مقتل المراهق السنغالي “محمد د”، الذي يبلغ من العمر 16 عامًا، بالرصاص من رشاش آلي خلال عملية للشرطة. 

ووقع الحادث في مدينة دورتموند بولاية شمال الراين- ويستفاليا، فبعد ظهر يوم الاثنين 8 أغسطس، اتصل مشرف بإحدى مؤسسات رعاية الشباب بالشرطة طلبًا للمساعدة، قائلا إنه يخشى أن يقتل “محمد د” نفسه بسكين، علما بأن محمد قدم إلى ألمانيا بمفرده وغير مستقر نفسيا.  

ووصل أحد عشر شرطيا إلى المكان واستخدموا مسدسات الصعق ورذاذ الفلفل، لكن دون جدوى، حيث تصاعد الموقف تماما عندما هدد محمد د. موظفي الشرطة بالسكين، فوقع إطلاق الرصاص. 

أصابت 5 رصاصات من رشاش آلي الصبي، وبعد ذلك بقليل مات في المستشفى، ويجري التحقيق مع الشرطي البالغ من العمر 29 عامًا، الذي أطلق الرصاص للاشتباه في ارتكابه إصابة بدنية أدت إلى الوفاة، وهذا إجراء شائع في الحالات التي يطلق فيها رجل شرطة طلقات مميتة. 

وهذه الواقعة هي جزء من سلسلة من عمليات للشرطة، انتهت جميعها بالموت في غضون أسبوع تقريبًا: ففي فرانكفورت أم ماين وكولونيا، قتلت الشرطة رجلين بالرصاص، قيل إن كل منهما كان مسلحًا بسكين.  

وفي بلدة أور- إكينشفيك بمنطقة الرور، توفي رجل يبلغ من العمر 39 عامًا بعد استخدام رذاذ الفلفل ضده. والآن محمد د. في دورتموند.  

وبالنسبة لكثير من الناس، كانت مأساة محمد د. هي من جعلت الإناء يفيض. وقد شعرت الشرطة بهذا الأمر، فقد تظاهر مئات الأشخاص، معظمهم من اليسار السياسي، احتجاجا على عنف الشرطة وهتفوا “قتلة، قاتلة” أثناء مرورهم بقوات الأمن. 

المكان الذي مات فيه محمد د. يقع في شمال دورتموند، وهي منطقة تعتبر بؤرة اجتماعية ساخنة. وتتصدر المنطقة عناوين الأخبار مرارًا وتكرارًا بسبب تدخلات الشرطة. وتعتبر العلاقة بين الشرطة والمواطنين، وكثير منهم من خلفيات مهاجرة، متوترة للغاية. 

“الشرطة في شمال دورتموند ليست معروفة بالتصرف دون وضع اعتبار للون البشرة”، يقول رجل القانون والمتخصص في علوم الشرطة توماس فيلتس، من جامعة الرور في بوخوم لـ DW ويضيف: الفحوص ذات الدوافع العنصرية هناك تنتمي للحياة اليومية. 

هل كانت عملية الشرطة ستختلف لو لم يكن الأمر يتعلق بلاجئ أفريقي وإنما بشخص ألماني أبيض؟ يجيب فيلتس بأنه لا يمكن الإجابة على هذا السؤال لأنه كان بإمكان أي ألماني أن يتفاهم (لغويا) مع موظفي الشرطة. لكن الشباب السنغالي لم يتحدث بالألمانية (مع الشرطة). وهذا هو السبب في أن فيلتس لا يرى بالضرورة أن تصرف الشرطة كان له خلفية عنصرية، “لكنه طبعا يتناسب مع إطار يتم مرارًا وتكرارًا اتهام الشرطة به في الجزء الشمالي من مدينة دورتموند”. 

ومن الواضح أن لدى الشرطة الكثير لتفعله في مكافحة العنصرية ومعاداة السامية، وليس فقط في دورتموند. فوفقًا لبحث جديد أجراه مشروع “الخدمات الإعلامية للاندماج” (Mediendienst Integration) التابع لـ “مجلس الهجرة” (Rat für Integration)، قليلاً ما يتم تناول (تلك) الموضوعات في تدريب عناصر الشرطة. وحتى الآن، لم تكن هناك دراسات مستقلة عن موضوع العنصرية سوى في برلين وساكسونيا السفلى وراينلاندبفالتس. 

هربرت ريول، وزير الداخلية في ولاية شمال الراين- ويستفاليا، لا يرى حتى الآن أي خطأ في تصرف موظفيه في القضية الحالية. وأوضح رويل أن استخدام الرشاش الآلي أمر شائع جدًا إذا تصاعد وضع التهديد. وحسب قوله فإن الصبي استمر في الركض نحو عناصر الشرطة، الذين كانوا يتحصنون (منه). “أصبح الأمر يشكل تهديدا. ثم أطلق أحد عناصر الشرطة النار عن بعد لتفادي إلحاق الضرر بعناصر الشرطة” الأخرى، يتابع رويل. 

وحذر ميشائيل ماتس، نائب رئيس نقابة الشرطة في ولاية شمال الراين- ويستفاليا، من الاستخفاف بالهجمات بالسكاكين. ويقول إذا أصابت طعنة شريانًا، فإنك تنزف فورا حتى الموت تقريبًا. ويرغب ماتس في أن تتفهم DW موقف عناصر الشرطة، الذين “عليهم أن يقرروا في غضون ثوانٍ كيفية وقف مثل هذا الهجوم”. ويوضح: “فقط عندما تكون وسائل التدخل الأخرى غير واردة أو تم استخدامها دون جدوى، فيظل السلاح الناري هو الملاذ الأخير”. 

تلك الحجة ترفضها على ما يبدو نيكول غولكه، نائبة المتحدث باسم كتلة اليساري في البوندستاغ. فقد غردت غولكه قائلة إنه “هناك لغز في عدم تمكن عناصر الشرطة الأحد عشر الحاضرين من اعتقال شاب يبلغ من العمر 16 عامًا بدون أن يتعرض للموت”. 

أما فيرينا شيفر، زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في برلمان ولاية شمال الراين- ويستفاليا، فقالت لوكالة الأنباء الإنجيلية (epd) إنها صُدمت بوفاة الصبي الذي فر إلى ألمانيا “ليحظى بمستقبل آمن هنا”. 

كما ينتقد خبراء العلوم الشرطية التصرفات العنيفة لقوات الأمن. ووصف المتخصص في علم الإجرام، رافائيل بير، من أكاديمية الشرطة في هامبورغ استخدام الرشاش الآلي بأنه “غير عادي”. وصحيح أن هذه الأسلحة هي جزء من معدات سيارات الشرطة الألمانية، إلا أنها مخصصة فقط لـ “حالات استثنائية للغاية”. 

ويذهب فيلتس إلى أبعد من ذلك مع الشرطة ويدين استخدام الرشاش الآلي ويعتبره غير متناسب ويقول: “كان لدى الصبي سكين، لكن لا يمكن للمرء إيذاء كثير من الأشخاص به في وقت قصير. خاصة وأن مسرح الجريمة كان في منطقة أقل كثافة سكانية، لدرجة أنه كان هناك في الواقع فقط عناصر الشرطة الأحد عشر والصبي وكان ينبغي على الشرطة الانتظار وتهدئة الوضع”. 

لكن الباحث أقل قلقًا بشأن التراكم الحالي لعمليات الشرطة المميتة ويقول إن هناك حوالي 20 حالة وفاة بسبب عناصر الشرطة كل عام. “وإذا حدثت أربع حالات في غضون فترة زمنية قصيرة، فهذا يعد حسابًيا ضمن النطاق الطبيعي”. 

ويرى فيلتس أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الشرطة كثيرًا ما تلجأ إلى العنف عند التعامل مع التهديدات المتعلقة بالمرض النفسي وفي النهاية “لا تعرف ماذا تفعل غير إطلاق النار”. ومن المعروف الآن أن الأشخاص أصحاب المرض النفسي لا يتفاعلون مع الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل وحتى مسدسات الصعق بالطريقة المتوقعة من الأشخاص الأصحاء. ويقول فيلتس: “بالنسبة للمصابين بأمراض نفسية، هذه إشارة إلى أنهم يتعرضون لهجمات جماعية وأنهم يعتقدون أن عليهم الدفاع عن أنفسهم ضده”. 

هناك جهات، ومن بينها جمعية المحامين الألمانية (DAV)، تطالب بإجراء تحقيق شامل وتوضيح الملابسات المحيطة بالقتيل البالغ من العمر 16 عامًا. والتحقيقات لا تزال في البداية ولكن هناك بالفعل استياء. لأنه في ولاية شمال الراين- ويستفاليا، تحقق سلطتان من الشرطة في قضايا تورط فيها كل من السلطة الأخرى. ففي حالة اللاجئ السنغالي في دورتموند، فإن شرطة ريكلينغهاوزن هي المسؤولة عن التحقيق، بينما تحقق شرطة دورتموند بدورها بسبب القتيل في أور-إركينشفيك، التي تقع ضمن اختصاص ريكلينغهاوزن. 

 والسبب في ذلك هو أنه إذا كان أصبحت عناصر من الشرطة مشتبها بهم كمجرمين محتملين، يتم تكليف إدارة تحقيق جنائي أخرى بالتحقيق لأسباب تتعلق بالحياد. وهناك شراكات ثابتة لهذا الغرض. لذا فإن ريكلينغهاوزن مسؤولة دائمًا عن دورتموند والعكس صحيح. وهو أمر مستغرب بالنسبة للوضع الحالي. إذ يمكن للتحقيقات المتبادلة الموازية بين دورتموند وريكلينغهاوزن أن تعطي الانطباع بأن إحدى اليدين تغسل اليد الأخرى، كما يلمح الباحث في مجال الهجرة علاء الدين المفعلاني، الذي كتب على موقع تويتر: “هذا لا يدعم الثقة. فإذا كان هذا هو الإجراء المفترض فإن المسألة هنا تحتاج إلى إجراء غير عادي”. 

ويشكو رجل القانون فيلتس، قائلاً: “بالطبع، التعامل بهذا الشكل أمر غير لبق من الناحية السياسية”. ويقترح فيلتس بأنه بسبب طبيعة “إحجام” الزملاء عن “أذية” زملائهم؛  يجب إجراء تحقيقات الشرطة الداخلية في مكتب الشرطة الجنائية بالولاية أو في إدارة خاصة بوزارة الداخلية. 

ويقترح رافائيل بير، من أكاديمية الشرطة في هامبورغ، تكليف مفوض شرطة يكون مستقلا ومن خارجها. ويقول لكن مثل هذه الوظيفة التي ليست جزءًا من التسلسل الهرمي للشرطة ويجب أن تتمتع بصلاحيات التحقيق لا توجد حتى الآن في ألمانيا. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *